بعدَما تلقّى موجة من ردود فعل مُعارضة لقرار تحرير أسعار المحروقات الذي تمّ تطبيقه خلالَ ولايته الحكومية، وجدَ عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، نفسه هذه المرة في فوهة بركان مجلس المنافسة بسبب القرار ذاته، الذي "تمَّ إنجازهُ دون الأخذ بعين الاعتبار عدد من عناصر السّياق الوطني التي كانَ بالإمكان أن تنبّه الحكومة إلى مدى ملاءمة دخول عملية التحرير الكلي حيز التنفيذ وطُرق أجرأته". عدمُ صواب القرار الذي كانت قد اتخذتهُ "حكومة عبد الإله بنكيران" جاء هذه المرة من مؤسسة دستورية اسْتشارية أوردتْ في رأيٍ لها بشأن طلبِ "حكومة سعد الدين العثماني" من أجل تقنين أسعار المحروقات أنَّه "قدْ تمَّ تجريبُ هذا التدبير ما بين دجنبر 2014 ودجنبر 2015 ولم يفض إلى النتائج المرجوة، لأن المتدخلين يعتمدون عادة الأسعار القصوى المحددة دون بذل مجهودات لتخفيض الأسعار، حيث يتحوّل السعر الأقصى تلقائياً إلى سعر أدنى". ومن بينِ الأخطاء التي وقعَ فيها بنكيران في قراره تحرير أسعار المحروقات أنَّ حكومته عمدت إلى اتخاذ قرار التحرير الكلي، مع معرفتها مسبقاً بأن السوق سيفقد شركة التكرير الوطنية الوحيدة التي كانت تلعبُ دوراً جوهرياً على مستوى المحافظة على التوازنات التنافسية، وعلى صعيد تموين السوق والتخزين. كما تمَّ اتخاذ القرار "في ظل مناخ متميّز بالفراغ الدستوري المطبوع بغياب مجلس المنافسة، الذي كان من الممكن أن تساهم مهامه في النظامة التنافسية للأسواق، المعززة باختصاصاته الجديدة في التحقيق والبحث وفرض الجزاءات، وفي تعزيز المراقبة الدستورية المستقلة والمحايدة لتصرفات المتدخلين الذين قد لا يحترمون قواعد المنافسة الحرة والنزيهة في هذا السوق"، بتعبير مجلس الكراوي. وأشار مجلس المنافسة في رصدهِ لهفوات بنكيران إلى أنَّ "الحكومة قامت بالتحرير دون اهتمام مسبق بالمكونات الرئيسة للنظام التنافسي، أي وجود حواجز قوية أمام ولوج السوق في مختلف مستوياته، ومستوى مرتفع للتركيز الاقتصادي في القطاع، وبنية احتكارية لبعض الأسواق، واحتكار القلة بالنسبة للأسواق الأخرى". وقال مجلس الكراوي إن "حكومة بنكيران" اتخذتْ قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات "دون إقرار تدابير مواكبة لحماية المستهلكين ومكونات القطاع الأكثر هشاشة، وذلك في الوقت الذي أوصى فيه المجلس الأعلى للحسابات الحكومة بالحفاظ على مراقبة الأسعار في حالة إعادة هيكلة صندوق المقاصة". وأبرز الكراوي أن "التدخل الوحيد في أثمنة وهوامش ربح الموزعين بالجملة والتقسيط لن يغير من واقع الأسعار، ولن يؤدي بالموازاة إلى حماية المستهلك والحفاظ على قدرته الشرائية"؛ لذا، وحسب مجلس المنافسة، فإن "السؤال الحقيقي لا يكمنُ في تسقيف الهوامش، ولكن في تحديد إجراءات مواكبة لفائدة القطاعات والفئات الاجتماعية التي ستضرّر أكثر من الارتفاعات غير المتوقعة لأسعار المحروقات". وقال المجلس إن "السوق يعاني من عدة اختلالات ذات طبيعة بنيوية لا يمكن لتدابير جزئية وظرفية الإجابة عنها"، مؤكداً أن "ملف أسعار المحروقات يوليه المجلس أهمية كبيرة وسيمارس صلاحياته الرقابية على كل المتدخلين في القطاع"، قبل أن يشدد على أن "دور المجلس هو مراقبة الأسعار، وليس من صلاحياته اتخاذ قرار التسقيف، لأن هذا دور الحكومة".