تتجه حكومة سعد الدين العثماني إلى تحيين التشريع المتعلق بالاستغلال المؤقت للملك العمومي، لمعالجة الإشكالات والنواقص المرتبطة بالترامي غير المشروع على الأملاك العامة وتطوير المساطر لتشجيع التوجه نحو الاستثمار عوض الاستغلال لأغراض شخصية. وينظم الاستغلال المؤقت للملك العمومي حالياً بظهير يعود إلى عهد الحماية الفرنسية، وبالضبط إلى 30 نونبر 1918. وبات هذا التشريع غير مساير للتحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ولا يشجع على الاستثمار؛ وهو ما يضيع فرصاً كبيراً من التثمين. وتشكل الأملاك العامة رصيداً عقارياً مهماً للدولة، وهي آلية من آليات الاستثمار وخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، نظراً للمميزات التي يختص بها هذا الملك والمتمثلة أساساً في كونه موضوع رهن تصرف العموم وغير قابل للتفويت. تقادم التشريع الحالي، الذي عمر 101 سنة، دفع وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء إلى إعداد مشروع قانون مفصل بهدف تجاوز عدد من المعيقات؛ أبرزها عدم خضوع ترخيص الاستغلال المؤقت للملك العمومي لمعايير موضوعية، خاصة فيما يتعلق بملاءمة الترخيص ومدته والنشاط المرخص له. ومن ضمن النواقص، التي يسعى مشروع القانون الجديد إلى تجاوزها، التجديد التلقائي لرخص الاستغلال؛ وهو ما يتنافى مع خصوصية هذا النوع من الأملاك، إضافة إلى هيمنة الاستغلال لأغراض شخصية على حساب الاستغلال لخدمة المشاريع الاستثمارية. كما يتوخى المشروع الجديد تفريد قواعد خاصة لأصحاب المشاريع الاستثمارية، ومعالجة غياب الضمانات الكافية للمستثمرين المستغلين للملك العمومي في حالة تقرر إرجاع هذا الملك، ناهيك عن محدودية العقوبات المقررة في حال مخالفة قواعد وشروط الاستغلال. ويسعى مشروع القانون، الذي ستصادق عليه الحكومة قريباً قبل دخوله مسطرة التشريع في البرلمان، إلى سن قواعد لتحقيق الاستغلال الأمثل والعقلاني لهذه الأملاك، وسن تدابير حمائية ضد جميع أنواع الاستغلال غير المشروع وغير الملائم للأغراض المرخص بها. أبرز هذه القواعد الجديد هو تطبيق مسطرة الإعلان عن المنافسة وعقد الامتياز والترخيص المباشر، إضافة إلى جعل استغلال الملك العمومي خاضعاً لدفتر التحملات وإلزام المستغلين بإعداد دراسة التأثير على البيئة للمشاريع المزمع إنشاؤها فوق الملك العمومي، وتخصيص مقتضيات خاصة للمرافق العمومية التي يتطلب عملها التواجد فوق الملك العمومي. وينص القانون الجديد في مادته الثانية على منع الترخيص بالاستغلال المؤقت للملك العمومي من أجل إقامة محلات السكن الرئيسي أو الثانوي، أما مادته الخامسة فتوضح أن الاستغلال المؤقت بواسطة عقد امتياز يمنح لحالات بناء منشأة عامة وصيانتها واستغلالها أو إنجاز مشاريع استثمارية تفوق قيمتها 20 مليون درهم، إضافة إلى الشركات ذات الرأسمال العمومي. ويلزم مشروع القانون الجديد الإدارة بدراسة طلب الاستغلال داخل أجل لا يتعدى ستين يوماً، واعتماد مدة أربعين سنة بالنسبة إلى المشاريع الاستثمارية قابلة للتجديد مرة واحدة باستثناء تهيئة الطرق الرابط بين ملك مجاور للطريق العمومية وبين هذه الطريق مع السماح بالمرور على جانبي الطريق المذكورة. كما يتضمن الاستثناء السابق أيضاً تهيئة ممرات للربط بين قطعتين أو أكثر مملوكة لشخص واحد، وربط القنوات العمومية بالسواقي المعدة لتصريف المياه عن الأملاك الخاصة أو لربها، والمرافق العمومية الواجب توفرها فوق الملك العمومي حسب تخصيص هذا الملك. ويُمنع بمقتضى هذا القانون تفويت أو كراء لرخص الاستغلال تحت طائلة إلغاء الرخصة، ومنح الصلاحية للإدارة بإمكانية سحب رخصة الاستغلال قبل انتهاء أجلها لأغراض المصلحة العامة؛ لكن هذا السحب يمنح للمشتغل الحق في التعويض عن الضرر الذي لحقه جراء ذلك. ويفتح مشروع القانون إمكانية أداء إتاوات الاستغلال على شكل أقساط ووضع قواعد خاصة لعملية إرجاع الملك العمومي المُستغَل إلى الدولة، ناهيك عن فرض عقوبات مالية صارمة في حال الإخلال بمقتضيات هذا النص، ووضع أحكام انتقالية خاصة للمستغلين في إطار ظهير 1918 قصد ملاءمة وضعيتهم مع هذه المستجدات. وعند دخول هذا القانون حيز التطبيق بعد مروره في مسطرة التشريع، سينسخ الظهير الشريف الصادر في 30 نونبر 1918 المتعلق بإشغال الأملاك العمومية مؤقتاً كما تم تعديله وتتميمه، والظهير الشريف بتاريخ نونبر 1926 المتعلق بمراقبة الملك العمومي البحري كما تم تعديله وتتميمه.