قال عبد الفتاح كيليطو، أكاديمي وكاتب مغربي، إن معنى عنونته أحد كتبه "أتكلّم جميع اللغات لكن بالعربية" هو أن "جميع اللغات بعيدة عنا، وعندما نقرؤها بالعربية تصبح قريبة منا"، موضّحا أن هذا العنوان في جزء منه مقتبس من الروائي فرانس كافكا. واستمرّ كيليطو في اقتباس كافكا، في سياق حديثه بفضاء المتوسط بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الخامسة والعشرين، موضّحا أنه "بفضل الترجمة كل ما هو بعيد يصبح قريبا منا في أغلب الأحيان"، وزاد: "إنه عندما لا تتيسّر القراءة باللغة الأصلية تكون الترجمة اللغة العالمية بامتياز، لجعلها كل الأعمال الأدبية متاحة وفي المتناول". وذكر الكاتب المغربي أن الأدب العربي لم يعد بالإمكان دراسته اليوم بمعزل عن آداب أخرى، موضّحا أنه حين قراءة عنوان نص عربي من الماضي فإنّه يبدو أكثر غرابة من نص فرنسي أو إنجليزي من عصرنا، وزاد: "السرد القديم لا يمكن دراسته إلا إذا كنّا على علم بالسرد الحديث، وإلا لا تقدم في مجال دراسة مكوناته"، مبرزا ضرورة الإلمام بلغات أخرى عند دراسة الأدب العربي قديمه وحديثه. المثير في العناوين، بالنسبة لكيليطو، أنها تحمل في بعض الأحيان مفاجئات ليس للقارئ فحسب، بل كذلك للمؤلف الذي قام بصياغتها، مقدّما مثالا بكتابه "بحبر خفي"، الذي نشره دون وضع علامة الكسر تحت الحاء، ما جعل من الممكن قراءته "بحَبر خفي". هذه الإمكانية تبدّت لكيليطو بعد نشر الكتاب، واستنتج معها أنه ينبغي تغيير النص الموجود على ظهر الغلاف، لأنه لا يوافق معنى الحبر العالم واسع الاطلاع والعلم، مستشهدا بتلقيب ابن عباس بهذا، وتلقيبه أيضا بالبحر، لتضاف إمكانية القراءة هذه أيضا للعنوان الأصلي. غفلة كيليطو التامة عما يفتحه نسيان كسر الحاء جعلته يجزم بأن "اللغة واعية لا محالة، ودائما بالمرصاد تنتظر الوقت المناسب للإفصاح عن المعنى المستتر، فيجد القارئ نفسه ملزما بتغيير مقاربته"، مبيّنا أن العنوان في هذه الحالة "تستحيل ترجمته إلى الفرنسية لوجود هذين الاحتمالين". وذكر صاحب "الأدب والغرابة" أنه حين بدأ يهتمّ بالدراسات الأدبية كان يحلم أن يكون منظّرا للأدب وفي الأدب، لكنه فشل في ذلك، مضيفا أنه عرف في ذلك الوقت عدة أشخاص على علم بالتنظير، ولكنّه لم يكن يفهم شيئا فيه لأنه تربّى مع الحكايات ولم يستطع طردها؛ موردا: "تبرز حكاية عندما أريد تناول قضية من القضايا". ويمضي كاتب "حصان نيتشه" وقته في قراءة الحكايات والاستماع إليها، ويضيف أنه يقضي وقته بحثا عن حكاية، وعن صورة، وعن شيء، وعن كلمة، مستدركا: "هذا ليس بالأمر السهل؛ فينبغي أن تكون معبرا وتفتح آفاقا شاسعة وبعيدة، وهذا أمر نادر. وأحيانا يسعفني الحلم فأجد ما أبحث عنه". وانطلق كيليطو في أحد نصوصه من حلم رأى فيه ابنَ رشد وهو يصرخ "لغتنا الأعجمية"، رغم أن أبا الوليد لم يقل هذا يوما، مبرزا ما يحمله هذا من تضاد: "فإذا كانت لغتنا أعجمية فهي ليست لغتَنا، وإذا كانت لغتنا فهي ليست أعجمية"، رابطا هذا بقراءته مقدّمة لسان العرب لابن منظور، التي لا يقرؤها أحد، وما وجده فيها من حديث في القرن الثالث عشر الميلادي عن نفور الناس من العربية وإقبالهم على اللغة الأعجمية، دون تحديد أي لغة أعجمية يقصد، وهو ما استنتج منه كيليطو أن "حال اللغة العربية في ذلك الوقت، وتهديدها من اللغة الأعجمية، كحالها اليوم".