كثيرا ما تستغل بعض الجهات النافذة نفوذها، أو سلطتها لاتخاذ قرارات بعيدة عن المهمات المنوطة بها تجاه المواطنين، مشكل يعاني منه الكثيرون إلا أن فئات قيليلة هي التي تلجأ إلى القضاء لإنصافها، أحيانا بسبب جهل المواطنين لمهمات بعض السلطات، وبالتالي يسلمون بالأمر الواقع وتضيع مصالحهم بقرار مجحف، وأحيانا بسبب الخوف من الدخول في متاهات قضائية يرى المرء نفسه في غنى عنها، إلا أن فئات ثالتة تختار المواجهة...وما ضاع حق وراءه طالب. في قضية اليوم، سنناقش الشطط في استعمال السلطة، أو التجاوز في استعمال السلطة..فما هي حيثيات هذا الملف؟ وبماذا قضت إدارية مراكش في الحكم رقم 41 بتاريخ 99,4,7 ؟ طلب إنصاف تقدم الطاعنان بعريضة بكتابة ضبط إدارية مراكش بتاريخ 20,2,1998 يعرضان من خلالها بأنهما حصلا بتاريخ 27/10/1994 على قرار تحت عدد 37,94 يرخص لهما بإقامة مضخة لتوزيع الوقود بالمحل، وأنهما بقيا منذ ذلك التاريخ يستغلان هذا الترخيص تجاريا إلى شهر نونبر من سنة 1997 حيث قام القائد بسحب آلة الضخ ولوازمها بدون أدنى توضيح لسبب ذلك. وبعد ذلك تم إخبارهما بشكل شفوي من طرف العمالة بأن قرارا صدر بتاريخ 28/10/1997 تحت عدد 394 قضى بسحب الترخيص المذكور منهما. بادرا الطاعنان إلى تقديم تظلم استعطافي إلى العامل، إلا أن ذلك الاستعطاف بقي بدون جواب، الشيء الذي دعاهما إلى تقديم هذا الطعن اعتمادا على أن الرخصة المذكورة تعتبر حقا مكتسبا لهما يجب حمايته قانونا، وعلى أنه لم يصدر عنهما أي خطأ يبرر هذا السحب، ولأن الرخصة لا يجوز سحبها إلا إذا كانت لصالح السير أو صيانة الملك العام، أو لتعارضهما مع مركز حقوقي ناشئ عن الشيء المحكوم به، أو عن التزام تعاقدي أو لعدم مراعاة شروط الرخصة أو لصالح المرفق العام. وبما أن أيا من ذلك لم يتوفر فإن القرار المطعون فيه يكون متسما بالشطط في استعمال نشاطهما التجاري موضوع الرخصة من تاريخ الحكم مشمول بالتنفيذ المعجل. أدلى الوكيل القضائي للمملكة بصفته هذه، ونيابة عن باقي المطلوبين في الطعن، بمذكرة جواب جاء فيها: أولا: من حيث طلب إلغاء سحب الرخصة بناء على عدة شكايات شفوية وكتابية تقدم بها صاحب المحل المخصص لبيع الأجزاء المفصلة للدراجات النارية و المرخص له منذ سنة 1975 باستعمال مضخة لبيع الوقود، حول الضرر الذي لحق به من جراء ممارسة منافس له، وهو الطاعن لنفس التجارة. التحقق من الادعاءات قامت لجنة بتاريخ 39,9,1997 بمعاينة المكان قصد التحقق من ادعاءات المشتكي وخرجت بالملاحظات الآتية: وجود مضخة من حجم 50 لتر بمحل الطاعن رقم 144 المرخص له، وذلك على مقربة من المحل رقم 145 المخصص لتهيئ وبيع الوجبات الخفيفة والذي يستعمل لتحضيرها الفحم و الغاز. وجود مضخة أخرى من نفس الحجم بمحل المشتكي رقم 147 المرخص له، وذلك على مقربة منه محل للطاعن رقم 146 مخصص لقلي (الحمص و الزريعة و الكاكاو) باستعمال قنينة غاز من حجم 12 كلغ. وقد اقترحت اللجنة تفاديا لأي خطر محتمل سحب الرخصة المسلمة حديثا سنة 1994 والاحتفاظ بالرخصة المسلمة سنة 1975 مع إلزام الطاعن بتعاطي عملية القلي خارج المحل، وبما أن العامل يعتبر المسؤول الأول عن الحفاظ على النظام العام الذي لا يمكن تحقيقه دون اتخاذ هذا الإجراء الذي لا غنى عنه فإن سلطات العمالة قامت بمنع الطاعن صاحب الرخصة المسلمة له سنة 1994 من استعمال مضخة الوقود و الإبقاء على الرخصة القديمة المسلمة سنة .1975 ثانيا: حول طلب الإذن للطاعنين بمعاودة مباشرة نشاطهما، حيث إنه لا يجوز لقاضي الإلغاء أن يعطي أوامره للإدارة احتراما لمبدأ فصل السلط فإن هذا الطلب مرفوض. ثالثا: حول طلب النفاذ المعجل ، إن طلب شمول الحكم بالتنفيذ المعجل لا يجد ما يبرره قانونا في دعوى الإلغاء مادام المشرع قد فتح المجال للمطالبة بإيقاف تنفيذ القرار الإداري. من جانبه تقدم العامل بمذكرة جواب جاء فيها بأنه أمام الشكايات المقدمة ضد الطاعنين وفي إطار اختصاصه المتعلق بالحفاظ على النظام العام، كلف لجنة للتأكد من مدى احترام أو مخالفة الطاعنين للتدابير المنصوص غليها بالرخصة، وانتهت اللجنة إلى أن عملية بيع الوقود قد تعرض المارة و السكان لعواقب خطيرة الشيء الذي قرر معه سحب الرخصة تفاديا لأي خطر، واستنادا إلى كون تدابير الشرطة الإدارية، تدابير وقائية تقتضي التدخل قبل الإخلال بالنظام العام. تعليل المحكمة ترمي الدعوى إلى الطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة ضد القرار الشفوي الصادر عن عامل عمالة سيدي يوسف، وحيث أكد العامل في جوابه عن القرار الشفوي المطعون فيه، أنه إنما اتخذه بعد أن تلقى عدة شكايات من طرف ''ع،ب''حول الضرر الذي لحقه بسبب منافسة الطاعن له بنفس المكان في تجارة بيع الوقود باستعمال مضخة، حيث تم تشكيل لجنة للتحقيق من ادعاء المشتكي بعين المكان، وأدلى بمحضر هذه اللجنة المحرر بتاريخ 3,9,1997 الذي اقترحت فيه سحب الرخصة التي يستغل بمقتضاها الطرف الطاعن مضخة الوقود. ودفع الطرف الطاعن بأن الإدارة إنما تحيزت لفائدة المشتكي المذكور الذي رفع دعوى في الموضوع حكمت برفض طلبه، وأن ذلك يمثل خرقا لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام خدمات الإدارة مضيفا بأن الخطر المزعوم لازال قائما من جراء بيع الوقود بنفس الرصيف من طرف المشتكي. وحيث ثبت من وثائق الملف أن الطرف الطاعن يمارس تجارة بيع الوقود باستعمال مضخة مرخص له بها بمقتضى مقرر الترخيص المدلى به المشار إلى مراجعه أعلاه، وأن المسمى ''ع.ب'' يتعاطى نفس التجارة على بعد حوالي عشرة أمتار، حسبما جاء في محضر المعاينة المشار إليه (من محل الطاعن بمقتضى الترخيص المدلى به، و الصادر عن بلدية مراكش بتاريخ 30,9,75 تحت عدد 790,75 ، وأنه نتيجة لتعاطي الطرفين لنفس التجارة بنفس المكان، والتنافس بينهما في ذلك، قام المشتكي المذكور بتقديم دعوى إلى المحكمة الابتدائية بمراكش يلتمس فيها الحكم على الطاعن بالكف عن بيع الوقود بدكانه الذي لا يبعد إلا بضعة أمتار عن الدكان الذي يبيع به المشتكي نفس المادة، وذلك نظرا لما يشكله ذلك من منافسة غير مشروعة، وقد قضت المحكمة بمقتضى الحكم المدلى به الصادر بتاريخ 25,3,97 تحت عدد 1727 في الملف رقم 2216,96 برفض الطلب. ونتيجة تقديم المشتكي لشكايات في نفس الموضوع اتخذ العامل القرار المطعون فيه بعد أن أوفد لجنة للمعاينة كما فضل أعلاه والتي سجلت بمحضرها وجود سوء تفاهم فعلا بين الجارين المذكورين. لكن بما أنه ليس من اختصاص العامل البت في النزاع المشار إليه لأنه إنما فصل في منازعة تخرج عن دائرة اختصاصه، وتدخل في اختصاص القضاء، الشيء الذي يجعل قراره المطعون فيه متسما بالتجاوز في استعمال السلطة لكونه مشوبا بعيب عدم الاختصاص، ويعرضه بالتالي للإلغاء. وبما أن طلب الطاعن الحكم له بالعودة إلى ممارسة نشاطه التجاري موضوع الرخصة المسحوبة طلب في غير محله باعتبار أنه من باب ترتيب النتائج على ما طلبه من إلغاء القرار، والتصريح بإلغاء القرار المتسم بتجاوز السلطة دون حق تعديله أو تبديله بغيره. وبالتالي قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار الشفوي الصادر عن عامل عمالة سيدي يوسف القاضي بسحب مقرر الترخيص بإقامة مضخة لتوزيع الوقود الممنوح للطاعن من طرف رئيس المجلس البلدي لبلدية سيدي يوسف. *** التعليق على الحكم للأستاذ خالد الإدريسي العامل قام في الفصل في منازعة تدخل في إطار الاختصاص المخول للقضاء، وبالتالي يتضح على أن قراره كان مشوبا بعيب من عيوب المشروعية وهو المتعلق بعيب عدم الاختصاص. تضمن قرار المحكمة الإدارية بمراكش مبدأ أساسيا مفاده أن قرار العامل بسحب مقرر الترخيص للطاعن باستغلال مضخة للوقود اعتمادا على شكاية جار للطاعن يمارس نفس التجارة بنفس الرصيف هو فصل في منازعة تخرج عن دائرة اختصاصه و تدخل في إطار اختصاص الجهاز القضائي. و على الرغم من أن هذا الحكم قد صدر منذ حوالي عقد من الزمن إلى أن المبادئ التي استند عليها، والجوانب القانونية والحقوقية التي رسخها تبقى ذات أهمية آنية. وهكذا فمن خلال التركيز على الوقائع التي يتضمنها هذا الحكم، نجد أن المحكمة المصدرة لهذا القرار قد ناقشت مبدأ أساسيا و هو المتعلق بالطعن بالإلغاء لوجود تجاوز في استعمال السلطة بسبب عيب الاختصاص. ولتحليلنا لهذا القرار سنتناول أهم نقطة يتضمنها وهو موضوع عيب الاختصاص كسبب من الأسباب التي تخول الإلغاء بسبب تجاوز السلطة. رقابة القضاء على عيب الاختصاص في القرار الإداري. يتبين من القرار المشار أعلاه على أن العامل قام في الفصل في منازعة تدخل في إطار الاختصاص المخول للقضاء، و بالتالي يتضح على أن قراره كان مشوبا بعيب من عيوب المشروعية و هو المتعلق بعيب عدم الاختصاص. ويقصد بعيب الاختصاص خرق القواعد التي تحدد المهمة المختصة بالقيام بتصرفات معينة، بمعنى أنه إذا قام المشرع بتحديد اختصاص ما أوكل به إلى فرد معين أو إلى هيئة بذاتها بدون مشاركة، فإن صدور العمل أو التصرف الإداري من جهة مخالفة للجهة التي حددها المشرع، يعتبر صادرا ممن لا يملك هذا الحق لأنها غير مختصة به، وبالتالي يكون قابلا للإلغاء لتوفر عيب الاختصاص. وعيب الاختصاص يعتبر الوجه الوحيد من أوجه الإلغاء الذي يتعلق بالنظام العام و الذي يمكن للقاضي أن يتصدى له تلقائيا و لو لم يثره رافع الدعوى كسبب للإلغاء. و من صوره نجد عيب عدم الاختصاص البسيط الذي ينقسم بدوره إلى عيب عدم الإختصاص الموضوعي، و عدم الاختصاص المكاني، وعدم الاختصاص الزمني أما النوع الثاني فهو الذي يهمنا و هو الذي يتعلق بالنازلة موضوع التعليق و هو عيب الإختصاص الجسيم، ويتحقق عندما يصدر القرار من فرد عادي ليست له الصفة القانونية أو من موظف لا صلة له بإصدار القرارات الإدارية، أو من سلطة إدارية في موضوع من اختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية، ويترتب على ذلك أن القرار لا يعتبر باطلا فحسب بل معدوما و فاقدا لصفته الإدارية، فلا يتحصن بفوات الأوان ميعاد الطعن وتدخل إجراءات تنفيذه ضمن أعمال التعدي . والملاحظ أن هذا القرار موضوع التعليق كان صائبا في بعده الحقوقي، والقانوني من خلال اعتباره القرار الشفوي الصادر عن العامل يخرج عن اختصاصه و يدخل في اختصاص القضاء مما يجعله مشوبا بعيب عدم الإختصاص و يعرضه بالتالي للإلغاء، وموافقا لما استقر عليه الفقه و القضاء الإداريين اللذان يعتبران القرارات الصادرة من جهة إدارية والتي تدخل في الأصل في اختصاص المؤسسة القضائية ليس قرارات باطلة تخول الإلغاء فحسب، بل هي قرارات معدومة و فاقدة للصفة الإدارية. وحيث إن قرارات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تواثرت على السير على هذا التوجه القضائي، وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 84/60 بتاريخ 21 ماي 1960 ما يلي :''...إذا اعتبر قرار رجل السلطة المحلية (قائد ) بإغلاق محل متنازع حول استغلاله بين الشركاء فيه قرار يتجاهل مبدأ الفصل بين اختصاصات كل من السلطتين القضائية و الإدارية و يشكل اعتداء على اختصاص السلطة القضائية ...'' ( قرار صادر في الملف الإداري عدد ,2790 منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين لسنة 1997 المادة الإدارية ص 31 ).كما أن المحاكم الدنيا ذهبت على نفس المنوال، و من بين هذه الأحكام نجد الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس في الملف الإداري عدد 104/97/3 الصادر بتاريخ 28/01/1999 الذي جاء في حيثياته ما يلي ''...وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات ظهير 10/10/1917 المتعلق بحفظ الغابات و استغلالها نجد المواد 33 خ 31 خ 32 خ 36 من تتحدث عن مقتضيات زجرية تدور بين الغرامة من 6000 فرنك، و الحسب من ستة أيام إلى شهرين اثنين، وهذه المقتضيات لا يمكن تطبيقها إلا من قبل السلطة القضائية المختصة ألا و هي السلطة القضائية.و حيث إن ذهاب المجلس البلدي إلى فرض غرامات جزائية و تعويضية عوض فرضها من قبل المحكمة الابتدائية ذات الإختصاص يجعل القرار صادرا من جهة غير مختصة مما يجعل القرار معدوما ويترتب على كون القرار معدوما لعيب الإختصاص التصريح بإلغائه ''. ( منشور بمجلة الإشعاع العدد 20 ص 166). نستخلص إذن أن الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بمراكش يعتبر من الأحكام التي رسخت دور القضاء في ترسيخ دولة الحق و القانون، كما أكدت أن قضاء الإلغاء هو أحد أوجه الرقابة على أعمال الإدارة و أهمها على الإطلاق، و الأقدر على حماية مبدأ المشروعية و الدفاع عن الحقوق و الحريات الفردية.إن أهم ما يميز علاقة الإدارة برعيتها في العصر الحديث على مستوى تحديد المسؤولية هو الحرص التام المشمول بالحيطة و الحذر من الجانبين و ذلك ضمانا للتطبيق السليم للقوانين التي تحكم هذه العلاقة، و في جميع الحالات يبقى الهدف هو ضمان و حماية المصلحة العامة و النظام العام من جهة، و صيانة حقوق و حريات الأفراد من جهة أخرى، و كنتيجة لذلك فالدولة لم تعد ذلك الجهاز الذي لا يمكن مساءلته باعتبارها سلطة عامة خصوصا بعد ظهور ما يصطلح عليه بالمفهوم الجديد للسلطة، بل أصبحت أعمالها و قراراتها كلها تقاس بناء على مدى احترامها لمبدأي الشرعية و المشروعية.