لا يمكن لذاكرة المقاومين وأعضاء جيش التحرير نسيان اسم الشهيد محمد الناصيري أو عباس لمساعدي. لم يستطيعوا تنفيذ خطتهم ورجعوا إلى مدينة الدارالبيضاء. شارك في تنفيذ هذه المحاولة الأولى كل من: احمد الطويل، المدني "لاعور"، محمد بن سعيد أيت إيدر، محمد السكوري، ابن الحاج العتابي، التهامي نعمان، عبد السلام ابن المجهد، احمد سيمکا. الخطة الأولى بعد فشل المهدي بن بركة والفقيه البصري في محاولات إقناع عباس لمساعدي بالتخلي عن قيادة جيش التحرير عن طيب خاطر، بادرا بتنفيذ الخطة الأولى التي ستمكنهما من فصل عباس لمساعدي عن القيادة؛ وهي السيطرة على قيادة جيش التحرير في مدينة الناضور في انقلاب أبيض، واختطاف عباس لمساعدي وإبعاده عنها، وتغيير اتجاهها والسير بها إلى غاية لا يعلمها إلا الله، ولكن القدر لعب لعبته وخيب الظنون وأجار المغرب من فتن لا قبل له بها؛ وذلك بفضل يقظة وتبصر قيادة رجال جيش التحرير هناك، الذين أفشلوا مخططهم ولم يتركوا لهم فرصة الاستحواذ على القيادة، أو الظفر باختطاف عباس لمساعدي، وكلفوا أحد أبرز رجال القيادة وفرقته بالتصدي لهم وإفشال خطتهم، وهو احمد بن عبد الله الملقب ب"جحا"؛ فلم يستطيعوا تنفيذ خطتهم ورجعوا إلى مدينة الدارالبيضاء. شارك في تنفيذ هذه المحاولة الأولى كل من: احمد الطويل، المدني "لاعور"، محمد بن سعيد ايت ايدر، محمد السكوري، ابن الحاج العتابي، التهامي نعمان، عبد السلام ابن المجهد، احمد سيمکا. الخطة الثانية الاستدعاء المزور الذي وجه باسم قيادة المقاومة وجيش التحرير: بعد فشل هذه المحاولة أعطى المهدي بن بركة والفقيه البصري الأمر بتنفيذ الخطة الثانية، والتي تهدف إلى اعتقال جميع قادة جيش التحرير المؤيدين لعباس لمساعدي، فبعثوا لهم استدعاء لحضور اجتماع للقيادة العليا لجيش التحرير والمقاومة السرية يوم 20 يونيو بكراج العمراني بمدينة الدارالبيضاء، أي قبل أسبوع من اختطاف عباس لمساعدي؛ ولكن المحاولة باءت بالفشل وأحبطت في المهد بعد اكتشاف أمر تلك الاستدعاءات والشخص الذي قام بتحريرها وتوزيعها على القادة، وكان يعمل في سكرتارية القيادة العليا لجيش التحرير بالناضور. الخطة الثالثة بعد فشل المحاولة الثانية، لم يبق إلا تنفيذ الخطة الثالثة والجاهزة للتنفيذ، وهي اختطاف عباس لمساعدي بمدينة أخرى بعيدا عن أنصاره بمدينة الناضور. تم اختيار محمد كريم أو "حجاج لمزابي"، الذي كان مكلفا بتسيير مركز لجيش التحرير بقرية "تاونات" بتنفيذ هذه الخطة، لأنه كان على اتصال وثيق بعباس لمساعدي، وخصوصا بعد عودة السلطان محمد بن يوسف من المنفى، بهدف إقناعه بإلحاق فرقته التي كانت آنذاك تحت قيادة عبد القادر بوزار بقرية "تاونات" إلى قيادته..لهذا تم اختياره للقيام بهذه المهمة من طرف القيادة البيضاوية التي استولت على شؤون تسيير مكتب المقاومة بزعامة المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري، بعد الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف، لأن "حجاج لمزابي" كان منبوذا من طرف أغلبية المقاومين ولا أنصار له، ولجعله كبش فداء عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. وهذا اختيار مدروس بدقة، فعملية الاتصال بين حجاج لمزابي وعباس لمساعدي ستكون هي الطعم الذي يمكن به إغراء وإسقاط الأخير في الفخ الذي نصبه له المهدي بن بركة؛ لأن لمزابي هو الشخص الوحيد الذي كان يستطيع الاتصال بعباس لمساعدي في أي وقت أراد واللقاء به في أي جهة من مناطق المغرب دون أن يشك فيه؛ ومما يؤكد هذا الاستجابة الفورية لعباس لمساعدي لطلب حجاج لمزابي إجراء لقاء سري بينهما بكراج خاص بوقوف السيارات بباب "أفتوح" بمدينة بفاس، ما يزكي وبشكل قاطع أن لمساعدي كان على ثقة تامة بلمزابي. الخطة كانت مدروسة بعناية لاستدراج عباس لمساعدي إلى مدينة فاس واختطافه؛ فعندما توصلت القيادة التي فرضت على المقاومين بالدارالبيضاء بمعلومات مؤكدة من مصادرها بالناضور بأن عباس لمساعدي مريض وسيقوم بزيارة الطبيب بمدينة فاس، استدعي حجاج لمزابي يوم السبت 23 يونيو 1956 إلى مدينة الدارالبيضاء لتلقي التعليمات النهائية بتنفيذ عملية الاختطاف، فعمد إلى اختيار مجموعة من الفدائيين الذين يدينون له بالولاء، وللمهدي بن بركة، والفقيه محمد البصري بالطاعة العمياء، وأعطى أوامره لأكثر من ستة أفراد بتنفيذ هذه العملية.. كلف منهما فردين هما: مصطفى بن بلعيد المسفيوي وأبو زكريا أحمد العبدي، بعملية تجريد عباس لمساعدي من السلاح وإلقاء القبض عليه، بينما يتولى: أمبارك مرزوق ومنير احمد بن بوشعيب والشريف إبراهيم مهمة حراسة الكراج والتدخل عند الحاجة، والسرجان احمد بوشرطة قيادة السيارة. وزيادة في الاحتياط لإنجاح هذه العملية، توجهت عناصر من شرطة الدائرة السابعة لمدينة الدارالبيضاء إلى مدينة فاس، لتكون على أهبة الاستعداد لكل طارئ قد يحدث، في حالة إذا ما فشلت العناصر التي كلفها حجاج لمزابي باختطاف عباس لمساعدي؛ عندئذ تتدخل هي وتقوم بالتنفيذ، واختارت لمراقبة الأوضاع شقة تقع قرب الكراج الذي سيكون مسرحا لعملية الاختطاف. "الاستعداد لساعة الصفر" كان لي يوم السبت 23 يونيو 1956 في الساعة العاشرة والنصف صباحا، قبل أربعة أيام من اختطاف عباس لمساعدي، موعد مع المدني "لاعور" بمقهى بطريق مديونة، فوجدته جالسا مع أحد الأشخاص ويتحدثان بصوت منخفض، وعند جلوسي معهما غيرا موضوع الحديث، وعرفني بالشخص الجالس معه وقال إنه محمد كريم الملقب ب"حجاج لمزابي"، أحد أفراد خلية درب الطلبة، التي كنت تشرف على تسييرها، فقلت له: "إنني أتعرف عليه لأول مرة"، وكان فعلا عضوا في خلية درب الطلبة والشرفاء، وتم طرده منها وإرساله للمنطقة الشمالية بسبب سوء سلوكه، قبل أن أتولى مسؤولية تسييرها، وجلسنا نتحدث حول حالة التسيب والفوضى التي وصل إليها رجال المقاومة وجيش التحرير إلى حدود الساعة 12 زوالا، وغادرت المقهى وتركت المدني "لاعور" جالسا مع حجاج لمزابي، قاصدا مكتب المقاومة الموجود بدرب الطلبة فوجدت رزق عبد الرحمان التناني، الذي بمجرد ما لمحني توجه نحوي قائلا: "إنني كنت في انتظارك منذ الصباح، وأريد أن أستعير منك سيارتك من أجل أن أسافر بها في الليل إلى مدينة "أرفود" للقيام بمهمة مستعجلة هناك". وكنت أملك سيارة جيب من نوع "لاندروفير"، وحددت معه موعد الساعة الخامسة مساء لتسليمها له..وفي تمام الساعة الخامسة حضرت إلى مكتب المقاومة كي أسلم رزق عبد الرحمان التناني السيارة حسب اتفاقي معه، فوجدته منهمكا رفقة جعفر وسعيد بونعيلات وآخرين في مساعدة محمد كريم أو حجاج لمزابي على شحن سيارته بمجموعة كبيرة من الرشاشات والمسدسات والقنابل والبنادق والذخيرة؛ وبعد انتهائهم من عملية شحن الأسلحة، غادر حجاج لمزابي مدينة الدارالبيضاء في اتجاه قرية "تاونات". وفي يوم الأربعاء 27 يونيو، تم اختطاف عباس لمساعدي، وفي صبيحة يوم الجمعة كنت على موعد مع إبراهيم الروداني لأتناول معه الغداء في منزله: عند لقائنا نزل علينا خبر الاختطاف كالصاعقة، لم أصدق ذلك على الرغم من نشره بالصحف، ولكنني تأكدت من صحته بعد أن تم بث الخبر في نشرة الأخبار بالإذاعة الوطنية، وكذلك خبر وصول ولي العهد الأمير مولاي الحسن إلي مدينة "فاس" لمعرفة حقيقة ما وقع، وليشرف بنفسه على إجراء عملية التحقيق مع المتهمين. بعد إعلان خبر الاختطاف قلت لإبراهيم الروداني ونحن على طاولة الغداء رفقة الحاج أمبريك إن عباس لمساعدي ستتم تصفيته، فرد علي: "لا أعتقد ذلك، فالجماعة لا تنوي تصفيته، بل الهدف هو محاولة إبعاده عن قيادة جيش التحرير لفترة قصيرة، حتى تستقر لها الأمور هناك"، فقلت له: "إنني أعرف عباس لمساعدي أكثر منك وأعرف تركيبته الشخصية، فلن يتقبل عملية الاختطاف وقد يكون رد فعله قويا وجريئا، وربما يدفعهم هذا إلى التخلص منه وتصفيته بصفة نهائية"، فرد علي في هذه المرة وبلسان الواثق المتأكد من خبايا الأحداث قائلا: "لن يقدموا على قتله مهما كان رد فعله، فغايتهم تنحصر فقط في إبعاده عن قيادة جيش التحرير". ولكن شمس يوم الأحد فاتح يونيو كذبت أقوال وتأكيدات إبراهيم الروداني، وصدق حدسي وأعلن خبر مقتل عباس لمساعدي رسميا والعثور على جثته، فماذا حدث بالضبط...؟ *صحافي، باحث في تاريخ المقاومة المغربية، شاعر وزجال [email protected]