علّقت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، على تعنيف الأساتذة المتعاقدين بالقول إن "تعامل الدولة، خلال السنوات الأخيرة، يرتكز على قمع التظاهرات السلمية، سواء تلك عرفتها منطقة الريف أو جرادة أو غيرهما من مناطق المغرب، بل يتم قمع حتى المسيرات السلمية الفئوية، مما يبين أن الدولة انتهجت المقاربة الأمنية الصرفة لمعالجة هذه الأمور". وأضافت منيب، في حوار أجرته معها جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الدولة أدخلت التيارات الإسلاموية التي صنعتها إلى الجامعة، على غرار الجامعة التونسية وغيرها، مما يدل على أنه مخطط كبير لا يشمل المغرب فقط، فهي لا تعرف سوى لغة العنف لمواجهة الفكر التقدمي". وفي ردها المباشر على المعاش الحكومي لعبد الإله بنكيران، أوضحت منيب أن "السياسة إما أن تكون بأخلاق عالية أو لا تكون، ومن يريد الاغتناء عليه ممارسة التجارة، لأن السياسة تقتضي المصلحة العامة، لكن المشهد السياسي غزاه كل من هبّ ودبّ، مع كامل الأسف". إليكم الحوار كاملاً: بداية، ما تعليقك على تعنيف الأجهزة الأمنية للأساتذة المتعاقدين في مختلف ربوع المملكة؟ تعامل الدولة، خلال السنوات الأخيرة، يرتكز على قمع التظاهرات السلمية، سواء تلك عرفتها منطقة الريف أو جرادة أو غيرهما من مناطق المغرب، بل يتم قمع حتى المسيرات السلمية الفئوية، مما يبين أن الدولة انتهجت المقاربة الأمنية الصرفة لمعالجة هذه الأمور، بعدما وضعت اختياراتها في مجالات متعددة، رافضة أن يحتج الشعب على تلك الاختيارات التي تكون غالبا اختيارات لا ديمقراطية. أما قضية الشباب الذين فرض عليهم التعاقد فعلاً، فقد وضعوا أمام اختيار واحد يمنحهم حق الاحتجاج اليوم، بغرض الإدماج في الوظيفة العمومية، خصوصا أن هناك خصاصاً مهولا في هيئة التدريس، على اعتبار أن التدريس مهمة أساسية قبل أن يكون مهنة، لأن الدولة التي تحترم نفسها ينبغي أن تعتني بمكانة الأستاذ والأستاذة داخل المجتمع، وبتكوينهما. لا يمكن للدولة أن تتخلى عن التعليم، عبر توظيف الشباب بعقد محدود الزمن، إن كانت تتوفر على الإرادة اللازمة لإصلاح هذا المجال الحيوي الأساسي، لأن من شأن ذلك أن يُضعف الجودة الغائبة أصلا، بينما كان يُنتظر من هذه الحكومة، كما الحكومات السابقة، تجويد هيئة التدريس، بوصفها من أهم المداخل الأساسية للنهوض بمنظومتنا التعليمية البائسة. ما وقع يندى له الجبين، لأن الأمة التي لا تحترم ولا تُكرم الأساتذة لا خير فيها، لأنهم يبنون رجال ونساء المستقبل في مختلف المجالات. لذا لا يمكن التعامل مع 55 ألف شباب بهذا الاستهتار. نحن أمام حكومة ضعيفة ليس لها أي تصور، بل هي حكومة إدارة أعمال فقط، نتيجة تنفيذها الحرفي لتوصيات المؤسسات المالية وتطبيقها على الشعب، الذي أوصلها إلى الحكومة. إن نضال الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد دفاع عن المدرسة العمومية والديمقراطية. بالعودة إلى نقاش اللغات التعليمية، هناك من يرى بأن سياسة التعريب والأَسْلَمَة هي المسؤولة عن "تخريب" المدرسة العمومية المغربية. هل تتفقين مع هذا التصور؟ مسألة اللغة أساسية، لكن الجودة هي المسألة الكبرى، لأن السؤال الذي يجب طرحه هو: ماذا نُعلّم؟ إن كنا نُعلّم التلاميذ والطلاب التدجين والطاعة العمياء وإغلاق باب الفلسفة، فسواء درسنا باللغة العربية أو الفرنسية، فإن المتعلم ستواجهه اختلالات على صعيد كل الجوانب. حينما درسنا في فرنسا كان طلبة الشرق معربين تماما، لكنهم درسوا بمنهجية، ويتوفرون على ثقافة عامة عالية وحس نقدي، وقد تمكنوا من إتقان الفرنسية في حدود ستة أشهر فقط، بل حتى الإنجليزية، فتابعوا دراستهم بدون أي مشكل يذكر. المشكل المطروح يكمن في تخريب المدرسة ولا أقول تعريبها، فنحن بعيدون كل البعد عن التعريب الحقيقي، اعتمادا على المناهج العلمية، فمناهجنا فقيرة، وأيضا أساتذتنا الذين طبخناهم طبخة سريعة ونريد توظيفهم الآن بالتعاقد. كما تمت أسلمة المناهج بطريقة لا تحترم عقل الإنسان. نحن لسنا ضد الدين، بل بالعكس. كل هذه الدول تدرس تاريخ الأديان، بغرض تكوين الإنسان، بينما نحن نسهر على زرع الخنوع والخضوع في نفوس الشباب، عبر استعمال العصا الغليظة، ومن ثمة ضمان الطاعة العمياء. إن المنظرين والأساتذة في كلية التربية يؤكدون أنه لا تقدم للشعب بدون إعمال لغته، لكن ذلك لا يعني الانغلاق على نفسه، بل يجب التمكن من اللغات الأجنبية، ونحن لدينا العربية والأمازيغية الآن، لأن اللغة الأم تُحبب للطفل ارتياد المدرسة، مما يستدعي وضع سياسة تعليمية مهمة، في حالة كنا نتوفر على مؤسسات قوية، فحينما كنا نريد البناء أعطت المدرسة العمومية أطرا مهمة للبلاد بعد الاستقلال، بفعل نضال القوى الموجودة منذئذ، لكن الدولة العتيقة السلطوية سرعان ما انتبهت إلى أهمية التعليم، لكونه يخلق مواطنين واعين ويطالبون بحقوقهم الأساسية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، فدفعت بمخطط جهنمي، منذ السبعينيات، لضرب المدرسة العمومية والجامعة العمومية، التي كانت منارة للفكر والعلم. لقد أدخلت الدولة التيارات الإسلاموية التي صنعتها إلى الجامعة، على غرار الجامعة التونسية وغيرها، مما يدل على أنه مخطط كبير لا يشمل المغرب فقط، فهي لا تعرف سوى لغة العنف لمواجهة الفكر التقدمي. لذلك فالتعلم باللغة الأم أساسي، بناء على مناهج تبيّن كيفية تطبيق ذلك، من خلال اعتماد اللغات الرسمية في السنوات الثلاث الأولى، حسب خبراء علوم التربية، ثم بذل جهد كبير خلال التعليم الابتدائي، قبل أن يتم تعليم اللغات بدءا من السنة الثانية أو الثالثة. فالمغاربة لديهم قدرة كبيرة على تعلم اللغات، لأنه من غير المعقول تعلّم العلوم بلغة معينة ودراستها بلغة أخرى في الجامعة، وهذا مرده إلى سياسات الإصلاح المتوالية، التي أدت إلى التخريب الشامل والعام للمدرسة العمومية. تلفظ المدرسة 300 ألف طفل كل سنة، لأن التعميم مجرد خدعة، فمن أصل 100 تلميذ يلجون القسم الابتدائي هناك فقط 13 يصلون للبكالوريا، مما يدل على أن الدولة نجحت في سياساتها التعليمية بالشكل الذي كانت تراه، وليس بالشكل الذي كانت تُنظر له الحركة الوطنية، على أساس أن التعليم مدخل أساسي للتنمية. ولعل الفشل الأساسي للنموذج التنموي يرجع إلى فشل المنظومة التربوية وليس الاقتصادية، فهي دولة تريد أن تدق آخر مسمار في نعش المدرسة والجامعة العمومية، إلى جانب ضرورة توحيد التعليم في القرى والمدن، بغرض ضمان التساوي أمام أبناء وبنات الشعب. أين ذهبت ثروات المغاربة؟ لأنه يجب الاستثمار في التعليم، مما يستدعي أن يكون صندوق المدرسة ممتلئا عن آخره. مرت ثماني سنوات على صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة. ما تقييمك لحصيلة "الإخوان" بالمغرب؟ الحصيلة عملية تبنى على مداخل أساسية، قبل أن ننظر إلى المخرجات. ولعل المدخل الأول هو البرنامج الحكومي سنة 2001، فقد جاءت حكومة العدالة والتنمية في ظل ظروف استثنائية، من خلال حركة 20 فبراير، التي طالبت بالملكية البرلمانية والإفراج عن معتقلي الرأي وغيرهما، ومن ثمة كان من المفترض أن تضع الحكومة، التي انبثقت عن دستور 2011 والانتخابات السابقة لأوانها، مطالب الشعب صوب عينيها، لكن العدالة والتنمية كان ذكيا حينما أخذ شعار حركة 20 فبراير (لا للفساد لا للاستبداد)، رغم أنه لم يساندها باستثناء بعض الشخصيات، مما جعل عشرات المتتبعين والمناضلين يصوتون على الحزب، لكن الحكومة كانت استمرارية لطريقة الحكم ذاتها، إلى جانب الأحزاب التي كانت متمرنة على المشاركة داخل الحكومات.. ضْعَافْ بْزَّافْ.. امتثلوا بسرعة للتوجيهات الخارجية وأغرقوا البلاد في المديونية والخوصصة، فالمديونية فاقت 80 بالمائة من الناتج الداخلي الخام الضعيف أصلا. لقد صارت الحكومة خاضعة، وتتنظر التعليمات الداخلية أيضا، حيث لم تأخذ المبادرة إلا قليلا، مما جعلها تُجهز على المكتسبات والسياسات العمومية ومجانية التعليم والصحة والتقاعد، وهي المكتسبات التي جاءت نتيجة نضالات مريرة، لكنها ضُربت بسرعة فائقة بغرض انتخابي فقط.. الدولة الاجتماعية لم توجد بالمغرب قط، والدليل على ذلك تحرير أسعار المحروقات.. أين ذهبت 17 مليارا؟ بينما تتحجج الدولة بغياب أموال المدرسة العمومية، وتترك "المافيات" تنهب أموالنا، مما يجعلنا نتأكد من وجود نظام برأسين: حكومة الظل التي تحكم، وحكومة منتخبة منبطحة، سعيدة بالامتيازات والريع الذي تستفيد منه. صحيح أنها ليست مسؤولة عن كل شيء، لكن كان عليها "تْحْطْ السْوَارْتْ"، وتأخذ العبرة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان أقوى منها بكثير، فضربت مصداقيته بشكل رهيب، والطامة الكبرى أن "البيجيدي" يفتخر بأنه حصل على الرتبة الأولى، فيما هو يمثل 6 في المائة فقط من أصوات المغاربة. استعرت في الآونة الأخيرة حملة انتخابية سابقة لأوانها بين بعض الأحزاب المشكلة للحكومة. هل تتفقين مع كون هذه الأحزاب همها الوحيد هو الفوز بالانتخابات فقط وليس لديها أي مشروع إصلاحي للمغاربة؟ سؤالك فيه جواب واضح.. الأحزاب لا تشتغل على إنجاز أي شيء من أجل الشعب، بل همها الوحيد والأوحد يكاد يكون هو الانتخابات، عبر التملق والكذب وتسخير أموال دافعي الضرائب لتمويل الجمعيات، فعلى سبيل المثال يتوفر حزب العدالة والتنمية على 37 ألف جمعية.. ماذا تفعل؟ لقد انتهى زمن القبيلة. إنه زمن المواطنة، وقد كان بنكيران يتعامل مع حزبه فقط وليس بكونه رئيسا للحكومة. الدراسات العلمية تؤكد أن الأحزاب تشتغل على الانتخابات فقط، فرغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي تعتقد بأن المغاربة ينسون بسرعة. لا أظن ذلك، فالحقيقة كانت مفاجأة، لأن الحزب الذي ضرب عددا من المكتسبات حصل على الرتبة الأولى في اقتراع 2015، بعدما تركنا آليات أخرى تشتغل في المجتمع مخالفة للعقل، عبر استغلال الجنائز والجمعيات وتوظيف الهدايا، مما دفع 70 بالمائة من المغاربة إلى المقاطعة، جراء وجود "مافيات" تتحكم في كل شيء. لقد توسع الشرخ بشكل كبير بين المجموعات التي تتحكم في الاقتصاد والشعب، بعدما تم القضاء على المجانية والغياب التام للتغطية الصحية وانعدام مناصب الشغل.. الأحزاب تخادعنا اليوم، ويجب على الشعب أن ينتفض ضدها، وهو ما يتمظهر في الحراكات الاجتماعية. لكن يجب التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة في المشاريع السياسية المحترمة، لأن الأمية السياسية موجودة سلفا، فلا يمكن ترك الوجوه الفاشلة نفسها تترشح مرارا وتكرارا في الانتخابات، عكس أوربا، التي لا تتوفر على مقولة "عفا الله عما سلف"، فالبلاد تحتاج إلى نهضة حداثية وتنويرية من قبل الشباب، وهو طريق شاق للنضال، ليس في الشارع فقط، وإنما في المؤسسات، والمشاركة داخل الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية الجادة. القضاء هو العمود الفقري لأي دولة قانون، لكن قضاءنا جد مهلهل، لأنه في خدمة السياسة، مثل محاكمة عبد الحق حيسان ومتابعة الصحافيين الثلاثة، لأن همنا هو تقدم المغرب، عبر الإفراج عن الشباب المعتقلين في جرادة والريف والمناضلين في أوطاط الحاج، فعوض الاحتفاء بهم تم الزج بهم في السجون، إلى جانب وجود التيارات الإسلامية التكفيرية مقابل إغلاق الفلسفة، إذ يمكن أن ينقلب السحر على الساحر، مما يستدعي تحصينه ضد المخاطر عبر السيادة الشعبية والديمقراطية. خرج عبد الإله بنكيران ليدافع بشدة عن معاشه البرلماني سابقا ومعاشه الحكومي حاليا. ما ردك على خرجاته المتكررة؟ تداولت وسائل التواصل الاجتماعي عددا من مقالات وصور عبد الله إبراهيم، الذي عاش حياة محترمة ولا يزال الناس يتذكرونه، علما أن حكومته لم تتجاوز 11 شهرا، ولم يحصل على أي تقاعد رفقة شخصيات كبيرة في البلاد، بينما يتوفر بنكيران على عدة شركات.. باركا عليه.. ماشي معقول.. كنت تحمل شعار "لا للفساد والاستبداد"، والآن تسمح لنفسك بالحصول على الريع من قبل رئيس الدولة بغير وجه حق، بينما بعض المغاربة ليس لديهم حتى عشرة دراهم في اليوم.. حشومة عليك.. تبكي على المغاربة، فيما من لا يتوفر على أي درهم لا يبكي مثلما تفعل أنت. السياسة إما أن تكون بأخلاق عالية أو لا تكون، ومن يريد الاغتناء عليه ممارسة التجارة، لأن السياسة تقتضي المصلحة العامة، لكن المشهد السياسي غزاه كل من هبّ ودبّ مع كامل الأسف، فأي نموذج نعطيه للشباب؟ وهذا ما يعمل عليه نموذجي الحزبي المتواضع.. فليس فيه أي ريع، بل نحاول تقديم مشروع للشباب. هل تتوقعين حدوث أي انفراج سياسي في ملف معتقلي "حراك الريف"، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي؟ لقد أدى الشباب الثمن بالرغم من احتجاجهم بشكل سلمي. الريف منطقة وحضارة نعرف تاريخها، ومنذ عسكرتها سنة 1985 وهي تعاني السلطوية والمخزنية، لكننا نريدها أن تتصالح مع ذاتها وجهات أخرى، غير أن طحن محسن فكري أدى إلى انتفاضة الشباب.. وقد سعدت كثيرا بخروج الشباب إلى الاحتجاج، لأنه لا يمكن السكوت عن الظلم، لأن المنطقة في حاجة ماسة إلى جامعة ومستشفيات عمومية، وعوض الانكباب على التنمية الشاملة، تم تخوين الشباب أولا، ثم الزج بهم داخل غياهب السجون، وهذا مرده إلى السياسة المعتمدة التي تنهج القمع والتنكيل لتخويف الآخرين، وقد عبرت عن ذلك بالعبث الكبير الذي نعيشه الآن، فهؤلاء الشباب حوكموا ظلما، ولم تكن محاكمتهم عادلة. ماذا سنفعل كشعب؟ يجب الافتخار والاعتزاز بهم. لقد انتهى زمن القضاة الذين كانوا أذرع حماية النظام في سنوات الرصاص. وقد سبق لنا أن راسلنا الحكومة من أجل خروج الزفزافي من الزنزانة الانفرادية، لكن لا نتيجة تذكر، مما يستدعي النضال بصوت واحد إلى حين الإفراج الفوري عنهم بدون قيد أو شرط، ثم جبر الضرر الذي لحقهم ولحق أسرهم. هل يجسد ما أسميته "المشروع الاستبدادي للحكم" لجماعة العدل والإحسان أي خطر على المغاربة؟ العدل والإحسان تكون صائبة حينما تنتقد الأوضاع والنظام، وهي لها نظرة نقدية عميقة، لكننا نختلف بخصوص التصور المستقبلي للوطن، لأننا نطالب بمأسسة نظام الحق والقانون والدولة المدنية، بينما وثائق العدل والإحسان، رغم اللقاءات الفكرية التي قمنا بها معهم، ما زالت تنص على الخلافة. لقد اتفقنا في كل شيء إلا طبيعة النظام، لأنه نظرا لما يجري في العالم نرى أن أسهل طريقة لبناء الديمقراطية هي الملكية البرلمانية ثم الديمقراطية، من خلال التنصيص على كل شيء في الدستور بدون بياضات أو فراغات، وتوسيع صلاحيات البرلمان والحكومة معاً، واعتماد القضاء النزيه. الجماعة تتكلم عن الخلافة على الأقل في وثائقها، بينما نريد مشروعا تنويريا عابرا للقارات مثلما كان هناك مشروع تكفيري عابر للقارات. أتمنى أن تكون بداية النهضة في البلد، حتى نتصالح مع حضارتنا وديننا، ومن ثمة استشراف بناء الدولة الديمقراطية. مشروع الخلافة يستدعي قراءة نقدية: كيف نقلوه إلينا؟ هل نجح؟ كيف؟ متى؟.. أسئلة لم تتم الإجابة عنها، فالاختلاف ليس على أساس المرجعية الدينية، لأن 95 بالمائة من المغاربة يعتبرون الدين عنصرا للهوية، لكن لا توجد مجموعة من المؤمنين وأخرى للكفار، إذ نتوفر على أشخاص متضلعين في الدين أكثر من الجماعة و"البيجيدي" نفسيهما.. نريد الخروج من تصور إيديولوجي يابس إلى التغيير الفعلي، فالمغرب ليس بخير، فالخلافة لا نراها أبدا كحل، بل ندافع عن مشروع الديمقراطية، وإلا سوف نغرق في الدماء و"داعش" والحرب الأهلية، لأن المغاربة سبق لهم أن أدوا الثمن سابقا، والآن كل شخص في حاجة إلى المراجعة بغرض التطوير والانفتاح عوض هدر الوقت. إلى أي حد حصلت المرأة المغربية على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ تحقق الانتقال الديمغرافي، حيث انتقلت الأسر من 7.4 من الأبناء إلى 2.2 الآن، ولم تعد المرأة مثقلة بالأطفال، لتدخل مجال التربية والتعلم، باعتباره عنصرا أساسيا في التنمية الشاملة، إلى جانب ترسانة القوانين والالتزامات الدولية، رغم الثغرات التي تعتريها، لكن رغم ذلك ما زالت الأمية تصل إلى 47 بالمائة، زيادة على زواج القاصرات، كما تعمل المرأة القروية نحو 20 ساعة في اليوم الواحد. الحركة النسائية قوية، لأنها ناضلت من أجل تجميع مليون توقيع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية، وصولا إلى قانون الأسرة الجديد 2004، لكن رغم الإيجابيات لم ترافقه عملية تحسيسية للقضاة، حيث يجب وضع قانون أسري ديمقراطي يؤسس للمساواة الكاملة، بالموازاة مع كون المرأة المعيل الوحيد لنحو 27 بالمائة من الأسر المغربية، فضلا عن وجود الفصل 19 من الدستور الجديد، الذي ينص على المساواة الكاملة، لكن الحكومة أخرجت لنا هيئة مشوّهة ضد التمييز؛ لأنها حولت المناصفة إلى الإنصاف، وهي تأويلات خائطة مبرمجة من قبلها. يجب الاستفادة من قدرات النساء، عبر المناصفة في اقتسام السلطة والتعيينات، ثم وضع الآليات الكفيلة بتفعيل النص الدستوري، للخروج من المجتمع البطريركي الذي يسود فيه الموروث الثقافي.