من جامعة مِنيسوتا الأمريكية، انْطلقت الباحثة كلوي فويوس، المتخصّصة في البيولوجيا وعلم الوراثة والتطور، في مشروعها الطموح الذي يدرسُ علاقة سكان منطقة سيتي فاضمة نواحي مراكش بقردة المكاك المهددة بالانقراض. وتنطلقُ الباحثة الأمريكية من إشكالية تتداخلُ فيها تعقيدات الثقافة المحلية التي تبحثُ عن الاعتراف بنمط عيش هذا الصنف من القردة. وتقول الباحثة الأمريكية في حوارها مع جريدة هسبريس الإلكترونية إنّها "تروم من خلال هذا البحث الميداني الحفاظ على هذا الموروث الحيواني من الانقراض"، دون أن تخفي علاقتها القوية والمثيرة للاهتمام بالقردة، حيث تكرّس وقتها اليومي كلّه لها. كلوي أطلقت حملة لثني الساكنة المحلية والسياح على إطعام القردة لما لذلك من مشاكل، ف "أحيانًا تقدّم المطاعم المحلية طعاما للقردة، وهذا أمر خطير لأسباب عديدة: إذا قام البشر بإطعام القرود، فإنها تعتبرهم مصدرًا للغذاء، وهذا يزيد من احتمال دخولها إلى المنازل"، تقول كلوي. أولاً، حدثينا عن مشروعك الأكاديمي؟ أنا باحثة أمريكية، أشتغلُ في مشروع ممّول من طرف برنامج فولبرايت، وبالتّعاون مع جامعة القاضي عياض، لفهم ودراسة الديناميات السلوكية والجغرافية لقِردة المكاك في منطقة سيتي فاضمة، على مرمى نهر أوريكا نواحي مراكش، الذي يمثّل مجمع هذا الصّنف من القرود البربرية في العالم، التي تعيشُ منفصلة عن باقي الأصناف الأخرى الموجودة في المغرب، خاصة في الأطلس المتوسط (أزرو). إضافة إلى ذلك، فإن بيئة الأطلس الكبير تختلف تمامًا عن باقي المناطق المغربية. وهو ما يجعلُ هذا الصّنف من القردة أمام تحديات مثيرة للاهتمام والدراسة، على اعتبار أن قرود المكاك تهتمُّ أكثر بما يمكن أن نسميهِ ب "الرعاية الوراثية"؛ ويعني أنّ الذكور والإناث يعتْنون بالنّسل (في الأدبيات عادة ما تكون الإناث هي التي تقوم بمعظم العمل). لذلك، قمت بإنشاء أول "كاتلوغ" يصفُ بشكل فردي جميع أعضاء المجموعة الناضجين، وسيساعد هذا في فهم العلاقات داخل المجموعة، والهجرة الفردية، ليكون بعد ذلك مرجعاً للباحثين والوافدين على المنطقة. طيب، ما هي طبيعة الدراسة التي تقومين بها؟ أدرس بشكل أساسي كيف تتحرك القردة فيما يتعلق بالهجرات الموسمية، ولماذا تتحرك وكيف يتغير نظامها الغذائي بمرور الوقت والفصول؟ في بداية بحثي، وجدت أنه لا يمكنني القيام بعمل أكاديمي دون الاعتراف بالصراع بين السكان المحليين والقردة. ونتيجة لذلك، تطور ما بدأ كمشروع سلوكي بيئي ليشمل أبعاداً أخرى. أعمل الآن مع العديد من المنظمات، كجمعية زعطوط وجمعية سيتي فاضمة، وكذلك مع السكان المحليين، للبحثِ في الدمار الذي تسببت فيه القرود في المناطق الزراعية. ما هي طبيعة هذا الصّراع؟ دعني أبدأ أولاً بتعريفه: لدينا مجموعة من قرود المكاك البرية المهددة بالانقراض التي تم تخصيص أراضيها لأغراض زراعية وسياحية. نتيجة لهذا التداخل المتزايد، تهاجم القرود أراضي المزارعين، مما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة للعائلات التي تعيشُ على دخلها الزراعي. هذا يقود المزارعين إلى مهاجمة القردة، وتصبح هذه الأخيرة أكثر عدوانية تجاه البشر. أعتقد أنه إذا نظرت إلى المشكلة ككل، فإن الجميع يحاول أن يستفيدَ من الوضع لصالحهِ. لدى العديد من المزارعين وعائلاتهم علاقة فريدة مع القرود. يرغب بعضهم في قتلها، بينما يعتبرها آخرون جزءًا من أسرهم. إنه حقًا موقف معقد يدور حول الثقافة والجانب النفسي. تخيّل فلاحاً يمضي معظم وقته في مطاردة القرود، فمن ناحية، يكره واجب مطاردتها طوال اليوم والضرر الهائل الذي تسببه لثقافته المحلية، ومن ناحية أخرى، فهو يراقب القطيع، التغيير من جيل إلى جيل. تخيل أيضًا مزارعًا يؤدي عمله منذ 40 عامًا، لا يمكنك أن تطلب منه تغيير وظيفته: علاقته مع قرود المكاك البرية، صراعه مع القرود، فهذا موجود منذ بداية نشاطه في الزراعة. وبالتالي، حتى مع بعض المقترحات المتعلقة بالتنمية المستدامة، هناك نفسية عميقة من الغضب والصراع لا يمكن القضاء عليها ببساطة. معظم السياح الذين يزورون نهر أوريكا مغاربة والكثير منهم لا يعرفون حتى أن القرود موجودة في سيتي فاطمة. وعندما يتفاعل السياح مع قرود المكاك، فإنهم لا يدركون أنه من خلال لمسهم وإطعامهم، فإنهم يساهمون في خلق مشكلة كبيرة لمستقبل هذا النوع المهدّد بالانقراض. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأن المرشدين السياحيين والمقيمين ليس لديهم أي تدريب في التاريخ الطبيعي للمكاك أو تدابير الحفظ، فإن الكثير منهم ليسوا مجهزين للإجابة على الأسئلة أو إبداء الرأي على سلوك وبيولوجيا هذه الحيوانات. ما هي الاستنتاجات التي توصلت إليها؟ أعتقد أن هناك أهدافا قصيرة وطويلة المدى يمكن أن تساعد في تحسين الصراع. عندما نفكر في حلول فورية: فلا يجب تطعيم القرود. أحيانًا تقدّم المطاعم المحلية طعاما للقردة، وهذا أمر خطير لأسباب عديدة: إذا قام البشر بإطعام القرود، فإنها تعتبرهم مصدرًا للغذاء، وهذا يزيد من احتمال دخولها إلى المنازل، أو النزول نحو الوادي وتدمير الأراضي الزراعية. هناك أيضا احتمال انتقال الأمراض بين القرد والإنسان، وزيادة الصيد غير المشروع. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للقردة هضم السكريات المعقدة الموجودة في الخبز، ولذلك، فإن هذا يجعل القردة المريضة أكثر جوعًا. ومن أجل الحفاظ على هذه الحيوانات البرية، لا تطاردها ولا تصرخ عليها. كما هو الحال مع جميع الحيوانات البرية، يجب عليك الحفاظ على مسافة محترمة. وبالتالي، يجبُ تنفيذ مبادرات من قبيل: زرع مصادر الأغذية الطبيعية، مثل البلوط والكستناء، على ارتفاعات عالية لتشجيع القردة على الابتعاد عن الأراضي الزراعية. كما أقود مبادرة لتشجيع الناس على عدم جمع المكسرات التي تنمو على ارتفاعات عالية، لترك الطعام الذي ينمو بشكل طبيعي للقردة بحيث يكون لدى القطيع سبب أقل للذهاب إلى القرية. أما بالنسبة للحلول طويلة المدى، فيجب إعادة إحياء المنطقة. تم طرح العديد من الأفكار، لكن حتى الآن كانت الفكرة الأكثر تأثيرًا هي تحويل Setti Fadma إلى حديقة بيئية حيث مراقبة القرود البرية.