يتضح جيدا من المادة 22 من مشروع القانون، أن لرئيس المجلس الجماعي الحق في سحب رخصة الاستغلال المؤقت للملك العام الجماعي متى اقتضت المصلحة العامة ذلك وبدون أن يكون للمستغل أي حق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يلحق به جراء هذا السحب رغم أنه لم يصدر عنه أي خطأ أو تقصير يستحق هذا الجزاء. والسحب الإداري كما عرفه بعض الفقه هو إجراء تصدره الإدارة بتراجعها عن قرار سبق لها أن أصدرته كلما تبين لها عدم مشروعيته وهو يخالف الإلغاء القضائي الذي يجري بحكم قضائي يقضي فيه بإلغاء القرار المطعون فيه أمامها متى تبين لها عدم مشروعيته. كما أن السحب الإداري أو الإلغاء يسري بأثر رجعي وابتداء من تاريخ صدوره. وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن إلزام رئيس المجلس الجماعي (الإدارة الجماعية) بتعليل سحب قراره الإداري المنصوص عليه في المادة 22 من مشروع القانون ما هو إلا تأكيد الأحكام المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 1.02.2002 بتاريخ 23 يونيو 2002 الصادر بتنفيذ القانون رقم 03.01 بشأن إلتزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية الذي ينص على مايلي: (تلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليه في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها). وانطلاقا من أهمية هذا النص، أصبحت الإدارة ملزمة بتعليل القرارات التي تتخذها ترسيخا لمبدأ الشفافية في إطار الحكامة الإدارية الجيدة الذي يفرض على الإدارة التواصل مع المتعاملين معها وإخبارهم بالأسباب والمبررات التي تستند عليها في إصدار قراراتها لكونها تلحق أضرارا بحقوقهم ومصالحهم. ولذلك استوجبت المادة 22 من مشروع القانون، أن يكون سحب قرار الاحتلال المؤقت للملك العام من أجل المصلحة العامة الصادر عن رئيس المجلس الجماعي معللا ومبررا بما فيه الكفاية، بمعنى أن يكون هذا القرار مبنيا على أسباب موضوعية ومرتكزا على الأهداف المتوخاة من هذه المصلحة العامة ضمن البنود المكونة لمنطوقه بحيث إذا خلا هذا القرار من التعليل أصبح مشوبا بتجاوز السلطة وبالتالي يفقد مشروعيته. ومن جهة أخرى، فإن الاجتهاد القضائي لم يعد يقتصر فقط على التقيد بمقتضيات المصلحة العامة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما وسع من مفهومها على إثر تبنيه نظرية الموازنة التي تقوم على أساس التوفيق بين أعمال الإدارة الرامية إلى تحقيق المنفعة العامة ومصالح الخواص التي من خلال مسها تتحقق هذه المنفعة. مما لا مراء فيه، أن الغاية من هذا الاتجاه الحديث في الرقابة القضائية هو حماية الأشخاص الذاتية أو الاعتبارية من كل تعسف أو تسلط من قبل الإدارة عندما تمارس سلطاتها التقديرية المخولة لها في مجال إصدار أو سحب القرارات من أجل المنفعة العامة. وبالرجوع إلى مشروع القانون الجديد، نجد أن المادة 29 منه تقضي بما يلي: (يوجه إلى كل شخص يحتل الملك العام الجماعي دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه حسب الحالة في المادة 18 أو المادة 19 أعلاه، أعذار للتوقف عن الاحتلال المذكور في الحال وذلك دون الإخلال بالمتابعات القضائية. ويعتبر المخالف في جميع الأحوال مدينا للجماعة، عن كل سنة أو كسر سنة من الاحتلال غير القانوني بتعويض يساوي ثلاث مرات مبلغ الإتاوة السنوية العادية المستحقة في حالة الاستفادة من الترخيص المذكور. يقرر هذا التعويض رئيس المجلس الجماعي بإصدار أوامر التحصيل بناء على محاضر معاينة الجماعة التي يعدها المأمورون محررو المحاضر المنتدبون لهذا الغرض وفقا للتشريع الجاري به العمل). من خلال قراءة متأنية لهذه المادة، يتضح جليا أن أحكامها مستوحاة من الفصل 12 من القانون رقم 96.6 المتمم للظهير الشريف الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 1918 المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العام للدولة والذي يطبق أيضا على الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي. وهكذا، فطبقا للمادة 29 من مشروع القانون الجديد، فإن مقدار التعويض الذي يتعين على المحتل غير القانوني للملك العام الجماعي دفعه لفائدة الجماعة يساوي ثلاث مرات مبلغ الإتاوة السنوية العادية المستحقة في حالة الاستفادة من رخصة الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي وهو نفس التعويض المنصوص عليه في الفصل 12 من ظهير 30 نوفمبر 1918 المشار إليه أعلاه. لئن كان التعويض المقرر في الفصل 12 من الظهير المذكور يتماشى ومقتضيات الفقرة 9 من الفصل 30 من ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي الذي ينص على الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي على إطلاقه أي دون تمييزه بين الاحتلال المؤقت بإقامة بناء أو بدونه. إلا أن ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي قد تم نسخه بمقتضى ظهير 3 أكتوبر 2002 الصادر بتنفذ القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما وقع تغييره وتتميمه الذي جاء بمستجدات مهمة ومن أبرزها التمييز بين الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بإقامة بناء والاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء وبالتالي أصبحنا أمام نوعين من الاحتلال غير القانوني: الاحتلال المؤقت بإقامة بناء دون ترخيص والاحتلال المؤقت بدون إقامة بناء دون ترخيص. وتبعا لذلك، فإنه من غير المنطقي أن يسوي واضع مشروع القانون في مبلغ التعويض بين المحتل للملك العام الجماعي بإقامة بناء دون ترخيص والمحتل للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء دون ترخيص والحال كما أشرنا سابقا أن المحتل الأول يستغل الملك العام الجماعي بواسطة أبنية لها أساس في باطن الأرض وتحدث أضرار بالملك العام الجماعي في حين أن المحتل الثاني يستغل الملك العام بدون إقامة بناء أو بواسطة إنشاءات مفككة ليس لها أساس في باطن الأرض ولا تحدث أي ضرر بالوعاء العقاري الجماعي. ولهذا السبب نرى أنه من المفيد العمل على الرفع من مبلغ التعويض المفروض على المحتل للملك العام الجماعي بإقامة بناء دون ترخيص سابق يتناسب وحجم الضرر الذي يلحقه بالوعاء الجماعي بالمقارنة مع التعويض المفروض على المحتل للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء دون ترخيص سابق وذلك إعمالا لقواعد العدالة والإنصاف. أما المادة 30 من مشروع القانون، فتنص بما معناه أنه يجوز للسلطة الإدارية المحلية أن تقوم بصفة تلقائية بهدم البنايات التي تقوم فوق الملك العام الجماعي بدون ترخيص سابق وإرجاع العقار الجماعي إلى حالته الأصلية على نفقة المخالف وذلك دون الإخلال بتطبيق العقوبات المقررة على المخالفة المرتكبة. ما نلاحظ هنا، أن أحكام المادة 30 من مشروع القانون، قد إستلهمها أيضا المشرع من المادة 80 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير ولا يسعنا إلا أن ننوه بذلك ما دام أن الغاية من مشروع القانون رقم 02/09 هو تجميع وتوحيد كافة النصوص المنظمة للممتلكات الجماعية في نص واحد ومن ثم كان على المشرع أن ينحو نفس المنحى فيما يخص أحكام المادة 16 من مشروع القانون الجديد التي تنظم مسطرة تخطيط حدود الطرق العامة ومسطرة تأكيد طابع الملكية التي تكتسيها الطرق والمسالك والممرات والأزقة المستعملة بدلا من إحالتها وإخضاعها لنصوص قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير كما أوضحنا سابقا. ومن جهة ثانية، نعتقد أن عبارة «بنايات» الواردة في المادة 30 من مشروع قانون رقم 02/09 المتعلق بالأملاك الجماعية في الحقيقة عبارة غير دقيقة ذلك أن كلمة «بنايات» هي جمع بناية وتطلق على البيت الكبير الذي يتكون من عدة طبقات أي «العمارة» في حين يلاحظ أن عبارة «البناء» التي استعملها المشرع في المادة 80 من قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير كانت أكثر دقة وتحديدا وحماية للملك العام الجماعي ما دامت كلمة «بناء» وجمعها «أبنية» ويقصد بها كل الإنشاءات التي تم بناؤها على الأرض (الملك العام الجماعي) بواسطة أساس يضمن لها الاستقرار والثبات بحيث لا يمكن نقلها إلى مكان آخر إلا بهدمها. وقد وصف بعض الفقه «البناء» بكونه وحدة متراصة في باطن الأرض وغير مفككة، حيث ترتبط مواد البناء (إسمنت، حديد، حجر...) بالأرض على سبيل القرار في باطن الأرض أو في سطحها. إلا أنه بالرجوع الى المادة 50 من قانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات المحلية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 07.195 بتاريخ 30 نوفمبر 2007، نلاحظ أن لكلمة «بناء» مفهوما واسعا بحيث يشمل عمليات البناء وإعادة البناء وتوسيع المباني كيفما كان نوعها وعمليات الترميم. وطبقا للمادة 54 من ذات القانون، فإن عمليات البناء تتمثل في عمارات السكن أو المجموعات العقارية والعقارات المعدة لغرض صناعي أو تجاري أو مهني أو إداري والمساكن الفردية. ومن جهة أخرى، يلاحظ أن عبارة «بدون ترخيص سابق» الواردة في المادة 30 من مشروع القانون جاءت صيغتها عامة ومطلقة مما قد يفهم بها رخصة البناء المنصوص عليها في قانون التعمير أو رخصة الاحتلال المؤقت بإقامة بناء وحسب اعتقادي فإن صياغة «بدون ترخيص سابق» يعني بها المشرع الرخصتين معا طالما أن المستغل لا يمكن له الحصول على رخصة البناء إلا بعد إدلائه إلى قسم التعمير التابع للجماعة المحلية برخصة تخول له استغلال الملك العام الجماعي بإقامة بناء ولذلك يستحسن على المشرع أن ينص على الرخصتين معا بصريح العبارة درءا لكل تأويل أو تفسير. وبناء على ما سبق، يتبين أن جميع الإجراءات الإدارية والزجرية المتخذة ضد المخالف طبقا للمادة 30 من مشروع القانون تتعلق بمخالفة أحكام احتلال الملك العام الجماعي بإقامة بناء الذي تم تنظيمها بمقتضى المادة 29 من مشروع القانون ولذلك كان من الأفضل التنصيص على هذه الإجراءات الزجرية ضمن المادة 29 من مشروع القانون حفاظا على وحدة موضوعها وتفاديا لتجزيء أحكامها القانونية دون طائل. ولتحقيق ذلك، فإن المشرع مدعو إلى إعادة صياغة المادة 29 والمادة 30 من مشروع القانون الجديد على ضوء ما سلف ذكره. وفي إطار حماية الملك العام الجماعي من كل اعتداء أو ترام، فإن واضع المشروع من خلال المادة 30 منه لم يكتف بإمكانية هدم البنايات التي تقام على الملك العام بدون ترخيص سابق على نفقة المخالف، بل قرر عقوبات مالية وحبسية في المحتل للملك العام الجماعي بإقامة بناء بدون ترخيص سابق. وهكذا فإن المحتل المخالف يعاقب بغرامة مالية من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم لكونه قام ببناء فوق الملك العام الجماعي بدون حصوله على رخصة البناء طبقا للمادة 71 من قانون التعمير وفي نفس الوقت يتعين عليه أداء تعويض لفائدة الجماعة المعنية يساوي ثلاث مرات مبلغ الإتاوة السنوية العادية المستحقة في حالة الاستفادة من رخصة الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي طبقا للمادة 29 من مشروع القانون. كما أنه يمكن أن يتعرض إلى عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة تتراوح من 500 إلى 5000 درهم لكونه تصرف في ملك غير قابل للتفويت وفقا للمادة 542 من مجموعة القانون الجنائي. ويمكن أيضا أن يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 200 درهم الى 500 درهم لكونه إرتكب جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير طبقا للمادة 570 من مجموعة القانون الجنائي على اعتبار أن عبارة «عقار» الواردة في النص لها مفهوم عام تفيد العقار التابع للملك الخاص والعقار التابع للملك العام.