معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    عدم صرف الدعم الاجتماعي للأسر يثير تساؤلات مع حلول عيد الفطر    المعارضة بجماعة الجديدة تطالب بإدراج نقاط تتعلق بوضعية النظافة والصحة والثقافة في دورة ماي 2025    إحباط محاولة تهريب أكثر من 2000 قطعة من المواد المتفجرة إلى المغرب عبر ميناء طريفة    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    الوداد يتأهل إلى ثمن كأس العرش    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بطنجة تُعلن عن أماكن إقامة صلاة عيد الفطر لعام 1446    وفاة شاب في أصيلة في ظروف مؤلمة.. والمعطيات الأولية تشير إلى اضطرابات نفسية    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    التحريض على الهجرة السرية ونشر أخبار زائفة يقودان شابًا إلى الاعتقال بتطوان    الأمن يوقف شابا بتطوان    حلويات "الفرّانْ" تتراجع بشفشاون    الطالبي العلمي: معطيات الوزير بركة عن استيراد الأغنام "غير صحيحة"    الأمم المتحدة: مقتل 830 فلسطينيا في غزة خلال 8 أيام بينهم 496 امرأة وطفلا    لتمويل مشاريع المونديال.. المغرب يعود لسوق السندات الأوروبية لاقتراض أزيد من ملياري أورو    تحويلات مغاربة الخارج تتجاوز 17.8 مليار درهم وتراجع طفيف في الاستثمارات بالخارج مقابل ارتفاع قوي في تدفقات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    مدينة طنجة ضمن أفضل 10 وجهات سياحية عالمية لعام 2025 وفق مجلة ألمانية مرموقة    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    المشاورات غير الرسمية لمجلس السلم والأمن الإفريقي: البلدان التي تمر بانتقال سياسي تشيد بريادة المغرب وحنكته الدبلوماسية    استطلاع رأي يكشف مخاوف الفرنسيين: الجزائر تشكل تهديدًا جديًا لأمن فرنسا    رفع الإيقاف عن مهدي بنعطية    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    144 قتيلا جراء الزلزال في ميانمار    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع التواصل    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    تاونات.. موسم فلاحي واعد بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    عون يبرئ حزب الله من إطلاق النار    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    بورقية وبوعياش وبلكوش .. الديوان الملكي يعلن عن تعيينات جديدة    تفاصيل تزويد المغرب ب 18 قطارًا    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    الأردن وزواج بغير مأذون    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وضع موتانا مخجل جدا/ وقبورنا تنبش/ وشواهدها تحطم/ في غياب حراس دائمين وأسوار تحميها من العبث وسلوك الانحراف/ هل سمعتم يوما بتنظيم وقفة احتجاجية ضد تردي مقابر المسلمين؟
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 26 - 05 - 2014

عزيز باكوش الحوار المتمدن-العدد: 1560 – 2006 / 5 / 24 – 10:25 المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وضع موتانا مخجل جدا/ وقبورنا تنبش/ وشواهدها تحطم/ في غياب حراس دائمين وأسوار تحميها من العبث وسلوك الانحراف/ هل سمعتم يوما بتنظيم وقفة احتجاجية ضد تردي مقابر المسلمين؟
أنين الموتى/ تبدو الكتابة عن القبور وانين الموتى بمقابر فاس , ورسم خريطة لعالمهم الهامد, وسط حشد الحياة الزاخم والمتواتر من حولهم , مقاربة شاقة وعصية عند الإمساك , فالذات الكاتبة وهي تحاول ذلك, تجد نفسها تنطلق من نفس الألم. الم الحياة , إذ كلما أمعنت الغوص في الجدل القائم بين معيش الحياة, ومعيش الموت , كلما كان الألم اكبر عنادا, وأقوى بروزا .إنها تجربة فردية ملتهبة في ذاكرة جماعة تنحو الكلام , والمشاركة في لهيبها يظل نسبيا ومعزولا مهما تجرأ . المقبرة مكان مفتوح على جميع الاحتمالات لم يكن هناك شيء عادي في مقبرة المرينيين زوال هذه الجمعة القائظ,كل ما هناك ,خارج عن المألوف , انتهاك صارخ لحرمة موتى المسلمين .رغم اختلاف مراتبهم في الحياة الدنيا, اذ الطبقية في صورتها البورجوازية الراقية تتجسد هنا في القبور أيضا, قبور بالبالكون في موقع استراتيجي يطل على فاس العامرة , فيما الأخرى تزاحمت في مساحات مهملة , في المدخل الموالي لجهة ظهر الخميس ,بالقرب من الفندق السياحي الكبير , تطالع الزائر رائحة تزكم الأنوف , كعربون استهتار أبدي بالحياة وبالموت . رائحة حمولات نتنة تزكم الأنوف , ولان المكان مفتوح على كل الاحتمالات , و يمكن ولوجه من كل الجهات, فقد شرعت فلول المترحمين من الفقهاء المأجورين من أصحاب الجلابيب البيضاء الرقيقة المنسدلة دون ذوق, والموسميين من رجال الرش وتجريف القبور في الانصراف , بعد صباح طويل من الاسترزاق عبر تلاوة آيات من الذكر الحكيم حسب الأريحية والسوق. ومنطق " عين على هذي وعين على لي جاي ". كانت أصوات حفظة القران الناشزة , تتجاور حينا ,وتتفاوت حينا آخر ,ينقلها الأثير صدى, يعبث بالخيال و يشق الروح . وما أن اقتربت من نساء مترحمات حتى تباطأ سيرهن , وبين الحين والآخر, تتوقف أثخنهن بكسل أمام شاهد قبر. متمتمة ,وكأنما تنعيه , ثم تغادرن المكان الواحدة تلو الأخرى في ارتخاء وعبثية , الكلاب الضالة لا تشد عن العادة , فحيث ما راح أصحاب البيت المترحمون , أو الدجالون , تلقي روثها, ثم تشد رحالها وهي تلهث بحثا عن فضلات وبقايا جيف ,وكما يتحسس المرء أطرافه, يمكن أن يعاين بقايا ليلة ماجنة عربيدة , يعلم الله ضحاياها في أقبية الكوميساريات أو أجنة المستشفيات, قنينات البيرة المكسرة , أو الملفوفة في وعاء بلاستيكي تندلق بسخاء هنا وهناك, تكشف بالملموس أن الفقر لا يشكل عائقا يطال هذه السلعة الرائجة, كما يثبت أن الهزيع الأخير من ليلة البارحة لم يكن هادئا كما تقول افتتاحيات الصحف الرسمية. .أمام العين, تنزلق المقبرة على امتداد البصر منخفضات ومرتفعات تقتطع من مساحة المدينة العلمية الحيز الأكبر, تضاريس إسمنتية معقدة التشكيل خارج الهندسة. قال العلامة ابن الحاج في المدخل : اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه مادام منه شيء موجود فيه حتى يفنى , فإذا فني حينئذ يدفن فيه, فان بقي شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه. : والقبر حبس لا يمشي عليه ولا ينبش مادام به" هنا على مرمى البصر بجوار قبر , بقايا هيكل عظمي لبغل نافق , على بعد أمتار من المكان , بغل آخر يخطو متهالك القوى , يتأفف مياه مستنقع آسن علق من التساقطات الغزيرة التي عمت فاس على غير العادة خلال فبراير المنصرم . رغم أن القبور في الجزء الأكبر منها يبدو متواضع البناء, موحش وغير متجانس و مهمل بالكامل , حيث تحتل مساحة كبير جدا من ربوة المرينيين ذات التاريخ التليد , إلا أن لون الفضاء الضارب في الحمرة يشي بتاريخ غامض لفكرة محددة عن الموت . ويرسم منحى إشكاليا في تدبيرها وفلسفتها عبر التاريخ عند المسلمين , مشهد مختل وملتبس يحيل على زمن سحيق , وبينما كان شيخ مسن يتوضأ الوضوء الأكبر على رأس قبر متلاش , ينقدف شاب عشريني بجسد يافع مندفعا بكل حيوية فوق قبرين في حركة مثيرة , قاصدا عمله كمتعلم بأحد مصانع الأحزمة التقليدية , مختصرا طريقه التي لم تكن سوى قبور متلاشية , بعضها شق وسطه, والآخر انهارت منطقة الرأس, وخلفه رهط من النساء متباطئات في مشيتهن , في طريقهن إلى المرقطان لتسويق ما أبدعته أناملهن من تكفيف وتوشية أطراف مقابل مبلغ زهيد لايسمن ولا يغني من جوع , وبين هذا وذاك , تقوم جماعة من النساء بتجفيف مساحات كبير من الصوف المنذور على شكل نتف تحت أشعة الشمس, مهنة تسترزق منها الأرامل وهوامش النساء القادمات من الضواحي. كنت بدوري أحدق في ما قد تفعله سيدة تلتحف إزارا ابيض ,وقد جلست القرفصاء فوق قبر,وهي تتثاءب كما يتثاءب الشاب المراهق المتيم على سريره, وقد تجمح حولها ثلا ثة صبية متقاربي الأعمار, يبدو للوهلة الأولى بؤسهم ظاهر للعيان , وفيما انبرى احدهم يقضم حلوى كوجاك, هم الثاني على عجل منتفضا ,فقد باغتته "بولة" على ما يبدو , لدلك, وضع بيدوزة ماء يسترزق بها المترحمين صباح كل جمعة جانبا , وبدا يبحث عن ذكره عبر فتحة مستعصية من سرواله المبرقع , وفي لحظة ,طفق يتبول , أما الوجهة التي سقاها , لم تكن سوى قبر يقرا على الشاهد منه : هدا قبر المرحوم….. . كيف وهل نهتم بموتانا؟ لقد كانت الزيارة مرسومة منذ مدة لكنها محفوفة غامضة قبل حين , وفي الغالب غير مريحة الآن , لكنها ليست بالدرجة التي يمكن الخوف من الوقوع في لذتها والتباسها الغامض..لدلك كان رد فعلي المبدئي وأنا احضر كاميرا رقمية للتصوير هو الشعور بالاحتقار كانسان, وطرحت السؤال التالي لمادا نتبول ونتغوط على قبورنا؟ بل لماذا دخلت هذا المكان دون إذن مسبق من جهة ما؟ هل ما أقوم به يعتبر فعلا محمودا في نظر الشرع الذي لا افقه في اختلافاته وعنعناته شيئا؟ الأموات يتأذون كما يتأذى الأحياء ولكن…. حملت أسئلتي إلى فاس وبالضبط إلى مجلسها العلمي, الذي لم يتردد لحظة في التأكيد على أن "الشريعة الإسلامية أوجبت احترام أجساد الموتى في قبورهم كما لو أنهم أحياء حتى لو بقي منها عظم يراه البصر". وبناء على ذلك, لا يجوز الكشف عن المقبور ولا النظر إليه ولا المشي على قبره ولا الجلوس فوقه, ولا الاتكاء عليه, ولا كسر عظم منه, ولا دفن ميت معه بلا حاجز", بالأحرى التغوط فوقه أو التبول عليه. اذ كل عمل من هذه الأعمال تعتبر في نظر فقه النوازل انتهاكا لحرمته ومساسا بكرامته ,يتأذى منه الأموات كما يتأذى الأحياء. وعلى الرغم من أن مختلف النقول الفقهية تستند إلى عدة أحاديث منها ما أخرجه أبي هريرة, والمروي عن عمر بن حزو, وابوداود وابن ماجة في سننهما ,والإمام احمد,. فقد استنبط الفقهاء من الأحاديث المذكورة القواعد الأربعة . وطبقوها على كل ما يندرج في عمومها حول قداسة الميت في دفنه. فان المرء يكاد يجزم أن ذلك في واد , وما تلتقطه العين المجردة هنا والآن في واد آخر. ها هو منطوق فقه النوازل يقر بصريح العبارة :انه لا تستعمل المقبرة إلا لدفن أموات المسلمين , فان واقع الحال يكذب ذلك, بقايا هياكل عظمية لدواب , بغال متقاعدة مريضة تخلى عنها مالكوها بعد سنوات عمل شاق في الطالعات الكبرى والصغرى تتجول بين القبور بحرية , كما أن كلابا وقططا وهواما , ترابط هناك حتى النفوق, ناهيك عن ليالي الغرام و احتساء الخمر من قبل المنحرفين الوافدين من كل الجهات , وإذا كانت الأخلاق والتربية الإسلامية والقيم الإنسانية عموما تمنع نبش القبور قديمة كانت أو حديثة . فالواقع يثبت عكس ذلك , يمكن للصور التي تم التقاطها أن تكون خير دليل وشاهد على أقصى ما وصلت إليه يد العبث البشري بحرمة الميت. معاينة قبور تم حفر جماجمها لغاية في نفس يعقوب , فيما ظل الجزء الأسفل من الهيكل مدفونا في التراب , كما يمكن معاينة قبور حديثة النبش منهوبة العظام. وشاءت الصدفة ذات يوم ,أن صادفت طاقما من السياح الأجانب , مجهزا بكاميرات تصوير عالية الجودة , من الحجم الكبير , منهمكا في إعداد شريط حول فاس , لفائدة قناة عالمية , وقد شرعوا باكرا في التقاط صور حديثة لفضاء المقبرة المطلة على بوجلود عبر باب محروق , والمجاورة لضريح لسان الدين ابن الخطيب. ولا اخفي القارئ سرا , أنني شعرت بالأسى مرتين الأولى لقذارة المكان , والثانية النقص الفادح في إشكالية التواصل , ومع ذلك تجاسرت بفرنسية واضحة, وسالت بضع أسئلة حول طبيعة العمل . كان الحوار غير متكافىء , حيث تحدث احدهم لغة هي خليط ما بين الانجليزية والهولندية , فهمت منه أن الأمر يتعلق بتصوير مرخص له من قبل الجهات المعنية,وذلك من غير الإدلاء بإذن مكتوب. كان المكان قذرا, موحشا ,على الجانب الآخر ,أجساد تتمدد في الخلاء, وأخرى تتهيأ للتسول , على الضفاف بقايا فضلات آدمية حديثة النشوء, والشوك قد نسج وتفرع في مناطق عدة من الفضاء الذي تتجاور فيه أموات المسلمين لعصور خلت هي ما بين شهور إلى 100 سنة . أو أكثر. مقابر المسلمين ومقابر الكفار تتيح الأسفار فرص كثيرة للسائح كي يتعرف على أماكن حيوية من بلاد أوروبا الديموقراطية, كما تسنح الفرص أيضا بزيارة أماكن مقدسة من بينها القبور فكيف يهتم الغربيون بموتاهم؟ كلنا يعرف أن الموت ظاهرة تطال جميع الكائنات بما في ذلك البشر. والثابت هو أن كيفية تشييع الموتى ودفنهم تختلف باختلاف حضارة الشعوب وثقافتهم, المقابر التي يمكن مشاهدتها سواء من خلال السينيما أو الأفلام أو البرامج التوثيقية في بلاد أوروبا أو غيرها" من الماء إلهيه" تبدو جميلة جدا في الغالب ، نقية،مخضرة, منظمة و تحف بها باقات الورود من كل الجوانب. الخزف والمرمر النفيس يؤطر حواشي كل قبر فيها. صور و أسماء الموتى مزركشة و منقوشة بخطوط رائعة في الجمال. عندما تدخل الكاميرا إحدى المقابر المسيحية يحس المتفرج بالهدوء قد عم كل أرجاء المكان,بما في ذلك نفسه, بل يخترق المقدس بسرعة خيال المتلقي إلى ملكوت الروح , ومن حيث لا يدري يشرع في الإحساس بالفلسفة , والسؤال الأبدي. قبور النصارى في الدول المستعمرة أيضا لا تشد عن هذه القاعدة. أما إذا كان المشاهد عربيا, فان ذاكرته ستشرع للتو في طرح أسئلته المعتادة من أجل فهم دوافع الاهتمام المبالغ فيه من طرف المسيحيين بمقابرهم ككفار لن يلجوا الجنة ، بينما تعم مقابر المسلمين الفوضى بكل أشكالها. وقطعا ستجد الجواب الجائز أبدا نحن أصحاب الآخرة وهم أصحاب الدنيا. فلماذا لا نكرم موتانا بالشكل الذي يليق بهم ووفق ما تدبجه ثقافتنا وثراتنا الإسلامي؟ لماذا نجد مقابرنا دون أسوار, وقبورها منبوشة, مطموسة, رثة, تغمرها المستنقعات الأسنة, وأبوابها مفتوحة, لكل أشكال الشعوذة والدجل , ووجهة مفضلة لملفوظات صلبة وسائلة للكلاب والسكارى والشماكرية من كل الأعمار؟ احترام الأحياء أحياء من احترام الأموات أمواتا أسئلة متعددة تصب جميعها في منحى ضرورة تكريم الموتى ودفنهم بطرق فنية و روحية" خاصة في مدينة لها تاريخ عريق في الثقافة الإسلامية كمدينة فاس , منحى يتخذ من الفكر الإسلامي نموذجا يقتذى في الربط بالفعل وبالقوة بين احترام الأحياء أحياء , و الأموات أمواتا, لأن هؤلاء الأحياء من يقوم بعملية الدفن ,بل هم المرشحون للموت في يوم من الأيام". والواقع أن الاهتمام بالمقابر" عند أولاد سيدنا عيسى " سلوك ثقافي وأخلاقي يختلف كليا عن ما هو عليه الأمر عندنا, لأن المواطن الذي لا يبالي بقبور أهله وعشيرته ,عندهم , يعد شاذا ومنبوذا و يطاله العقاب الاجتماعي و التأنيب من طرف ساكنة البلدة أو القرية أو الحي الذي يقطنه. هكذا كتب الصحافي محمد نبيل أثناء زيارته لمقبرة ألمانية. تيرموميتر تقدم أو تخلف بلد هو طرق دفن وتكريم موتاه وليس من المبالغة في شيء القول بان تيرمومتر تخلف بلد ما هي مقابره وطرق دفن موتاه. لذلك لا أتردد لحظة واحدة في القول أن الجزء الأكبر من مقابر نا اخترقها التصدع , وأسوارها آيلة للسقوط ,قبور موتانا مهترئة متآكلة منبوشة مداسة ومطموسة معالمها, أن المواطنين في هذا البلد لا ينعمون بالطمأنينة والرفاهية , وهم أحياء , فكيف وهم أموات , وان احترام حقوق الإنسان ليس له معنى في ظل وجود أحياء يتغوطون.فوق موتاهم. لذلك تظل مقابرنا شهادة حية عن واقع ابن الوطن ,أكان حيا أم ميتا. نعرف أن حياته مازالت تئن تحت وطأة الجهل والفقر والأمية الإقامة في قبور النصارى أفضل من عندما غادرت مقبرة باب فتوح كان لدي انطباع قوي يشجع على القول أن وضع قبورنا مخجل جدا , مثل ما هو الحال عليه من ردم وطمس
وتجريف ونبش وتحطيم ومسخ وتشويه , والمثير في الأمر إن ما يرويه ماثورنا في هذا المجال من تعظيم الميت وتكريمه. وبدا لي للحظة إننا مجرد غرقى في طوفان أكاذيب التراث والأحاديث والسند والعنعنة والخلافات الكلامية والفقهية , وكم حدثت نفسي, أليس الجلوس أو حتى الإقامة في قبور المجتمعات الراقية, أفضل بكثير من مساكن العديد من الدول العربية والإسلامية والتي هي عبارة عن أسواق مفتوحة لعموم الناس خارج أية مسؤولية اواحترام يذكر من هذا الطرف أو ذاك. اعرف أن مثل هذا القول يتعارض مع رؤية بعض المغاربة وسلوكهم اليومي تجاه المقابر وعلى نحو خاص الأضرحة الإسلامية. لكن هل سمعوا يوما عن حملة لاقتلاع الأعشاب الضارة أو رشها بالمبيدات, هل سمعوا ميزانية مجالسهم البلدية تخصص عشرات الملايين لترميم المقابر وصيانة حرماتها أو طلاء القبور لتنسجم مع محيطها؟ هل سمعوا أن السلطات المعنية حددت يوما وطنيا احتفاء بالقبر أو ما شابه ذلك؟ " قال الشاب الذي صافحته رفقة عشيقته المتحجبة مبتسما: بغينا التيقار" وامتص نفسا عميقا من سيجارته وأردف" اشكون انتوما الخوا" التصريح بان الأمر ليس أكثر من انجاز استطلاع حول واقع المقابر الإسلامية قد لا يفي بالغرض, لدلك لم أعول كثيرا على هذه الحمية بل , قلت على وجه السرعة, نحن مثلكم نريد التقار وكفى . في هذه الأثناء لم يتردد الشاب في فتح سدادة قنينة ملفوفة بورق سميك وشرع يرتشف ما بها, وكما لو انه اطمئن إلى مخاطبه. في علمي المتواضع , انتهاك حرمة المقابر الإسلامية ليس بجريمة يعاقب عليها القانون, و كما ليس صعبا ولوجها من طرف أي كان , فليس من الصعب أيضا المساعدة على تدنيسها سواء بأشكال بالانحراف المعلومة من خمر الخ , أو باسم الدين نفسه ,من غير أن يكون المدنس المتطرف موضع اتهام من طرف احد.حتى أن المرء لا يكاد يسمع يوما , حكما صدر في حق احد بوطء قبر أو نبشه أو طمس شاهده. حتى لو كان للميت إشعاع تجاوز النطاق المحلي والوطني . فالي عهد قريب كان شماكرية بوجلود يتبولون على ضريح لسان الدين بن الخطيب أمام باب المحروق وسائحيها من الأجانب , قبل أن تتنبه السلطات إلى ذلك لتضع شباكا حديديا ودرجا صاعدا. ولعل الجميع تابع نازلة مقبرة سيدي مول الكارة بالبراشوة إقليم الخميسات والتي أراد احد المستثمرين إقامة مشروع سياحي فوقها, وكانت قديمة النشأة , عمومية الدفن وذات مقابر كثيرة, وكانت تضم ضريحا لأحد الأعلام البارزين في تاريخ المغرب , هو الشيخ عبد الله بن ياسين احد مؤسسي الدولة المرابطية, وبناء على ما سبق فانه لايمكن الترخيص شرعا في تدنيس او تحطيم او تشويه او احداث مشاريع عمرانية او سياحية على انقاض مقبرة صيانة لحرمة موتي المسلمين وفيهم من رموز الامة واعلامها. عزيز باكوش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.