نساء للرهن أو المعاشرة بالكونترة!... بقلعة السراغنة، بني ملال، آزيلال، قصية تادلة، خريبكة... تسلم القاصر بنت 13 إلى 15 سنة للرجل الراغب فيها مقابل «كونترة» بين الأب وهذا الرجل... بهذه المدن وبالأقاليم التابعة لها، ترهن البنات القاصرات ويرهن مصيرهن مقابل بضع ملايين يقبضها الأب ثم يسلم ابنته لرجل بدون عقد زواج... طفلات قاصرات، براعم لم تكد تتفتح، اقتلعت غصبا من مقعد الدراسة ورمي بها نحو سرير العشير بمباركة الأب وبحضور كل رجال العائلة: العم والخال، الأخ وابن العم وابن الخال، بل كل رجال القبيلة!... لم تكن مليكة يوما عروسا مرهونة في دار والدها، بل هي طفلة مرهونة لكن في دار دائنه الذي «تحوزها» مقابل إقراض والدها مبلغا نقديا... الرهن دام لمدة 4 سنوات وهي السنوات التي كانت تفصل مليكة عن سن الرشد عند إتمام عملية الرهن... أنجبت خلالها مليكة طفلا، لتعود لبيت والدها بعد أن طردها العشير متبرئا منها ومن ابنها... السبب أن والدها تصرف في النقود وعجز عن أداء الدين للعشير، فرفض هذا الأخير العقد على ابنته التي بلغت سن الرشد حديثا... وكان ثمن هذا الدين كرامة المدين وشرفه وكرامة ابنته وشرفها ومستقبلها أيضا!... والحل الدخول في دوامة التقاضي... صدق أو لا تصدق! جرت العادة في بعض المدن المغربية كآسفي ومراكش والصويرة على أن يرهن الشخص داره عند احتياجه للمال مقابل مبلغ نقدي على أساس أن يستغل الدائن الدار إلى أن يعيد له المدين نقوده. وقد تكون مدة الرهن محددة بين الدائن والمدين وأحيانا قد لا تكون. وكما هو متعارف عليه أيضا في سائر بلدان العالم يرهن الشخص شيئا وليس شخصا، سيارة مثلا أو حليا ومجوهرات أو دارا أو مصنعا... لكني سمعت أن الأمر في مدينة قلعة السراغنة مغاير، بل مخالف لكل الأعراف والقوانين... فالرهن في هذه المدينة ليس دارا، بل امرأة من أصحاب الدار! إنها الابنة القاصر... حيث يقوم الأب برهن ابنته القاصر لدائنه؛ وذلك بعد عقد اتفاق مكتوب أو شفهي على أن «يحوز» الدائن الابنة البكر مقابل أن يقدم لوالدها مبلغا نقديا لمدة معينة وهي المدة التي تفصل القاصر عن بلوغ سن الرشد بدون إبرام عقد الزواج، بل توثيق «كونترة» بين الدائن والمدين مضمونها المصرح به والموثق المبلغ المقرض وموضوعها الخفي غير الموثق الابنة/الرهن. وبعد مرور سنوات محدودة لا تتعدى في الغالب الأعم 3 سنوات، إن أعجبت الابنة الدائن يعقد عليها، وإن لم تعجبه أو اختلف مع والدها حول المبلغ الموثق أو المقرض تخلى عنها!... لم أستصغ الأمر، بل لم أصدق هذه الحكاية التي شغلت بالي كثيرا، فقررت الانتقال إلى عين المكان لاستطلاع الأمر عن كثب... الضمانة مقابل البكارة!... انطلقت أنا وزميلي المصور الطيبي اهنودة على متن حافلته (كوبن كار «سيارة التخييم») صباح يوم اثنين متجهين صوب مدينة قلعة السراغنة. كانت الحافلة تطوي بنا الطريق تارة طريقا سيار وتارة طريقا وطنية وتارة أخرى طريقا جهوية، لكنها كلها كانت متشابهة: الطرق محفرة، جانباها متآكلان ومحفران، وأغلبها ضيق... مليئة بالحصى، وحافتا بعضها (les faussés) عبارة عن حفرتين عميقتين ممتدتين على جانبي الطريق. وصلنا القلعة مساء ووقفنا مضطرين في ساحة غير معبدة، أمام محل كهربائي السيارات لإصلاح أضواء الحافلة. وبينما كان الطيبي منشعلا مع الكهربائي، كنت أجلس في الحافلة أنظر عبر النافذة إلى الناس العابرين، أستطلع المكان... كان هناك أطفال تتراوج أعمارهم مابين 6 و9 سنوات، طفلتان وطفل يلعبون، يركدون، أحيانا يسابق بعضهم البعض وأحيانا أخرى يطارد بعضهم البعض، فيتطاير الغبار مع كل خطوة يخطونها، يسقط الطفل متمرغا في التراب فتقهقه الطفلتان ساخرتان منه. ينهره الكهربائي قائلا: - تمرغ، تمرغ في تراب ماغاديش تصبنهم أنت!... حيدوا من هنا غبرتونا. الله ينعلها سلعة. قدكم راهم تزوجوا... يستجمع الصغير قواه للوقوف، يقف ثم ينظر بشزر للكهربائي الذي انشغل عنه بفك أسلاك مصابيح السيارة الخلفية. تجذبه إحدى الطفلتين من معطفه الصوفي المعفر بالتراب تحثه على مواصلة اللعب... يلتحق بهما، أصواتهم الساخبة تعم المكان. بينما كنت أتأمل سخبهم الطفولي، إذا بامرأة شابة تمر بمحاذاة الحافلة، أخرجت رأسي من النافذة وبادرتها بالتحية، رفعت نحوي رأسها، استوقفتها وسألتها بعد أن اقتربت أكثر: - سمحي لي، بغيت نسولك... - تفضلي. - سمعت أن هناك فتيات قاصرات يقوم آباؤهن برهنهن مقابل بضع ملايين لرجال يقومون بمعاشرتهن معاشرة الأزواج لزوجاتهم. وبعد بلوغ البنت المرهونة سن الرشد يقوم الدائن بالعقد عليها إن أعجبته أو يتخلى عنها إن لم تعجبه أو إن اختلف مع والدها حول الدين. تعجبت مخاطبتي وقالت موضحة: - لم أسمع أبدا برهن البنات، لكني سمعت وأعرف آباء أعطوا بناتهن القاصرات لرجال أغلبهم من (الطاليان والسبليون) بالكونترة بدون عقد زواج، لأن القاضي رفض الترخيص لهن بالزواج لصغر سنهن. - أي كونترة تقصدين؟ - أن يقدم الراغب في البنت للأب 4 إلى 6 ملايين نقدا كضمانة ويدخل بالبنت ويعاشرها كزوج إلى أن تبلغ سن الرشد. عندها يعقد عليها على أن يعيد له الأب النقود. وإن تخلى عنها، احتفظ الأب بالنقود مقابل بكارتها. لكن هذا لا يحدث في مدينة القلعة، بل في القرى والدواوير المحيطة بها... ويوضح عبد الرحيم صيدلي: «في دوار النواجي لمزم، يتم تزويج القاصر عن طريق تعاقد الأب مع الزوج على أساس أن يسلمه هذا الأخير مبلغا قد يصل إلى 7 ملايين نقدا أو أن يوثق معه عقدا مصادقا عليه يشهد فيه الرجل أنه تسلم من الأب مبلغا نقديا قد يصل أحيانا إلى 10 ملايين، لكن على الورق فقط، حيث يوثق كدين في عقد يكتب عند كاتب عمومي، ثم يتم البناء بالقاصر ويتم العرس على أساس أن يتم عقد القران عليها بعد بلوغها سن الرشد. في حالة إذا استمر التفاهم، يتم عقد الزواج ويعيد الأب للرجل المبلغ الذي تسلمه منه نقدا أو يبرئه من الدين الموثق والمكتوب على الورق. وإذا لم ينجح مشروع الزواج يحتفظ الأب بالنقود أو يطالب الرجل بالدين الموثق. والأب في كلتا الحالتين رابح. لكن الإشكال المطروح هو إذا وضعت البنت قبل سن الرشد، وهي بدون عقد الزواج، ما مصير ذلك المولود؟!... هذه الظاهرة مطروحة بحدة في عدة دواوير بمدينة قلعة السراغنة». محمد عجوز في العقد 7 من العمر، عامل في البناء، أمي، لكنه يتكلم كخبير في ميدان الزواج والطلاق، فهو يقوم بدور أحد حكمي الصلح في قضايا الطلاق، يقول: «هذه حالات أعاينها يوميا. فعندما يرفض القاضي تزويج القاصر يحضر الأب إلى بيته رجلين شاهدين ويحضر الراغب في القاصر طبسيل ديال الطعام ويتعاقد الأب والرجل شفاهيا على تزويج البنت. ولضمان إتمام الزواج بالقران بعد بلوغ القاصر سن الرشد، يتم توثيق كونترة مكتوبة ومصادق عليها يعترف فيها الرجل بأنه مدين للأب بمبلغ نقدي محدد متفق عليه بينهما». ويضيف موضحا: «إلا صاوب لبنتي أوراقها وما خسر حتى حاجة مايسالني ما نتسالو. ونفذ المتفق عليه أبرئه من الدين، وإذا خسر العواطف أو جرحها أو كَبْ ليَّ بنتي نطالبو بالمكتوب في الكونترة». سألته وهل يكتفي الأب بهذا المبلغ الموثق على الورق فقط، فقال: لا: «يعطيني الحبة، باغي نسخن جيبي. ما يدي البنت حتى يؤدي واجبات العروس والعرس. ونحتفظ بالعقد كضمانة ونسلم البنت القاصر للراغب فيها. بعد ما يعطينا الفلوس، نصبحوا ناكلوا فيهم من الصباح. والبنت راها عندو قبلها الله يسخر ماقبلهاش فلوسنا رحنا شديناهم وندخلوا معاه المحكمة. أما الرهن، فهو أن تبقى البنت عنده حتى تصل سن الرشد ولما ينتهي الرهن يعقد عليها وأبرئه من الدين المكتوب على الورق وحده. أما الباقي فلا يعاد له». قال أحد الحضور ساخرا أن أبا من أحد القرى القريبة تسلم مبلغ ضمانة تزويج ابنته القاصر اليوم وتزوج به في الغد... ويضيف محمد موضحا: «هناك من أنجبت وبقيت وابنها عند أبيها بدون دفتر الحالة المدنية... لأنك أنت ديتي لي 5 ملايين ديالي هاك بنتك الله يعاون. الناس الذين يفعلون هذا لا ضمير لهم. وهذا يحدث كثيرا في الحالات التي يكون فيها الرجل عاملا مهاجرا، بعد الكونترة، يأخذ البنت ويعاشرها شهرين أو ثلاثة أشهر ثم يتركها، فيطالبه الأب بالمبلغ الموثق في العقد وواجباتها. وإن رفض الاستمرار معها ورفض أداء الدين والواجبات يدخلان في دوامة المحاكم». وعن هذه الكونترة يقول صالح، رجل تعليم: «الكونترة هي ضمانة وأثر لهذا الزواج غير الموثق قانونيا. هي عقد أولي يكتسب به الأب الشرعية لإعطائه ابنته. فهو لا يريد إعطاءها لرجل بدون أثر يضمن حق ابنته بعد ذلك في حالة نزاع أو عدم تفاهم أو عدم استمرار العلاقة. الإقليم يتميز بظاهرة يختلف بها عن جميع المناطق. فبالنسبة لمدينة القلعة، إذا تجاوزت البنت 16 سنة تعتبر بايرة، لأن جل الرجال هنا يرغبون في الزواج ببنت 15 سنة و16 سنة والبنت التي تجاوزت 16 و17 سنة، فهي تجاوزت سن الزواج ودخلت سن العنوسة. لهذا يقبل الآباء على الكونترة ليزوجوا بناتهن في سن مبكرة». الفقر والجهل هما السبب!... في إطار البحث عن صحة مايروج عن ظاهرة الزواج بالكونترة، لاحظت أن الظاهرة موجودة، لكن أغلب الأسر المعنية بها تتحاشى الحديث عن ذلك. ومن المناطق المعنية دواوير لحمادنة، العطاوية، ركراكة، ولاد بومنيع، سيدي الحطاب، الدشرة، بني زراد، أولاد صبيح، مايات، زمران، والنواجي لمزم وغيرها... وهي دواوير ينتشر بها الفقر والهدر المدرسي بالنسبة للبنات. يؤكد السعيد، أستاذ: «90% من المجتمع بالقلعة عروبي تكحمه التقاليد والعادات والأعراف كسائر المغرب. والظاهرة يتحكم فيها فقر الأسر وانتشار الأمية بينها وانعدام الوعي. كما تؤشر على مرض رجولي ذكوري بالإقليم، إذ لا يقبل الرجل هنا ببنت أكثر من 16 سنة. ومن يتزوجن كبيرات السن فوق 18 سنة فمن خارج الإقليم... من الدارالبيضاء والرباط بالخصوص. أما إن تزوج الرجل بنتا أكبر منه، فإنه يعير بذلك من طرف الأهل ويصبح أضحوكة بين الناس. وقد يحدث مثل هذا الزواج، لكن في حالات نادرة جدا يكون فيها الزوج عاطلا والزوجة إطارا طبيبة أو أستاذة، أو يكون الزوج ليس ابن المنطقة لا يعرف أحدا حتى لا يعير». ويوضح صفي الدين البودالي، مفتش وناشط حقوقي: «إنها قاعدة أصبحت عامة ومعروفة حتى في بني ملال، سوق السبت، قصية تادلة وخريبكة. ومن الجماعات المعنية بهذه الظاهرة، هناك جماعات بني زراد، أولاد صبيح، مايات، زمران... يقول: «هذه بعض الجماعات التي يزوج أهلها بناتهم القاصرات بناء على كونترة تعقد بين الأب والرجل الراغب في ابنته تتضمن قدرا ماليا يزعم أن الرجل حصله منه كضمانة أو يسلم هذا الأخير الأب فعلا مبلغا نقديا بدون أي كونترة، ويتم بعد ذلك البناء على أساس أنه عندما تبلغ البنت سن الزواج يعقد عليها المعني بالبناء بعد أن يبرئه الأب من الضمانة الموثقة أو يعيد له الضمانة التي حصل عليها نقدا... وهذه الحالات تحدث كثيرا بين الأشخاص الآتين من المهجر، خصوصا من إيطاليا وإسبانيا والراغبين في بنات صغيرات السن. إذ يغري عملهم بالمهجر الآباء فيزوجوا بناتهم بهذه الطريقة، حيث يكتب عقد عرفي عند كاتب عمومي لا يشار فيه إلى الزواج، بل تتم فقط الإشارة إلى تسلم الخطيب من عند الأب مبلغا نقديا كدين، لكن عائلتي البنت والرجل المعني تعلمان بما لم يتضمنه العقد». يضيف صفي الدين: «ما يحدث بعد ذلك خطير، حيث تحصل، بناء على هذا الوضع، عدة مشاكل... فقد تحبل البنت القاصر؛ وبالتالي يصبح الزواج غير شرعي والطفل الذي سيولد سيكون غير شرعي، مما يجعل مجموعة من الأسر في ورطة. وهنا يلجؤون للقانون الذي قد يأذن بالزواج وقد لا يأذن، إذا كان سن البنت أقل من 16 سنة، حيث يتم انتظار بلوغها سن الرشد ليوثق الزواج، لكن الطفل يسجل متؤخرا. وهناك حالات يقع فيها خلاف بين الأب والرجل حول النقود/الضمانة عند وصول البنت سن الرشد، كأن يعجز الأب عن سداد المبلغ، فيرفض الرجل توثيق الزواج ويتخلى عن البنت وطفلها»... تؤكد المعطيات التي توصلنا إليها من خلال العديد من الشهادات أن الكثير من الفتيات فقدن بكارتهن بهذا الشكل، بعضهن فقط دخل آباؤهن في نزاع مع من يزعم أنهم أزواج وصل إلى القضاء من أجل استرجاع النقود/الضمانة أو ثبوت الزوجية. يوضح البودالي: «هناك العديد من الحالات التي وقفت عليها لم تحل -مع الأسف- على القضاء لينظر فيها، فالناس متحفظون، سواء الأب أو الرجل. لأن الأب يعلم أنه «أعطى» ابنته بطريقة غير شرعية ولا معقولة والرجل الذي أعطى النقود كضمانة يعلم كذلك أنه عاشر قاصرا وهو أمر يعاقب عليه القانون. فيسكت الإثنان لأن لكل منهما مصلحة، فالأب كان يطمح في أن تذهب ابنته للخارج، فلربما تشتغل هناك وتساعده، والرجل يستغل نقطة ضعف الأب هاته وفقره، فيأخذ البنت ويتمتع بها من سنتين إلى ثلاث سنوات مقابل الضمانة. عموما، الناس يرفضون التصريح بما يحدث، لأنهم مقتنعون أنهم خاطؤون». كل المستجوبين أكدوا أن الجانب المادي هو الطاغي في هذه العملية، والمستفيد الأول الأب، حيث يحصل على 5 إلى 6 ملايين أو أكثر، إذ قد يصل المبلغ إلى 10 ملايين إذا كانت القاصر جميلة، مقابل تسليم ابنته القاصر للراغب فيها بدون عقد الزواج ثم يشغل هذه النقود. والمستفيد الثاني هو الرجل الذي يتمتع بالقاصر ثم يتركها أو يحتفظ بها. أما المستفيد الثالث، فهم الأهل الأقربون الذين يشهدون على هذه العملية المشينة، يجتمعون ليعاينوا ويشهدوا على اغتصاب الطفولة، يأكلون ويشربون ويباركون المحرمات!... والضحية في هذه السلسة من المصالح المترابطة هي القاصر التي تستغل بشكل بشع بسبب الفقر والجهل والأمية والعقلية الذكورية بكل أنانيتها وشذوذها... يقول أحمد، أحد شباب مدينة قلعة السراغنة: «هناك حالات «خسرت» فيها القاصر بكارتها وطفولتها، لكن أباها «ربح» النقود الضمانة التي تتراوح مابين 4 إلى 7 ملايين سنتيم والتي تخلى عنها الزوج المزعوم أو «العشير» إما طوعا أو غصبا. أما هذا الأخير، فقد ربح «متعة» ثلاث أو أربع سنوات يتخلى بعدها عن القاصر التي تصبح ضحية أهلها وعشيرها. وفي حالات كثيرة، يخسر الأب وابنته القاصر، حيث تضيع البكارة ومعها الضمانة أيضا». هذه الظاهرة ترتبت عنها ظواهر أخرى سلبية كانتشار الدعارة وأبناء الزنى... توضح ابتسام، مدرسة وناشطة جمعوية: «قلعة السراغنة هي جزء من ثالوث الهجرة (بني ملال، الفقيه بن صالح وقلعة السراغة)، وهي مدن تعرف بكثرة المهاجرين، خصوصا المهاجرين إلى إيطاليا وإسبانيا. ونظرا لوجود بعض الأسر الفقيرة التي تشتكي من العوز والحاجة، حيث لا يهمها من أين يجمع هؤلاء المهاجرون ثرواتهم ولا كيف يكونونها، وبسبب الفقر، يضطر الأب إلى التعاقد مع عامل مهاجر أو بالأصح يبيعه ابنته القاصر مقابل 4 أو 5 ملايين. وإذا أعجبته أكمل معها حياته وإن لم تعجبه تركها خلال أشهر معدودة، لكن الأب يحتفظ بالنقود وكأنه عقد عمل محدد الأجر والمدة. وهذه ظاهرة أصبحت متفشية ترتب عنها ازدياد عدد أبناء الزنى وضياع مفهوم الأسرة المغربية وتلاشيها وتنامي التفسخ الأخلاقي. وهذا منتشر بشكل لافت في القرى المحيطة بمدينة قلعة السراغنة لانعدام التربية والوعي وللجهل والرغبة في جمع الثروات وتشكيلها بأي طريقة. هذه الظاهرة تنامت ووجدت مناخا مناسبا في كل من بني ملال، الفقيه بن صالح، قلعة السراغة وخريبكة. والمطلوب في المرشحات لهذا النوع من العقود هو صغر السن من 13 إلى 16 سنة. أما بنت 17 و18 سنة، فقد أصبحت بالنسبة لسكان القلعة كبيرة لا تتزوج. إنهن يقبلون كثيرا على بنات 13، 14، 15 و16 سنة. المحاكم بالقلعة مليئة بمثل هذه القضايا. وهذا الوضع لا تتحمل فيه هؤلاء البنات أي مسؤولية، بل آبائهن الذين يرغبون في جمع المال». سيدة متزوجة (56 سنة) تقول: «الرجال لم يعودوا يرغبون في البنات الكبيرات، بالنسبة لهن البنات كثارات عادوا باغيين الصغارات وبنت 20 سنة في رأيهم كَبْرات ما تليقش للزواج. رجل كبير 40 أو 50 سنة يرغب في بنت صغيرة أقل من 18 سنة. أحد أصدقاء ابني طلب مني أن أخطب له بنتا عمرها 16 سنة فرفضت لأن عمره 42 سنة وقلت له إذا أردت ابنة 28 سنة، فهي موجودة. أما بنت 16 و17 سنة فلن أخطبها لك. قالت لي ابنتي لقد أحرجته. فقلت لها علي فعل ذلك باش يفهم راسو». وأضافت: «ابني عمره 27 سنة أبحث له عن بنت عمرها 20 سنة باش تجمعو وتجمع ليه دارو ماشي بنت 15 سنة مازال بغا تلعب!». سيدة أخرى في العقد الثالث توضح: «العائلات التي لديها بنات كثيرات 4 أو5 وربما 9 بنات تشجع ذلك خوفا من العنوسة أو من انحراف البنات، كما يرون أن مصيرهن هو الزواج فلماذا لا تتزوجن باكرا. بعد المدرسة يزيد من حدة الظاهرة ابتسام حاولت التطرق لهذا الموضوع في إطار بحث اجتماعي، لكنها وجدت طابوهات كثيرة، لأن الموضوع تحيط به الحشومة والشوهة. توضح: «أنا أعمل على نشر التوعية في الدواوير وحث الآباء على إرجاع بعض المنقطعات للدراسة... إننا نعاني من المشاكل مع الآب الذي يرفض إرجاع ابنته للدراسة بعد المستوى السادس، لأنها، في نظره، إذا أكملت دراستها ستزيغ وستعاشر الأولاد وتجلب له العار والفضيحة. إتمام الدراسة مرتبط بقرب المدرسة وببقاء البنت بالدوار قريبة من الدار، لكن أن تنتقل إلى الإعدادي وتبتعد عن الدوار وعن والديها فممنوع إتمام الدراسة، لأن ذلك عالم آخر مجهول وباب سيدخل إليه منه ريح كثير، عليه أن يغلقه ويستريح بتزويج ابنته». ويوضح عبد الهادي، مدير ثانوية: «المؤسسة في المجال الحضري لها روافد تأتيها من المجال الحضري وأيضا من المجال القروي، فهناك 4 فرعيات خارج المدينة بالقرى المجاورة تعتبر روافد لهذه الثانوية، حيث ينتقل تلميذاتها إلى هذه المؤسسة الحضرية التي يحدث بها انقطاع. من خلال إحصاء لعدد الانقطاعات خلال السنة الأولى، أي بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، نجد مثلا أنه نجح 600 تلميذ وتلميذة ينقطع منهم حوالي 150 إلى 200، حيث لا يلتحقون بالثانوية بسبب البعد عن المدرسة والإكراهات الاقتصادية وعدم توفر داخليات لإيواء التلميذات والتلاميذ. وبالنسبة للسنة الثالثة إعدادي أيضا هناك انقطاعات، لأن التلميذ أو التلميذة قضيا 3 أو 4 سنوات ولم يستطيعا المسايرة، فينقطعان. لكن أن يقع انقطاع في المستوى الثاني إعدادي، فهذا غريب، خصوصا في صفوف الفتيات لأنهن ينجحن بتفوق. فخلال السنة الماضية، انقطعت 60 تلميذة عن الدراسة من المستوى الثاني إعدادي رغم أنهن ناجحات. أجريت بحثا، فوجدت أنهن كلهن أقمن بدار الطالبات وعلمت أن أغلبهن تزوجن، لأن مظهرهن وصحتهن تحسنا بعد الإقامة بدار الطالبات. وعندما عدن، خلال العطلة الصيفية، إلى قراهن كان إقبال الخطاب عليهن كبير. للأسف، كلهن قاصرات من العرارشة، أولاد زراد، أولاد صبيح وأولاد الشرقي». الخوف من العنوسة والانحراف هاجس العنوسة والخوف من انفلات البنات بعد وصولهن سن المراهقة يسكن الآباء وهو ما يدفعهم إلى المغامرة بشرفهم وشرف بناتهن ومستقبلهن باللجوء إلى زواج الكونترة. يقول عبد الهادي، مدير ثانوية: «المشكل أن البنات بالمغرب كبيرات السن بدون زواج والأسر لديها هاجس مرتبط بالتربية والوعي هو الخوف من أن البنت لن تتزوج إذا تجاوزت 17 سنة؛ لذلك إذا خطبت في 16 و17 سنة فإنك «تعطيها». لكن إذا أخرتها سنتين من أين سآتي لها بزوج؟! العنوسة كثيرة بالمنطقة. لذلك عندما لا يرخص القاضي لبعض الناس لكي يزوجوا بناتهن، يشترطون عليه أن يجلب لهن أزواجا عند البلوغ. يجب تخفيض سن الزواج لأن البنات لدينا بالقلعة «مْهَلْياتْ وبايْناتْ» منذ سن مبكر. هناك تخوف من العنوسة والدعارة». يوضح سعيد، أستاذ: «بهذا الزواج يحاول الآباء إخراج بناتهن من صفة أقل ضررا وهي صفة العانس إلى صفة أكثر ضررا وهي صفة المطلقة العاهر. والأرقام تثبت أن تزويج القاصرات أعطى بنات يملأن دور الدعارة بكل من ميدلت والراشدية وقصر السوق». ويؤكد لحسن مدير ثانوية متقاعد: «يحدث كل ذلك بسبب الخوف من العنوسة والخوف من الاختلاط ومن خروج البنات للفساد، لكن بهذه الطريقة يدفع الآباء بناتهن مباشرة لممارسة الدعارة». وهذا ما تؤكده كذلك ابتسام: «الكثير من هؤلاء الفتيات القاصرات اللواتي انقطعن عن الدراسة هن من دواوير ركراكة، ولاد بومنيع، سيدي الحطاب والدشرة... أغلبهن تزوجن بالكونترة وتم التخلي عنهن، هربن من دور الأهل. التقيت بعضهن خلال بحث اجتماعي عن أطفال الشوارع وتشغيل الأطفال. للأسف، رفضن الكشف عن هويتهن. هن، الآن، يمارسن الدعارة في بيوت خاصة بالقلعة يتم استغلالهن جنسيا وتصوير ذلك من طرف رجال يجلبون لهن الزبائن ويغلقون عليهن الأبواب، يأكلن ويشربن ولا يخرجن. يستقرن أيضا بجنان الشعيبي وجنان بكار، حيث تكثر الشيخات والعونيات اللواتي تستغلهن نساء. يأتي البدوي للتسوق بسوق الاثنين يتسوق ثم يقصد هذه الدور الرخيصة (10 ده) ثم يعود لزوجته». مؤامرة الصمت ضد القاصرات وبلهجة استنكار، يقول صالح رجل تعليم: «هذه مؤامرة الصمت ضد القاصرات، لأن جميع الأطراف تعرف أنها قاصر وأنها ستزوج ولا أحد يتدخل... هل الدولة ليس لها عيون في المدينة، في الدوار وفي الشارع؟!... هناك الجراي والبياع والمقدم والشيخ ودوزيام بيرو، ثم السلطة المعنية... فلماذا لا يصل ذلك إلى هذه السلطة لتتدخل؟!... الكل يعلم أنها قاصر لكن الجميع يتغاضى». ويؤيد السعيد هذا الرأي: «لا أحد يبلغ عن مثل هذا الزواج لا أهل البنت ولا أهل الرجل ولا الجيران، لا أحد يشتكي. الكل تم عن طيب خاطر. ومادامت الأمور تسير بشكل جيد، فليس هناك مشكل». ثم يطرح السؤال ويجيب عنه: «لكن متى يبدأ المشكل؟ عند عدم التفاهم وقطع العلاقة». ويؤكد صفي الدين: «مع الأسف، لم نجد أي تحرك على مستوى الجهات المسؤولة والمعنية، سواء منها القضاء والأمن والدرك للردع أو المجمع المدني أيضا للتوعية والتحسيس للحد من هذه الظاهرة». رد فعل ضد المدونة!... الزواج بالكونترة هو رد فعل مجتمع ذكوري لم يقبل تأخير سن الزواج إلى 18 أو 16 سنة في مناطق تتزوج فيها الفتيات في سن 10 إلى 15 سنة وهي السنوات التي تعتبر الأمثل لزواج البنت. يوضح حسني، أستاذ جامعي: «الزواج بالكونترة هو طريقة مبتدعة في إطار التحايل على القانون بعد أن حددت المدونة سن الزواج في 16 أو 18 سنة، حيث بدأ الناس يبتكرون هذه الطرق الملتوية للوصول إلى أغراضهم وخاصة استغلال الأسر الفقيرة، فهؤلاء الفقراء يجدون أن الحل الوحيد لكي يضمنوا لبناتهم مستقبلا -وهم يحملون دوما هذا الهاجس- هو أن يزوجونهن بأشخاص ميسورين، ومن الأفضل أن يكون عاملا مهاجرا فسيمتعها؛ لذلك، وحتى لا تفلت من الأب هذه الفرصة، يساير ذلك الشخص في رغبته في ابنته في إطار زواج بالكونترة في انتظار أن تبلغ البنت 16 سنة ليأذن لها قاضي التوثيق بالزواج. في الغالب، هذا الزواج لا يعطي نتائج، لأنه كثيرا ما تحال مثل هذه الزيجات على قضاء الأسرة. وهذا زواج عرفي يطرح إشكالية عويصة بالقلعة. كما أن الطلاق كثير جدا في صفوف المهاجرين». ويتحدث صالح عن العرف في المنطقة، فيقول: «العرف في المنطقة لاتتحكم فيه سنوات عمر البنت، بل مظهرها وقوتها الجسمانية... هل هي قادرة على الزواج أم لا؟ وعندما جاءت المدونة، منعت زواج القاصرات في الفصل 16 وأوقفت هذه الطريقة التقليدية محددة سن الزواج في 18 سنة، وهو ما وضع حدا فاصلا بين المتداول بين الناس الذي كان تقليديا وعاديا بلا رهن ولا سلف. وبما أن قاضي التوثيق لم يعد يتساهل في الإذن بزواج القاصرات، تراجع عدد الزيجات، فبدأ الناس يبحثون عن حل وتخريجة لذلك والتحايل على المدونة لتجاوزها والوصول إلى الهدف. وهكذا ظهرت عقدة السلف مقابل زواج البنت المسكوت عنه. ويبقى العقد ساري المفعول حتى تصل البنت سن الرشد. هنا ننتقل إلى مرحلة ثانية وهي توثيق العقد في حالة استمرار التفاهم بين الأب والرجل وبين الرجل والبنت. وفي حالة عدم التفاهم، يضغط الأب على الرجل مطالبا إياه بتوثيق الزواج أو بأداء الدين الموثق. وإن رفض، لجأ الأب إلى تقديم دعوى مدنية للمطالبة بالدين الموثق أو إلى تقديم دعوى ثبوت الزوجية». الحل إصدار قوانين جديدة الفراغ القانوني الذي تعرفه المدونة بخصوص تجريم زواج القاصر خلق خللا في المدونة يقول حسني: «ليس هناك نص قانوني يعاقب على تزويج القاصر بدون الإذن بالزواج. يجب تجريم ذلك وإتصدار عقاب عليه... يجب تجريم من يقوم بتزويجها ومن يتزوجها بدون إذن القاضي». يستنتج صفي الدين: «طبعا، أتت المدونة بأشياء إيجابية وأخرى سلبية، لكن السلبي هو عدم أجرأة بنودها الإيجابية، حيث لم تواكبها حملات التوعية والتحسيس في البوادي والقرى والدواوير. عندما نجد مثل هذه الحالات، فهذا يعني أن المكلفين بأجرأة المدونة لم يقوموا بعملهم، أي التوعية والحسيس والتحذير من الخروج عن بنود المدونة. لم يخرجوا للدواوير لتوعية النساء والفتيات ليرفضن مثل هذه الزيجات، ولم يصاحب ذلك عقوبات منصوص عليها في حالة حصول مثل هذه الحالات. أنا عشت حالة مؤسفة لفتاة عمرها 11 سنة في القسم السادس متفوقة في كل المواد لو أتمت دراستها لكانت إطارا مهما في الدولة، انقطعت فجأة عن الدراسة. وفي إطار البحث، علمنا أن والدها منعها من إتمام دراستها حاولنا إقناعه، لكنه رفض. اتصلنا بالسلطات لإرغامه على السماح لابنته بإتمام الدراسة ولم نفلح. سألته عن السبب، قال إنه يريد تزويجها. قلت له إنها صغيرة جدا... ومع ذلك أصر على تزويجها. لو كانت هناك إجراءات زجرية منصوص عليها تعاقب على منع الفتيات من الدراسة وعلى تزويج القاصرات لما وقف في وجهنا وحرم ابنته التي أنا عندي يقين أنها كانت ستذهب بعيدا في دراستها وتنفع نفسها والديه والدولة أيضا». يضيف: «المدونة بقيت وسط النخبة من المثقفين والمثقفات، لكن هذا الأب العادي وهذه البنت العادية في البادية لا يعرفان شيئا عنها. إن الحلقة المفقودة في المدونة هي التوعية والتحسيس في الدواوير وفي البوادي والقرى». أما عبد الهادي، فيضيف قائلا: «هذا الصمت الذي يلف ظاهرة تزويج القاصرات بالكونترة وعدم توحيد سن الإذن بالزواج في كل المحاكم المغربية هو الذي ساهم في مثل هذه الزيجات غير الشرعية وفي العنوسة بالمنطقة، وهو الذي ساعد على خرق المدونة. وهذا أيضا ما فاقم ظاهرة الهدر المدرسي». يقول مستدركا: «توحيد سن الإذن بالزواج في كل المحاكم المغربية، سيحد من ظاهرة الهدر المدرسي وسط الفتيات ومن زواج القاصرات سواء بالكونترة أو بعقد شرعي. فإذا لم يؤذن لها بالزواج وإذا منع الأب والزوج من تزويجها بطريقة غير قانونية، فإنها ستكمل دراستها وسيتركها الأب تفعل ذلك، خصوصا إذا تم تقريب المدرسة الإعدادية والثانوية منها»... ويوضح السعيد: «المدونة تركت ضحايا... الظاهرة تتحكم فيها عوامل كثيرة منها أن المنطقة يغلب عليها الطابع القروي بها مهاجرون كثيرون، لديهم عقلية ذكورية. فالرجل يريد بنتا صغيرة. وأمه تشعر بالتفوق والقوة، فلديها ابن مهاجر لديه نقود، شقة وسيارة. تريد أن تتحكم تختار له بنتا صغيرة تمشيها على يديها كيف ما بغات...». هذا الرأي يؤكده كذلك عبد الرحيم: «في القلعة ليس الرجل وحده الذي يبحث عن سن البنت بل العائلة: الأم والأخت والجدة والخالة والعمة... كل نساء العائلة يرغبن في القاصرات دون 16 و17 سنة. ويفتخرن ببنت 14 و15 سنة. وفي الغالب الزوج غائب والعائلة هي المكلفة بذلك». * ظاهرة غير قانونية وعن الظاهرة يقول صالح: «الظاهرة كلها غير قانونية، والسلف أو الدين ملغوم... فالمقابل الضمني المسكوت عنه هو زواج القاصر. يتم البناء بالبنت وهي قاصر، الأب والزوج الإثنان خاطئان يرتكبان الفاحشة مع قاصر ويرتكبان خرقا قانونيا على مستوى المدونة (الفصل 16)... الاثنان يتحايلان على المدونة ويساهمان في الدعارة. والضحية هي القاصر. وهذا منتشر بالمنطقة. الخطير هو ما مصير هؤلاء القاصرات من حيث حقوقهن؟! فمن يحمي القاصرات؟! ومتى تتم حمايتهن: قبل هذا الزواج، أثناءه أم بعده؟!...». يضيف: «العديد من الحالات لا تصل إلى المحاكم لكي يقع تراكم ويفرض المشكل نفسه، فيتم تغيير القانون بتوحيد سن الإذن بالزواج أولا وتجريم الخارقين للقانون سواء الأباء أو الأزواج المزعومين». عبد الهادي: «الظاهرة متفشية في البادية هناك حالة تزوج فيها عامل مهاجر طفلة قاصرا قضى معها شهرا ثم تركها وهاجر بعد أن تنكر لها، فلجأ الأب للمحكمة، لكن الزوج أنكر صلته بها، لأنه ليس هناك أي وثيقة تثبت زواجه بها، فواجهه الأب بصور العرس ليثبت زواجه بابنته. الآباء يترددون على محكمة الأسرة ينجزون الشهادة الطبية التي تؤكد قدرة البنت على الوطء لكن القاضي لا يرخص لهم لأن البنت لم تصل بعد 16 سنة. ولكي لا تضيع فرصة تزويج البنت وحتى لا يفلت العريس يتم التعاقد بهذا الشكل غير القانوني. تأخير سن الزواج إلى سن 18 سنة معقول لكن عواقب هذا التأخير في هذه المنطقة كبيرة وعويصة جدا لأن الآثار المترتبة عن ذلك خطيرة». إذن، هي صفقة تتم في مرحلتين: الأولى يتم فيها التعاقد على أساس دين إما أن يكون مسلما نقدا للأب وغير موثق وإما أن يكون دينا موثقا على ذمة الزوج المزعوم لكن دون تسليمه له فهو مدون ومصادق عليه في الورق فقط. وطبعا، يقدم الراغب في القاصر بالإضافة إلى ذلك واجبات العرس والعروس التي قد تقدر ببضع ملايين السنتيمات، ثم يتسلم هذا الأخير البنت القاصر ويتم البناء بها. وهكذا يتم تزويج القاصرات بشكل غير قانوني حتى لا تضيع الفرصة عليها وعلى أبيها. المرحلة الثانية، عندما تصل القاصر السن القانوني للزواج، يتم إتمام الصفقة بأن يقوم الأب بإعادة الدين غير الموثق أو تبرئة الزوج المزعوم من الدين الموثق على أن يعقد هذا الأخير على البنت بشكل قانوني. هذه الصفقة قد تنجح وتستمر، وقد تفشل. والضحية هي البنت القاصر التي غالبا ماتهرب من بيت أبيها وتلتحق بأحد بيوت الدعارة بمدينة القلعة ليتم استغلالهن بشكل بشع في تجارة الجنس وأفلام البورنو... * الدعوى المدنية هي الأفضل عندما يرفض القاضي الإذن بالزواج في حالات 12 إلى 15 سنة، يلجأ الآباء إلى الكونترة والدين. وبعد أن تلد القاصر تلجأ وأب وليدها للمحكمة لرفع دعوى ثبوت الزوجية، حيث يقران أمام القاضي بأنهما زوجين لكن بدون عقد. وهكذا يتم وضع القاضي أمام الأمر الواقع. ولهذه الظروف الاجتماعية، يضطر أحيانا القاضي للإذن بزواج القاصر أقل من 16 سنة. وأحيانا كثيرة ينكر الرجال الذين قاموا بالبناء على قاصرات علاقتهن بهن ويتنكرون لموالدهن منهن. وبعد أن يقع نزاع بين والد القاصر وأب وليدها، تلجأ ووالدها للمحكمة لرفع دعوى ثبوت الزوجية عبر صور الحفل والشهود ويتم تزويج الفتاة القاصر. وأحيانا يتم اللجوء إلى طريق جنحي، حيث تتم متابعة الرجل بالتغرير بقاصر. وقد صدرت أحكام في هذا الصدد إما بالتبرئة أو بالاستئناف وينصح أحد نواب وكيل الملك الآباء باللجوء إلى رفع دعوى مدنية لأنها الأفضل للقاصر. في حديث غير رسمي مع بعض نواب وكيل الملك وبعض المحامين بمدينة قلعة السراغنة، أكد هؤلاء أنه تصل إلى محكمة الأسرة العديد من شكايات طلب ثبوت الزوجية، قد تصبح أحيانا جريمة التغرير بقاصر، فيخاف المعني ويوثق الزواج. وأحيانا ينكر وقد يبرأ في بعض الحالات في غياب إقرار من طرفه بالعلاقة أو إنعدام شهود أو دليل كصور العرس وتضيع القاصر. كما تصل المحكمة الابتدائية العديد من دعاوى إرجاع الدين. وفي هذه الحالة يؤكد أحد القضاة إذا كان الدين واضحا وغير مشروط وغير مطعون فيه بالزور فهو ثابت يجب أداؤه. أما الدين المشروط بالزواج فهو باطل. قاض آخر أوضح أن المعنيين بالكونترة يضعون القاضي أمام الأمر الواقع عندما تتقدم القاصر إلى المحكمة وهي حامل أو أم في 15 سنة، يقول: «رصدنا عدة إخلالات، فقاضي التوثيق يرفض الإذن بزواج القاصر، لكنها تعود بعد أشهر أو سنة، أحيانا هناك قاصرات يلدن في سن 12 أو 13 سنة ويرجعن عندك مع آباء مواليدهن يطالبون بثبوت الزوجية فيضعونك أمام الأمر الواقع... هل تخرق القانون وتأذن لهم بزواج هو حاصل أصلا أم تكيف القضية قضية التغرير بقاصر؟.. لكن نية التغرير هنا غير موجودة فالعلاقة تمت برضى وقبول الطرفين ومباركة الأهل». أحد المحامين أوضح أن مثل هذه العلاقة قد تتحول إلى ابتزاز من طرف القاصر ووالدها، مما يجعل الرجل يضطر إلى الخضوع لطلبهما خوفا من السجن وتقديم مبالغ مالية كبيرة للتنازل عن قضية التغرير بقاصر... في طريق عودتنا إلى الدارالبيضاء، قررنا زيارة قرية بزو، فقد سمعنا أن الفتيات هناك يتزوجن وهن قاصرات. كنا كلما ابتعدنا عن القلعة كلما تراءت لنا جبال الأطلس المتوسط في المدى البعيد وهي ترتفع نحو الأفق في شموخ. خرجنا من الطريق الرئيسية الرابطة بين قلعة السراغنة وأزيلال، ثم دخلنا طريقا جهوية، خرجنا منها لندخل طريقا بين الجبال المتداخلة بتراءت لنا بزو خضراء يانعة. بحثنا عن مكان نتوقف به وجدنا مكانا جميلا وظليلا في سفح أحد الجبال قريب من جداول الماء التي كنا نسمع خريرها. نزلنا من الحافلة وتوجهنا صوب أحد هذه الجداول لنغسل أيدينا ووجهينا. فرأيت شابتين يبدو أنهما ليستا من نساء المنطقة ترتديان ألبسة رياضية تجلسان متقابلتين على حافتي جدول عند منبع الماء. اقتربت منهما بادلتهما التحية. وسألتهما هل هما من القرية، بدتا مترددتين مرتبكتين فقد فاجأناهما في ذلك المكان المختفي بين أغصان الأشجار المتدلية والكثيفة، نظرتا إلى بعضهما باستغراب وخجل فقدمت لهما نفسي فانتابهما الخجل لارتيابهما لأمرنا في البداية. أخبرتني عائشة أنها وسليمة من مدينة مراكش، تعملان مولدتين منذ سنتين بوحدة للولادة تابعة للمركز الصحي الجماعي. وهما صديقتان منذ ذلك الحين. كانت عائشة تحدثني بثقة بينما كانت سليمة مترددة وخجولة. إنهما شابتين لطيفتين في بداية العقد الثالث. بعد أن اطمأنتا لنا بدأتا تتحثان عن القرية وأهلها ومشاق العمل بها. كان الجوع قد أخذ يعتصر معدتي، فاقترحت عليهما الانتقال إلى مكان آخر للجلوس وشرب كأس شاي. انطلقنا أربعتنا نحو الحافلة، صعد الطيبي وفتح لنا الباب الخلفي ومد يده داعيا الشابتين للصعود ترددتا وقالتا معا وهما تبتسمان بخجل وتحركان يديهما علامة على الرفض وتتراجعان إلى الوراء بخطوات بطيئة: - لا... شكرا. تفهمنا موقفهما ودعوناهما للجلوس رفقتنا في مكان ظليل، فوافقتا. سألت رجلا ستيني كان يقف قربنا أمام باب أحد البساتين هل من مكان نجلس فيه لنتغدى، فعرض علينا الدخول إلى بستان مخدومه، فهناك لن يزعجنا أحد. جلب لنا العجوز حصيرا بلستيكيا وجلبت والطيبي بعض الأفرشة من الحافلة وقنينة الغاز ولوازم الطبخ، فقد قررنا أن نشرب الشاي ونتغدى معا. خجلت الشابتين وقالتا لنا ضاحكتين بخجل: - من الواجب أن نستضيفكما نحن. لا بد أن تشربا القهوة معها بغرفتنا بالمركز بعد الغداء. بعث الطيبي العجوز لجلب اللحم والخبز. هيأت الشاي وقدمت لهما بعض الحلويات. عم الانسجم بيننا خصوصا مع مستملحات الطيبي وحركاته وكلماته المرحبة. كانتا جد فرحتين للقائنا، قالت عائشة: - لقد كنا بمزاج سيء، لم نزر مراكش منذ مدة، الحياة هنا رتيبة وبسيطة جدا. وليس هناك مجال للترفيه والترويح عن النفس. جئتما في الوقت المناسب كنا مكتئبتين، في حاجة إلى رفقة. فنجن وحيدتين ضمن مجموعة من الرجال الموظفين بالمركز الصحي. عائشة وسليمة كانتا تعشتغلان بمستوصف صحي الذي أصبح مؤخرا مركزا صحيا جماعيا مع دار للولادة. يضم 4 أطباء و3 ممرضين للحراسة بالمستعجلات والولادة ومركز صحي للتلقيح والاستشارة الطبية وكل ما له علاقة بالوقاية. توضح عائشة: «النساء اللواتي يأتين للولادة سنهن صغير جدا فالمرأة التي تلد أول مرة لا يتجاوز عمرها 16 إلى 18 سنة. وأحيانا كثيرة نعاين نساء أنجبن 2 أو 3 أو 4 أطفال ولا يتجاو ز سنهن 27 و28 سنة. وهذا يثير انتباهنا كثيرا... فنتساءل متى تزوجن كي ينجبن هذا العدد من الأطفال؟!... هناك حالة مازلت أتذكرها جيدا حفرت في ذاكرتي ونفسيتي، كانت حاملا في حالة مخاض تبدو طفلة صغيرة جدا جسمها هزيل ووجها الصغير نحيف شاحب... ورغم أنها ترتدي الجلباب إلا أنه بمجرد النظر إلى وجهها يتضح لك أنها صغيرة جدا. حاولت رفقة أحد الأطباء الكشف عنها بإجراء الفحص الذي نجريه عادة لأي امرأة في حالة مخاض. لكن إنتابتها حالة من الخوف وبدأت تبكي وأصيبت بحالة بكاء هستيري، حاولنا تهدئتها وطمأنتها بدون جدوى. يجب أن نتفهمها فهي مازالت صغيرة لا تفهم شيئا عن المخاض والولادة... ليست مهيأة نفسيا وعقليا لذلك، بل حتى جسديا. حاولنا إقناعها بإزالة سروالها والصعود إلى سرير الكشف، لكنها رفضت تماما أن تزيل سروالها وأن نكشف عنها. حينها سألها الطبيب عن سنها بالضبط فأخبرته أنها في الرابعة عشرة من العمر! وهذا يعني أنها تزوجت في سن الثالثة عشرة. نحن لا نستطيع أن نستقبلها للولادة لأننا نعمل في مركز صحي صغير ومتواضع لدينا وحدة للولادة بتجهيزات جد بسيطة. لذلك لا نستقبل نساء يلدن أول ولادة وفي سن أقل من 17 سنة، لأن الأخطار كثيرة. أفهمنا حماها الذي كان يرافقها بأنها لايمكن أن تلد في الوحدة وعلينا نقلها إلى مستشفى بني ملال أو قلعة السراغنة في مصحة للولادة. لم يتقبل حماها هذا القرار، غضب مستنكرا رفضنا استقبالها ورفض نقلها إلى مكان آخر للولادة مهددا إن لم نقبلها فسيأخذها للولادة في البيت... شرحنا له خطورة وضعها وبساطة إمكانياتنا في مثل حالة كنته، وأخبرناه أننا سننقلها في سيارة الإسعاف بالمجان، لكنه أصر على قراره، فهددناه باستدعاء رجال الدرك، لم يهتم وسألنا عن سبب رفضنا توليدها، أخبرناه أنها صغيرة في السن لم يتقبل ذلك معتبرا أن السن ليس سببا مقبولا لرفض توليدها في وحدة الولادة، وأخذها منا أنا والطبيب بالقوة. ما زلت أتذكر ذلك جيدا، حدث ذلك صباح يوم سبت». تضيف عائشة: «شغلني أمر هذه الطفلة كثيرا، فتتبعت أخبارها، فعلمت أنها وضعت طفلا وهي حامل مرة ثانية!»... أما سليمة فحكت عن طفلة في 13 من العمر جاءتها في حالة إجهاض سنة 2009 وهي الآن حامل.