تباشر الإدارة العمومية وظائفها وأنشطتها الضرورية لتحقيق ما يصطلح عليه في القانون ب(المصلحة العامة) ويتم ذلك من خلال مجموعة من الوسائل، وإذا كان بإمكان هذه الأخيرة أن تتغير وفق التحولات المورفولوجية والبنيوية التي تمس مختلف الأنساق (اقتصاد، ثقافة، سياسة، اجتماع) التي يمكن أن تتدخل فيها، فإن سلطة الإدارة في إصدار القرارات الإدارية تعد المظهر الرئيسي لتلك الوسيلة. ويمكن للمهتم أن يستشف من خلال تجربته المهنية والمعرفية أن القرارات الإدارية تندرج في معنيين: - القرارات الإدارية كمقابل للتعبير الفرنسي: les décisions administratives والتي تحيل على مسلسل من العمليات الإدارية التي تتكون من مجموعة من المحطات التي تبتدئ من مرحلة الإعداد حتى مرحلة التنفيذ، وتتأثر هذه السيرورة بمتغيرات عدة: كالمحيط، ومستوى كفاءة النخب الإدارية. على مستوى التصور والتوقع والتخطيط. إن القرارات الإدارية بهذا المعنى المطابق لسيرورة العمل الإداري سواء في الأجهزة الإدارية للمعمل، المنتجين، الشركة أو المؤسسة العمومية، يمكن بناؤها كموضوع لعلوم التدبير وسوسيولوجيا التنظيمات. - القرارات الإدارية في الاستعمال الدلالي الذي تتداوله الأجهزة القانونية: أي كمقابل للتعبير الفرنسي: .Les actes administratifs ، في هذا الإطار يلاحظ أن الأدبيات التشريعية قد تجنبت وضع تعريف قانوني دقيق لما يدعي بالقرار الإداري لتترك تلك المهمة للمشتغلين في الوسط الفقهي القضائي. وسوف نهتم في هذا العمل بالقرارات الإدارية في المعنى القانوني محاولين التطرق إلى تحديد الإشكالات القضائية التي تدور في فلكه.
1) حول القرار الإداري: تجمع الأوساط الفقهية في مجال القانون الإداري على أن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة والذي يصدر في الشكل الذي يتطلبه القانون، وذلك بقصد احداث أثر قانوني متى كان ممكنا وجائزا قانونا، وكان الباعث عليه ابتغاء المصلحة العامة» . إنه بصيغة أخرى: الإرادة القانونية التي تسمح للإدارة بإحداث أثر قانوني كأن تعترف ببعض الحقوق أو تفرض التزامات معينة التي لا يمكن إحداثها بين الخواص إلا بناء على تعاقدات تبادلية. ولكي يستجيب القرار الإداري لمسطرة الطعن بالإلغاء تشترط الممارسة الفقهية _ القضائية أن تتوفر فيه العناصر التالية : 1- أن يكون القرار صادرا عن سلطة إدارية: ويقصد بها جميع الوزارات، بما فيها المصالح المركزية والخارجية والجماعات المحلية والوكالات التي تحدثها المؤسسات العمومية، وكذا الهيئات التي يعهد إليها بتسيير مرفق عام، والتي تستفيد من امتيازات السلطة العامة. ويخرج عن نطاق هذه القرارات قرارات السلطات العامة الأخرى كأعمال السلطات التشريعية والقضائية وقرارات الأحزاب والأشخاص المعنوية الخاصة. 2- أن يكون القرار نهائيا: وهذا يعني أن الأعمال التحضيرية التي تسبق القرار، وكذا الأعمال التوجيهية، والأعمال التنفيذية التي تلحقه ولا تضيف جديدا إليه ليست قرارات إدارية بالمعنى القضائي القانوني للكلمة.(قرار الفرقة الإدارية عدد 92 بتاريخ 21 / 03 / 1991 . 3- أن يحدث آثارا قانونية: لقد اشترط المجلس الأعلى في القرار الإداري أن يؤثر في المركز القانوني، كأن يلحق ضررا بمصلحة من مصالحه. (القرار 316 بتاريخ 28 _ 10 _ 93). وقد عمل الفقه على بناء مجموعة من التصنيفات للقرار الإداري وذلك باعتماد معايير مختلفة من بينها: 1- مدى عمومية القرار: وتصنف القرارات الإدارية في هذا الإطار إلى نوعين: - القرارات التنظيمية : وهي القرارات التي تتضمن قواعد عامة ومجردة و تطبق على عدد غير محدود من الأفراد تتوفر فيهم الشروط التي تتضمنها هذه القرارات، وتتميز عادة بالثبات لأن تطبيقها لا يعرضها للاستنفاذ، مثال: قرار وزير التربية الوطنية بتنظيم السنة الدراسية لموسم معين. - القرارات الفردية: وهي تخاطب فردا بذاته، أو مجموعة من الأفراد، مثال: قرار تأديبي يحمل عقوبة التوبيخ موجه لأحد الموظفين. 2- شكل القرارات: ويمكن التمييز داخل هذا المعيار بين معايير فرعية: * القرارات الإدارية الصريحة، و القرارات الإدارية الضمنية: القرارات الإدارية الصريحة: يصدر القرار الإداري التنفيذي بشكل صريح ويتخذ صيغة كتابية وقد يكون شفويا لا وثيقة إدارية تثبته. وإذا كانت الصيغة الكتابية تسمح لذوي المصلحة أو المعنيين بالأمر مباشرة بالإطلاع على مضمون قراراتهم والإطلاع عليها وعند الاقتضاء الطعن فيها بالإلغاء، فإن القرارات الإدارية الشفوية لا تتيح تلك الإمكانية لأن الإدارة لا تمكنه من الضمانات الضرورية للقيام بذلك. فتبليغ موظف مثلا بشكل شفوي بأنه فصل عن عمله، أو متعاقد بأن عقدته قد فسخت يشكل عائقا كبيرا يطرح إشكالية الإثبات أمام هيئة المحكمة . القرارات الضمنية: وقد تعبر الإدارة عن إرادتها في قرارات غير صريحة وتلتزم أسلوب الصمت، فكثير هي طلبات الموظفين التي تعرض الإدارة عن اتخاذ قرار بشأنها سواء تعلق الأمر بالقبول أو الرفض. ورغم اقرار الفقه و القانون بأن التزام الإدارة السكوت خلال مدة معينة أمام الطعن الإداري، يوازي قرار الرفض. فإن ذلك لا زال يثير اشكالات فقهية و قضائية معقدة. القرارات الإيجابية: يعني الإفصاح عن الإرادة المنفردة للإدارة بشكل صريح أو ضمنيا وذلك بعمل شيء أو الامتناع عن عمله. القرارات السلبية: يعني امتناع الإدارة عن القيام بعمل أو التزام يفرضه القانون أي أن تتخذ قرارا يتعين عليها اتخاذه ويظهر هذا النوع من خلال رفض الإدارة تلبية طلب تقدم به أحد المواطنين: كرفض منح رخصة، أو تجديدها. وقد اعتمد القانون 03.01 الخاص بإلزام الإدارة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية منهج القائمة في الحديث عن بعض أنواع القرارات الإدارية وذلك كما يلي: 1_ القرارات المرتبطة بمجال ممارسة الحريات العامة والتي تكتسي طابع إجراء ضبطي. 2_ القرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبات تأديبية. 3_ القرارات الإدارية التي تقيد تسليم رخصة أو بعض الوثائق الإدارية بشروط وتفرض أعباء غير منصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل. 4_ /القرارات الإدارية القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ لحقوق. 5_ /القرارات الإدارية التي تستند على تقادم أو فوات أجل أو سقوط حق. 6_ /القرارات الإدارية التي ترفض منح امتياز يعتبر حقا للأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية. وسوف نعتمد بعض العناصر الواردة في هذه القائمة لنطرح الإشكال بشكل مغاير ليس على مستوى الإدارة ولكن على مستوى الممارسة القضائية، وبصيغة أكثر وضوحا سوف نجعل بعض عناصر هذه القائمة في مواجهة إشكالية مع المادة 21 من ق 41-90 المنشئ للمحاكم الإدارية. القرار الإداري على محك المادة 21 من القانون 41-90: تنص المادة 21 من ق. 41-90 على أنه: ( يجب أن يكون طلب الإلغاء مصحوبا بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه، وإذا سبقه تظلم إداري يتعين أن يصحب طلب الإلغاء أيضا بنسخة من القرار الصادر برفض التظلم أو بنسخة من و وثيقة تشهد بإيداع التظلم أن كان رفضه ضمنيا ) . وتعد هذه المقتضيات في نظر القضاء الإداري قواعد آمرة يتعين احترامها لتعلقها بالنظام العام، وتؤدي مخالفة طلبات المدعين لهذه المقتضيات إلى الحكم بعدم القبول كحل مريح يلجأ إليه بعض القضاة لتفادي الفحص الدقيق والممل في ثنايا القضية المعروضة عليهم. والملاحظ أن نظرة أولية وقراءة سطحية للمادة 21، من شأنها ألا تثير الانتباه إلى الإشكالات العملية العميقة التي تطرحها في الوسط القضائي. إن تطبيق الفقرة على جميع أشكال وأنواع القرارات الإدارية الممكن الطعن فيها بالإلغاء، قد يؤدي إلى العصف بروح النصوص التشريعية المنظمة للعمل القضائي الإداري والتي تروم التأسيس المؤسساتي لآلية مراقبة شرعية القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية وإلغائها عند الاقتضاء من أجل حماية الحريات الفردية والأساسية. فماذا يقصد المشرع بالعبارة:(يجب أن يكون الطلب مرفوقا بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه ؟) سواء في المادة من 360 من ف. م .م أو المادة 21 السالفة الذكر؟ وهل يشمل هذا الوجوب جميع أنواع القرارات الإدارية السالفة الذكر؟ أو لا تضع هذه البنود في أحيان عديدة المتقاضين مع الإدارة في وضع قانوني معقد حين يستحيل عليهم الإتيان بالقرار الإداري؟ وأية قيمة واقعية ورمزية تبقى لدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ؟. «. ألا يساهم المشرع بهذا المنطق القانوني في وأد مشروع مقاضاة الإدارة كقوام لدولة الحق والقانون في المهد؟. وإذا كان الجواب بالنفي، فماذا يكون موقف القاضي الإداري أمام بعض القضايا التي يتعذر فيها الإدلاء بالقرار المطعون فيه؟ الدفع بعدم القبول أم العمل على تجاوز التناقضات التي سقط فيها المشرع و الحكم بقبول الدعوى شكلا بعد إجراء بحث؟ إن القرارات الإدارية ذات الطابع التأديبي تمثل النموذج المثالي في معنى Max weber من القرارات التي تستجيب بشكل موضوعي لمقتضيات الفصول السالفة الذكر. لأن الشروط المتطلبة في الغالب في القرارات الإدارية عادة ما تكون مستوفاة بشكل واضح في العمل الإداري التأديبي. فغالبا ما يأتي هذا الأخير في صيغة قرارات إدارية صريحة مكتوبة وموجهة مباشرة إلى المعني بالأمر. وبإمكان هذا الأخير الإدلاء بنسخة منها في الوثائق الموجهة إلى هيئة المحكمة. ولكن ماذا عن القرارات الضمنية للإدارة؟ وماذا عن القرارات الشفوية التي تلحق أضرارا بالمركز القانوني للطاعن؟ وماذا عن قرارات الإدارة التي ترفض بشكل غير صريح منح حق يعد امتيازا لبعض الأشخاص أو بعض الفئات الاجتماعية؟ ومن أين سيأتي الطاعن بمثل هذا النوع من القرارات كي يدلي بها أمام القاضي؟ وكيف سيثبت اعتراف الإدارة في حال غياب الطعون الإدارية التي جعل منها قانون 90.41 اجراءا اختياريا؟ وحتى في حالة القيام بالطعن الإداري ما ذا يكون الأمر في حال عدم وجود جواب الإدارة؟ أي موقف سيتخذه القاضي الإداري؟ صحيح أن الطاعن في حالة استحالة تقديم القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء يتوفر على بعض الإمكانيات الهامشية كاللجوء إلى المساطر الاستعجالية لإجراء معاينة أو إثبات حال معين أو عند الاقتضاء، استصدار وثائق إدارية معينة أو طلب إجراء بحث، إلا أن هذه الإمكانيات الضئيلة لا تناسب الشعارات الكبرى التي ترفعها الدولة في مجال الإصلاح الإداري وإنشاء المحاكم الإدارية، إضافة إلى كونها تثقل كاهل المتقاضي ضد الإدارة بأعباء جديدة. وفي الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس عدد 644/2007 في الملف الإداري 644/2007 اتجه القضاء الإداري إلى قراءة آلية للمادة 21 أعلاه ليحكم بناء على ذلك بعدم قبول طلب الطاعنة الرامي إلى إلغاء قرار نيابة وزارة التربية الوطنية لإقليم بولمان، والقاضي بإعطاء تعيينات خارج إطار الحركة الانتقالية المحلية، مدعية أنها الأولى من الناحية القانونية بتلك المناصب باعتبار تمتعها بامتياز الالتحاق بالزوج. وقد عللت المحكمة حكمها بغياب ما يفيد قيام النيابة الإقليمية بإجراء تلك الانتقالات وذلك بالرغم من إدلاء الطاعنة بجواب الإدارة التي تعترف صراحة بالقيام بذلك وكذا بصورة شمسية لمحضر موقع من طرف الإدارة يفيد قيام مسؤول وزارة التربية الوطنية بعدم إشهار منصبين شاغرين لكي يسندهما فيما بعد إلى أطراف لا تتوفر فيهم الأولوية القانونية للانتقال إليها. وبالرغم من تقديم هذه الأدلة ضمن مرفقات المقال الافتتاحي وإصرار دفاع الطاعنة وكذا المفوض الملكي للحق والقانون على إجراء بحث، اكتفت هيأة المحكمة بتطبيق الفصل المذكور. وبصرف النظر عن المسارات التي يمكن أن تتخذها القضية على مستوى الموضوع، فإن موقفا قضائيا مثل هذا يزعزع أسس الاعتقاد في جدوى الطعن القضائي في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بشكل غير صريح (الضمنية- الشفوية- القرارات الصادرة لصالح الغير والتي تمنع منح امتياز للأشخاص التي تتوفر فيهم الشروط القانونية). أي القرارات التي لا يمتلك المتضررون منها أي حجة على حصولها أو صدورها. غير أن هذا المنوال من التأويل يعد في الحقيقة استثنائيا، ففي حكم المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 13/03/1996، عدد 39-96، اتجه القضاء الإداري إلى قبول الطلب على مستوى الشكل وجاء في بعض حيثياته (إن القرار موضوع الطعن يعتبر من القرارات الشفوية، الأمر الذي يبرر عدم إرفاق عريضة الطعن بنسخة منه، علما أن الإدارة تقر بوجود هذا القرار...) . وفي قضايا مماثلة قبلت الغرفة الإدارية الطعن في القرارات الشفوية الصادرة عن الإدارة خاصة حين تعترف هذه الأخيرة في مذكرة الجواب بأنها أصدرت القرار المذكور(قرار الغرفة الإدارية عدد 3 بتاريخ 07/01/1993). إن عملية تأويل النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم الطعون القضائية ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية ليست مجرد إجراء تقني يلجأ إليه القاضي لتصفية القضايا التي تعرض عليه. إن عملية التأويل تندرج في إطار علم قائم بذاته وتتحكم فيها خلفيات ومتغيرات ابستمولوجية مهمة تعيد طرح إشكالية الذات والموضوع داخل حقل العلوم القانونية- القضائية بشكل ملح . إن سعة الصدر و شغف البحث - كدوافع سيكولوجية مهمة - عن العناصر الدقيقة الكفيلة ببناء الحكم أو القرار بناء سليما إضافة إلى القدرة على توظيف المعارف والمداخل المنهجية التي راكمها أعلام الهيرمونوطيقا (Herméneutique) كأمثال: Cassirer Ernestو Paul Ric_ur و هانز كادمير Hanz cadammer واستحضار التوجيهات الحالية للسياسة الحقوقية والقضائية، بإمكان هذا التزواج السماح لرجال القانون بالمساهمة القضائية و القانونية في الإصلاح الإداري. الإحالات: 1- سعيد مكاوى :» تعليل القرارات الادارية _دراسة مقارنة « مطبعة السلام الجديدة, 2003 ,ص 7. _2 - عبدالله حداد :_ القضاء الإداري على ضوء إحداث المحاكم الإدارية _ منشورات عكاظ , 1994,ص 103. 3- م.إدريس الحلابي الكتاني :_ اجرات الدعوى الإدارية _ 2001 , مطبعة دار السلام ,ط1 ,ص293 . 4 - تنص المادة 355 من ق.م.م على نفس الإجراء. -5 - قضية مليكة توزاين ضد نيابة وزارة التربية الوطنية لإقليم يولمان (الحكم عدد 644/2007 بتاريخ /07/2007). 6- م.إدريس الحلابي الكتاني. مرجع سابق ص 293. 7 - عبدالله حداد : مرجع سابق,ص 104 . 8 - انظر محاضرة الأستاذ Michel Troper بعنوان :_التأويل في القانون- على موقع المدرسة الوطنية العليا ENS بفرنسا على الموقع التالي : http://www.diffusion.ens.fr/index.php?res=conf&idconf=944