بقلوب تفيض بالإيمان يقضي المسلمون في العاصمة الشمالية لروسيا سان بطرسبورغ ،كما في باقي المناطق الروسية، شهر رمضان المبارك في أجواء دينية مميزة بنفحات روحانية مفعمة بالخشوع والإيمان والتآزر. ويحرص المسلمون بهذه المدينة الجميلة (المتحف المفتوح ) خلال هذا الشهر الفضيل على أداء الفريضة بكل طقوسها وتفاصيلها كركن أساسي من أركان الاسلام رغم الصعوبات المناخية القاسية التي يواجهونها. ويتزامن شهر رمضان المبارك هذا العام مع نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، ما يجعل نهاره يمتد في مناطق بشمال روسيا إلى 24 ساعة ،أو ما يعارف بسيادة "الليالي البيضاء". وتغرب الشمس في المناطق الشمالية من روسيا في وقت متأخر جدا، أو قد لا تغرب مطلقا لمدة 62 يوما فيما وراء الدائرة القطبية، وهو ما يسمى باليوم القطبي، حيث يتعين في منطقة مورمانسك مثلا ، أقصى نقطة شمال العالم، على المسلم أن يتحلى بالصبر والثبات لأن اليوم يمتد الى 23 ساعة، ، وهو أمر شاق على الصائم رغم أن مدة الصيام يتم تكييفها بفتوى دينية من القيمين على الشأن الديني . ويمتد نهار الصيام في ثاني أكبر مدينة في الاتحاد الروسي سان بطرسبورغ ، هذه السنة الى نحو 18 ساعة ونصف (مقابل 21 ساعة في السنة الماضية) ،ليصل الى 20 ساعة عند نهاية شهر الصيام ، حيث تبدأ الليالي البيضاء"، وهي الفترة التي تمتد من أواخر ماي إلى أوائل يوليوز التي نادرا ما تغرب فيها الشمس . ورغم وجود بعض الفتاوى ،وإن اختلفت الاجتهادات بشأنها ، لم تحد من عزيمة الصائمين بهذه الحاضرة، حيث يعتبرون إن طول مدة النهار في المدينة في هذا الوقت من السنة هو تحدي إضافي لإيمانهم. وخلال الشهر الكريم تنشط بالمدينة الإدارات الدينية إضافة الى عدد من الجمعيات الخيرية وتمثيليات الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفياتي السابق في سان بطرسبورغ ، وذلك من خلال إقامة موائد الرحمان بالإضافة إلى فعاليات دينية وثقافية متنوعة. ويؤدي المسجد الكبير في سان بطرسبورغ ، فضلا عن وظيفته كفضاء للعبادة، دورا اجتماعيا ، يمكن المسلمين من قضاء أجواء الى حد ما عائلية ،حيث يعكس جانبا من جوانب دين الإسلام السمح، المتجلية في التعايش والتسامح بين مختلف الجنسيات التي تتردد على هذه المعلمة الدينية. ويتجمع المسلمون ، الذين يبلغ عددهم بسان بطرسبورغ ، حسب احصائيات غير رسمية حوالي 800 ألف مسلم، أغلبهم من القوميات التتارية والأوزبكية والشيشانية والتركية والعربية، داخل المسجد الأزرق الكبير بالمدينة، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1910 ويعد من بين أكبر المساجد في أوربا، إذ يصل ارتفاع صومعته إلى 49 مترا ، على موائد الرحمن وأداء صلاة التراويح " وإلقاء محاضرات دينية التي تعرف المسلمين بكيفية استغلال شهر رمضان في العبادة والاعمال الخيرية والاحسان والتكافل بين المسلمين". وعبر العديد من المصلين نساء ورجالا باختلاف أعمارهم، في تصريحات صحافية، عن مدى ارتباطهم بهذا الصرح الديني بالرغم من بعد المسافة بين المسجد ومساكنهم، إلا أنهم يحرصون على أداء صلاة التراويح به. وأوضحوا أنه يجب حجز مكان للصلاة مبكرا بالمسجد، نظرا للإقبال الكبير على هذه المعلمة الدينية، مشيرين الى أنه على مدى الشهر الفضيل يتم تنظيم لقاءات دينية تروم دعم قيم التآزر و التعايش والتراحم يبن الناس الى جانب إحياء ثقافة البلدان الأصيلة وتقاليدها التراثية المتوارثة . وخلال الشهر الفضيل تحرص العديد من مطاعم الأكل الحلال بالمدينة ككل سنة على تقديم وجبات إفطار منتظمة وبشكل يومي، تتكون من أطباق شعبية عربية وشرقية متنوعة تشهد إقبالا كبيرا، حيث يمتد السمر إلى وقت السحور، لفارق الزمن القصير بين موعد الإفطار وفجر اليوم التالي من الصيام. وبالرغم من عدم تقديم السلطات المحلية لتسهيلات او امتيازات إلى المسلمين العاملين في مختلف المجالات لتحقيق توازن بين حياتهم العادية والمحافظة على فروضهم الدينية، فإن المسلمين في سان بطرسبورغ غير مكثرتين لذلك، فهم يصومون أيام شهر رمضان ويقيمون شعائرهم الدينية دون أي تردد. ويبقى شهر رمضان إحدى المحطات الروحانية المفعمة بالفضائل والمكرومات اقتداء بالسنة النبوية الشريفة التي تدعو الى الرحمة والمغفرة والتواب. *و.م.ع