فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب الفاسي يخسر أمام البركانيين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي في حوار مع ذ. عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي

تعاني الجامعة المغربية العمومية اليوم، في إطار التدبير الحكومي الحالي من اختلالات متنوعة، ولمناقشة طبيعة هذه الاختلالات والوقوف عند أوضاع الجامعة المغربية العمومية، حاورت الاتحاد الاشتراكي عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي الذي استعرض في هذا الحوار، مشاكل الجامعة العمومية على مستوى البنيات التحتية ،وشروط التكوين والتحصيل ،ووضعية البحث العلمي ومواقف النقابة من توحيد الجامعة واستقلاليتها، كما عبر عن موقف النقابة من التعليم العالي الخاص المحدث في إطار الشراكة ،ومشكل الأساتذة المتدربين والعنف الذي يضرب الجامعات اليوم ويحولها إلى حلبة للصراع بدل أن تكون منارة للمعرفة والتكوين .
o ماذا تحقق للجامعة المغربية بعد انقضاء عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين على مستوى التدبير والبنيات التحتية وجودة التكوين والبحث العلمي؟
n تشكل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الإطار المرجعي لكل مجتمع عادل، ومن هذا المنطلق ولتحقيق العدالة الاجتماعية كان من الضروري أن يتجه نضال المجتمع المغربي بعد الاستقلال، من خلال أحزابه التقدمية ونقاباته المواطنة، نحو التأسيس لبناء مغرب حديث تقدمي ديمقراطي مرجعيته الأساسية الإنصاف، الذي يعطي لكل مغربي، وبغض النظر عن وضعيته الاجتماعية، الحق في ولوج المعرفة التي تعتبر سلاحا ضد التهميش والقهر.
لقد كان نضال الحركة الوطنية نبيلا في مضمونه وأهدافه وغاياته، والتي أضحت بارزة بشكل واضح في دستور 2011، الذي اعتبر العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص المنطق الذي يجب أن تبنى عليه عملية التكوين وتلقي المعرفة.
لقد كان هذا التوجه حاضرا ،وعلى مر العقود، في بلورة تصور لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي كقوة اقتراحية فاعلة من خلال المساهمة المؤثرة في المناظرات الوطنية حول التعليم أو في اللجان المتعددة للإصلاح، أو في مراجعة القوانين والمراسيم أو على مستوى المشاركة في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي اعتمده المغرب بكل مكوناته خارطة للطريق لإصلاح منظومة التربية والتكوين. ذلك الميثاق الذي يعتبر اليوم منطلقا أساسيا لأي توجه استراتيجي لمنظومة التربية والتكوين التي تعاني الكثير من الخلل حينما أكد التقرير التحليلي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن العديد من مضامينه بقيت دون تطبيق فعلي على أرض الواقع. وهو التقرير الذي اعتمد من بين المرجعيات الأساسية للرؤية الاستراتيجية 2015-2030.
إن الدول التي تحترم نفسها تضع الإنسان فوق كل الاعتبارات وبالتالي يصبح أي تطور حقيقي لتحقيق الصعود لابد أن يمر عبر استثمار الدولة في تكوين الإنسان وتعليمه وبحث كل السبل لتطوير معارفه، فالمعرفة حق من حقوق الإنسان ولابد أن يتجسد هذا الحق في كل لحظة من لحظات بناء الدول الصاعدة كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي انخرط فيها المغرب.
لقد فتح المغرب ورش التكوين والتربية والبحث العلمي من خلال المجلس الأعلى في صيغته الجديدة، وهو ورش يحضر فيه الفاعل السياسي والاجتماعي والأكاديمي من أجل التداول في حل معضلة التكوين والمعرفة التي تؤسس للرأسمال اللامادي في الفرد والإنسان والمجتمع ويعتبر الفاعل الاجتماعي حاضرا بقوة في هذا المكون ليؤكد على أن أي تقدم لا يمكن أن يتحقق بدون رؤيا واضحة.
إن طرح الإصلاح كأداة للتغيير يقتضي مقاربته في وضعه الشمولي وليس الجزئي، فإصلاح مكونات التربية والتكوين والبحث العلمي يعتبر جزءا من إصلاح مجتمعي شامل، بحيث لا يمكن أن تكون المدرسة والجامعة فاعلة في مجتمع لا يعترف بهما وقد لا يساير تطورهما، والمقصود بالاعتراف يقتضي وضع الثقة في إمكانياتهما في مجال التكوين والبحث، وهي ثقة يجب أن تتوفر كذلك لدى مكونات المجتمع بكل مستوياته.
إن مقاربتنا للإصلاح بالمغرب تنطلق من بعدين، بعد نظري له علاقة بما يجب أن تكون عليه مؤسسات التكوين والبحث، وبعد واقعي يرتبط بمدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية التي تؤهلها لتحقيق أهدافها أي المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد. وهي تنمية لا يجب أن تنحسر في تغيير عقليات مؤسسات التكوين ولكن التغيير يجب أن يشمل المحيط كذلك.
إن إصلاح المنظومة انطلق من ثلاثة أبعاد، بعد الحكامة الجيدة والتدبير التشاركي، وتطبيق آليات بيداغوجية جديدة، وتطوير البحث العلمي من خلال وضع استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
إن دخول هذه الأبعاد الثلاث حيز التطبيق نظريا بدأ مع الميثاق الذي أفرز عددا من القوانين المنظمة للأكاديميات والجامعات وهي القوانين التي تحتاج اليوم إلى تقييم حقيقي يستحضر المكتسبات والمعيقات وهي القوانين التي يجب أن يعاد فيها النظر بشكل يجعلها مؤهلة لإحداث تحولات جذرية في مجال صناعة المعرفة.
إن التفكير في إدخال هذه الأبعاد حيز التطبيق يعرف العديد من العراقيل مما جعل هذه الأبعاد بعيدة عن تحقيق الأغراض التي وضعت من أجلها، ورغم اعتبارنا خلال بداية التفكير في الإصلاح أن الجانب التقني يعتبر ضروريا غير أن زمنه استغرق أكثر ما يلزم، ما يناهز أكثر من عقد من الزمن، لازلنا إلى حدود اليوم لم نتمكن من وضع صيغ أعمق تتجاوز ما هو تقني لترقى إلى مستوى تطلعات المجتمع أي تحقيق التنمية الشاملة وبلورة مشروع مجتمعي مبني على الصيغة النضالية التي تأسست على مدى عقود والتي جعلت منظومة التكوين متلازمة مع المشروع المجتمعي بحيث يصبح المجتمع جزء لا يتجزأ من المنظومة، بل هو المنظومة ويصبح التقني ثانويا حينما يتحكم المجتمع في مصيره المعرفي، إنه التوجه الذي يجب أن تؤسس عليه أية إستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي مستقبلا.
o تعبأت النقابة الوطنية للتعليم العالي من أجل إيجاد حلول للملف المطلبي للأساتذة الجامعيين مع الوزارة الوصية، ولكن على مستوى تدبير منظومة التعليم العالي لم تتحقق مطالب أخرى من مثل توحيد الجامعة والاستقلالية....، فما تصوركم لتحقيق هذه الأهداف؟
n يعرف قطاع التعليم العالي مجموعة من التحولات فقد راكم هذا القطاع مجموعة من الإشكاليات همت بالأساس آلية اعتباره مكونا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأداة لإنتاج المعرفة والبحث العلمي. وهي إشكالات ظلت حبيسة الأدوار التي لعبتها الجامعة ومؤسسات تكوين الأطر منذ نشأتها إلى مرحلة التفكير في إصلاحها. دون أن ترقى إلى مستوى البحث عن مكنزمات الموقع الإيجابي للتنمية الشاملة.
o إن النقابة الوطنية للتعليم العالي لا تقتصر في مواكبتها لمشاكل التعليم العالي على الملف المطلبي للسادة الأساتذة الباحثين الذي يعتبر أساسي ولكن اهتمامها أوسع من ذلك فقد طرحت ومنذ عقود قضية التعليم العالي كموضوع علمي للنقاش العام يندرج في إطار سؤال محوري يتمثل في أي تعليم عالي نريد لمغرب القرن الواحد والعشرين وما هي الآليات التي يجب توفيرها لكي يصبح منافسا في عالم يتغير بسرعة ؟
n لقد ظلت الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي فضاء للعلم والمعرفة فضاء يكرس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وإذا كان هذا الفضاء يعرف اليوم أزمة فقد أريد لها أن تكون كذلك من خلال سياسة تهدف إلى خلق مستويات ذات خيارات متعددة تنطلق من الوحدة نحو التعدد غير المنظم فمن وحدة الولوج إلى الجامعة انتقلنا إلى الثنائيات بين مؤسسات تابعة للجامعة وأخرى غير تابعة للجامعة ثم بين مؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح وأخرى ذات الاستقطاب المحدود وانطلاقا من ذلك أصبح تعليمنا العالي متعدد السرعة والجودة. اليوم سارت الدولة نحو خلق سرعة ثالثة تمييزية من خلال خلق مؤسسات للتعليم العالي مؤدى عنها في إطار ما يعرف بالشراكة دون أن تخضع لأية قوانين ولا لأي دفتر تحملات، وهو ما يعني توجه الدولة نحو بداية التملص من الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي العموميين.
إن أي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن ينطلق من ضرورة حماية وتطوير الجامعة كمرفأ عمومي من الضروري أن يتوفر على قانون إطار يشكل أداة لحماية موارده البشرية والمالية وأن يحدد مسؤولية الدولة اتجاهه من خلال الزيادة في الاستثمار في مجال المعرفة باعتبارها قاطرة حقيقية للتنمية، إن أي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن تنطلق من فهم حقيقي للأدوار التي نريد أن يلعبها هذا المرفق العمومي في هذا البلد وفي إمكانية جعله ذا جودة عالية سواء على مستوى التكوين أو البحث أو التدبير وإذا كانت هذه المستويات أساسية فإنها أصبحت اليوم متجاوزة على مستويات التقييم الدولية فعلى القانون الإطار المنظم للتعليم العالي أن يستحضر مستويات أعمق تتمثل في السياسة الترابية للتعليم العالي وفي جودة الخدمات العمومية المقدمة وفي مستويات إدارتها وفي تطوير الرأسمال البشري وفي مستويات العلاقة بين الاقتصاد والقانون أو بعبارة أخرى حجم استثمار الدولة في التعليم العالي العمومي. هذا بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في هندسة بنوده بشكل تجعل منه قانونا متكاملا ويجعل منه آلية أساسية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي سواء على مستوى الحكامة الجامعية التي تعرف العديد من المشاكل والتي من الضروري دمقرطتها من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة كما يقول الدستور، أو على مستوى إعطاء أهمية أكثر لتنظيم البحث العلمي أو على مستوى التدبير المالي الذي يجب أن يتحول من المراقبة القبلية إلى البعدية، دون أن ننسى المواد الخاصة بالأستاذ الباحث. هذا بالإضافة إلى ضرورة جعله قانون إطار يرتكز على تقوية وتنمية الجامعة العمومية وتوحيد التعليم العالي بعد الباكلوريا في إطار الجامعة الموحدة. وهي للأسف المعطيات المنطقية التي تبقى بعيدة عن تفكير المؤسسات الإجرائية في هذا البلد رغم أنها تشكل أهم منطلقات الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030.
ما أهم توصيات تقرير الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم الجامعي (2015/2030) الذي ساهمتم في بلورته في إطار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تطابق مع توجهات نقابتكم؟
إن طرح الإصلاح كأداة للتغيير يقتضي مقاربته في وضعه الشمولي وليس الجزئي، فإصلاح مكونات التعليم العالي يعتبر جزءا من إصلاح مجتمعي شامل، بحيث لا يمكن أن تكون الجامعة فاعلة في مجتمع لا يعترف بها وقد لا يساير تطورها، والمقصود بالاعتراف يقتضي وضع الثقة في إمكانياتها في مجال التكوين والبحث، وهي ثقة يجب أن تتوفر كذلك لدى مكونات المجتمع الجامعي. إن هذه المقاربة الإشكالية هي التي باتت حاضرة أمام أعضاء ولجن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حينما وضعوا الرؤية الاستراتيجية لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 والتي ارتكزت على بعدين بعد الرؤيا الأفقية من خلال الحديث عن المدرسة المغربية باعتبار أن من يلج التعليم العالي يتلقى تكوينه في مراحل يجب أن لا تغفل التهيء لهذه المرحلة، وبعد أن يشمل جميع مكونات ومراحل المنظومة ويرتكز على الإنصاف في الولوج إلى التكوين والمعرفة والبحث وفي الحصول على جودة في التكوين التي يجب أن ترتبط بتأهيل مهنة التدبير والتكوين ثم الارتقاء بالفرد والمجتمع ليكون في قلب المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وبذلك تضع الرؤيا بالإضافة إلى الرأي الذي وضعه المجلس بخصوص القانون 00/01 المنظم للتعليم العالي خارطة طريق على المسؤولين العمل على أجرأتها وتحويلها إلى قانون إطار يلزم الجميع ويجعل الفاعل السياسي والفاعلين التربوين والمجتمع بكل مكوناته متملكا للإصلاح ومساهما في بلورته، وبذلك يمكن للإصلاح أن يخرج من دائرة الشعار نحو الواقع الملموس، وهو ما لم يتحقق عقب الميثاق الوطني للتربية والتكوين. كما أن بعد المتابعة حاضر من خلال التقييم الدوري لسير العمل بالاستراتيجية حيث ستخضع إلى تقييم شمولي على رأس كل خمس سنوات وهو ما يجعل الاستراتيجية لا تتوقف عند التشخيص ولكن تطرح الحلول الممكنة من أجل تحقيق إصلاح حقيقي للجامعة ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي.
لقد كانت اهتمامات المجلس بالجامعة والتعليم العالي حاضرة سواء من خلال الرؤيا الاستراتيجية خاصة على مستوى البحث العلمي أو من خلال الرأي الذي أبداه في مشروع تعديل القانون الإطار المنظم للتعليم العالي والذي أحيل عليه من رئاسة الحكومة وهي عملية تدخل في إطار اختصاصاته الدستورية، لقد بني هذا الرأي على المنطق العلمي والنظرة الشمولية لمنظومة التعليم العالي التي يجب أن تتماشى مع الدستور الذي يدافع عن تكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية، وبما أن مشروع القانون المقدم للمجلس ركز بشكل أساسي على معطى منح الشواهد الوطنية للجامعات المؤدى عنها فقد ضرب عرض الحائط، فيما ذهب إليه، الدستور المغربي ، لقد كان رأي المجلس منسجما مع ما يضمنه دستور البلاد والمواثيق الدولية والمتمثلة في الحق في التعليم والمعرفة للجميع.
النقابة الوطنية للتعليم العالي نقابة لها قوة اقتراحية وقد باشرنا النقاش مع الوزارة بخصوص القانون 00/01 منذ بداية سنة 2014 ولم نتفق حول أهداف ومبادئ التعليم العالي هذا بالإضافة إلى أن نظرتنا للقانون المنظم للتعليم العالي كانت شمولية بينما نظرة الوزارة كانت ضيقة ترتبط أساسا بالشراكة ومنح الشواهد الوطنية، وهو ما جعل حوارنا يتوقف وقد عبرنا عن هذه المبادئ حينما تم الاستماع إلينا في المجلس الأعلى وكنا صائبين بخصوصها. اليوم ليس الأساس هو الحديث عن من له الحق أو من أخطأ هذا مصير أمة وشعب ولا يمكن أن نتحدث عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذا البلد دون تعليم عال في المستوى ودون بحث علمي رزين ودون تكوين جيد كلها أهداف يجب أن تكون حاضرة أمام أعيننا ونحن نقنن لمسار الأجيال القادمة وهو ما سنظل مدافعين عنه وهو ما جعل أعداءنا وأعداء العدالة الاجتماعية يفكرون في ضرب وحدة النقابة الوطنية للتعليم العالي.
تأهيل منظومة البحث العلمي من أبرز التحديات المطروحة على الجامعة اليوم، فهل المناخ السائد اليوم في التدبير الحالي للوزارة الوصية والإرادة تسعفان للنهوض بالبحث العلمي ؟
إن ما ميز بداية القرن الواحد والعشرين التطور الذي حدث في صناعة المعرفة فالعلم بمعناه الواسع أصبح من الأنشطة الإنسانية الأكثر أهمية التي تؤثر بشكل مباشر في كل مناحي الحياة، فقد ساعد الدول الغربية وجود مجموعات فكرية كبيرة علمية وثقافية تعمل في مناخ ملائم يضمن ضروريات تطورها، وشكل غياب هذه المجموعات بالعدد الكافي وعدم توفر الإمكانيات الضرورية لها وحتى الوعي بمدى أهمية دور تلك المجموعات الفكرية في أكثر من بلد نام إلى تراجع نمائه وتفشي الجهل، لذلك يصبح الاستثمار في مجال المعرفة والبحث ضرورة استراتيجية لتطوير الاقتصاد والمجتمع. وفي إطار عولمة الاقتصاد وتطور مجتمع المعرفة يصبح البحث العلمي أداة أساسية لإثبات الذات في عالم متغير.
أعتقد أننا حينما نتحدث عن البحث العلمي لا يجب أن نختزله في الإنتاج والمشاريع والمجلات ولكن كذلك في الاستراتيجية وفي الحكامة وفي التمويل وفي علاقة السياسات العمومية بالبحث العلمي فعن طريق هذه التوجهات العامة يمكن أن نساهم في تطوير الإنتاج والمشاريع والابتكار والتي تبقى دون المستوى وتجعل جامعاتنا في مراتب متأخرة وهو ما يجب أن يدفعنا إلى التفكير أولا في تحديد الأولويات في مجال البحث والعمل في إطار أقطاب للبحث لأن الأعمال الفردية، وهي موجودة وذات قيمة علمية عالية، إلا أنها لا تؤثر في جعل الجامعات المغربية حاضرة بقوة على المستوى الإقليمي والعالمي. أيضا يجب أن يصبح البحث العلمي قاطرة للتنمية وأي دولة لا تستثمر في البحث العلمي بحيث يصبح جزءا أساسيا في سياستها العمومية فلن تستطيع أن تحقق النمو الاقتصادي ولا الاجتماعي هذا بالإضافة إلى أننا إذا أردنا أن نكون منافسين على الصعيد الدولي فيجب أن تتحول جامعاتنا من جامعات محلية إلى جامعات دولية من خلال تحديد الأولويات في البحث ومن خلال وضع استراتيجيات واضحة وطنية وجهوية تعمل من أجل العمل على أن يرتبط البحث العلمي في المغرب بحاجيات المجتمع من جهة ومواكبا للتحولات المعرفية التي يعرفها العالم من جهة ثانية.
إن البحث العلمي في المغرب لا يزال بعيدا عن إثبات ذاته بشكل واضح سواء على مستوى المؤسسات الجامعية أو على مستوى المحيط السوسيو الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى تفاوت واضح بين الاهتمام بالعلوم البحتة والعلوم الإنسانية.
إن أي تطوير للبحث العلمي في الجامعة المغربية يجب أن ينطلق من عملية التمويل، حيث أن الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا يعتبر استثمارا على المدى المتوسط والبعيد لأن عائداته لا تظهر إلا بعد مرور السنوات التي تفصل بين الحلول النظرية وتطبيقاتها العلمية. إن ما يخصصه المغرب للبحث العلمي يبقى ضعيفا، وإن كانت التوقعات التي حددها ميثاق التربية والتكوين تتمثل في تخصيص 1%من نسبة الناتج الداخلي الخام في أفق 2010 ، حيث أن هذه النسبة لم تكن تمثل سوى 0,3% سنة 1997 وقد وصلت إلى0,8% سنة 2005 لتستقر اليوم في 0.7 . وقد وضعت الرؤيا الاستراتيجية للمجلس تطورا تدريجيا يهدف تحقيق 1% على المدى القريب و1,5 % سنة 2025 و2% سنة 2030.
إن الزيادة في نسبة الناتج الداخلي الخام لا تمثل سوى جانب من جوانب تطوير البحث العلمي، ففي غياب بنيات تحتية وهياكل فاعلة، وقلة تفاعل عناصر المنظومة مع بعضها البعض وتفاعلها مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن أن نطور البحث العلمي، فالمغرب لا يتوفر على سياسة علمية وطنية موحدة يشترك في بلورتها جميع الفاعلين وترتكز على حاجيات المجتمع، بحيث تتم ترجمة هذه السياسة الوطنية إلى استراتيجية على صعيد كل جامعة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مؤسسة على حدة.
إن إصلاح منظومة البحث العلمي يجب أن تبنى على إرادة حقيقية للدولة وللفاعلين، في إحداث الإقلاع المطلوب والمبني أساسا على تكوين الموارد البشرية وعلى حكامة جيدة لمنظومة البحث العلمي وأخير على تمويل ينبني على: أولا على الزيادة في الميزانية المخصصة للبحث العلمي وثانيا على تبسيط مساطر صرفها، علينا كذلك أن نوازن داخل جامعاتنا بين جودة التكوين والبحث العلمي، وبين البحث في العلوم البحتة والعلوم الإنسانية. وبدون الأخذ بعين الاعتبار المقاربة الشمولية والتدريجية من خلال الوقفات التأملية في كل مرحلة من مراحل هذا الإصلاح تبقى جميع الاستراتيجيات دون جدوى. ويبقى بذلك الاستثمار في المعرفة وتطوير البحث العلمي كفيلين بمواجهة التحديات المجتمعية والمساهمة في القدرة التنافسية للبلاد يعني تأهيل مغرب الغد لكسب رهان التنافسية في عالم متحرك على جميع المستويات وهذا يعتبر أولوية وطنية لا يمكن أن يتحقق سوى من خلال بناء إستراتيجية واضحة للدولة مبنية على التوجيه والبرمجة والتقييم وهو ما يعني إعادة النظر في عمل اللجنة الوزارية الدائمة للبحث العلمي والتقني والابتكار مع التأكيد على ضرورة التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال البحث العلمي انطلاقا من منطوق القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي والأنظمة الأساسية للموارد البشرية . إن هذا المعطى المرتبط بحكامة منظومة البحث العلمي لا يمكن أن يتحقق دون ربط مخرجات البحث العلمي نحو الابتكار وخدمة المجتمع من خلال وضع استراتيجية للبحث تستجيب لمجموعة من التحديات العلمية والتكنولوجيا والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمجالات متعددة مثل الصحة والأمن الغذائي وتدبير الموارد الطبيعية والتقلبات المناخية والحركية والنظام الحضاري والطاقة المتجددة وتطوير الاقتصاد الرقمي والتكنولوجي والتنمية البشرية.
o من الأخطار المحدقة بالجامعة العمومية في التدبير الحكومي الحالي هو دعم التعليم العالي الخصوصي ،وإضفاء الشرعية عليه بتعديل القوانين، فما تأثير هذا التوجه على التعليم العالي العمومي وعلى المجتمع؟
n القطاع الخاص في التعليم العالي مقنن وقد خصص له القانون 01/00 بابا خاصا مبني على ثلاث مراحل الترخيص ثم الاعتماد فالمعادلة وهذا لا يشكل خطرا على الجامعة العمومية لكن الخطر يكمن فيما يسمى اليوم بالشراكة عام خاص وهو اتجاه يمكن أن نقبله بالنسبة للخدمات لكنه يشكل خطرا حينما يرتبط بالتكوين فهي مؤسسات تستفيد من المال العام ولا تخضع للمراقبة ولا المحاسبة ولا تدفع الضرائب إذن هي فوق القانون وهو ما يشكل حقيقة وأدا للجامعة العمومية وضربا للمادة 31 من الدستور التي تقول: « تعمل الدولة ...على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في: الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج ذي جودة».
إن هذه الجامعات المحدثة في إطار الشراكة ستجعل تعليمنا العالي بعد أن كان يسير بسرعتين يتحول إلى سرعة ثالثة لا يستطيع ركوبها إلا من له الإمكانيات رغم أن مثل هذه الجامعات تمول بأموال الدولة أي الضرائب التي تؤديها الطبقة الفقيرة والمتوسطة لأن أصحاب الثروات لا يؤدون الضرائب في هذا البلد إذن هي أموال الشعب تحدث بها مؤسسات جامعية مؤدى عنها ويدرس فيها للأسف من لا يدفع الضرائب فالحكومة لا تفرق بين رسوم التسجيل أو كما جاءت في الميثاق مساهمة الأسر وبين رسوم الدراسة ففي مثل هذه المؤسسات سيدفع من يريد الدراسة فيها ما بين 70 ألف درهم و130 ألف درهم في السنة فماذا نسمي هذه المؤسسات غير مؤسسات ريعية فهي أفظع من الخاصة والحالة أن الجامعة العمومية تبقى خارجة عن أجندة الحكومة وهو ما يؤكد غياب تام لاستراتيجية واضحة لحل معضلة المطلب الاجتماعي على التعليم العالي والبحث العلمي خاصة فيما يتعلق بالبنيات التحتية والطاقة الاستعابية للطلبة ونسبة التأطير التي تبقى ضعيفة دون أن يوجد لها حل وحتى الحلول المقترحة لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
ولإضفاء الشرعية القانونية على هذا الواقع الذي فرضته دوائر ضاغطة تقتات من أزمة المجتمع المغربي، عمدت الوزارة وفق مخططها إلى تمرير المرسوم 2.14.665 بتاريخ 10 نونبر 2014 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 دجنبر 2014 وخاصة المادة 2 التي تحدد شروط الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي الخاصة مع استثناء في المادة 2 للمؤسسات في إطار الشراكة والذي صدر بخصوصها مرسوم رقم 2.15.183 بتاريخ 24 يوليوز 2015 الذي يحدد قائمة الجامعات والمؤسسات التي تربطها اتفاقية شراكة مع الدولة، وهي (ما يسمى بالجامعة الدولية للرباط، والجامعة الدولية الزهراوي لعلوم الصحة، وجامعة محمد السادس متعددة التقنيات ببنكرير، والمدرسة المركزية بالدار البيضاء، والمدرسة المعمارية بالبيضاء)، حيث تطبق على هذه المؤسسات بدون شروط المادة 53 و54 من القانون 00/01. حيث تنص المادة 53 على أنه "يعتبر اعتراف الدولة بإحدى مؤسسات التعليم العالي الخاص بمثابة إشهاد على المستوى العالي لجودة التكوينات المدرسة بهذه المؤسسة ، ويعلن عن هذا الاعتراف بعد استطلاع رأي اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي. وتحدد بنص تنظيمي الشروط والكيفيات التي يتم بموجبها اعتراف الدولة بالمؤسسة وشروط سحبه" وهو المرسوم 2.14.665 أما المادة 54 فتقول: "يؤشر رئيس الجامعة الذي يعين بنص تنظيمي ، على الشهادات المسلمة من مؤسسات التعليم العالي الخاص المعترف بها من لدن الدولة. وتقبل الشهادات المذكورة لمعادلة الشهادات الوطنية."
إن هذه المراسيم التي صدرت خلال صيف السنة الماضية وما قبل الماضية تؤكد على التوجه السلطوي للوزارة الوصية التي تلجأ إلى تمرير الاعتراف بالشهادات عبر مجالس للحكومة غير عابئة لا بمقاومة النقابة الوطنية للتعليم العالي لهذا المنحى الحكومي ولا للرأي المعارض للمجلس الأعلى. وهكذا يمكن للمؤسسات المحدثة في إطار الشراكة خارج القانون الإطار الحصولَ على الاعتراف بشهاداتها لتصبح وطنية دون حاجة للمعادلة، في الوقت الذي تعاني فيه الجامعات العمومية حصارا مُطْبِقا على مستوى التمويل في البنيات التحتية والتأطير وسوء التدبير.
o عرف مسار تكوين أطر التدريس بالمدرسة العمومية اعتماد مؤسسات للتكوين والتوظيف في قطاع التعليم لسد الخصاص، وتحسين جودة التعليم بالمدرسة العمومية، فما موقفكم من الوضعية الحالية للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وما موقفكم من التوجه الحالي المتمثل في فصل التكوين عن التوظيف؟
n إن مهنة التربية والتكوين والبحث العلمي تعتبر أساسية لأي تقدم أو إصلاح فالموارد البشرية المدربة وذات الكفاءة العالية هي الكفيلة بإعطاء نفس حجيج لمنظومة التربية والتكوين والبحث بحيث يجب أن تتوفر فيها العديد من المواصفات منها حب المهنة والتكوين الأساس والمهني الرزين والتكوين المستمر، إن هذه التوجهات وهذه المواصفات تحتاج إلى رؤيا واضحة وإلى بنية استقبال منسجمة فالملاحظ أولا في المغرب هناك مجموعة من المؤسسات تقوم بتكوين مؤطري التربية والتكوين دون أن تكون هناك عملية تنسيقية فيما بينهم، فهناك الجامعات وهناك المدارس العليا للأساتذة وهناك كلية علم التربية بالإضافة إلى المراكز الجهوية للتربية والتكوين هذا إلى جانب مؤسسات التخطيط والتفتيش وكل مؤسسة من هذه المؤسسات تشتغل بمعزل عن الأخرى بل وقد يتكرر نفس التكوين فيما بينها، إذن المعضلة الأولى تتمثل في إعادة النظر في هذا الشتات والتوجه نحو التنسيق العقلاني، المعضلة الثانية تتمثل في الخصاص المهول في الأطر التربوية خاصة في بعض المواد بعينها خصاص مجالي وبنيوي لدرجة أن العديد من الأقسام تبقى بدون أستاذ أو يلتجأ إلى تجميع التلاميذ بشكل لا إنساني داخل قاعات لا تستوعبهم، هذا بالإضافة إلى أننا نطلب من المعلم أن يدرس في إطار الأقسام المدمجة مستويات متعددة. إن هذين التناقضين يحيلان على الرؤيا الاستراتيجية التي أكدت أنه لتجاوز الأزمة يلزم على المغرب أن يُكون العديد من الأطر خاصة وأنه خلال الأربع سنوات المقبلة سيحال العديد من الممارسين على التقاعد، هذا بالإضافة إلى أن سر نجاح عالم التربية والتكوين هو التعليم الأولي الذي ركزت الاستراتيجية على ضرورة أن يصبح جزءا من التعليم الأساسي فأمام كل هذا أظن أن ما يصطلح على تسميتة بفصل التكوين عن التوظيف يعتبر أمرا خاطئا انطلاقا من أننا لم نستطع لحد الآن أن نسد الخصاص المهول فبالأحرى أن نحرم عالم التربية والتكوين من 3000 خريج أكفاء لسد هذا الخصاص إن مقاربة هذا الموضوع يكتنفه نوع من الانفصام في شخصية الحكومة التي من الواجب عليها أن تنفذ الخطة الاستراتيجية للمجلس الأعلى ولكن من خلال وضع قوانين ومراسيم قد تكون سببا في فشلها في تحويل هذه الاستراتيجية على أرض الواقع.
إن الاستثمار في الإنسان هو أهم استثمار وقد استطاعت مجموعة من الدول الصاعدة تحقيق ذلك حينما لا تطرح أية مزايدات بخصوص عالم التربية والتكوين والبحث العلمي فالمشكل المطروح حاليا للأساتذة المتدربين يكمن في غياب الرؤيا الاستراتيجية للحكومة في قطاع حيوي لتكوين الرأسمال البشري وإذا استوعبت الحكومة هذا الدرس فإنها لا محالة ستضطر إلى تقديم الاعتذار إلى من أهانتهم وحرمتهم من الحق في الاحتجاج بالقوة رغم أن مطلبهم هو أن يكونوا في خدمة ما تتطلبه الاستراتيجية من أطر تحولها إلى واقع ملموس.
o اختيار المغرب الجهوية المتقدمة يطرح تحديات على الجامعة المغربية على مستوى حكامة تدبير منظومة التربية والتكوين وانخراط الجهات والجماعات الترابية في دعم المدرسة المغربية والجامعة، فما تصوركم في إطار النقابة الوطنية للتعليم العالي، وبانسجام مع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم(2015-2030) لتحقيق نقلة نوعية للجامعة ملائمة للتوجه الجهوي ؟
n إن أهم مستجد بخصوص الرؤيا الاستراتيجية حول إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي هو انفتاحها على الجهات الإثني عشر في إطار التقسيم الجديد للجهوية المتقدمة في المغرب، وهذا الانفتاح جاء قبل تهيئ الرؤيا وبعدها وهو دليل على الحضور القوي للجهوية في نص الرؤيا الاستراتيجية إذ أن المشاكل المرتبطة بالتربية والتكوين والبحث العلمي قد تتشابه ولكنها تختلف من جهة إلى أخرى. الانفتاح حصل أيضا حينما تم إنجاز الرؤيا وتم تقديمها لكن إلى جانب الفاعل السياسي الذي عليه أن يؤكد في كل جهة كيفية تفعيله للرؤيا الاستراتيجية، نفس المعطى ينطبق على الجامعة التي من المفروض اليوم أن تشكل حسب الرؤيا قاطرة للتنمية الجهوية وهو ما يقتضي اليوم التفكير بنوع من العدالة المجالية من خلال ضرورة استكمال كل المواصفات المرتبطة بمفهوم الجامعة أي أن لا يكون هناك فرق بين الجامعة في الرباط والدار البيضاء وباقي الجهات، العدالة المجالية ترتبط كذلك بضرورة توفر جهة مثل الراشدية تافلات على جامعة مستقلة، كذلك الأمر بالنسبة للأقاليم الصحراوية التي لا تتوفر لحد الآن على جامعة ومن المنتظر في إطار العملية التنموية التي تعرفها هذه الأقاليم إحداث جامعة عمومية تعفي طلبة الداخلة من قطع 1200 كلم للوصول إلى أقرب جامعة لهم بأكادير. انفتاح الجامعة على محيطها الجهوي لا يرتبط فقط بالتكوين ولكن يرتبط وأساسا بالبحث العلمي الذي يجب أن يخدم المجال والإنسان والثروات الجهوية.
إن واقع التعليم العالي في المغرب مرتبك وغير واضح ويظهر ذلك من خلال عدم وضوح الخريطة الجامعية لبلادنا حيث ترتكز أهم المعاهد والتخصصات في محور القنيطرة الجديدة وتبقى باقي المجالات هامشية، الارتباك يظهر كذلك من خلال القانون الإطار الذي ينظمه فهو قانون يتحدث عن نوعين من المؤسسات مؤسسات التعليم العالي التابعة للجامعة وأخرى غير تابعة للجامعة وكل منها يدبر بنظام مختلف وهو ما يؤدي إلى نوع من الطبقية في التعليم العالي المغربي وهو وضع انتبه إليه ميثاق التربية والتكوين في مادته 78 حيث أكد على ضرورة أن تصبح جميع التكوينات ما بعد الباكلوريا تابعة للجامعة وهو البند الذي أعاده وركز عليه القانون 00/01 في مادته المائة التي تقول «يتم إعادة هيكلة التعليم العالي على مدى ثلاث سنوات وبتشاور موسع بين مختلف الفاعلين بمجموع أسلاك التعليم العالي ومؤسساته وبين شركائهم في مجالات العلم والثقافة والمجالات المهنية وذلك من اجل تجميع مختلف مكونات التعليم لما بعد الباكلوريا وأجهزته المتفرقة حاليا وتحقيق تنسيق وثيق بينها على صعيد كل جهة».
إن كل جهة يجب أن تتوفر على فضاء جامعي حقيقي بكل المواصفات فضاء ليس فيه فصل بين الكليات المختلفة ولا بينها وبين المعاهد والمؤسسات العليا، فضاء وحدته الأساسية مختبرات البحث والتدريس سواء في العلوم البحثة أو التطبيقية أو الإنسانية أو التربوية فضاء يمكن مؤسسات تكوين الأطر العليا من التنظيم داخل جامعات متعددة التخصصات. فضاء يتمتع بالاستقلالية والحرية الأكاديمية، وما نلاحظه اليوم هو تدخل سافر في هذه الاستقلالية. التي تتنافى مع منطوق قانون الجهوية التي أعطت بموجب الدولة الكثير من الصلاحيات للجهات وهو ما يعني العودة إلى مركزة القرار ضاربة عرض الحائط كل ما تحقق في هذا الإطار فيما يخص اللامركزية واللاتمركز.
o ما هي قراءتكم لما يجري في الجامعة مؤخرا؟ ومن يتحمل مسؤولية العنف الذي أضحى لغة رسمية في مختلف المواقع الجامعية لدرجة وصل إلى سلب أهم حق من حقوق الإنسان أي الحق في الحياة؟
n العنف مستويات فيه الظاهر وفيه الخفي وأعتقد أن ما يجب أن نحارب هو العنف الخفي الذي لا يظهر ولكنه يشكل خطرا على جميع مكونات الجامعة المغربية، أما العنف الظاهر والظرفي فهو نسبي واعتماد المقاربة الأمنية لمحاربته خطأ وهو ما يدفعنا كنقابة إلى التأكيد على أن الإجراء الذي اتخذه وزير التعليم العالي ووزير الداخلية لن يحل المشكل بل قد يعمل على تأجيجه، فالحل يكمن في مواجهة العنف الخفي العنف الذي يهمش الجامعة العمومية العنف الذي يخلق مؤسسات دون أدنى شروط التكوين والتحصيل كما هو الحال بالنسبة للكليات المتعددة التخصصات. العنف مرتبط كذلك بالظروف التي يشتغل فيها الأستاذ ويمارس فيها البحث هذا النوع من العنف يعيشه الإداري ويعيشه الطالب حينما لا يجد مقعدا للجلوس وحين لا يجد مكانا يأويه، فكيف نطلب منه أن يهتم بالتحصيل وكيف لا نحوله بهذا الواقع إلى ممارسة العنف ضد نفسه أولا لأنه يعتبر نفسه ضحية اتجاه الآخرين الذين يعتبرهم سببا فيما هو فيه، علينا أن نعيد النظر في تعليمنا العالي أولا على مستوى الخريطة الجامعية التي يجب أن تكون عادلة وعلى مستوى معرفة حاجة المجتمع من التعليم العالي ثم على مستوى تحمل الدولة للإنفاق على التعليم العالي إن القضاء على هذه الأنواع من العنف الخفي ستقضي لا محالة على العنف الظاهر.
إن العنف يولد العنف والتاريخ يؤكد ذلك ففي بداية الثمانينات التجأت الدولة إلى عسكرة الجامعة من خلال إدخال ما سمي بالحرس الجامعي «الأوكس» وهي تجربة تم التراجع عنها لعدم جدواها باعتبار أنها ولدت صراعا وعنف آخر تجلى في عنف الدولة وهو ما قد يتكرر بهذا الإجراء المتسرع. فالمقاربة الأمنية لن تحل المشكل لأن المشكل أعمق من ذلك، فالدولة حينما تفكر في فتح جامعة أو كلية يحضرها الهاجس الأمني وحينما تفرق بين مؤسسات ذات استقطاب مفتوح وأخرى ذات استقطاب محدود يحضرها هذا الهاجس، وحينما تفرق بين مؤسسات تابعة للجامعة وأخرى غير تابع للجامعة بحظرها كذلك هذا الهاجس وهو يحظرها اليوم حينما تريد أن تفتح مؤسسات تعطي تكوينات مؤدى عنها إنها سياسة طبيقية وهي ستولد العنف لا محالة حينما تتعمق الفوارق.
إن ظاهرة العنف تبرز بشكل أساسي حيث انعدام الشروط الأساسية لتلقي تكوين جيد وحيث تنعدم الظروف لقيام الأستاذ الباحث بالبحث العلمي، مؤسسات حيث الاكتظاظ وكلها أسباب كما سميتها تنتج العنف الخفي الذي لا محالة سيولد العنف الظاهر الذي تعتقد الداخلية ووزارة التعليم العالي أنهما سيقضيان عليه بالمقاربة الأمنية وهذا غير منطقي لأن الأسباب الحقيقية للعنف أكبر مما يعتقدون. فمن الضروري أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تأهيل المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. فالأستاذ والإداري و الطالب يعنفون يوميا حينما تنعدم البنيات التحتية وحينما يقل التأطير الإداري والبيداغوجي فكلها أسباب تخلق ردود أفعال قد تؤدي إلى ممارسة العنف بكل تجلياته.
لقد خصصت الامم المتحدة يوما عالميا لقضية من القضايا التي تهم العالم وذلك لإثارة انتباه الناس والمجتمعات إليها وإيلائها اهتماما أكثر وقد خصصت يومين للاحتفاء بالطالب يوم 21 فبراير و17 نونبر وعندما نربط الذكرى بالحدث فإننا نركز على حق من حقوق الإنسان باعتبار الطالب جزء من المجتمع يمكن له أن يعبر بكل حرية عن أفكاره ومواقفه بكل الأشكال المتاحة والمسموح بها قانونيا. إن القوانين توضع لحماية الأفراد والجماعات وبالتالي فهي لا يمكن ان تصادر حقهم في إبداء رأيهم خاصة وأن القانون والدستور يسمحان له بذلك. إن التفكير في وضع قانون يجرم العنف في الجامعة جاء بعد حدوث مجموعة من الأحداث بالجامعات المغربية أدت إلى الوفاة وهي ظاهرة قبل أن نضع لها قانونا يدخلها في خندق الجريمة أو الجناية يجب وضعها في إطار الظروف والملابسات التي تسببت فيها وهي متعددة نذكر منها الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للطلبة والظروف اللا إنسانية التي يعيشون ويدرسون فيها وهي بمثابة عنف يمارس عليهم قبل أن يمارسوه على غيرهم. أن نضع قانون نعم ولكن لا يجب أن يكون ردة فعل وأن نربطه بمجموعة من الحقوق التي للطالب أن يمارسها مثل التظاهر السلمي أو ممارسة حق الإضراب وهو حق دستوري أو التجمع فكيف نعطي للطالب حقل التمثيلية في تدبير المؤسسات الجامعية في القانون 01/ 00 ولا نعطيه حق التعبير عن مطالبه المشروعة في إطار سلمي طبعا والحق في خلق نقابة تدافع عن مطالبه المشروعة وكيف لا يسمح له بالمشاركة في تدبير الأحياء الجامعية التي تسير بشكل أمني لا علاقة له بمنطق الحرم الجامعي.
إن ظاهرة العنف لا يمكن قراءتها بمعزل عن التنشئة الاجتماعية للطالب أولا وعن الظروف التي يتلقى فيها التكوين والبحث في الجامعة وهي قضايا مرتبطة بمستويين مستوى اجتماعي ومستوى له علاقة بالحكامة وتدبير المنظومة فعلى المستوى الاجتماعي فإن حوالي 96 في المائة من الطلبة يلجون المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح وهي بالأساس كليات الحقوق والعلوم والآداب كما نعرف أن هذه الظاهرة توجد بمناطق دون أخرى وعلى الخصوص فاس أكادير مراكش ووجدة وهي المراكز الجامعية التي يوجد بها نسب عالية من الطلبة لا تستوعب عددهم هذه المؤسسات وحينما ترتبط مستويات التنشئة الاجتماعية التي نشأ فيها الطلبة الذين يلجون هذه المؤسسات مجالات نسبة الفقر والتهميش بها عالية وحينما ينتقل هؤلاء الطلبة إلى الدراسة في هذه المؤسسات يصادفون حيفا وتهميشا آخر ويجدون فراغا لتأطيرهم الفكري والعلمي تستغله جهات معينة لتنفيذ توجهاتها الاديولوجية هذا بالإضافة إلى غياب ظروف صحية للتحصيل بحيث أن البنيات التحتية لهذه الجامعات لا تقدم الفرص الدنيا التي تجعل من الطالب يعتبر الجامعة مؤسسة محتضنة ومقدمة له كل الإمكانيات والظروف من أجل تحصيل جيد ودمقراطي فإنه ينتفض وانتفاضته إن لم تكن مؤطرة فهي تؤدي إلى العنف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.