بحلول ذكرى أحداث 16 ماي الإرهابية، التي كانت الدارالبيضاء مسرحاً لها، تُثار التساؤلات من جديد بخصوص مدى نجاعة المقاربة الأمنية في التصدي لمختلف المخاطر التي باتت تستهدف المملكة، خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في ظل اعتماد تنظيم "داعش" على ما يُعرف في الأوساط الاستخباراتية بإستراتيجية "الذئاب المنفردة". وشرعت السلطات المغربية في إعادة هيكلة المجال الديني، من أجل تجفيف منابع التطرف من الناحية الداخلية، إلى جانب نهج مقاربة أمنية وقضائية جديدة، سمتها الأساسية المزاوجة بين البعد الاجتماعي والديني؛ لكن التحديات الخارجية التي تشهدها دول الجوار، لا سيما عودة المقاتلين المغاربة من بؤر التوتر وغيرها تستلزم تحيين المقاربة المغربية بين الفينة والأخرى لمواكبة أساليب "داعش" المتغيرة. في هذا الصدد، قال إحسان الحافظي، الباحث في الشؤون الأمنية، إن "السلطات المغربية، بعد أحداث 16 ماي، نهجت مقاربة مندمجة للحد من الظاهرة الإرهابية، تأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي والمصاحبة التشريعية والإصلاح الديني والمواكبة الإعلامية، في نشر مبادئ الإسلام الوسطي المعتدل عبر المساجد والإرشاد الديني". وأضاف الحافظي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المقاربة الأمنية حافظت، ضمن هذا التصور الشمولي، على مكانة مركزية في العملية الموجهة لتطويق الإرهاب". وزاد: "يمكن القول إن المزاوجة بين البعدين الإصلاحي، اجتماعيا وتشريعيا ودينيا، والأمني جعل من الخطة الوطنية لمكافحة الإرهاب بعد أحداث 16 ماي قاعدة لما يمكنه أن نصفه بأول سياسة عمومية أمنية في المغرب". وأوضح أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات أنه "مع الحضور المكثف للإيديولوجيا المتطرفة في وسائل التواصل الاجتماعي، ورهانات المنظمات الإرهابية عليها لاستقطاب مقاتلين مغاربة إلى صفوف تنظيم داعش، برزت المقاربة الأمنية كوسيلة مهيمنة على الإستراتيجية الموكول لها محاربة الإرهاب". وأكد المتحدث أنه "ضمن هذا السياق تم إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذراع القضائي لجهاز الديستي، الذي تولى مهمة مطاردة المشتبه في انتمائهم إلى التنظيمات المتطرفة داخل المغرب، سواء اقتصر نشاطهم على مواقع التواصل أو داخل خلايا إرهابية في طور التشكّل". وأردف الدكتور الحافظي قائلا: "لقد ساهمت تحولات المنظمات الإرهابية والأخطار التي تشكلها على أمن واستقرار المغرب، ضمن ما يُطلق عليه في أدبيات "داعش" بأولوية الحرب ضد العدو القريب (بلدان الوطن العربي) وتأجيل معركة العدو البعيد (الغرب)، في إعادة تقييم الإستراتيجية الأمنية لمكافحة الاٍرهاب، من خلال نهج إستراتيجية أمنية استباقية وقائية تعتمد توقع المخاطر واستباق وقوعها بالحرب على الخلايا الإرهابية". وتابع مسترسلا: "لعل ما يُفسر نجاعة هذه المقاربة الأمنية هو عمليات التقييم والمراجعة التي تسهر عليها الجهات القائمة على قطاع الأمن، مقابل يقظة تشريعية دائمة ومستمرة تغطي الثغرات القانونية التي قد تستفيد منها، أو تحدثها تحولات الظاهرة الإرهابية شأن ارتكاب أعمال إرهابية في الخارج، والتجنيد في بؤر التوتر التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها".