في ظل صغر رقعة انتشار قرد المكاك البربري على المستوى العالمي، إذ يقتصر تواجده على بعض مناطق الجزائر، وكذا جبال الريف والأطلسين الكبير والمتوسط بالمغرب، فقد أصبحت إلزامية الحفاظ على استقرار التوازن الطبيعي لهذا الحيوان مسؤولية كل فعاليات المجتمع بدون استثناء، خاصة إذا علمنا أن أعداده بالمغرب تراجعت بين سنتي 1975 و2012 من 17 ألف إلى 5 آلاف. إن قرد المكاك البربري المتواجد بشلالات اوزود بإقليم ازيلال يعتبر من فصيلة القردة ذات البنية الجسمانية القوية والمقاومة المرتفعة لبرودة الطقس، حيث يتوفر على فرو كثيف ويتحمل العيش في حرارة درجتها ما بين 10- و40+ درجة سيلسوس، كما انه يعيش في كهوف المنتجع السياحي وفجاجه، ويتواجد على الأرض بنسبة 80 بالمائة وعلى الأشجار بنسبة 20 بالمائة، إضافة إلى أنه حيوان قاري يتغذى على الفواكه وأوراق الأشجار والحشرات. وللحديث عن أسباب تراجع أعداد قرد المكاك البربري هذا بشلالات أوزود، لابد من الوقوف عند ثلاثة عوامل رئيسية، ونخص بالذكر أنشطة السكان المتعلقة بقطع أشجار الغابة والرعي الجائر، وكذا الأطعمة المصنعة التي يقدمها السياح من مغاربة وأجانب لهذا الحيوان، إضافة إلى طمع بعض الأشخاص في الحصول على بعض الدراهم مقابل بيعه في مدن أخرى. وللمزيد من التوضيحات حول واقع قرد المكاك البربري بأوزود وأيضا حول خطر وأسباب انقراضه، استجوبت جريدة بيان اليوم الأستاذ عبد الرزاق العلامي الحاصل على الدكتوراه في موضوع «دراسة المكاك البربري بالأطلس الكبير الأوسط: التوزيع الجغرافي والديموغرافي والعلاقة مع السكان المحليين وتأثير الإنسان على بعض مظاهر السلوك عند هذا الحيوان»، حيث أكد بأن هذا الحيوان مسجل في اللائحة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة. كما صرح أنه ومن خلال دراسته لقردة المكاك البربري المتواجدة في منطقة أوزود، بين تتبع ديموغرافيتها بأن عددها قد ارتفع من 25 إلى 40 قردا ما بين 2003 و 2007، بعد ذلك انقسمت إلى مجموعتين صغيرتين تتكونان من 23 و13 قردا. ففي هذه المجموعات انخفاض في نسبة الذكور مقارنة مع نسبة الإناث، كما أن نسبة غير البالغين منهم أقل من المعدل العادي الذي تتميز به المجموعات التي تستوطن غابات الأرز، كما بين حساب المدد الزمنية التي تقضيها القردة في مختلف السلوكات وكذلك في تناول أنواع الأطعمة التي يتضمنها نظامها الغذائي، أن هذا النوع قادر على تكييف سلوكه وكذلك نظامه الغذائي حسب الفصول والوسط البيئي. وتجدر الإشارة إلى أن القردة التي تعيش في المناطق السياحية، حيث تحصل على الأطعمة المرتبطة بالإنسان، تتميز بارتفاع نسبة السلوكيات العنيفة وانخفاض المدة الزمنية المخصصة للبحث عن الغذاء والتحرك داخل محيطها الإحيائي مقارنة مع القردة التي تعيش في أوساط يقل فيها تواجد وتدخل الإنسان، كما أن القردة في المناطق السياحية تعتلي الأشجار وتقضي عليها مدة زمنية أكبر من نظيرتها في المناطق المتوحشة وذلك لتجنب الاقتراب من البشر، وهذا ما يمنعها من الاقتيات على بعض الأطعمة الطبيعية وبشكل خاص الأعشاب التي تعتبر من بين الأطعمة الأساسية في نظامها الغذائي. ولتقييم العلاقات بين السكان المحليين والقردة، بينت دراسة سابقة كانت قد أجريت على عينة من السكان ومدربي القردة الذين يستعملونهم في المدن السياحية والأسواق المحلية، (بينت) بما لا يقبل الشك أنه يتم القبض على أعداد كبيرة من هذه القردة وبيعها في مناطق عدة في الأطلس الكبير، وأن ظاهرة إتلاف بعض المحاصيل الزراعية، وخاصة الأشجار المثمرة والحبوب من طرف القردة، تشكل مصدر نقمة السكان المحليين على تواجد القردة قرب قراهم و حقولهم. وقد تبين من خلال هذه الدراسة أن المكاك البربري الذي يعتبر القرد الوحيد الذي يستوطن شمال إفريقيا و الذي استوطن أوروبا خلال حقب جيولوجية سابقة مهدد فعلا بالانقراض، وقد أكدت هذه الدراسة ودراسات أخرى بالأطلس المتوسط حيث يعيش ثلثا العدد الإجمالي للمكاك البربري وفي جبال الريف وكذلك بالجزائر، أن أفراد الساكنة الإجمالية لهذا النوع قد تناقص بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وقد اتضح من هذه الدراسة أن التدخل الجائر للإنسان هو أحد أهم العوامل التي تهدد وجود المكاك البربري بشلالات أوزود، فالإنسان يساهم من خلال الرعي الجائر وتوسيع الأراضي الزراعية في إتلاف الأوساط البيئية الطبيعية، كما أن القبض على بعض أفراد المجموعات يهدد توازنها الديموغرافي، وبصفة عامة، فإن المجموعات التي تعيش في المناطق السياحية تعاني من تغير في سلوكها الطبيعي وفي نمط غذائها. والحالة هاته، وحرصا على حماية هذا النوع من القردة بشلالات أوزود من الانقراض لما له من أدوار بيئية، سياحية وثقافية، لابد من تضافر جهود الدولة بإشراك السكان المحليين ومختلف المتدخلين محليا، وطنيا ودوليا للتحسيس بضرورة إرساء ثقافة الحفاظ على البيئة، واتخاذ إجراءات زجرية في حق المخالفين.