ترامب يطلب من الاردن ومصر استقبال لاجئين من غزّة    "البسيج" يطيح بمخطط إرهابي في اقليم برشيد كان في مرحلة التحضير لعمليات تفجيرية    الحسيمة: استفادة 67 مؤسسة تعليمية من أجهزة وحطب التدفئة    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    فرص جديدة لتعزيز الاعتراف بالصحراء المغربية في ظل التحولات السياسية المرتقبة في كندا والمملكة المتحدة    تعيين أكرم الروماني مدربا جديدا لنادي المغرب الرياضي الفاسي    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    كل ما تحتاج معرفته عن داء "بوحمرون": الأسباب، الأعراض، وطرق الوقاية    سقوط قتيل وإصابات في جنوب لبنان    وزارة التعليم تكشف تقدم حوارها مع النقابات في القطاع    وضعية السوق العشوائي لبيع السمك بالجملة بالجديدة: تحديات صحية وبيئية تهدد المستهلك    منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب يجتمع بمندوب الصحة بإقليم الجديدة    تلميذ يرسل مدير مؤسسة تعليمية إلى المستشفى بأولاد افرج    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    طنجة.. حفل توزيع الشواهد التقديرية بثانوية طارق بن زياد    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليمي تطوان وشفشاون    بطولة إيطاليا لكرة القدم .. نابولي يفوز على ضيفه يوفنتوس (2-1)    إسرائيل تفرج عن محمد الطوس أقدم معتقل فلسطيني في سجونها ضمن صفقة التبادل مع حماس    الكشف عن شعار "كان المغرب 2025"    الدفاع الحسني الجديدي يتعاقد مع المدرب البرتغالي روي ألميدا    ملفات التعليم العالقة.. لقاءات مكثفة بين النقابات ووزارة التربية الوطنية    أغنية "Mani Ngwa" للرابور الناظوري A-JEY تسلط الضوء على معاناة الشباب في ظل الأزمات المعاصرة    أوروبا تأمل اتفاقا جديدا مع المغرب    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    حصار بوحمرون: هذه حصيلة حملة مواجهة تفشي الوباء بإقليم الناظور    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء المغربية    هذه خلاصات لقاء النقابات مع وزارة التربية الوطنية    ملتقى الدراسة في إسبانيا 2025: وجهة تعليمية جديدة للطلبة المغاربة    الجمعية المغربية للإغاثة المدنية تزور قنصليتي السنغال وغينيا بيساو في الداخلة لتعزيز التعاون    أداء الأسبوع سلبي ببورصة البيضاء    فريدجي: الجهود الملكية تخدم إفريقيا    جبهة "لاسامير" تنتقد فشل مجلس المنافسة في ضبط سوق المحروقات وتجدد المطالبة بإلغاء التحرير    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    الأميرة للا حسناء تترأس حفل عشاء خيري لدعم العمل الإنساني والتعاون الدبلوماسي    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    وزارة الصحة تعلن أمرا هاما للراغبين في أداء مناسك العمرة    إطلاق أول مدرسة لكرة السلة (إن بي أي) في المغرب    السياحة الصينية المغربية على موعد مع دينامية غير مسبوقة    المغرب يفرض تلقيحاً إلزاميًا للمسافرين إلى السعودية لأداء العمرة    مونديال 2026: ملاعب المملكة تفتح أبوابها أمام منتخبات إفريقيا لإجراء لقاءات التصفيات    لقجع.. استيراد اللحوم غير كافي ولولا هذا الأمر لكانت الأسعار أغلى بكثير    الربط المائي بين "وادي المخازن ودار خروفة" يصل إلى مرحلة التجريب    "حادث خلال تدريب" يسلب حياة رياضية شابة في إيطاليا    ريال مدريد أكثر فريق تم إلغاء أهدافه في الليغا بتقنية "الفار"    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكَاَيِّنْ من أُمَّةٍ بادَتْ بعدما سادَتْ
نشر في هسبريس يوم 07 - 03 - 2019

لا أحد يشك في وظيفة ودور الثقافة بمعناها الشامل والمركب في النهوض بالأفراد والمجتمعات لجهة التقدم والتطور، وسد الحاجات، وتلبية المطامح والتطلعات، وتحقيق المآرب المادية والمعنوية والروحية حتى. إنها كما لا نحتاج إلى تبيين بعدٌ رئيس من أبعاد التنمية. فالإنسان لا يعيش بالخبز وحده. إنه يعيش بالمُثُل والأخلاق والأفكار والسلوكات المدنية، والخيال والروح. ووفق هذا المنحى، وتبعا لهذا المعنى، تبارت وتنافست الأمم والشعوب، عبر التاريخ، في أن تكون، أيْ: في أن تحقق كينونتها وآدميتها، وإنسانيتها وهي تسعى في الأرض تحت نور الشمس الوهاج، شمس المعارف الصغرى، والمعارف الكبرى، من أجل تطوير وتخطي حاضرها، وتتويج مسعاها هذا بغَدويةٍ أرقى وأنقى، وأطيب، وأسكن لها روحا وبدنا. واستمر السعي الحثيث النبيل إياه إلى أيامنا ولا يزال لدى هاتيك الأمم المختلفة والمغايرة لنا دينا وعرقا ولغة وتاريخا، وتراثا وجغرافية. وقد كنا واحدة من هاتيك الأمم عبر تواريخ مديدة، وأعصر ذهبية عممنا فيها بالشمس هاماتنا، ومشينا فوق رؤوس الحقب والسحب، وفقا للتعبير الشعري البديع للشاعر مهيار الديلمي.
فماذا حصل الآن؟، وهل أغمز بهذا الكلام من قناة لغتنا، وخاصرة ثقافتنا، وعروق أرومتنا، وجذور ثراثنا؟.
أبدا. فإلى عهد قريب، كانت العرب قاب قوسين أو أدنى من اللحاق بحضارات الشعوب التي قطعت أشواطا عريضة في التبدل والتغيير، والتحديث على كل المستويات، وفي شتى المضامير المعرفية والعلمية، والفنية، والتكنولوجية. ولم يكن العهد المومأ إليه سوى عصر النهضة العربية الذي عرفته أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين حيث طفق نجم الهدي والسعد، والشعاع المبارك، يلمع في سماواتنا، وبروق الإبداع والابتداع في الأدب بأجناسه، والفنون بأنواعها، والعلوم بمختلف ضروبها، تغمر بالضياء الساطع دروب وميادين إنسيتنا وحاضرنا، وتوقنا إلى استرداد المشرق من ماضينا فلسفيا، وعلميا، وشعريا، وأدبيا، وفكريا. أما الذين كانوا وراء تلك النهضة، و" القومة " الحماسية، فلم يكونوا غير أفراد عرب مسلمين متنورين تماسوا مع أوروبا، وغرفوا من معينها، وعرب مسيحيين تحرروا من قيود التزمت والمحافظة، وتبجيل السلف، وتمجيد الماضي. إذ هالهم ما حاق بنا كأمة سطعت وانطفأت، وكيف تأخرت وتخلفت " بغتة " عن الركب، وأصبحت في الثرى مُعَفَّرَة، بعد أن كانت في الثريا مُنَعَّمَة. وكيف أن أمما كانت تعيش في ظلام الجهل، وسُجُف العبودية، ومستنقع الشعوذة والخرافة، وصلت إلى ما وطدت النفس عليه، ولم يكن ما وطدت النفس عليه غير نبذ قرون الجهالة والتواكل والخرافة، وعبادة أوثان الماضي رجالا كانوا، أو تراثا ماديا ولا ماديا.؟.
فهل تكون الحملات الاستشراقية، والغزو الاستعماري الأوروبي، سببا في ما نحن فيه من تخبط وعَمَىً وضلالة، وَتَنَكُّبٍ عن الجادة، والطريق الموصل إلى التنمية الشاملة، والنهضة العامة المتوخاة؟.
أم هي هجمة المحافظين " الفكرية "، والدينية المبرمجة، والممنهجة، ما أجهز على حاضرنا، وأفقنا، ومستقبلنا؟.
أم تكون في وجازة الإيديولوجية القومية والماركسية التي طَبَّلَتْ وزَمَّرَتْ وعَمَّرَتْ مئات الكتب، وآلاف الأوراق، مزينة لنا حالنا ومآلنا، ومراهنة باللغو الطنان، واللغة الجوفاء، والفكر الإطنابي الخاوي، على صدارتنا وقيادتنا، ما جَرَّنا، بحبل مفتول، إلى الوراء، وقيدنا برَسَنِ الشقشقة اللفظية، إلى وتد البؤس والتسول، والبقاء حيث كنا، نَجْتَرُّ قرونا من الظلمات، وأعصرا فاقعة من الانحطاط، وتدوير الانحطاط؟.
أم هي الدكتاتوريات العسكرية التي وضعت جَزْماتِها على رقاب عشرات الأمصار والبلدان، فأزهقت أنفاسها، وأخرست ألسنتها، ولوثت بالدم والسجون والمنافي، مطالبها؟.
تلك أسئلة حيرى، قد يكون الجواب ثاويا في تفصيل ما من تفاصيل واحدة منها. وقد يكون مراوغا ضاحكا من غفلتي و" سرعتي " في إيراد الأسباب بينما السبب الرئيس يكمن ويرسب في قعر عِرْقِنا، وجيناتنا، ودمنا ؟.
وهل تراني مُسْتَلَباً؟، أم تراني مدخولا بالفكر الكولونيالي، والثقافة الاستشراقية التي " شوهت " تاريخنا، وأفرغتنا من ذكائنا اللاَّيُقارَن، و" عبقريتنا " المتفردة؟.
أسأل أيضا، وفي القلب غُمّة، وفي الفؤاد حُرْقة، وفي العقل رَجَّة وارتجاج: لماذا تقدمت كوريا الجنوبية، وكانت قبل عقود أقل شأنا حضاريا وثقافيا من المغرب مثلا؟.
ولماذا أشرقت شمس اليابان وهاجة ولا تزال بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة والأخلاق، وهي التي كانت مغرقة، إلى العظم، في عبادة الأسلاف والأباطرة المؤلهين، واستمراء العبودية، ونظام السخرة، والاستسلام إلى الأساطير والخرافات. وراضية قانعة بمصيرها الذي قُرِّرَ لها من قِبَل أنظمة الطغيان والرَّهبوت، بينما كانت مصر والشام في تلك العقود السحيقات والقريبات، أكثر تقدما وتطورا من حيث المعرفة والثقافة والتاريخ، والنهضة في القرن التاسع عشر، وصولا إلى منتصف العشرينات من القرن المنصرم؟.
وها هي الصين تقوم، وتتدافع بالمناكب وسط الزحام الأممي، حتى وصلت إلى أعلى السلم، إلى الذروة العولمية: اقتصاديا وعلميا، وصناعيا، وتكنولوجيا، وتسويقا، فضلا عن تاريخية حضارتها الباهرة.
وقل مثل ذلك عن ماليزيا، وسنغفورة، وهونغ كونغ، وتايوان، أو ما يطلق عليه ب" النمور الأسيوية "، ودول إفريقية شرعت تمزق أردان التخلف، وفيتيشية الأشياء، وطوطمية الأسلاف، كإثيوبيا ورَوَانْدا، تمثيلاً.
فماذا دهانا؟، أية ريح صفراء سافية دوختنا، وأتلفت كوى الضوء وخيوط الأمل في غد آتٍ؟. أي قذىً حط بعيوننا ، بل أي عُوار، فأمسينا عُمْياً ضائعين تائهين، خانعين، مكتفين بما يصار هناك، وينتج هناك، ويكتشف ويخترع هناك، منتظرين فقط أن يصلنا لنعبده ونرتديه، ولساننا الواحد يردد في بلاهة ودوخة تكاد تكون مرضا عضالاً: نحن حداثيون، ونسعى إلى ما بعد الحداثة؟.
مُثيرٌ وَضْعُنا وحالنا، ومُثيرَةٌ للرثاء والشفقة حياتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.