بلا مقدمات، واحتراما لوقت القراء الشرفاء الأعزاء الثمين؛ الواقع أن كل فئة تبحث عن منفعة تخصها. فالتوظيف بالتعاقد لا يقبله الأساتذة المتعاقدون، رغم تعاقدهم بمحض إرادتهم، ولكنه لا يغضب كثيرا الأساتذة المدمجين في الوظيفة العمومية. والدليل أن المتعاقدين وحدهم يحتجون. فالقضية ليست إذن قضية وعي استثنائي أو اهتمام عام مفاجئ بمستقبل البلد برمته، أو بمستقبل الأجيال اللاحقة، أو بضرورة إصلاح منظومة التعليم - والله أعلم -، بقدر ما هي مسألة خاصة تهم من وجد في التعليم حلا لإنقاذ نفسه من البطالة - وهذا أمر مفهوم ومشروع -، في حين أن التعليم رسالة عظيمة قبل أن تكون مهنة، أو ربما مجرد وسيلة للحصول على أجرة مضمونة من أجل العيش الكريم. إصلاح التعليم لا يحتاج إلى أفكار عباقرة خارقين، بل فقط إلى إجراءات معروفة تتعلق بوضعية المعلم وتأهيله وتكوينه وتشجيعه، وتوفير التجهيزات والوسائل الضرورية من مدارس ومؤسسات تعليمية وجامعات، مع تكريس مبدأ تكافؤ فرص النجاح والتألق بالنسبة للتلاميذ والطلاب، وهذا يعني أن يكون التعليم عموميا ومجانيا. طيب. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فإصلاح منظومة التعليم تبقى قضية مالية بالأساس، والحال، على ما يبدو، أن الحكومات المتعاقبة ابتليت بنقص في الرزق، مما جعلها تتجه نحو خوصصة التعليم كخيار استراتيجي للتخلص من عبء تكلفة التعليم. وبطبيعة الحال، هذا توجه غير صائب بتاتا واختيار مفلس، ولكنه أضحى واقعا مسلما به لا بد من التعامل معه في انتظار، بفرج من الله، بحث أو تقرير أو عمل عملاق يعالج ويقدم الحلول الحقيقية لجميع قضايا الوطن بشكل ناجع، واضح، متقن، بليغ، نافذ وقابل للتطبيق الفوري... وكذلك الحال فيما يتعلق بقضية الصحة. فالأطباء يحتجون بين الفينة والأخرى من أجل وضعيتهم الخاصة، ثم يخرج الممرضون للاحتجاج من أجل تحسين أوضاع تخصهم وحدهم، إلى آخره... فهي إذن احتجاجات خاصة لا علاقة لها بأي وعي أو اهتمام بمستقبل البلد وتقدمه - والله أعلم -، بقدر ما هي احتجاجات فئوية تستعمل الضغط على الإدارة من أجل المحافظة على حقوق مكتسبة مشروعة أو الحصول على منفعة إضافية. أما النهوض بقطاع الصحة - أو بقطاع التعليم -، فيحتاج فقط إلى موارد مالية. هذا كل ما في الأمر. ومعلوم أن الإرادة وحدها دون مال، خاصة في عصرنا هذا، لا تسمن ولا تغني من جوع. طيب. ولكن إذا كانت عملية إنقاذ سفينة التعليم تحتاج إلى موارد مالية مهمة، وإذا كانت منظومة الصحة تحتاج إلى أموال ضخمة، وإذا كان المال غير متوفر أو غير كاف، فما العمل؟ هذا هو السؤال. والجواب هو كالآتي في نقطتين: 1- الحل الشامل يكمن في خلق الثروة وإيجاد منابع دائمة لتمويل قطاع الصحة وقطاع التعليم. نعم، بكل بساطة؛ مع أن الأمر يتطلب طبعا تشغيل العقل والحكمة والبصيرة، وهذا من اختصاص المثقفين الملهمين وحدهم من غير السياسيين؛ مع كامل الاحترام للسياسيين الجادين ولمهماتهم التي تخص السياسة فقط... 2- أما الحل المؤقت في إطار دوامة السياسة الديمقراطية الجاري بها العمل، فيكمن في وضع التعليم والصحة، على الأقل، على رأس لائحة الأولويات عند تحضير الميزانية العمومية، إلى آخره... يتبع إن شاء الله.