ما عدا تجربة مقبرتي ''الغفران'' و''الرحمة'' بالدار البيضاء، اللتين يشرف على تسييرهما بميزانية سنوية مخصصة من مجلس المدينة، مكتب منتخب، تحضر في مجال اهتماماته فكرة تحسين أوضاع المقبرتين وإعادة هيكلة فضاءاتهما مع انتداب حراس دائمين، وأسوار عالية تحميهما من العبث وسلوك الانحراف..فإن المشهد العام لباقي مقابر المسلمين، يبدو غير لائق بحرمتها. فغالبية مقابر المدينة تعيش حالات من الإهمال الشديد.. إذ في غياب شبه تام للأمن، تظل المقابر مستباحة ومفتقرة إلى الحراسة، علما أن عددا كبيرا منها بدون أبواب، ولا أسوار..!! قبور في موقع استراتيجي، وأخرى تزاحمت في مساحات مهملة في الجزء الأكبر من المقبرة..، تبدو متواضعة البناء موحشة وغير متجانسة ومهملة بالكامل.. هنا على مرمى البصر بجوار أحد القبور المتهدمة، بمقبرة سيدي عثمان، وقفنا على بصمات بقايا ليلة ماجنة...، قنينات خمر وعلبها القصديرية الملفوفة في وعاء بلاستيكي تندلق هنا وهناك..، أزمة تستمر في غياب حراس دائمين وأسوار تحمي المقبرة من العبث وسلوك الانحراف الذي ينتشر بين مقابر المسلمين المفتوحة أمام كل أشكال الشعوذة والدجل.. قبور أحيانا منبوشة ومطموسة، رثة تغزوها الحشائش اليابسة...، وأخرى محفوفة بتراكمات الأتربة وشواهدها محطمة، فيما تتجمع مياه الأمطار في ممرات العديد من المقابر. كان المكان في جزء كبير من مقبرة سيدي مومن أيضا، قذرا و موحشا، على الجانب الآخر أجساد تتمدد في الخلاء، وأخرى تتهيأ للتسول.. وعلى الضفاف بقايا فضلات آدمية، والشوك قد نسج وتفرع في مناطق عدة من الفضاء الذي تتجاور فيه أموات المسلمين لعصور خلت. ولأن المكان مفتوح، فيمكن ولوجه من كل الجهات...، ولذلك فالكلاب الضالة بدورها لا تشد عن العادة.. وتنامي حالات الانتهاك هذه، في ظاهرة غير صحية ، تتمثل في استغلال بعض مربي الماشية لمجموعة من مقابر المدينة، وتحويلها إلى (مراعي خصبة)...، بينما أندس أحياء إلى فضاءات المقابر المهجورة واستوطنوها، وزاحموا الموتى، يطلبون الحياة في رحاب الموت بجانب القبور، لكن من دون مراعاة لحرمة هذا الجوار الاستثنائي. أنشأوا مساكنهم العشوائية فوق أطلالها، وتوسعوا بالأشغال المنزلية على بقاياها من غسيل و''تصبين'' أو رمي للنفايات.. فيما ظل الفضاء بكل ما فيه هو مكان لهو الصغار ولعبهم... إخلال بمراعاة حرمة المقابر تحسين واقع المقابر وإظهارها بالشكل الأمثل، حرك مؤخرا بعض جمعيات المجتمع المدني. كما الحالة الكارثية المزرية التي آلت إليها مقابر المسلمين، كانت قد دفعت الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر، لمطالبة الجهات الوصية بالتدخل العاجل لإنقاذ الوضع ورد الاعتبار لمقابر المسلمين، وفي مقدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ترجع إليها الوصاية الروحية عن مقابر المسلمين؛ ثم المجالس المنتخبة حضريا وقرويا، الوصية على صيانة وتسوير مقابر المسلمين، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الصادرة في هذا المجال. وفي إشارة إلى معطيات هذا الوضع، أوضح رئيس الجمعية إلى أن 80 في المائة من المقابر المغربية تعيش حالة كارثية من حيث النفايات وعدم التسوير، و10 في المائة في حالة متوسطة، و10 في المائة في حالة مستحسنة.. بل واقترحت الجمعية المذكورة جعل أول يوم جمعة من كل رمضان يوما وطنيا للحفاظ على حرمة المقابر والقيام بحملات إعلامية للتحسيس بضرورة الحفاظ على كرامة الأموات وحرمة المقابر. وتجمل الإجراءات التي يراها المختصون كفيلة برفع الإهمال عن المقابر، في تسييج المقابر العشوائية من جميع جوانبها، وخلق ممرات بداخلها (دخولا وخروجا)، حتى لايضطر الزوار إلى المشي فوق القبور. وتعيين حراسة لهذه المرافق وحمايتها من المتطاولين.تخصيص فريق من العمال ، لتنظيف المقابر يوميا، وتطهيرها من المخلفات التي يتركها الزوار وراءهم، خاصة خلال يوم الجمعة من كل أسبوع، مع وضع حاويات للنفايات متنقلة في فضاءات المقابر، لتفادي رمي الأزبال على نحو عشوائي، ودون تقييد بالحفاظ على التوازن البيئي. فيما ينتظر تفعيل توصيات صدرت في هذا الشأن من قبل وزارة الداخلية بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وضمان تسيير مالي مستقل للمقابر التي تسيرها مكاتب منتخبة، لكنها تظل رهينة جدول أعمال المجالس المنتخبة، التي لا يحضر تدبير المقابر وصيانتها في حسابات التسيير، بشكل دائم وقار، بحسب الحاج عزيز رئيس جمعية التشارك بمقبرة ''الغفران'' بالدار البيضاء، رغم أن المجالس المنتخبة، تظل هي الوصية على صيانة وتسوير المقابر، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الصادرة في هذا المجال. فالمشاكل المطروحة بالنسبة لمقابر المسلمين، منها ما هو تشريعي وعقاري وهيكلي وثقافي. هذا ما كان أكده وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في جوابه على سؤال لبرلماني سابق في الموضوع. ولأجل معالجة وضعية المقابر من جوانبها الشرعية والقانونية والتدبيرية والعقارية والتعميرية. كانت وزارة الداخلية قد نظمت يوما دراسيا يوم 23 يونيو 2010؛ بهدف إعداد توصيات تكون أرضية لوضع خطة عمل لتأهيل المقابر وتحسين تدبيرها. بل إن الوزارة، أعدت نموذجا لقرار تنظيمي للمقبرة تم تبليغه إلى رؤساء المجالس الجماعية قصد الاستئناس بمقتضياته، ينص على مجموعة من القرارات، التي تهدف إلى توحيد تدبير مقابر المسلمين والمحافظة عليها، وبينها تسييج المقبرة لمنع كل اعتداء عليها وانتهاك حرمتها وتعيين أعوان يعهد إليهم بصيانتها، وتعيين حارس لها يسهر على حراستها بشكل منتظم. وللمحافظة على الأمن داخل هذه المقابر واندماجها في المجال المحيط بها، ذكرت التوصيات بأن السلطة المحلية تقوم بمساعدة عناصر الشرطة والقوات المساعدة بالقيام بدوريات داخل المقابر حتى لا تشكل فضاء يخل بالأمن العام، ولحمايتها والحرص على عدم المساس بحرمتها. ومن خلال مجموعة من الدوريات، كان تحسيس المجالس الجماعية وحثها على ضرورة مزاولة ''شرطة المقابر'' في شقها التنظيمي، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية تبين كيفية تدبير المقبرة والمحافظة عليها وصيانتها.