إن الحوار مطلب وآلية استراتيجية لنا، لكن شريطة أن تنبني على مواصفات ومرتكزات واضحة وجادة». هذه جملة من العناوين الاساسية التي تمحور حولها اللقاء الذي أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مع المركزيات النقابية الداعية الى إضراب وطني يوم الجمعة 3نونبر القادم، بقطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاداري صبيحة أول أمس الأحد. العربي حبشي عضو المكتب التنفيذي للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أوضح في هذا السياق، أن الحكومة لا تلتزم حتى بتنفيذ الالتزامات والاتفاقيات التي وقعت عليها ،ومنها الاتفاقيات التي تهم النظام الاساسي في التعليم والصحة والعدل، والجماعات المحلية وغيرها.. وأضاف بأن تحلي الحكومة بالجرأة السياسية وفتحها للعديد من الملفات، مثل ملف الريع وملف التملص الضريبي، سيمكن خزينة الدولة من ملايير الدراهم الكافية، ليس فقط لتفعيل المطالب النقابية، بل لخلق دينامية اقتصادية وطنية جديدة، مشيرا في هذا الصدد الى أن الخطاب الأزموي الذي يشكل الإطار العام التبريري لمشروع قانون المالية، خطاب لا مبرر له مؤكدا على رفض النقابات أن يقدم العمال أو الطبقة العاملة عموما كقربان للأزمة. عبد الرحيم هندوف، نائب الكاتب العام للاتحاد النقابي للموظفين التابع للاتحاد المغربي للشغل، أبرز من جهته أن تديبرا مغايرا للقطاع غير المهيكل الذي بلغ رقم معاملاته السنة الماضية حوالي 200 مليار درهم، يمكن أن يساهم جزء منه في قضية التعاطي مع الملفات النقابية والمطلبية، ويعطي من ثم نفسا جديدا للاقتصاد الوطني. وقال بأن الحكومة ترفض بتاتا الزيادة في الأجور. وتساءل عن قيمة الحوار الاجتماعي، إذا لم يكن مصحوبا بتحسين أوضاع العمال والأجراء والموظفين. وبخصوص الكلفة المالية للحوار والإكراهات المطرحة، ذكر بأن كلفة الحوار التي تقدرها الحكومة ب 20 مليار درهم خلال الفترة الممتدة بين 2008 و 2010 لا تتعدى في حقيقة الأمر 5 الى 6 ملايير درهم. الاتحاد الاشتراكي: يبدو أنه ليس هناك جواب معقول، من طرف الحكومة اتجاه مطالب النقابات، فهل هذا النوع من الصيغ النضالية سيتواصل في حالة عدم الاستجابة للمطالب، وما الجدوى من الاضراب من هذا النوع ، إذا لم تكن هناك مؤشرات لما يمكن أن يسفر عنه من مردودية نقابية؟ العربي حبشي: اعتبر أن الاضراب هو و سلية من الوسائل الأساسية التي تلجأ لها النقابات للتعبير عن تجاهل الطرف الآخر، لظروف الشغيلة المغربية. كذلك الأساسي في هذه المعركة، أنه سيتم خوضها من ظرف أربع نقابات أساسية في المشهد النقابي بالمغرب، ونحن نعتبر هذا الأضراب الوطني في الوظيفة العمومية و الجماعات المحلية والمؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية، هو مدخل أساسي لتوحيد العمل النقابي وتحديثه وحمايته من التشتت والميوعة ودمقراطته. كذلك نعتبر هذا الاضراب، فرضه الواقع الاجتماعي المزري وما يعرفه من ارتفاعات متوالية ومهولة للعديد من أسعار المواد الغذائية الأساسية. وإذا قارنا المغرب مثلا، بالدول المشابهة لنسبة نموه ، مثل : تونس، مصر، تركيا و بلغاريا، نجد أن المغرب، المتواجد بالمنطقة المتوسطية ، يتميز بأعلى الأسعار في هذه المنطقة بكامله (سعر الضريبة على الداخل، سعر الخدمات على الماء والكهرباء وأسعار الخدمات البنكية...). مثلما يعرف نسبة جد مرتفعة في أسعار المواد الغذائية والخدماتية، هذا بالإضافة إلى التوجه الحكومي الأرتدوكسي، وهذا يعني أن المسألة الاجتماعية ليست في قلب السياسة العمومية. ولكن الذي نحدر منه اليوم، كنقابات، هناك من يحاول أن يجعل من الإضراب عنصرا يعرقل الاستثمار وخدمات المواطنين. نحن نقول، كنقابات، لنا الجواب على هذه الإشكالية، لأن الأشكال الحقيقي المطروح، وهو أن هناك خلل مؤسسي، أي أن هذا الخلل لا يقيم أي اعتبار للمؤسسات النقابية، بمعنى أن النقابات يستمع له كغرفة للتسجيل. في حين نحن نطالب أن نكون شريك أساسي، في العملية التنموية والانتاجية لأننا نمارس التأطير، والتأطير يساهم في الرفع من مردودية الشغيلة المغربية. لذلك فالخلل المؤسسي ناتج عن عدم التوازن بين ا لمجتمع السياسي والعمالي المتجسد في النقابات. نحن نعتبر، أنه مع الدخول الاجتماعي لا يمكننا إلا أن نتبنى هذه الخطوة النضالية، وهذا التنسيق سيستمر، وسيأخذ أشكالا نضالية أخرى، إذا ما دعت الضرورة إلي ذلك. عبد الرحيم هندوف: في سياق هذا الحوار، لابد أن أؤكد على أنه لا يجب أن نبخس من قيمة الإضراب، لأنه في حد ذاته كيفما كان ، فهو حدث مهم، وله دوره ويؤدي إلى نتائج. ولهذا يفترض منا، أن تكون لنا كنقابات استراتيجية ، وأعتقد أن هذا متوفر اليوم، لتحقق أهدافنا. هذا البرنامج النضالي، سيبتدأ باضراب لمدة 24 ساعة، وفي حالة لم تستجيب الحكومة، يمكن لنا كنقابات أن نمدده أو نتخذ صيغ نضالية أخرى . وهنا أثير قضية، على سبيل المثال، المعطلين حاملي الشهادات، الذين يتظاهرون كل يوم وأكثر من عشرات السنوات مضت ، أوضحت أن هذا الأسلوب للتظاهر،أفضى إلى نتائج ملموسة لقضاياهم المتعلق بالشغل. ولكن نحن كنقابات، لن نكتفي بالإضراب، و لكن هناك وسائل نضالية سنلجأ له في حينها. الاتحاد الاشتراكي: هل المطالب النقابية المتعلقة بتحسين الأوضاع المادية لعموم الأجراء في القطاع العام والشبه العام ، تأخذ بعين الاعتبار تطور وثيرة الاسعار في مختلف المواد الاستهلاكية؟ عبد الرحيم هندوف: من المطالب الأساسية في التفاوض مع الحكومة، هو السلم المتحرك للأثمنة والأجور. ونحن نقول للحكومة، إذا ما تم اعتماد هذا الأسلوب فهذا يكفينا، فكل سنة سنتفاوض حول هذه النقطة على حسب ارتفاع الأثمنة. وعلى ذكر الأسعار، إذا نظرنا إلى آخر زيادة عرفتها الأجور سنة 2000 حتى يومنا هذا، الأسعار في المغرب ارتفعت بأكثر من 15% ، في حين أن الحكومة تفصح أنه بإمكانها كحد أقصى أن تعطي 10% كزيادة، رغم أن الحكومة سبق لها أن وقعت معنا محضرا، واتفقت على أن يكون هناك نقاش في قضية الأجور، على أساس أن تكون هناك زيادة في سنة 2011. لكن الملاحظ أن الحكومة حاليا ترفض الكلام جملة وتفصيل في زيادة الأجور وإعادة النظر في منظومة الترقيه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حوار اجتماعي بدون هذه العناصر.. أكثر من هذا، حتى في الأمور التي لا علاقة لها بالاقتصاد، كالحريات النقابية، والتصديق على الاتفاقيات الدولية 87 و151، هذه الاتفاقيات لا تتطلب غلاف ماليا إضافة إلى إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي. في هذا الصدد نسجل بأن الحكومة إلتزمت، بمضامني الحوارات الاجتماعية السابقة، (اتفاق 96 و83 و84) ، مع إعادة النظر في الفصل 288، بيد أنه لم تفي بإلتزاماتها هاته . وحتى في الحوار الذي دام ثلاث سنوات، ماذا حققنا زيادة 10% التي هي أقل من مؤشر تكلفة المعيشة. الغريب في الأمر، هو عندما تقول الحكومة، أن الحوار الاجتماعي كلفها 20 مليار درهم، والحال أن هذه الكلفة لم تتجاوز في أقصى الحالات خلال الفترة الممتدة بين 2008 و 2010 : 5 الى 6 مليار درهم. ونحن كنقابات قلنا لهم في هذا الاطار ، طالبنا بتفاصيل صرف هذه الكلفة ، غير أننا لم نتلق الرد عن هذه المغالطات. الاتحاد الاشتراكي: دائما في نفس الاطار، هل يتناسب الوضع المالي والاقتصادي للدولة مع مختلف المطالب النقابية المطروحة؟ العربي حبشي: نحن في المركزيات النقابية، نعتبر أن المغرب حقق مجموعة من المكاسب علي مستوى الماكرو إقتصادي ووصل معدل النمو 5%، لكن ارتفاع معدل النمو ليس له أي وقع على الفئات الاجتماعية (الفئات الضعيفة والمتوسطة)، وهذا ناتج عن غياب سياسة اجتماعية عادلة، وعلى التوزيع غير العادل للتروات وغياب الحكامة الجيدة بمفهومها الحديث. ومع الأسف، عندما نتلقى جوابا من الحكومة، نتلقى جوابا جاهزا قوامه كثلة الأجر التي تزيد ارتفاعا، نحن كنقابات نقول، أن كثلة الأجور، إذا كانت تشكل حصة 11% من الناتج الاجمالي الداخلي، فليس بسبب ثقل كتلة الأجور، بل بسبب ضعف الناتج الاجمالي الداخلي أي ضعف الثروة الوطنية. وهذا هو المشجب الذي تحاول الحكومة الارتكاز عليه في إجاباتها. نحن كنقابات، لنا منظورنا الخاص، الذي نعتبر فيه بأن كتلة الأجور ليست ثقيلة في حصص الناتج الاجمالي الداخلي. الاتحاد الاشتراكي: هل هناك اقتراحات عملية من طرف النقابات ، لتفعيل المطالب ذات الصبغة المالية؟ العربي حبشي: لنا اقتراحات عملية والحكومة هي التي لا تتوفر على إجابات عملية، مثلا: أحيلكم على ملف الترقية الداخلية. نحن كنقابات، نطالب بإعادة النظر بشكل جدري في المنظومة الشاملة للترقي والتنقيط والتكوين الخاص بالموظفين والمستخدمين. فكيف يمكن لموظف أن تكون عنده وله مردودية، وهو مستوفي للشروط التنظيمية للترقي منذ سنة 2003 ولم يترقى إلى حد الآن؟ وهذا سؤال نطرحه على الحكومة، ونتنظر الجواب منها. وهذا مصنف ضمن الإطار الذي وضعته هي، وهذا يعني أن منظومة الترقي يجب أن يعاد فيها النظر. لهذا نطالب بضرورة وضع للحد للمتأخرات الناتجة عن هذه الترقية، ونطالب الوزير الاول بإصدار مرسوم يمكن الموظفين من ترقية االاستثنائية بالنسبة للموظفين المستوفين للشروط النظامية للترقي منذ سنة 2003. ولحد الساعة لم نتلقى أى جواب في هذا الموضوع. ونقول نحن مستعدون لمناقشة هذا الموضوع. نحن منفتحون، ولسنا دغمائيين، ولنا كامل الوعي الوطني لكن نناقش، لكن الحكومة ليست لها الارادة. امافيما يخص قضية الاجور، طالبنا بتحسين الدخل بمفهومه الواسع، إضافة الى إصلاح نظام الضريبة عن الدخل، وإصلاح نظام الضريبة عن القيمة المضافة، البحث وابداع آليات للتخفيف من الاعباء الاجتماعية عن الاجير في مجالات التعليم، الصحة، والسكن... وأي شيء من هذه الاقتراحات، لم يتم الاهتمام بها، والحكومة، في دورتها الاخيرة، من الحوار، رفضت أي جواب، لهذا قررنا أن نعلق الحوار... الاتحاد الاشتراكي: ألا تشكل «الأزمة» مبررا معقولا لوضع إجراءات تقشفية تطال كل الشرائح من ضمنها أساسا الطبقة العاملة؟ العربي حبشي: قلنا للحكومة عوض البحث عن إجراءات تقشفية على حساب الشغيلة المغربية، من المفروض أن تتوفر فيها الجرأة السياسية، للانكباب بالجدية اللازمة على ملفات اقتصاد الريع، والاحتكار والرشوة والتهرب والتملص الضريبي.. هذه ملفات يجب على الحكومة ان تنكب عليها، وقد طالبناها بذلك. واعتقد، أن إذا ما انكبت الحكومة على هذه الملفات وبكل جرأة سياسية ستمكن خزينة الدولة بالملايير من الدراهم، عوض البحث عن مشجب لكي تعلق كل الاجراءات على حساب الشغيلة المغربية والاخلال بكل التوازنات والتماسك الاجتماعي بالمغرب. وهذه هي الخطورة ، التي ينهجها التوجه الحكومي بشكل واضح، بالاضافة الى أن هناك حنين للرجوع الى الوجه الذي كان قبل سنة 1998. واذا كانت هناك أزمة بالفعل، فالازمة تحتاج الى مجهود وطني جماعي يساهم فيه الاغنياء. لهذا اقتراحنا داخل الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين إقرار ضريبة تضامنية على الثروة الشخصية، لكي يساهم الاغنياء في تقليص الفوارق الاجتماعية بالمغرب. لكن الحكومة تبحث عن إجراءات للمس بمكتسبات الشغيلة المغربية. من هذا المنطلق جاء عملنا التنسيقي بين النقابات الأربعة لكي نواجه هذا التوجه،الذي سيزيد في تكريس المديونية الداخلية للبلاد، وهناك استحضر القرض الذي حصل عليه المغرب بقيمة مليار أورو، الذي ولحد الساعة، لم يكلف وزير المالية والاقتصاد نفسه عناء تقديم تفسيرات في الموضوع، وكيف سيتم توظيفها... نحن نطالب أن يتم توظيفها في قطاعات ذات قيمة مضافة، كالقطاعات التي تساهم في خلق مناصب الشغل ، القطاعات التي ستمكن الميزانية العامة للدولة من موارد مالية جبائية إضافية، والقطاعات التي ستساهم في خلق مناخ اجتماعي سليم... ولكن، لحد الساعة، الحكومة غير واضحة. لذلك، هذه هي معركتنا، ومدخلنا الاول لهذه المعركة، اضراب وطني انذاري، وفي حالة عدم استجابة الحكومة، فإننا لن نتخلى عن الحقوق والمكتسبات، و سنواصل المعركة بخلاف ما يعتبره البعض انه مجرد حدث عابر، ونحن نعتبره خيار استراتيجي للدفاع عن مكتسبات الشغيلة المغربية. عبد الرحيم هندوف: في هذا السياق،اتساءل، إذا كانت الدولة تدعي بأن هناك أزمة، فماهي البدائل التي اقترحتها النقابات؟.. أولا، موضوع الأزمة، بما أن الدولة تدعي بأن هناك أزمة، رغم أنها سنتين من قبل، صرحت بأن الازمة العالمية المالية لن يكون لها انعكاس على المغرب . واليوم، يقولون العكس... فهل هناك موظفون نافعون وموظفون غير نافعين في هذا البلاد. ثانيا، الزيادات التي عرفتها سنة 2008، استفاد منها الموظفون السامون في السلطة حيث استفادوا من امتيازات مهمة ، إذا ما قارناها مع زيادة الموظفين. مثال آخر، فيما يخص التقاعد، في النظام المدني المتواجد بالصندوق المغربي للتقاعد، يقتطعون للموظف المغربي % 10 والدولة هي التي تؤديها، بمعنى أن الموظفين يتحملون %50 من المساهمة.. وهذا حيف صارخ ولا دستوري ، إذا أضفنا له أنظمة أخرى يستفيد منها موظفون عموميون.. إذن، هناك تملص ضريبي، ومحسوبية، الدولة يجب ان تتوفر على سياسة شاملة.. ولابد من إرادة سياسية، واذا ما توفرت يمكن للدولة ان تحسن الدخل عند فئة عريضة من الاجراء في القطاع الخاص وحتى العام... في هذا السياق، أفتح قوس، السيد والي بنك المغرب في عدد من خرجاته الاعلامية ، يصرح بأن الوضعية المالية بالمغرب لاتسمح بأن تكون هناك زيادة في الاجور، ويقول كذلك، بأن النقابات يجب أن يكونوا وطنيين... فكيف له بأن يعطينا مثال في الوطنية؟ ونحن ندعوه الى التعبير عن وطنيته هو الاول بالقبول بأجر شهري يقل عن 5 ملايين سنتيم في الشهر.. اذن، نحن كنقابات لدينا مقترحات ملموسة وعملية للحكومة. كما أننا نتساءل كنقابات عن مبالغ صناديق التقاعد التي توضع في صندوق الايداع والتدبير، هل يستفيد منها العمال؟، بل تستفيد منها قطاعات أخرى منها شركات في مجال السياحة.. فلماذا لاتوظف في تمويل مشاريع سكنية بقروض صغيرة. هذا، دون الحديث عن ما يسمى بالقروض الصغرى الممنوحة للعمال والمأجورين ،والتي تشكل أعباءا كبيرة عليهم.. اذا، هناك اقتراحات عديدة، لكن الحكومة لاتتعامل معانا كشريك اجتماعي واقتصادي وسياسي يمكنه ان يساهم في التنمية بل يتعاملون معنا، في الحالات كشر لابد منه، وأحيانا يتعاملون مع النقابات للواجهة الخارجية، توحي بوجود حوار اجتماعي بالمغرب .. والحال ليس هناك حوار اجتماعي حقيقي.