لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة تسلط الضوء على التكلفة المادية الإجمالية التي تتكبدها خزينة الدولة نتيجة يوم واحد من الإضراب الوطني الذي تقرره المركزيات النقابية دفاعا عن حقوق الشغيلة، غير أن تصريحات مختلفة من داخل الأوساط النقابية والحكومية تؤكد أن الأمر يتعلق بمئات الملايين من الدراهم. وإلى جانب الخسائر المادية الجسيمة، تتسبب الإضرابات في تأثر الخدمات العمومية المقدمة للمواطن وفي مقدمتها الخدمات الصحية والتعليم، إذ يتأثر المواطن البسيط سلبا بقرارات الإضراب فيضطر إلى تأجيل «علاجه» لساعات ثمينة من حياته، مثلما تضيع ساعات دراسية طويلة وكثيرة على تلاميذ المدارس في مختلف مناطق المملكة، هذا إلى جانب الأضرار التي تلحق بالمواطنين في شتى القطاعات العمومية الأخرى. وتُتهم النقابات عادة بأنها لا تراعي مصالح الناس خلال اتخاذها قرارات بتنظيم إضرابات، كما تتهم بأنها عاجزة عن إبداع صيغ احتجاجية، غير الإضراب، توصل من جهة رسائلها إلى المسؤولين وتحافظ من جهة ثانية على مصالح المواطنين. بينما تؤكد النقابات من جانبها أن الحكومة هي من تتحمل مسؤولية تداعيات وآثار الإضرابات على المواطنين بينما هي (النقابات) تضطر إلى ذلك اضطرارا بسبب مماطلة الحكومة في الاستجابة لمطالبها. ويقول يوسف علاكوش، عضو المكتب التنفيذي للجامعة الحرة للتعليم، في حديث مع «المساء» إن الحكومة هي المسؤولة «لأنها تفرض علينا خيار الإضراب ونحن مكرهون عليه وهو وسيلة للضغط ليس إلا»، مضيفا أن «النقابات تستطيع من جانبها إلغاء قرار الإضراب بمجرد أن ترى مؤشرات إيجابية من الحكومة، التي يبقى لديها الوقت الكافي بين الإعلان عن الإضراب وموعد تنفيذه لاتخاذ إجراءات إيجابية للتفاهم مع المركزيات النقابية». وحول اتهام المؤسسات النقابية بعدم مراعاتها مصالح المواطنين لدى اتخاذها قرارات تنظيم الإضراب قال علاكوش «هذا الاتهام لا يقوم على أساس، إذ أننا نعتبر أنفسنا موجودين أصلا للدفاع عن مصالح المواطنين حتى يستفيدوا من ظروف مادية واجتماعية مناسبة، وحتى تقبل الحكومة بتحسين جودة خدماتها للناس في مختلف الإدارات والقطاعات العمومية على صعيد التراب الوطني كله». وتتهم الحكومة المركزيات النقابية بالانغلاق على نفسها وعدم القدرة على التفاوض بنفس طويل مع المسؤولين الحكوميين، وقد علق خالد الناصري على قرار إضراب 3 نونبر الجاري بقوله إنه «قرار مأسوف له وليس له ما يبرره». وأوضح الناصري بأنه «لو كانت المركزيات النقابية تحاور حكومة منغلقة على نفسها، أو تحاور حكومة رافضة للنقاش، أو تحاور حكومة متزمتة في تعاطيها مع الشأن الاجتماعي، لكان الإضراب مبررا ، لكن الواقع مخالف لذلك لأن الحكومة أكدت غير ما مرة على رغبتها الجدية في الحوار وإيجاد الحلول للقضايا المطروحة، بل إنها وجدت فعلا الحلول للعديد من القضايا المطروحة»، مضيفا أن الحكومة «لم تقفل الباب، وليس إقفال الباب من شيمها وقد برهنت طوال ولايتها على انفتاحها التام وبحسن نية مع النقاشات والملفات المطروحة فوق طاولة الحوار». من جهته، وعلى عكس ما شدد عليه الناصري، يؤكد عبد الإله دحمان عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أن القاعدة الأساسية التي يشتغلون بها هي أن «أبغض الحلال إلينا هو الإضراب»، مضيفا أن النقابات لا تلجأ إلى الإضراب إلا عندما توصد الحكومة أبوابها ولا تلتزم بمقتضيات الحوار الاجتماعي ومبادئه «وهنا فقط تتحمل النقابة مسؤوليتها في إعلان الإضراب كآلية للضغط في اتجاه إنجاح المسار الحواري مع الحكومة». وحرص دحمان على التوضيح بأنه صار ضروريا التمييز بين «المركزيات النقابية التي لديها عمق اجتماعي وجماهيري وامتداد قطاعي على المستوى الوطني وبين النقابات الصغرى، لأننا نعتقد أن المركزيات الأكثر تمثيلية هي التي تحرص على الحفاظ على مصداقيتها أمام الجماهير فلا تلجأ لممارسة الإضراب كحق دستوري إلا في الحالات القصوى، في حين أن بعض النقابات الصغيرة ليست لها تمثيلية معتبرة في مختلف القطاعات العمومية، كما أن سياقات مختلفة هي التي تحكمت في تكوينها وبالنسبة لهذه النقابات، فالإضراب يكون وسيلة تهدف من خلاله للإعلان عن وجودها ليس إلا». وتحدث المسؤول النقابي من جانب آخر عن أن النقابات باتت ملزمة بتنويع أشكالها الاحتجاجية وإبداع صيغ أخرى للنضال غير الإضراب، مبرزا أنها تضع مصلحة المواطنين في المستوى الأول «ونحن نتخذ بعض الإجراءات الاحترازية لتحقيق ذلك كضمان حد أدنى من الخدمة في القطاع الطبي، وتسجيل حضور التلاميذ في المدارس على سبيل المثال». وبالنسبة لدحمان، فإن النقابات لا تزايد على الحكومة «فنحن نعلم جيدا الوضع الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، ونؤدي واجبنا في تنبيه الحكومة إلى بعض المزالق بغرض دفعها لاتخاذ ما يناسب من إجراءات حتى لا تتفاقم الأوضاع». وكانت المركزيات النقابية التي شاركت في الإضراب الأخير قد أعلنت أن نسبة الذين استجابوا لدعوة الإضراب فاقت 90 في المائة في قطاع التعليم والعدل، والجماعات المحلية والمالية والتخطيط والصحة والصناعة التقليدية، فيما لقي الإضراب استجابة من لدن 60 في المائة من موظفي قطاع الثقافة و70 في المائة في قطاع الطاقة والمعادن. أما على صعيد المدن والأقاليم، فاحتلت كل من فاس وأكادير وآسفي وتطوان وسيدي قاسم والناظور ومكناس الصدارة من حيث الاستجابة للإضراب، فيما سجلت نسبة 85 في المائة في مدن تادلة ووجدة، ونسبة 80 في المائة في العرائش والقنيطرة.