نهضة بركان يفوز على مضيفه شباب المحمدية (2-0)    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تعزز إجراءات محاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    هالا لآيت منا: في حاجة لمسيرين عقلاء    فريق المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    أخبار الساحة    نجاة 32 شخصا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان        حافلة "ألزا" تدهس شابًا وتُنهي حياته بطنجة    الاتحاد الاشتراكي يعلن اعتزازه بالمسار الذي اتخذه ورش مراجعة مدونة الأسرة بما يليق بمغرب الألفية الثالثة    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي        برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية        نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشخيص الازمة بالمغرب : بين سطح الاعراض وعمق العلل
نشر في محمدية بريس يوم 30 - 04 - 2011

في البداية لابد من الاشارة الى ان العنوان الذي اقترحته باقتباس هو من ابداع الاستاذ العلامة الكبير ابو يعرب المرزوقي الذي نشره في مجلة الاجتهاد البيروتية عدد 54 لسنة 2002 والذي حاول من خلاله الكاتب تشخيص عميق لأدواء العالم العربي والاسلامي ، لذلك اخترت ان يكون عنوان مقالي هو مناقشة الاختلالات العميقة التي تعتمل في الجسد المغربي سياسيا وثقافيا واجتماعيا مستعينا بالمنهجية العلمية الحصينة التي اتبعها لتسليط الاضواء على الموضوع ومحاولة تجاوز بعض التحليلات السطحية للازمة المغربية واقتراح بعض الافكار التي اراها بكل تواضع – يمكن ان تشكل اضافة نوعية للابحاث السياسية والاجتماعية التي يحفل بها الحقل الاجتماعي المغربي .
بداية هل هناك ازمة مغربية او ازمة في المغرب ؟
1 اعراض الازمة المغربية :
*سياسيا :
ضعف التأطير الحزبي للمغاربة وعزوفهم عن المشاركة الحزبية وعن المقرات الحزبية وعدم وجود ثقة بالسياسيين وبالمؤسسات التمثيلية ، مجالس محلية وبرلمان وحكومة ، هي اعراض الانيميا السياسية ، فالمواطن المغربي طلق السياسة الحالية وبدأ في التفكير في سياسة جديدة بدأت بوادرها تتضح يوما بعد يوم ، فسياسيا الازمة قائمة لا يمكن جحد هذه الحقيقة الحقيقية والواقعية ، والاحزاب تدرك اكثر فأكثر هذه الحقيقة والدولة كذلك لكن العمل لتجاوزها يتطلب عمليات جراحية ربما قد تكون قيصرية كما يقول الشهيد مهدي عامل ، كل جديد يولد من الرحم الاجتماعي يولد بعملية قيصرية ، فالقديم يريد ان يتأبد دائما وهو ما يعتبر منافيا للتاريخ والحقيقة والعلم والفقه كذلك فالفقهاء هم من قالوا بأن دوام الحال من المحال .
• اقتصاديا :
البطالة والتوزيع الغير عادل للثروات والتسريحات المتكررة للعمال وعدم احترام قانون الشغل واستغلال الاطفال الصغار كيد عاملة رخيصة ودون احترام للمعاهدات الحقوقية التي تجرم ذلك ، نهب المال العام والثروات البحرية والارضية كالمقالع والاشجار كشجرة اركان التي قضى عليها العمران ووكالة العمران واستحواذ الاقلية المحظوظة وذات نفوذ على الميدان الاقتصادي ومجالاته التصديرية والاستيرادية ، و انتقل التوارث من السياسي الى الاقتصادي فباتت عائلات معروفة بتسمياتها الملحنة والمحفوظة تسيطر على كل المشاريع الاقتصادية ببلادنا ويزداد الفقير فقرا والغني غنا ، رغم المبادرات المتنوعة والمختلفة التي صمت بها الحكومة اذاننا من برامج ادماج واقلاع و... الغرض من ذلك هو تنويم الشعب المغربي والضحك على دقون المغاربة ، فلا ادماج رأيناه ولا قلاع احتفلنا به ، الازمة اقتصاديا جلية وتعبيرها الواضح والفاضح هو فشل الحكومة والنظام الاقتصادي الوطني في توزيع عادل للخيرات الوطنية واقبار العدالة الاجتماعية والضريبية لفائدة الرأسمال المتوحش اللإنساني الذي يلتهم اقتصادنا الوطني ، ناهيك عن الخوصصة التي اعدمت الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وجعلت الموت المحقق قدرا محتوما ينتظر الفقراء الى جانب جهل وامية المحظوظين منهم .
*ثقافيا :
فساد النخب الممسكة بالسلطتين الرسميتين الفكرية والسياسية ، واستقالة المثقفين عن ادوارهم التاريخية في النقد والابداع وقيادة قاطرة الفكر والتأمل ، الاستقالة اما بسبب التهميش والاقصاء من طرف السلطة الحاكمة او بسبب اليأس من الشعب ومن غياب تجاوبهم ومن التطورات الفكرية والسياسية المتلاحقة التي يعيشها عالمنا والتي تجعل المثقف والمفكر في حيرة من امره وفي تراكم اسئلة كثيرة وفرضيات متعددة ومتشابكة في غياب تحفيز مجتمعي لدوره ومهمته .
كما ان من مظاهر الازمة الثقافية المغربية عزوف المواطن عن الاشكال الثقافية الابداعية كالقراءة والمسرح والاقتصار على تتبع بعض مباريات كرة القدم العالمية والتوزع احزابا في ذلك بين حزب البارصا وحزب الريال اسبانيا او بين حزب الشيلسي او حزب المانشستر انجليزيا ، المهم ان الثقافة الرصينة المنتجة الحامية لقيم العقل والابداع والضامنة للتطور الاجتماعي للمغرب باتت في خبر كان ، وما يزيد الطين بلة هو اعلامنا العمومي المرئي الذي هو بدرجة كبيرة من الابتذال والهزل حيث تقوم قنواتنا العمومية والقناة الثانية على الخصوص بتمييع الحقائق بخصوص قضايا الشعب المغربي والهجوم المستمر على تعدده الثقافي والفكري فبعد استضافة المناضل التقدمي عبد الحميد امين في احد برامج القناة مباشرة معكم لمناقشة الدستور ومطالب الشعب المغربي كانت القناة ومقدم البرنامج ممثلا للتيار الامني الالستئصالي داخل الاعلام العمومي ولم يترك للاستاذ امين اي فرصة للتعبير عن ارائه كذلك نفس الشئ قام به معد البرنامج عندما اختار احد الشاميين ضيفا لبرنامجه لمناقشة القضية الامازيغية واستطاع بذلك نسف النقاش وتبيان ان الامازيغ يطالبون بمطالب لا تتوافق مع مطالب الشعب المغربي قاطبة ، ومثال القناة التانية يدفعنا الى ازمة اعلامية حقيقية تعيشها بلادنا وتتطلب النضال المستميت من اجل اقرار سياسة اعلامية حرة وديموقراطية تنقل الى المواطن بأمانة مشاعر وتطلعات المواطنيين وليس الثقافة البطنية التي تروج لها القناة الثانية والتي تفضحنا امام العالم وتشوه صورتنا في جميع مناطق العالم.
2 محاولة تشخيص الازمة والبحث عن الداء:
*مدخل لابد منه:
ربما لن تأتي مغامرتي في البحث عن مكامن الخلل في النسيج المغربي سياسيا وثقافيا واقتصاديا بالشئ العجيب والغريب حيث ان موضوع ازمتنا المغربية كان موضوع سبقني اليه كثير من من يفوقونني علما وتحصيفا وتجربة ميدانية ونظرية ولكن الهاجس الذاتي لتشخيص هذه الازمة كان اقوى وايماني بأن ثمة اشياء واسباب تم استبعادها في التحاليل السابقة اعطاني دفعا قويا لي للخوض في الموضوع ، استعنت بعزمي القوى هذا بتأثري الكبير بمنهجي الباحثيين والمفكريين الكبيرين احدهما الشهيد مهدي عامل الذي ادين لكتاباته بالشئء الكثير لانها تنفذ بأسئلتها العميقة الى جوهر الاشياء ومكنوناتها ولعل من يرجع الى كتابه القيم مناقشات واحديث في قضايا التحرر الوطني وهو كتاب جمعه رفاقه الذين اسسوا بعد استشهاده لجنة تعمل لنشر تراث المهدي عامل وكتبه الاخرى السجالية سيجد راهنياتها اليوم في حياتنا السياسية والعملية لأن كتاباته لا تستكين الى العفوية والبداهة بل الى التحليل العلمي النقدي المتصل الذي يوضح حمولة الفكر وغايته المعلنة والمغيبة لذلك قال المهدي عامل مناقشا الفيلسوف الكبير فيصل دراج في احد الكتابات :"اهم ما في الفكر حركته الداخلية بكل تعرجاتها والعوائق التي تعترضها والشكل الذي تتخطى به هذه العوائق .اما النتائج التي يصل اليها الفكر ذاك ،فهي –كما يعلم صديقي – (اشارة الى المفكر فيصل دراج ) –محكومة الى حد بعيد بهذه الحركة .واهم ما في حركة انتاج المعرفة ان يحسن الفكر طرح السؤال وصياغته ، بحيث تولد الاجابة عنه سؤالا آخر تنفتح الاجابة عنه بدورها على سلسلة من الاسئلة المترابطة في حركة داخلية محمكة هي هي حركة الفكر في انتاج المعرفة"
والمفكر الموسوعي الكبير الذي اعتبره شخصيا اليوم منارة يجب ان يستعين بها شبابنا الثائر والمصلح للاعداد الى المستقبل الديموقراطي التعددي المنشود هو الدكتور جورج طرابيشي الذي من ميزة كتاباته الثراثية النقدية انها تتسلح بالمعرفة في جذورها الاصيلة وتنتقد تأخرنا وفواتنا الحضاري بكل جرأة وبدون مقدمات ديبلوماسية فأمراض الجرح النرجسي العصابي وغيرها من الادوات المفاهيمية التي استعان بها الدكتور الطرابيشي لاجتراح الفكر الاسلامي والفكر المغربي كذلك كانت موفقة وفي صميم البحث العلمي واستطاعت ان تعري التخلف العربي ثقافا وفكرا وان توشم ذاكرتنا المتيقظة بآراء استفزازية وتحفيزية على ضرورة تجاوز ازمتنا بعد فهمها وذلك ما تناوله الدكتور الطراببيشي في احد كتبه النهضة الربية من النهضة الى الردة والتي كانت مساجلات نقدية مع مجموعة من الكتابات التاريخية والمعاصرة مع كتاب ومبدعيين كان هاجسهم نهضويا لكن بعضهم توسل الى ذلك سبيل الخرافة والعاطفة والغنوصية فضلوا عن طريق النهضة والتنوير.
ذكر جهابذة الفكر هؤلاء الهدف منه مزودوج :
*الاحتفاء بهم وبفكرهم وتعريف الشباب المغربي بهم وهذا اقل ما يمكن ان يسدى لهم من اعتراف وتقدير ، خصوصا مع الروح الاصلاحية الجديدة التي بدأت ملامحها تظهر على سطح الاحداث السياسية المغربية والتي يقودها شباب طموح للتغيير الديموقراطي فكان لابد لهم من مرجعية فكرية يستأنسون بها فلا حركة في التاريخ تبدأ من الصفر بل التاريخ حركة دائمة ودؤوبة من الاحداث والمواقف والمتغيرات .
*المعنيان بالأمر تناولا بالنقد والتحليل وبالممارسة كذلك الشأن السياسي الدولي واسهما فيه وتصديا للقومية المتشرنقة على الذات ونقدا الاطروحات السياسية للاحزاب العربية التي شرعت وسنت الاستبداد في الحكم والدولة والمجتمع فكانا نموذجين لامعين لمن اراد بسياسيا وتنظيميا وهو ما يتطلبه مجتمعنا المغربي الذي فقد بوصلة الفكر وارتمى في احضان العفوية والخرافة السياسية.
*الازمة السياسية المغربية : عندما يستبد الحاكم والحزب ويقصى المجتمع
لقد خرج المغاربة من كنف الاستعمار المباشر بآمال كبيرة بالتطور الاقتصادي والمجتمعي ، يعوضهم عن سنوات التضحية والنضال الوطني وسعوا جاهدين لبناء اسس الدولة الوطنية المستقلة ، الا ان الدولة المستقلة سرعان ما استولى عليها اعيان الفرنسيس وقيادهم وجندهم وهمش الثوار والمحررون المغاربة كعبد الكريم الخطابي وحمو الزياني وعسو اوبسلام وتم تصفية جيش التحرير المغربي واستبداله بجيش مخزني غارق في الفساد والظلم والطغيان ، واقصي الشعب المغربي وقواه المحررة من كل المحطات التاريخية الكبرى واصبحت قضايا الاصلاح الدستوري والسياسي مؤجلة ومجهولة بل ومنبوذة يعاقب عليها قانون الدولة الجديد ، و بدأت التصفيات الجسدية للمقاومين ولثقافاتهم وشدد الخناق على العلم القروي والمدن المنتفضة واقصيت الامازيغية من كل دواليب الدولة وفرضت الفرنسية ورسمت العربية واجتاح التعريب المدرسة المغربية ، واصبح المواطن المقاوم يتالم من مصير بلاده التي استرجعها بالدماء والتضحيات وهي تنهب اداريا بالقوانين الاستعمارية وبنهب الثروات الغابوية وحجم الظلم والشطط في استعمال السلطة وحجم التزوير التي تعرضت لها العمليات الانتخابية التي كانت تقسيما للكعكة بين القصر من جهة وحزب الاستقلال من جهة اخرى ، فضرب الشعب المغربي في كرامته وعزته من قبل قوى الاموالية للاستعمار موقعي عريضة المطالبة بالاستقلال فمتى حصل شعب في التاريخ على استقلاله بتوقيع عريضة ؟؟ فكان الجواب الشعبي الانسحاب من الحياة السياسية والانكفاء على ذات والهجرة الى عالم الاغتراب بحثا عن تأمين المستقبل المجهول .
تزامنت حركة الصلاح السياسي والرد الثوري على ظلم الاستعمار واذنابه مع استقواء الاجهزة الامنية والمخابراتية للدولة و تعميمها للقمع والتضييق والسجون وانتهاجها للإكراه وجرمت الدين والسياسة ، واستمرت بعض القوى السياسية المغربية في مطالبها للاصلاح لكنها اصطدمت دائما باللامبالاة والتجاهل او القمع احيانا مع وجود مناخ دولي حاضن للاستبداد وخنق دعوات الاصلاح ، لكن منذ نهاية التسعينات وما رافق العالم من نحولات دراماتيكية تململ الحراك السياسي الوطني وتمخض عن ارشاء سياسي لاحزاب ما يسمى بالحركة الوطنية باعطائها حقها في الكعكة الحكومية في حكومة التناوب التي كانت وبالا على الاحزاب المشاركة فيها وعلى الشعب المغربي قاطبة واتضح لمن لا يزال يشك في عدم وجود ارادة سياسية للدولة في التغيير الديموقرطي والاستاذ عبد الرحمان اليوسفي يبقى شاهدا على ذلك اذ اعتزل السياسة بعدما تفطن لصعوبة المشاركة الحكومية في حكومة بلا صلاحيات او بصلاحيات مبهمة وصرح بذلك علانية في مناسبات عديدة بالمغرب وخارجه.
فكانت عناوين الازمة السياسية هي :
*دولة مستبدة ومستأثرة بكل مفاتيح العمل السياسي والاعلامي والاقتصادي
*قادة احزاب مستبدون ومستأثرون بكل مفاتيح العمل الحزبي والاعلام الحزبي ومالية الحزب
*اجهزة اعلامية ملحقة بكوميساريات الامن ويرأسها في بعض الاحيان ولاة وعمال
من الخطأ الاخلاقي والمعرفي ان تختصر الازمة السياسية ببلادنا في استبداد الدولة وسجونها وفضاعات اجهزتها ، فشراسة القمع الدولتي لا يكتمل الا بالسيطرة على المجتمع وقواه المدنية فقمع السلطة الهمجي واستئصالها للحياة السياسية الحقيقية لا يجب ان يخفى علينا القمع الذي مارسته وتمارسه القيادات الحزبية والنقابية على المواطن المغربي اذ هي شريك اساسي في عملية تزوير الانتخابات وفي نهب المال العام عبر مشاركاتها المتكررة في الحكومات المغربية المتعاقبة وفبركتها للمؤتمرات الحزبية واستئتارها بالخيرات الوطنية واستفادتها من مجموعة من الامتيازات الضريبية والاراضي الخصبة وغير الخصبة فكانت في شراكة حقيقية مع الحاكم في ذبح المواطن المغربي فلماذا لم ترفع في لافتات 20 فبراير ارحل بالنسبة لهذه القيادات الوراثية للاحزاب السياسية والنقابية التي لا تتداول الا بتدخل رباني بوفاة القائد الملهم وبالمناسبة لا يجب ان يخضع مطلب الاصلاح الدستوري والسياسي الذي استطاع شباب 20 فبراير انتزاعه لمنطق التوازنات السياسية والحزبية الضيقة ويجب لشباب التغيير ان ينتبهوا لهذا المطلب فالحركة الشبابية مدعوة الى اليوم الى تحصين مطالبها من الارتزاق السياسي للقوى المعادية لتقدم المغرب وهي معروفة لدى الشعب المغربي.
*الازمة الاقتصادية المغربية : اقتصاد الريع في مواجهة الفقر والبطالة
كل الحكومات المتعاقبة على المغرب ركزت في تصاريحها الحكومية وفي برامجها الانتخابية على شعار حسن التدبير وتخليق الحياة العامة و الرفع من وتيرة النمو وانعاش الشغل وتطوير السياسات القطاعية ، التضامن الاجتماعي الاندماج الفعال في النظام الاقتصادي الدولي ، لكن تنفيذ هذه الشعارات يتطلب شروطا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مسبقة لتنزيلها على ارض الواقع ، وهي شروط موضوعية واخرى ذاتية ، دولية ومحلية , وهذه الشروط ليست معطى سلفا انما هذه صيرورة من التراكمات والعمل المنتج لانجاح هذه الشروط وتتضمن هذا العمل القطع مع بعض ممارسات الماضي الثقيلة والبناء على نقيضها . من مظاهر الازمة الاقتصادية ببلادنا ان نهب الثروات الوطنية والتهرب الضريبي يتم التعامل معها ليس كجرائم بل كقضايا سياسية قابلة للتوافق حولها فعندما اعطيت حقيبة المالية للاتحاد الاشتراكي مثلا سكت الحزب بمنطق التوافق والتراضي على نهب الضيعات الفلاحية للشعب المغربي وتم توزيعها وفق دفتر تحملا سياسي وعندما نهب القرض العقاري والسياحي كان التوافق ترياقا سليما ونهبت اموال الشعب المغربي على مذبحة التوافق والتراضي لذلك كان التوافق السياسي سببا حقيقيا في كبح جماح التطور الاقتصادي الديموقراطي الوطني .
استمرار ارتفاع الدين العمومي وارتفاع العجز المالي ببلادنا لم يكن بالضرورة كما يقال رسميا بفعل ارتفاع نفقات الاستثمار انما ايضا بالاختيار المالي الكارثي الذي تورطت فيه الحكومات السابقة مما قلص من امكانيات النمو الاقتصادي وارتفاع العجز الاجتماعي ، وكان السبب الكارثي للازمة هو انسحاب الدولة من الجانب الاجتماعي في وقت لم يتم فيه بعد التأهيل الاقتصادي للبديل الخاص الموهوم ، فانسحبت الدولة من التعليم والتكوين والصحة والشغل وقام بمحاولات مأسسة السوق وتاطير لعبة الاقتصاد الخاص وتنظيم الفاعليين الاقتصاديين والاجتماعيين ، لكن مع انتشار الرشوة والفساد الاداري اصيب القطاع الخاص بخيبة امل حقيقية وانتكس مردوده واعتمد على الربح الخدماتي السريع وتخلى عن اي دور اجتماعي مرتقب مما ازم الاوضاع الاجتماعية وعقد مأمورية الاسر المغربية.
صحيح ان المغرب يتوفر اليوم على ترسانة قانونية هائلة ينتظر تفعيلها وتبسيطها لتحقيق الاهداف المرجوة منها الا انه في غياب الشفافية والمراقبة والمحاسبة في كافة المجالات لتحديد المسؤوليات عن التجاوزات التي تقع هنا وهناك وبدون توزيع الخيرات وثمار التنمية بشكل عادل بين الراسمال البشري والمادي من جهة وبين الفئات الاجتماعية للحد من الفوارق الحاصلة من جهة اخرى لا يمكن لاقتصادنا الا ان يكون منكسرا واعرجا .
• الازمة الثقافية بالمغرب: ضمور الرأي واغتراب المثقف
كان المثقف عبر الزمن مصدر ازعاج مستمر للنظام السياسي المغربي وللاحزاب السياسية كذلك فتم تهميشه وتهميش الثقافة معه وكانت مرادفة للترف والهاء الوقت ولم تكن وسيلة تثقيف وتوعية وحث على العمل الجاد المنتج للقيم والعلاقات الايجابية بين مكونات المجتمع ، فعمد السلطان السياسي الى اتباع عدة تكتيكات لاسكات صوت المثقف تتراوح بين التنكيل والقتل والتصفية الجسدية الى القمع والسجن والتشريد ولكن هناك تكيك آخر اعتمد عليه النظام السياسي المغربي هو شراء اصوات المثقفين عبر الامتيازات هناك وهناك او عبر التعيينات هنا وهناك ، فبسبب حيادية المثقف والمبدع واستقلال التنظيمات المدنية اصبح المجتمع المدني مغضوبا عليه وعملت السلطة على خنق تطلعاته وضرب الحصار على جمعياته بشتى الوسائل بما فيها التدخل العنيف ويتم ذلك في بعض الاحيان بمباركة بعض الاحزاب السياسية التقليدية التي تعتبر المجتمع المدني منافسا لها ، ويتضح ذلك جليا في مواقف مجموعة من الاحزاب السياسية المغربية من المطالب المشروعة للقضية الامازيغية وحاولت الالتفاف على على الخطاب الثقافي الامازيغي المنبثق من صميم المجتمع المدني الديموقراطي وواصلت شن غارتها العدائية على الامازيغية متهمة اياهم تارة بالتطرف وتارة اخرى بالعمالة ، وتعمد العديد من الاحزاب السياسية المغربية ذات الماضي التليد في الاقصاء والاحادية والشوفينية الى اختزال القضية الامازيغية في تعليم وتدريس الامازيغية ويمثل ذلك افراغا للحركة الامازيغية من محتواه الذي يقصد به ادماج التعدد الثقافي واللغوي الوطني بكل مكوناته في مشاريع التنمية الشاملة ولن يتأتى ذلك بالطبع الا بترسيم اللغة الامازيغية لغة رسمية واطلاق سراح معتقلي القضية الامازيغية ورفع الحيف عن المناطق والبوادي الامازيغية ورفع الظلم والتمييز عن وسائل الاعلام الامازيغية والغاء الرقابة الاعلامية المفروضة على الحريات في وسائل الاعلام الامازيغية ، هذا لا يعني ان الامازيغية ثقافة وتاريخا هي فقط من يعاني من التهميش والاقصاء الثقافيين بل الثقافة المغربية الجادة والملتزمة بقضايا الشعب المغربي والمثقفيين الديموقراطيين يعانون الامرين من جراء سياسات لاوطنية ولا ديموقراطية ولا شعبية ، واجدني متفقا هنا مع الاستاذ الباحث المناضل احمد عصيد الذي قال في احدى مقالته بمجلة نوافذ اكتوبر عدد مزودوج 12*13/ 2001 ص 190 "لقد عملت النخب المهيمنة من العائلات الاندلسية مثلا، على ادماج تراثها الثقافي ودعمه من مالية الدولة بشكل مكثف ، وتم فتح اكثر من مركز خاص بالثراث الاندلسي ، كما تم فرض الطرب الاندلسي على الجمهور المغربي يوميا في الاذاعة وفي كل المناسبات التي يحتفل بها الشعب المغربي بعيد من الاعياد , مع اقصاء الثراث المغربي الامازيغي والعربي الحي "
3مقترحات من اجل تجاوز الازمة: النفاذ الى عمق المشاكل بديل عن المقاربة السطحية .
في سبيل الخاتمة:
لابد اولا من القطع مع عدة اوهام وخرافات سياسية يتم التطبيل لها هنا وهناك مفادها ان التغيير الديموقراطي المنشود قد يأتي بمنة من حاكم او ارادة ذاتية من الدولة او من الطبقات الفاسدة التي لها كل المصلحة في بقاء اشكال السيطرة الحالية والامتيازات القائمة ، ان التغيير الديموقراطي المنشود لا يكون تعبير عن نوايا حسنة هنا او هناك بل هو نتاج موازين قوى تفرضها النضالية الثورية للشباب وللجماهير التي لها مصلحة في التغيير او على الاقل متضررة في الوقت الحالي من طريقة ونمط توزيع الثروة والسلطة ، فعلى المستوى السياسي :
وضع دستور ديموقراطي يجسد الارادة الشعبية ويضمن فصلا حقيقيا وفعليا للسلط ويقوى مكانة برلمان منتخب بشكل ديموقراطي بعيد عن سلطات المال ومافيات نهب المال العام والتهرب الضريبي وحكومة ذات مسؤولية فعلية ومنبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة وديموقراطية في ظل تقطيع انتخابي عادل وشفاف وتحديد ولاية البرلماني في ولايتين فقط وبدون الجمع بين مهمتين تمثيليتين .
دستور يقر بالابعاد المختلفة والمتكاملة للهوية المغربية تتداخل فيها : البعد الامازيغي والعربي والافريقي والمتوسطي وينفتح على جميع الاديان والمذاهب ( اسلامي مسيحي يهودي ) وسني شيعي .
دستور يجعل التعيينات في المسؤوليات في مختلف المجالات تتم من خلال المؤسسات التمثيلية وخاصة الولاة والعمال ومدراء المؤسسات العمومية وشبه العمومية التي يجب تعينهم من قبل حكومة منتخبة بالانتخاب الحر والنزيه .
لكن يبقى كذلك ان نشير الى المسؤولية السياسية والاخلاقية للاحزاب السياسية الحاكمة في المغرب في السنوات الفارطة والتي يجب علينا محاسبتها على الجرائم التي اقترفتها في حق الشعب المغربي ، لذلك يجب العمل اولا على رحيل كل القيادات السياسية المسماة زورا وبهتانا بالتاريخية وفسح المجال للشباب من اجل ان يقول كلمته ويصلح ما يجب اصلاحه ففساد الاحزاب جزء من فساد النظام فلا يحق للاحزاب ان تطالب النظام باصلاح ذاته وهي غارقة في الديكتاتورية والعشائرية .
اقتصاديا:
النضال من اجل فك الارتباط بين السياسي الحاكم والاقتصادي فالارتباط بينهما يهدد شروط التنافسية الاقتصادية الضرورية .
المطالبة بالغاء الدين الخارجي والكف عن طلب القروض التي انهكت المالية العمومية ودعم المواد الاساسية والتراجع عن خوصصة التعليم والصحة وتعميم التغطية الاجتماعية ومجانية الخدمات الصحية والتعويض عن البطالة وتعميم تجهيز المؤسسات التعليمية بالحاجيات الضرورية من ماء وكهرباء، مطاعم مدرسية ومرافق صحية ولن يكون ذلك متاحا الا بالدعم المؤسساتي وقدرات المجتمع المدني عبر التكوين الدقيق في مجال تدبير المشاريع والادارة الرشيدة لان من شأن ذلك ان يخلق نخبة سياسية متمكنة في تدبير الشأن العام .
ثقافيا واعلاميا:
يمكن توصيف حالة الثقافة والاعلام في عالمنا بما ذكره الاستاذ الصادق النيهوم في كتابه "محنة ثقافة مزورة صوت الناس ام صوت الفقهاءص 185الطبعة التالثة 2000" صاحبة الجلالة الصحافة،لها علاقة بصاحب الجلالة راس المال .وهي علاقة ملوكية فعلا،لانها تقوم على جسر من الذهب .فراس المال يضمن وجود الاعلان ويضمن الصراع الحزبي ،مما يفتح منجما من الذهب في سوق الصحافة ، ويجعلها حرفة مجزية ، ومثيرة للرهبة مثل حرفة الملكات .في غياب راس المال ، تصبح الصحافة مجرد سيدة من دون القاب."
ان من اواليات ربح الثقافة الواعية المؤمنة بمصير المغرب والمغاربة هو تشجيع الصحافة المستقلة وفتح باب الحريات الاعلامية على مصرعيه وتكريم المهنة الصحفية وضبطها مهنيا واخلاقيا فالمجتمع الاعلامي الحر دليل على التحضر والديموقراطية والحرية المسؤولة ركيزة من ركائز بناء المجتمع والدولة الديموقراطية ، لذلك يجب وقف متابعات الصحافيين وتحرير القطاع السمعي البصري والاهتمام بالاوضاع الاجتماعية للصحافيين ليقوموا بمسؤولياتهم التاريخية في نقل المغرب من مرحلة الاستبداد والرأي الاوحد الى اراء متعددة مختلفة متباينة لكنها دليل عافية وحراك اجتماعي مطلوب.
بكل تأكيد توجد تصورات متعددة للتغيير ولايسمح موضوع هذه المحاولة التعرض لها كلها. ولكن الاهم هو ان تحافظ قوى التقدم بدور اساسي في احداثه وان تستثمر حماس الشباب للقيام بقفزات حقوقية ومطلبية تاريخية تفتح المغرب امام منعطف الدمقرطة الحقيقية لتدارك التأخر الكبير تدارك السنين الفائتة والتي ضحى فيها الشعب المغربي ولكن لم يجني ما كان منتظرا ، ان الطريق شاق ولاشك طويل ولكنه سوف يؤدي حتما الى اتساع الحياة السياسية ووتحولات في الثقافة السياسية وتحرير للنخب من اسرها لكن نهاية الطريق يحددها موازين القوى داخليا وخارجيا ، لذا يجب العمل على الجانبين والمستويين لربح الرهان
انغير بوبكر
خريج السلك العالي بالمدرسة الوطنية بالرباط
باحث في شؤون التنمية والديموقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.