هزّت أشهر الربيع العربي الحافلة بالأحداث، الدعائم السياسية للعديد من الأنظمة، وعكست الحاجة الطارئة إلى التغيير حتى في بعض الدول التي تبدو محصّنةً في الظاهر، والتي تعاملت بقسوة مع موجة الاحتجاجات الشعبية التي قادها المواطن العربي، الذي كان إلى حين الحقبة التي سبقت العام 2011، ينتابه الشعور بالمخاوف والشعور بالعجز، فهو اليوم مواطنا جديدا و أكثر تفاؤلاً وقوةً، وطبعا هذا الحراك الشعبي الاجتماعي والسياسي لم يستثني المغرب من تداعيات هذه الأزمة السياسية وتأثيراتها السيكولوجية على شريحة مهمة من مجتمعنا المغربي، إلا أن حنكة وتجربة المغرب في تدبير الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتدبير الخلافات علنا، جعل من السلطات العليا في المغرب تلتقط الإشارات بشكل فوري، وأعلنت عن إحداث ثورة هادئة، باقتراح دستور ديمقراطي تقدمي يستجيب للمعايير الدولية من الناحية الدستورية والقانونية، فكانت النتيجة أن تفاعلت مع هذه الثورة جموع الفئات الاجتماعية المختلفة والمتباينة الأفكار والتوجهات – مع الاستثناء طبعا الذي لا يقاس عليه في القاعدة الفقهية- ، وتم إقرار هذا الدستور في استفتاء شعبي ضخم، ضمن للملكة المغربية انتقال سلس وسلمي إلى ملكية ثانية بقيادة محمد السادس. وطبعا للموضوعية والإنصاف، ساهمت جل القوى الحية في البلاد من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وهيئات مدنية وأهلية في هذا الانتقال السلمي بشكل مرح وحر، في أفق تطوير الممارسة السياسية على قاعدة المحاسبة والشفافية، والعمل على وضع تصور دقيق لملامح مغرب الديمقراطية الحقيقية الذي يكفل العدالة الاجتماعية والمساواة والحريات الأساسية والفصل بين السلطات وعلوية القانون. لقد جاءت الاستجابة الشعبية بشكل فوري لكل هذه المتغيرات، من خلال الزلزال الانتخابي الذي فاقت نسبة المشاركة فيه كل التوقعات، واكتساح العدالة والتنمية ل 107 مقعد من أصل 395 مقعد. واحتراما للمنهجية الدستورية فقد كلف ملك البلاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من أجل تشكيل حكومة سياسية منبثقة من صناديق الاقتراع، وهي تجربة سياسية رائدة بكل تأكيد على الصعيد الإقليمي، على الأقل. فما موقع حزب التقدم والاشتراكية في هذا الحراك السياسي والاجتماعي والانتخابي؟ الجواب البديهي على هذا التساؤل، يكمن في أطروحات وتوجهات الحزب منذ سنوات خلت، ولا داعي لسردها، فبصمات المشروعية التاريخية والنضالية والفكرية والاقتراحية للحزب منحوتة على صفحات التاريخ السياسي للبلاد، وآمن دائما بأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار سياسي أو حزبي أو مصلحي أو نفعي، ومن هذا المنطلق، فإن حزب التقدم والاشتراكية مدعو اليوم لإتمام مهمته والاستجابة لنداء الوطن، بعيدا عن كل المزايدات والمضايقات، بل والتبريرات الواهية التي تنم عن نزوات ذاتية ضيقة، وذلك لعدة اعتبارات موضوعية: - الحضور الفكري والاقتراحي المتميز لحزب التقدم والاشتراكية في التعديل الدستوري الأخير؛ - نجاح حزب التقدم والاشتراكية في تدبير الشأن العام منذ حكومة التناوب في سنة 1998؛ - إيمان حزب التقدم والاشتراكية باستمرار نهج الإصلاحات والأوراش الكبرى المفتوحة اليوم؛ - جرأة حزب التقدم والاشتراكية في مواصلة تحمل مسؤوليته واستقلالية قراره؛ - تجديد ثقة المواطن في حزب التقدم والاشتراكية رغم المضايقات والضغوطات؛ - اعتبار حزب التقدم والاشتراكية الارتكان إلى المعارضة بدون مبررات موضوعية جبن سياسي؛ - إدراك حزب التقدم والاشتراكية بأن التحالفات الحكومية هي سياسية برنماجية وليست مذهبية وماكر من يريد تغليط الرأي العام بغير ذلك؛ - تقاسم حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية مشروعية النضال التاريخي والعمق المجتمعي واستقلالية القرار؛ - تقاسم حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية هواجس الفساد والمفسدين؛ - التقاط حزب التقدم والاشتراكية رسالة التغيير الشعبي المنشود الذي أحدثته صناديق الاقتراع، ولا يمكن للحزب أن يكون ضد هذا التغيير بالارتكان إلى المعارضة؛ ووجبت الإشارة إلى انتفاء الشروط الموضوعية لاتخاذ حزب التقدم والاشتراكية موقفا نشازا باصطفافه في المعارضة إلى جانب من أرادوا به سوء وحاولوا عبثا عزله من داخل الحكومة ومن خارجها، فهو حزب مستقل في قراره وفي تنظيمه، وموحد في صفوفه، رغم الاختلاف والخلاف أحيانا، وهو ملزم في هذه اللحظة التارخية المفصلية بالتضحية من أجل خدمة المصالح العليا للوطن، خاصة في ظل شروط سياسية ودستورية وقانونية متقدمة وناضجة والتي ستفرز حكومة سياسية قوية خالية من العبث والإنزال السياسين، وبأحزاب تملك قراراتها بيدها، والتي من حقها الطبيعي والمشروع أن تقطف ثمرات التنزيل الدستوري السليم. لهذه الأسباب كلها، فإنه بات من الضروري على القوى الحية، خاصة، أن تدرك أنها قد دخلت مرحلة سياسية جديدة فارقة تستلزم تقييم الأمور بشكل موضوعي، وتحديد فعل سياسي شجاع من أجل انطلاقة جديدة للمغرب نحو ما يتطلبه بناؤه القويم من جهد مشترك وفعال وتعبئة شاملة وجهودا مشتركة من طرف كل الفعاليات الوطنية من أحزاب سياسية وشركاء اجتماعيين ومنظمات مهنية وجمعوية وقادة الرأي، لتوفير قيام ظروف موضوعية و ذاتية ملائمة من أجل إحداث "صفعة نوعية" متعددة الأبعاد، من شأنها خلق دينامكية قوية تضغط باتجاه قيام سياق جديد، تأخذ فيه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ملامح أكثر انسجاما مع تطلعات القوى و الفعاليات التي ظافرت جهودها من أجل إسقاط الفساد والاستبداد. *باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري عضو اللجنة المركزية لحزب القدم والاشتراكية عضو المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية