حالة استياء عارم خلّفها قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في حق معتقلي "حراك الريف"، بتأييدها الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية، حيث شدد عديد من الحقوقيين على أن القرار كان متوقعا وانتكاسة حقيقية في تاريخ القضاء المغربي الذي أخلف الموعد مع الحق والقانون، لافتين إلى أن ملف المعتقلين بمثابة الوجع الذي تخلصت منه الدولة، كما استبعدوا لجوء المعتقلين إلى النقض بعد أن قاطعوا الاستئناف. وطوت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ليلة الجمعة، ملف حراك الريف، بعد جلسات ماراطونية وشد وجذب بين المتهمين وهيئة الحكم، بإدانتها للنشطاء بالعقوبة السجنية التي حكم عليهم بها في المرحلة الابتدائية.. وهكذا حكمت الهيئة على ناصر الزفزافي، زعيم الحراك، رفقة نبيل أحمجيق، "دينامو الحراك"، ووسيم البوستاتي وسمير اغيد بعشرين سنة سجنا نافذة. الدولة تخلصت من الوجع قال الناشط الحقوقي خالد البكاري: "في ملفات مشابهة لحراك الريف، عادة ما تتجه المحكمة نحو الإيهام بإعادة النظر في الملف وإصدار أحكام جديدة قد تفيد التخفيف النسبي "مكياج" أو الزيادة؛ لكن ما حصل يوم أمس خطير، حيث قالت الدولة بصريح العبارة إن القضاء غير مستقل ولتفعلوا ما تشاؤون، لا يهم". وأضاف البكاري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المعتقلين غالبا لن يتوجهوا إلى النقض، بحكم أنهم رفضوا الوقوف أمام الاستئناف"، لافتا إلى أن "السياق العام للمحاكمة وللبلد يكشف أن الأمر لن يكون في اتجاه الفرج"، وزاد: "الدولة غير مستعدة، واعتبرت الحراك بمثابة الوجع الذي تخلصت منه". وأردف المتحدث أنه "السبيل الوحيد لحل الملف ليس هو صورة البلد أو الديمقراطية، بل هو خوف المسؤولين على الدولة من الانهيار"، مشددا على أن "ملف الحراك غير عادي بالمطلق، فهو مرتبط بمنطقة لطالما كانت علاقتها متوترة بالمركز، والمطلوب هو المصالحة وليس تعميق الجراح"، مشيرا إلى أن "الدولة تعيد تكرار نفس أخطاء ملف الصحراء". حكم متوقع سجل عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن "تأييد الأحكام الابتدائية استئنافيا كان متوقعا"، مشيرا إلى "ضرورة استحضار جملة من العوامل، لفهم ما جرى، لا مجال للحديث عن قواعد المحاكمة العادلة؛ فنحن أمام محاكمة ذات طبيعة وخلفية ورسائل سياسية بامتياز، إلا من بعض الحالات الاستثنائية القليلة التي لا يستقيم معها التقييم، ولعل غياب المتهمين عن الجلسات دليل عن إدراكهم لهذا الحكم". وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الدولة مصرة إصرارا على تسفيه وتجريم كل حراك ينطوي على مناهضة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المزري عبر الاحتجاجات السلمية، من خلال استهداف النشطاء الذين يشكلون دينامو تلك الاحتجاجات، وقد يروم احتمال الحل الوحيد لملف المعتقلين عبر مسطرة العفو، وهو منفذ لا يخلو من رسائل". وأوضح المتحدث أن "هذا الخيار التكتيكي والإستراتيجي في آن واحد من شأنه أن يكرس لمزيد من الاحتقان لدى الأجيال المتعاقبة.. لذلك، فالأسباب وراء الاحتجاجات التي شهدتها الحسيمة وجرادة وزاكورة وغيرها ما زالت قائمة، بل تبدو الأوضاع آخذة في التفاقم، خاصة أن مساع حثيثة يقوم بها المجتمع المدني لفض بعض النزاعات وإرجاع الحقوق إلى ذويها لا تلقى لها صدى لدى ممثلي السلطات العمومية". وزاد الخضري بهذا الشأن: "غالبا ما يتم إجهاض المحاولات المدنية، لكن خيار سياسة القمع في حق المحتجين لن تستطيع الصمود طويلا، إزاء تقويض ممنهج لفرص العيش الكريم وتفشي اللامساواة بين المواطنين، وتجاه التطلعات المشروعة في الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد والاستبداد ونهب الثروات".