خلص المسؤولون بكافة مواقعهم، من خلال نتائج ومخرجات التقييم الميداني لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وعملا بالتوصيات المتضمنة في تقارير الشركاء، من مؤسسات وجماعات محلية وجمعيات، إلى أن شروط التنمية المستدامة تحتاج من الدولة أن تتخذ خطوات ومبادرات مهمة لتطوير القطاع الصناعي، لأن كل البيانات التحليلية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية لا توحي بالتفاؤل والثقة في تحقيق مزيد من النمو في الاقتصاد الوطني والمحلي، باعتماد قطاع واحد، فلاحيا كان أو سياحيا، لأن الصناعة هي التي تصنع النموذج الاقتصادي المعاصر. لذلك ركزت المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2019-2023، التي رصدت لها استثمارات تقدر ب18 مليار درهم، للنهوض بالرأسمال البشري، على ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية، والكرامة، واستشراف المستقبل، وزرع الأمل، من خلال اعتماد مقاربة شمولية، يشكل برنامج تحسين الدخل، والإدماج الاقتصادي للشباب، إحدى رافعات برنامج الدعم الموجه إلى التنمية البشرية للأجيال الصاعدة. فإلى أي حد ستنال مدينة الصويرة، التي عانت من التهميش كثيرا، حظها من هذه الالتفاتة الاستثمارية؟ وهل ستحضر هذه الرؤية في مشاريع الجماعة الترابية؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن تطلعات شباب وسكان حاضرة الرياح؟ وما سبب تبخر حيها الصناعي، الذي شكل عمود اقتصادها، بين ليلة وضحاها؟ وهل يملك المجلس الجماعي الحالي رؤية لإنقاذ حي كان أيقونة هذه المدينة في القرن الماضي؟ هي جملة أسئلة حملتها هسبريس إلى السكان والفاعلين الجمعويين والمسؤولين، فكان هذا الروبورتاج. اليأس يقتلنا "كتضربها من السقالة حتى لبركة محمد، مرورا بالشاطئ، بحثا عن عمل في هذه المدينة، كتلقى غير الشرقي والزفت؛ كترجع لدارك وحاجة واحدة فراسك أنك تمشي لحدا المحكمة تعرض شهادتك بالزور لمن يدفع"، هكذا عبر واحد من شباب مدينة الصويرة عن المشكل الذي يعاني منه معظم سكان المدينة، التي يحاصرها البحر من جهة، والغابة من جهة أخرى. عبد الواحد مدراس أوضح لهسبريس أن "الحي الصناعي بالصويرة، الذي كانت مساحته تتراوح بين 30 و40 هكتارا، وكان يشكل فضاء يضم عائلة واحدة، تحول الآن إلى مكان مخيف، يضم شبابا امتهنوا الانحراف بكافة أشكاله، بعدما كانوا يقصدون المصانع التي تعج بها هذه المنطقة"، مضيفا "بموت حينا الصناعي بدأت مدينتنا تغرق". وطالب من أسماهم جنود الخفاء ولوبي الريع والعقار والمهرجانات، الذين يعملون على قتل مدينة الرياح، بالتوقف عن ذلك، حتى تسترجع موكادور دورها وقيمتها وكينونتها، وفق قوله. نفد صبر الأب أحماين الركراكي، حين كانت هسبريس تسجل تصريحات بعض السكان المجاورين للحي الصناعي، فانتفض قائلا وهو يشير إلى المكان "كانت هناك معامل ومنشآت صناعية كثيرة، يقصدها شباب ونساء ورجال، لكنها تحولت اليوم إلى مستودعات لمواد البناء، التي يتحكم فيها بعض المسؤولين بالمدينة". وأضاف "هناك معمل يستقبل 800 شاحنة لنقل الرمال"، مشيرا إلى أن "المدينة أصبحت مجالا يفتقر إلى أدنى شروط الجذب للبقاء بها، لأن من لا يجد مورد رزق بوطنه تصبح الهجرة ملاذه، وهي شر لا بد منه". وقال الركراكي إن الحي "أضحى غريبا عمن قضى جزءا من حياته به، ومن يقطن بجواره، لكثرة ما أصبح يؤوي من منحرفين وقطاع طرق". الترافع "مشكل قلة الشغل بمدينتنا يعاني منه الجميع، ويلاحظه المسؤولون من أصغرهم إلى كبيرهم"، يقول مصطفى دادي بصوت مليء بالألم والحسرة على زمن اقتصادي كان خيرا وبركة على أهل الصويرة وأحوازها. وطالب دادي القائمين على تدبير الشأن المحلي، من منتخبين وسلطة إقليمية، برد الاعتبار للمدينة ولسكانها، و"تمكينهم من حقوق نصت عليها الوثيقة الدستورية، باعتبارهم مواطنين أمانة في عنق الدولة". نوستالجيا عرفت مدينة الصويرة خلال القرن الماضي نهضة صناعية (بين 1960 و1987)، حيث "كان الحي الصناعي يضم ما يفوق 13 وحدة صناعية لتصبير السمك، ومعملين لصناعة الجلد، ووحدات أخرى للمشمش والجوز وصناعة الثلوج، ومشتقات الزيتون"، يحكي حسن مزهاري، وهو فاعل جمعوي نشأ بجوار الحي الصناعي. "كان كل معمل بهذا الحي يستقبل ما بين 500 و600 مستخدم، وكان هذا التجمع الاقتصادي عبارة عن خلية نحل، ترى النساء والرجال والشباب يتحركون والبهجة تعلو ملامحهم، رغم الجهد والتعب، لأن هذه المعامل كانت مصدر عيشهم، وتحقق الاكتفاء الذاتي للتلاميذ والطلبة. لكن كل ذلك تبخر، حين انتقلت المعامل إلى جنوب المغرب"، يقول مزهاري، مشيرا إلى أن الفراغ جعل بعض شباب المنطقة يرتمي في أحضان الإرهاب، ففي سنة 2015 زارت الحي عناصر من "البسيج" لاعتقال شبان مشتبه في تطرفهم"، يحكي مزهاري. وأضاف أن "هناك قوة ما تخطط لتفقد الصويرة هويتها الصناعية، وتوجهها نحو قطاع السياحة المتقلب"، مشيرا إلى أن عدد زوارها لا يتجاوز 4000 زائر، قبل أن يوجه للمسؤولين، الذين لا يتذكرون الحي (ثاني أكثر كتلة انتخابية) سوى في الانتخابات، عتابا قويا لأنهم "يبنون مخططاتهم على قطاع واحد". وطالب باعتماد قطاعات اقتصادية متنوعة من أجل إنقاذ المدينة. للمجلس رؤية اقتصادية هشام جباري، رئيس المجلس الجماعي، قال لهسبريس: "كانت المنطقة تلعب دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية، وفي خلق الثروة، وتوفير مناصب شغل، لأنها كانت تضم ما بين 16 و18 وحدة صناعية، تبخرت في رمشة عين، مما كان له انعكاس سلبي على السكان واستقرارهم الاجتماعي"، مستدلا بخلاصة للمندوبية السامية للتخطيط، التي اعتبرت مدينة الصويرة "منطقة يهجرها أهلها". وأضاف رئيس الجماعة أن "هناك إرادة جماعية لاستخراج 30 هكتارا لاحتضان هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل لشباب هذه المدينة، التي تحتاج إلى مبادرات اقتصادية متعددة لخلق عدالة اجتماعية"، مؤكدا على أهمية القطاع السياحي لما تتوفر عليه موكادور من تراث لا مادي، ومآثر تاريخية، يمكن استثمارها في صناعة سياحة ثقافية. وأشار جباري إلى "وجود مشروع لتحويل الحي الصناعي القديم إلى فضاء سياحي، لكن المعضلة تتمثل في كون الصويرة محاطة بالبحر والغابة، مما يقتل وعاءها العقاري". تقديس الغابة أما محمد فضلام، رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة مراكشآسفي، فقال إن "المندوبية السامية للمياه والغابات تحتكر الغابة التي تحيط بمدينة الصويرة، وتقدسها حتى أضحت أكثر قيمة من البشر الذي كرمه الله"، مضيفا "تخيلوا لو صحونا غدا على أزمة عالمية جديدة تؤدي إلى تراجع نسبة السائحين بموكادور، فهل تملك هذه المدينة ما تستطيع العيش به؟". وأضاف أن "تشجيع المقاولات الصناعية هو الحل لبناء اقتصاد قوي وفق النموذج التنموي الجديد للمغرب"، مشيرا إلى أن "أفكارا كثيرة لا تحتاج من القائمين على تدبير الشأن العام، كحكومة ومندوب سام للمياه والغابات وإداريين ومنتخبين، إلى أغلفة مالية، بل إلى إرادة قوية وخالصة لتوفير العقار للصناعة والمعرفة، لبلوغ مرحلة إقلاع جديدة، وتقريب الأنشطة المنتجة من المواطنين". وأكد فضلام أن المنطقة في حاجة إلى توفير شروط تجذب المستثمر الوطني والأجنبي، لكن هذا المعطى يحتاج إلى تغيير عقلية المندوبية السامية للمياه والغابات، التي تقدس "الإيكولوجي" على حساب مصير سكان مدينة الصويرة وأحوازها. وأضاف المسؤول نفسه أن "المحافظة على البيئة مسؤولية مشتركة"، مستغربا حل المعاوضة، الذي تطرحه إدارة المياه والغابات، في وقت يمكن نقل منطقة بكاملها لإعادة غرسها في فضاء آخر. وطالب بضرورة الانكباب على هذه المشكلة لجعل موكادور قطبا اقتصاديا قادرا على خلق الثروة والشغل، وتثمين مواردها، ودعم قطاعاتها المنتجة، لضمان تنمية مندمجة في خدمة المواطن، يضيف فضلام.