مستشار ترامب: الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه "قوي ولا لبس فيه"    المغرب ينتزع لقب البطولة الإفريقية للمواي طاي بالعاصمة الليبية طرابلس بأربعة عشر ميدالية، منها 11 ميدالية ذهبية و 3 ميداليات فضية    توقيع اتفاقية شراكة بين الاتحاد الإفريقي لكرة القدم والخطوط الملكية المغربية    لقجع يحث أشبال الأطلس على خوض النهائي أمام مالي بعزيمة وتنافسية    علاش الإمارات عطاوها؟ .. لطيفة رأفت تشعل إنستغرام بتعليق ساخر عن رجاء بلمير    ماء العينين تنتقد "تخوين" المغاربة المحتجين على رسو السفن الحاملة للعتاد العسكري الإسرائيلي بموانئ المغرب    يهم الناظوريين الراغبين في أداء المناسك.. السعودية تشدد إجراءات حج 2025    أرباب سيارات الإسعاف ونقل الأموات يطالبون بتنظيم القطاع وتحسين ظروف العمل    مسؤول أمريكي: تجديد تأكيد أمريكا دعمها لسيادة المغرب على صحرائه" "قوي" و"لا لبس فيه"    ضحايا زلزال الحوز ينتقدون خروقات توزيع الدعم ويحملون الحكومة مسؤولية استمرار معاناتهم    "ميرسك" تنفي نقل السلاح لإسرائيل عبر موانئ مغربية    "البرلمانات الداعمة لفلسطین" تعتزم إنشاء مجموعة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين    جبهة: ميناء طنجة يستقبل فجر الإثنين سفينة "ميرسك" المحمّلة بمعدات طائرات "إف 35" المتجهة لإسرائيل    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الأخضر    إطلاق أول شهادة مغربية في صيانة بطاريات السيارات الكهربائية بشراكة مع رشيد اليزمي    حملة مراقبة في إكنيون بسبب السل    فوزي لقجع يحفّز "أشبال الأطلس" قبل نهائي الحُلم    كأس "الكاف".. نهضة بركان يواصل سعيه نحو ثالث تتويج قاري    هل تعود لغة الحوار بين المغرب والجزائر بوساطة أمريكية؟    طقس السبت حار بأقصى الجنوب وممطر في باقي المناطق    توقيف مواطن نرويجي مبحوث عنه دوليًا بالدار البيضاء    كيوسك السبت | أشغال إنشاء وإعادة تأهيل الملاعب "الكان" تسير بشكل جيد    المتقاعدون يحتجون بالرباط للمطالبة برفع معاشاتهم مراعاة للغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية    لماذا قررت أن أكتب الآن؟    العربية للطيران تدشن خطا جويا جديدا بين الرباط والصويرة    ملف التازي يُطوى في مرحلته الاستئنافية.. البراءة من الاتجار بالبشر والزوجة خارج أسوار السجن    المحكمة تدين المتورطة في الاعتداء على سلمى بتسعة أشهر نافذة    معهد أمريكي يقدم حججًا قوية تدعو واشنطن إلى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية    المنتخب الإيفواري يظفر بالمركز الثالث بتغلبه على نظيره البوركينابي بركلات الترجيح (4-1)    الإفراج عن 10 آلاف صفحة من سجلات اغتيال روبرت كينيدي عام 1968    وداعا للورق.. المغرب يدخل عصر رقمنة وثائق الحالة المدنية    تونس تُصدر أحكاما ثقيلة على معارضين    اعترافات قضائية خطيرة.. هشام جيراندو "مسخوط الوالدين" وعائلته تتبرأ من جرائمه    هل يفوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا؟ .. الذكاء الاصطناعي يجيب    القنصل العام الفرنسي يزور مركز التقاء الشباب بحي القصبة بطنجة ويؤكد استعداده لدعم التعاون الثقافي والاجتماعي    "كان" الفتيان.. كوت ديفوار ثالثا    بالأرقام.. وزير الفلاحة يفند مزاعم "المعارضة" بشأن استنزاف الفلاحة السقوية للثروة المائية    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر.. إن الدستور ليموت بموت النظام
نشر في هسبريس يوم 19 - 04 - 2019

حتى لو أجهدت نفسك، عزيزي القارئ، غاية الإجهاد، وفتشت في كل دساتير دول العالم، ديمقراطية كانت أو حتى ديكتاتورية أو كانت تقعد في مكان ما بين الديمقراطية والديكتاتورية، فإنك بالتأكيد لن تعثر أبدا مهما حاولت على فصل واحد أو مادة واحدة فيها لدولة واحدة تنظم حالة الانقلاب أو الثورة..
ذلك أن من طبع كل واضعي الدساتير أن يتسموا بالطوباوية بخصوص هذه النقطة بالذات، بحيث لا يخطر لهم على بال أن يتطرقوا إليها. فالمشرعون الدستوريون إنما يكدون ويجتهدون ويتخيلون ما شاء الله من الوعكات الدستورية المختلفة إلا وعكة الانقلاب أو الثورة لأنها بكل بساطة تعني نهاية النظام. وبالتالي تميل كل الوصفات التي تعج بها النصوص الدستورية إلى ضمان دوام نظام الدولة واستمراره لا إلى ترتيب سقوطه وانهياره، أي أنها تنظم حياة النظام واشتداد عوده فقط، وتربأ بنفسها عن تنظيم مماته. وما لا شك فيه أنها لو أنها فعلت ذلك لحظة ولادة الدستور ستظهر كمن يتحدث عن الطلاق أثناء إبرام الزواج، وهذا مما لا يجوز بالبداهة، وهذا ما يفسر هذه الثغرة المتعمدة والطبيعية التي تتفق عليها كل القوانين الأساسية .
ولعلك تفهم مني أيضا، أنت يا من تراجع هذه الخطاطة المتعجلة، أن مناسبة هذا الحديث إليك هو ذاك النقع الذي أثاره غبار معركة الفصل 102 من دستور الجزائر التي تدور رحاها ببلد المليون ونصف المليون شهيد بين القائلين بالشرعية الدستورية والمناصرين تبعا لهذا الموقف لقرار القايد صالح بتنصيب بنصالح رئيسا مؤقتا للدولة، كما ينص على ذلك الدستور الجزائري الحالي، وأولئك الذين يدعون بدلا عنها إلى إحلال الشرعية الشعبية التي يمثلها الحراك، الذي خرج على حكام المرادية كمارد طال حبسه في قمقم القهر والظلم المطبقين على الجماهير، التي ملت عذابها بين فكي "العصابة"، فيناوئون كنتيجة لذلك كل عودة محتملة عبر بوابة الدستور لرموز النظام الذي يسعون إلى وأده، بالدعوة إلى تفعيل مبدأ السيادة الشعبية، وبالتالي ينادون بضرورة نهج مسار آخر مختلف يصل إلى ابتداع حلول سياسية خلاقة تليق بزخم اللحظة الفارقة التي تعيشها الجزائر الثائرة.
يبني الشعب الجزائري ومعه جزء كبير من المعارضة، التي يبدو من خلال بعض تصريحاتها الأخيرة أنها قررت أخيرا أن تشرب حليب السباع، مواقفه على عدد من الدفوعات الوجيهة، منها: أن الثورة أسقطت بالضربة القاضية العقد الاجتماعي القائم في الجزائر، وخلقت بالتالي وضعا مختلفا عما سبق، ويستحيل وضع معالمه المستقبلية الركون مرة أخرى إلى استخدام القديم، فالجمهورية الثانية ينبغي أن تبنى من طرف من لم يتورطوا أبدا في التنكيل بالشعب، ومن لم يعملوا قط على تبديد آماله وأحلامه فيما مضى من زمن الديكتاتورية المنبوذ. ولذلك يرى أنصار هذا التوجه أن الشعب بثورته عاد خطوات إلى الوراء، واسترجع بالتالي تفويضه للحاكمين ليتمتع من جديد بسيادته، التي هي مصدر كل السلطات، وأن له وحده الآن أن يرسم معالم الجمهورية الثانية، التي تبدأ وجوبا من خلال عدم تفريط الثوار في الانفراد برسم معالم المرحلة الانتقالية. ثم يزيد هؤلاء "المشرعون الجدد" فيفرقون حتى في نصوص الدستور الحالي بين مواد أساسية مبدئية لها الكعب العالي، والنصوص المسطرية التي لن تستنسخ إلا عهد بوتفليقة، معتبرين أن الفصلين 7 و8 هما الفصلان المفتاحان لهذه المرحلة الدقيقة، ما داما يؤكدان على أن السيادة ملك للشعب، وهو ما لا يدع مجالا للمقارنة مع الطابع الإجرائي للفصل 102 .
ولذلك يكون من حق الشعب وفقا لفلسفة الثورة أن يضيق الخناق على من يعاكسون ثورته، وأن لا يفعّل إلا تلك النصوص التي لها ارتباط وثيق ومباشر بممارسته لحقوقه، أي تلك التي تلقى هوى في أعماق نفسه المفعمة بالرغبة في الانعتاق. كيف لا وخروجه في ثورة هو أكبر دليل على أنه لم يعد يثق في المؤسسات القائمة الآن. ولذلك يكون ترك الحبل على الغارب والتساهل في تطبيق الفصول الإجرائية في الدستور فرصة للنظام ليتصرف مثل ذاك المدرب الذي يغير فقط لاعبا بلاعب آخر، بينما هدف الحراك طرد كل اللاعبين وتغيير النظام لا تغيير جلد النظام.
إنها إذن معادلة جديدة بزغت تقتضي تغليب التأويل والتفسير الذي يتبناه الشعب للمواد الدستورية بعد أن بدا واضحا أنه لم يعد يقبل الحِجر ولا الوصاية من أي جهة كيفما كانت .
إنها معركة كسر عظام حقيقية تجري بين الحراك، الذي يريد تغيير قوانين اللعبة وإعادة التفاوض على كل بنود العقد الاجتماعي، وبين الدولة العميقة، التي ربما لم تحسن التقدير حين تأخرت في الاستجابة لمطالب الحراك، فاضطرت إلى قنطار علاج عوض دينار وقاية كان يكفيها لو أنها فهمت في الوقت المناسب أنه لا مجال بعد الموجة الأولى للربيع العربي، وبعد ظهور الاحتجاجات حتى بفرنسا، لاستمرار رئيس عاجز كبوتفليقة .
ولذلك يفهم الكثيرون أن دفع بوتفليقة إلى الاستقالة كان أمرا مدبرا، ومجرد مناورة فقط لجر البلد نحو خيار الفقرة الثانية من الفصل 102 بعد الاتفاق معه على التنحي طبقا للفقرة الأولى منها، فلا يكون هناك مناص من البقاء رهن هذا الفصل للاستمرار في عملية إعادة انتاج النظام من جديد.
هناك الآن خيارات عدة مطروحة، رغم إعلان القايد صالح لبنصالح رئيسا مؤقتا، تتراوح بين الاستمرار في تبني الحل الدستوري وبين الانتقال إلى الحل السياسي أو المزاوجة بينهما .
وفي الحقيقة، فإن الجماهير التي تستشعر بمرور الثورة أنها أضحت فاعلة بحراكها غير المسبوق لا ترفض الدستور، وإنما ترفض الوجوه التي يسفر عنها الاحتكام إلى نصوص هذا الدستور. إنها تريد جمهورية جديدة خالية من الرموز القديمة التي كانت لصيقة بالنظام، خصوصا أن هذا الدستور لم يكن يحترم من طرف الأزلام الراحلة، فلم كل هذا الكلف وهذا الحرص على تطبيقه الآن؟ لقد فات الأوان. فالدستور لا يضمن التخلص منهم ولا رحيلهم كما يود الحراك .
لكن القايد صالح الذي لا يزال وضعه ملتبسا ونواياه الحقيقية غير واضحة بخصوص صحة زهده في تسنم السلطة الأولى للبلاد، والذي يساير إلى الآن الشعب في مطالبه، قد يرغب أيضا في الخروج من الدستور ليضرب صفحا عن ذاك الزهد الذي أبان عنه بعد أن يكون قد أظهر تهافت الثورة وسيرها بالبلاد نحو المجهول برفعها شعار "يتنحاو كاع"، خصوصا أن التهاب الوضع على الحدود الليبية والمالية يخدم مراميه في الإمساك بالحكم مباشرة دون طبقة سياسية وسيطة.
المشكلة في الجزائر أن النزال بين الشعب والجيش يبدو متكافئا إلى حدود اليوم، فالجمهورية القديمة لم تنحل بعد، والجمهورية الجديدة لم تحل بعد. إذ لا يعرف إلى الآن إن كان القايد صالح ينظر إلى الدستور بكونه يكفل فقط خارطة طريق وسراجا ينير السبيل في هذا الليل البهيم مهما كان ضوؤه خافتا عوضا عن التخبط في الظلام دون دليل، أم أنه سيسعى إلى أن يتقاضى ثمن تنحيته لبوتفليقة بعد أن يتسرب الوهن إلى أوصال الحراك ويتم إرهاقه، وبعد أن يثبت بأن الجيش هو البديل عن الفوضى.
ولذلك فإن طول النفس وإبراز إرادة صلبة وتصميم وعزيمة لا تلينان هي صمام الأمان لكي تنجز الجزائر ثورة غير مسبوقة في العالم العربي. ولذا يتعين على هذه الجماهير الرافضة للتسويات الهجينة أن تثبت للجميع أنها جادة، وأنها قادرة على إدارة الصراع إلى النهاية، وأنها فوق كل هذا مصدر كل السلطات الآن، آنذاك وآنذاك فقط ستصدر كل الفتاوى الدستورية والسياسية لصالحها. كما أن أحدا لن يستنطق الدستور بقدر ما سيستجيب لزخم الثورة وينصت إلى نبضها.
*أستاذ بكلية الطب بالرباط دكتور في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.