كانت إذاعة NRK من بين الأوائل، حيث قرّرتِ التوقف عن إذاعة أغانٍ لمايكل جاكسون لمدة أسبوعين، حسب ما أعلنت الإذاعة مبدئيا في أوسلو، ثم تبعتها إذاعات من نيوزلندا وكندا. بعد الفيلم الوثائقي الذي يتهم جاكسون بالاعتداءات الجنسية على الأطفال، أصبحت أشهر أغاني جاكسون ذات مذاق مر. أصبح السؤال عما إذا كان من الممكن فصل العمل الفني عن الفنان يطرح نفسه أيضا مع أحد أنجح النجوم في تاريخ الموسيقى. لا يزال لقب "ملك البوب" يعني العالم بالنسبة إلى البعض، في حين أن آخرين يهيمون في الأحلام عندما يسمعون أغنية R&B للمغني آر كيلي. كما يحتفي الناس بقصص الغرام الفكاهية لوودي ألينس، ويتحمسون للمثل كيفن سبيسي، ويعتبرون فيلم "خيال رخيص" لمنتجه هارفي وينستين، فيلمهم المفضل. وكانت سلسلتا حلقات بيل كوسبي ولويس سي كيه الكوميدية اثنتين من أفضل كوميديا جيل كل منهما. فهل يجب أن تنفى أو تمنع أعمال هؤلاء الفنانين، بعد الاتهامات الموجهة إليهم وبعد التحقيقات بارتكاب اعتداءات جنسية؟ أبدا، هكذا ترى الناقدة جوسفين ليفنجستون، التي تؤكد أن أفلام وودي ألين أو رومان بولانسكي هدايا لهم ولعالم الثقافة، حسبما كتبت ليفنجستون في صحيفة "نيو ريبابليك" مضيفة: "لن أتخلى عنها أبدا". وذهبت الناقدة إلى أنه ليس ألين ولا بولانسكي هما اللذان يمتلكان سلطة تحليل أفلامهما والتركة الخاصة بفنهما، بل الجمهور. وبذلك تنضم ليفينجستون إلى جانب الناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت، الذي أعلن "موت المؤلف" عام 1967. ولكن جاكسون نفسه كان عملا فنيا مجملا، الضفائر، القفازات البيضاء البراقة، الرقص الذي يبدو وكأنه لا يتأثر بالجاذبية، حيث ارتقى المغني الأمريكي الذي ولد في مدينة جاري، ولاية انديانا، وأصبحت له مكانة تداني منزلة الآلهة عند الجماهير الصاخبة. أصبح لدى معجبيه شعور بأنهم رافقوه من أيام الطفولة من خلال فرقة "جاكسون 5"، ومن خلال الأرقام القياسية التي حققها جاكسون في عالم الموسيقى، وعناوين الصحف الصفراء. يرى ويسلي موريس من صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرابط الذي يشعر به المعجبون بجاكسون تجاهه لا يدانيه رابط مع أي ممثل آخر، وقال إن هذا الرابط هو أحد أسباب الاعتراض الشديد من قبل الجماهير على الفيلم الوثائقي "ليفينج نيفرلاند" الذي يتناول اتهامات الاعتداءات الجنسية الموجهة إلى نجم البوب. كما أصبحت موسيقى جاكسون، بعد عشر سنوات من وفاته، حاضرة في كل مكان، على الأقل في الثقافة الغربية، حيث تنقل اقتباساته ويقلد في الغرب. كان جاكسون يؤثر على قمة البوب؛ بدءا من جاستين بيبر، ومرورا بجاستين تيمبرليك، ووصولا ببرونو مارس. ويبدو المغني "ذا ويكند" غير قادر على المشاركة في مقابلة، دون أن يتحدث عن معبوده مايكل جاكسون. وأدت جانيل موني، منذ بضعة أسابيع فقط، مشية القمر "مون ووك" على مسرح جرامي، تلك المشية التي اشتهر بها جاكسون. لن يكون باستطاعة كل متجر وكل مرقص حذف أغاني جاكسون من قائمة أغانيه. ربما لم يكن ذلك ضروريا أيضا، طالما أن المعجبين يستمتعون، مع التحفظ، بموسيقاه، أو أفلام هارفي وينستين ووودي ألين. تنصح صحيفة "جارديان" البريطانية بالملحوظة الجانبية التالية: "يمكن أن يصنع الفن الرائع بأيدي أشخاص مرعبين، يمكن استخدام الموهبة كسلاح بشكل مريع"". ورأت الصحيفة أن "من يحب عملا فنيا، ويستنتج منه أن الفنان هو الآخر يجسد الخير تلقائيا، يرتكب خطأ مرعبا، ربما كانت له عواقب مخيفة". ربما احتاج مذيعو الراديو هذه الملحوظة مستقبلا، عندما يقررون إذاعة إحدى أغاني جاكسون. لا تعتزم الإذاعات الألمانية الكبيرة WDR و NDR و SWR و BR حذف أغاني "نجم البوب" مبدئيا من برامجها؛ ولكنها ستراقب الموضوع. كما أن إذاعة NRK النرويجية، التي توقفت عن إذاعة أغاني جاكسون لمدة أسبوعين، أكدت هي الأخرى على لسان تور جيرموند، مدير الإذاعة، أن "علينا أن نفرق بين الفن وبين الفنان". كما تمسكت الصالة الاتحادية للفن في مدينة بون الألمانية بالمعرض المقرر في 22 مارس، والذي يتناول تأثير جاكسون على الفنون المرئية، وقالت إن المعرض "ليس تكريما لشخص جاكسون". اتهم جاكسون في حياته، مرارا، بارتكاب اعتداءات جنسية. وفي القضية التي اتهم فيها عام 1993 بارتكاب اعتداءات جنسية بحق فتى في الثالثة عشرة من عمره، توصل جاكسون إلى اتفاق مع أسرة الفتى على دفع تعويض بالملايين، على الرغم من أنه كان ينفي الاتهامات بقوة. سطر مايكل جاكسون فن بوب رائعا؛ وهو ربما اعتدى على أطفال جنسيا، ومع ذلك أصبح محبوه اليوم مضطرين للاستماع لموسيقاه على هذه الخلفية. *د.ب.أ