تثار مخاوف مشروعة حول التهديدات الأمنية التي تشكلها عودة المغاربة المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سورياوالعراق. وتفرض الواقعية التي باتت تدار بها الأزمات في بؤر التوتر التعاطي بحذر أكبر مع قضية تصريف المقاتلين، المغاربة أو المتحدرين من أصول مغربية يحملون جنسيات أوروبية، نحو بلدهم الأصلي، بعد أن تنتهي خرافة الخلافة التي ذهبوا للقتال من أجلها. في العراق توجد قوات التحالف الدولي، مسنودة بالحشد الشعبي، على أبواب الموصل، وسط أنباء عن فرار زعيم تنظيم "داعش" نحو وجهة مجهولة. وفي سوريا يبحث المجتمع الدولي عن حل سياسي متفاوض بشأنه بين المعارضة والنظام، يبدأ من طرد فلول الجبهات المتطرفة من البلاد. وبين الحدثين تجد بلدان عربية أو أوربية نفسها أمام معضلة تدبير هذا الحشد المقاتل، بعد أن تضع الحرب أوزارها. العائدون من بؤر القتال التهديد الذي يمثله المقاتلون المغاربة في صفوف التنظيمات المتطرفة، في سورياوالعراق، منسوبه مرتفع جدا؛ ما يعني أن المملكة ستكون مطالبة بتدبير نوعين من العائدين: صنف أول يحمل جنسيات أوربية قررت كثير من بلدان إقامتهم سحب الجنسيات عنهم لتورطهم في أعمال إرهابية، ولكونهم باتوا يشكلون تهديدا للأمن الداخلي. وهذا الصنف سيكون أمام خيار وحيد، هو التنقل إلى بلدهم الأصلي، باعتبار أن حملهم الجنسية الأوربية لا يُسقط عنهم الجنسية المغربية؛ وصنف ثان التحق بالقتال إلى جانب تنظيمات الإرهاب قادما من مدن المغرب، بعد أن جرى استقطابهم وتجنيدهم وتوريطهم في حرب لا عهد لهم بها؛ كثير منهم موضوع بحث قضائي باعتبارهم يقعون تحت طائلة قانون الإرهاب، الذي يجرم الالتحاق بمناطق التوتر الإرهابي، وفقا لمقتضيات القانون 14/86. مشكلة العائدين من بؤر القتال لا تكمن في تدبير العودة فقط، وإنما في قضية إعادة الانتشار نفسها التي يلجأ إليها المجندون بعد نهاية الخدمة في صفوف تنظيم "داعش". مصدر هذا القلق بعض التقارير الأمنية الخارجية التي أبانت أنه كلما توغلت القوات النظامية داخل النفوذ الخاضع لتنظيم الدولة الإسلامية، كلما انقسمت هذه المجموعات إلى ثلاثة أصناف: صنف يقاتل حتى يُقتل، وصنف يغادر عبر الحدود التركية فرارا من المعارك، وصنف ثالث يختفي دون معرفة الوجهة التي ذهب نحوها؛ بمعنى أنه ضمن كل مجموعة قتال هناك فئة تنعدم معلومات عنها، وهذا مكمن الخطر. ضمن هذا المقترب الاستباقي في التعاطي مع التهديدات الناشئة عن إعادة انتشار المقاتلين المغاربة في صفوف الجماعات الإرهابية، تعززت المراقبة على الحدود وتم نهج تبادل المعلومات الميدانية والجنائية الخاصة بالإرهابيين المفترضين؛ علاوة على اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر وبلورة مخطط أمني وطني يجمع مختلف المتدخلين في شكل مجموعة أمنية "حذر". خصائص "مغاربة داعش" من خاصيات المقاتلين المغاربة في صفوف التنظيمات الإرهابية، في الخارج، كونهم يتوزعون بين مختلف الجبهات، ومنهم من يتولى مهام متقدمة. وتشير المعطيات الاستخباراتية التي تم تجميعها بشأن المجموعات المغربية أنها تتوزع بين خمسة تنظيمات، في العراقوسوريا وفي الساحل الإفريقي. ويتعلق الأمر ب"داعش" و"جبهة النصرة" و"فتح الشام" و"شام الإسلام" ثم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". واستنادا إلى هذه المعطيات فإن التهديدات الأمنية الجديدة، مستقبلا، تكمن في عودة المقاتلين الجهاديين الأجانب من بؤر التوتر، وتكوين خلايا إرهابية نائمة والإعداد لتنفيذ عمليات نوعية في المغرب، وصولا إلى السعي إلى تجنيد متطوعين آخرين في شكل ذئاب منفردة أو "قطيع ذئاب" يتولون التنفيذ. ووفق المعطيات نفسها، فإن دراسة تحليلية أنجزتها المدرية العامة للأمن الوطني حول شخصية المجندين المغاربة في بؤر التوتر أبانت أن المقاتلين الإرهابيين المغاربة يتسمون بأربعة خصائص: أولا: مستوى ثقافي واجتماعي متوسط. ثانيا: غالبيهم عاطلون عن العمل ويمارسون مهنا غير مهيكلة. ثالثا: الغالبية ذات تكوين ديني وعقائدي محدود وضعيف؛ ثم رابعا: الفئة العمرية لهؤلاء تتراوح بين 20 سنة و45 سنة؛ ذلك أن بعضهم سافر رفقة عائلاته وأطفاله إلى جبهة القتال. مقاربة التصدي الحمائي بالأرقام، توجه نحو 1600 مغربي إلى جبهات القتال في سورياوالعراق، منذ اندلاع المواجهات في هذه البؤر؛ لقي منهم 553 شخصا مقتلهم، وفق التقارير الأمنية الصادرة حديثا. داخليا بلغ عدد الخلايا المفككة 168 ما بين 2007 و2016، بمعدل 16 خلية في السنة، وهو رقم مرتفع جدا يعكس منسوب الخطر الذي يتهدد البلاد، ويفرض حالة من الحيطة والحذر في التعاطي الاستباقي مع المشاريع الإرهابية التي تحذق بالبلاد. هذا المعطى يكشفه أيضا حجم الأشخاص الذين جرى إيقافهم خلال الفترة الزمنية السالفة الذكر، ويتعلق الأمر بنحو 2963 مشتبها فيه، حسب أرقام المديرية العامة للأمن الوطني، جنبت البلاد خطر تنفيذ 341 مشروع عمل إرهابي كانت تستهدف أشخاصا ومواقع ومؤسسات ذات حساسية خاصة. الخطر الإرهابي لازال قائما، بالنظر إلى التهديدات المستقبلية التي يشكلها العائدون من بؤر التوتر؛ وإذا كانت الدولة تنوي التصدي لهم وفق مقاربة جنائية عقابية، فإن السؤال يطرح على مستوى ما بعد العقوبة، لأن الفكر "الجهادي" الذي يعشعش في دواخلهم لا يمكن اعتقاله أيضا، بل يفرض فتح نقاش يفضي إلى مراجعات فكرية وفقهية لهؤلاء المقاتلين. وهنا يمكن لشيوخ ما يسمى "السلفية الجهادية" سابقا أن يلعبوا دورهم في مصالحة هذه الفئة من المغرر بهم مع ذواتهم أولا والمجتمع في مرحلة ثانية. قد يَقرأ بعض المُغرقين في المقاربة الأمنية في فكرة استدعاء "شيوخ السلفية" للمساهمة في محاورة العائدين غير التائبين مغامرة أكر منها مساهمة في الحل والحوار، لكننا نعتقد أن إدماج هذا التيار السلفي في الحياة السياسية، ودفعهم نحو التطبيع من داخل النسق السياسي في المرحلة الحالية، من خلال إشراك بعضهم في حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية نموذجا، هو مقدمة آمنة لاتخاذ خطوة الإشراك في جلسات المراجعات الفكرية، دون أن يُسقط هذا الخيار المتابعة الجنائية بتهمة الإرهاب. إن أحسن مقاربة في التعاطي مع الظاهرة هي "التصدي الحمائي" التي تقتضي حماية الشباب من الأفكار المتطرفة. وقد أبان هذا التصور المستورد من أدبيات حقوق الإنسان نجاعة كبيرة في "تحييد" الشباب، كفئة مستهدفة، عن عمليات الاستقطاب نحو بؤر التوتر. *باحث في العلوم الأمنية