«زيارة ملكية»، جملة تحولت إلى مطلب شعبي يتداوله سكان الصويرة منذ سنوات ليحضر بشدة خلال الشهور الأخيرة مع تواتر مجموعة من المؤشرات المقلقة التي تسير بموكادور إلى السكتة القلبية... بين البحر والغابة بين البحر والغابة تستلقي موكادور كحورية بحر مأخوذة ببريق بهائها تحت أشعة شمس حانية، إلا أن هذه الصورة الجميلة الحالمة تكتنف بين طياتها نقمة تحد من كل طموح تنموي للمدينة. فالواقع أن الصويرة محاصرة يقف المجال الغابوي حائلا دون توسعها العمراني، ودون تنظيم مجالها الحضري من خلال إعادة توطين مجموعة من المرافق والأنشطة الاقتصادية. في انتظار تجاوب المندوبية السامية للمياه والغابات مع طلب المدينة منذ سنوات تمكينها من عشرات الهكتارات قصد إقامة مجموعة المشاريع السكنية والاقتصادية والاجتماعية، تستمر المدينة في حالة اختناق غير مسبوقة بفعل انعدام الوعاء العقاري المطلوب لاستيعاب مناطق جديدة للتعمير، ومنطقة صناعية، ومحطة طرقية جديدة ومجزرة وسوق جملة جديدين، ومشاريع أخرى من شأن إطلاقها إعطاء المدينة دفقة هواء تعيد الحياة إلى شرايين اقتصادها المتصلبة. أزمة القطاع السياحي جعلت رؤية تنمية مدينة الصويرة من القطاع السياحي رافعة لتحريك دورة الاقتصاد بالارتكاز على الموروث الثقافي والمعماري والايكولوجي المتفرد للمدينة. استراتيجية أتت أكلها بشكل فعال ولكن في مستويات محدودة ومعينة ولم تستطع بالتالي الإجابة عن مجمل المشاكل الاقتصادية للمدينة، بداية باستيعاب الطاقات البشرية المعطلة نتيجة إقفال المصانع وتواضع مساهمة قطاع الصناعة التقليدية والتراجع الكبير لعائد قطاع الصيد البحري. إلا أن القطاع السياحي الذي شكل لسنوات أداة لتحريك عجلة الاقتصاد من خلال تنشيط مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الموازية والمساهمة في استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال ، عرف تباطؤا كبيرا خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى مستوى الأزمة خلال الموسم الحالي. أزمة زادت من حدتها الظرفية الاقتصادية الدولية والضربات الإرهابية التي هزت أوروبا، بالموازاة مع استمرار مشكل النقل الجوي الذي قصم ظهر القطاع منذ إلغاء مجموعة رحلات جوية تربط بين الصويرة وعواصم أوروبية. مؤسسات سياحية أقفلت أبوابها، أخرى تقاوم وتؤمن أجور مستخدميها بكثير من العناء، والجميع يدير مشاريعه بكثير من القلق وانعدام الثقة.حتى محيط القطاع السياحي بالمدينة صار مصدر قلق للفاعلين السياحيين الذين يطالبون بتأهيله ليكون في خدمة تنمية القطاع الذي يحتاج إلى تقوية سمعة المدينة وتقوية جاذبيتها عبر الارتقاء بالبنيات التحتية والخدمات الأساسية.في المقابل يستمر القطاع غير المهيكل في التهام حصة الأسد من عائدات القطاع بشكل غير قانوني يقوض كل الجهود المبذولة من طرف المتدخلين. أوراش منكوبة مرافق ذات حيوية وأهمية كبرى تعيش مشاريع تحديث مقراتها وبنيات استقبالها على وقع التعثر. والحال أن تعثر المشاريع بمدينة الصويرة تحول إلى قاعدة. لأن الملحوظ هو ارتباط الكثير منها بتعقيدات لا تظهر بالأسف إلا بعد انطلاقها، بما يؤكد بالملموس بأن الإشكال في العمق هو إشكال تدبير ولا علاقة له بالموارد المالية.سنأخذ على سبيل المثال لا الحصر مشروع إعادة بناء المحكمة الابتدائية بالصويرة المتعثر منذ سنتين بفعل تعقيدات تقنية لم تظهر للأسف، وبشكل غريب، إلا بعد هدم البناية القديمة، في زمن قياسي، وترحيل مصالح المحكمة وموظفيها، في زمن قياسي كذلك، إلى المقر المؤقت وهو عبارة عن عمارتين سكنيتين تكلفان ميزانية وزارة العدل قرابة 150 ألف درهم شهريا، علما بأن مؤسسة الأعمال الاجتماعية للقطاع كانت قد اقترحت صيغة الشراء عوض الكراء على أساس تحويل العمارتين لمركز استقبال لفائدة موظفي العدل بعد استكمال بناء المقر الجديد للمحكمة الابتدائية بالصويرة. بعد مرور ستنين، مازالت أرض المشروع عارية تعبرها الريح والتأويلات... ومعطيات غير رسمية تفيد بتخصيص اعتمادات جديدة للدراسات وتجفيف البقعة الأرضية من المياه الجوفية. ملايين الدراهم مرصودة لكراء المقر المؤقت تذروها الرياح، وتستمر معاناة المواطنين والقضاة والمحامين وكتاب الضبط والأعوان والمفوضين مع «بنيات استقبال» المقر المؤقت الذي تحولت شققه إلى مكاتب تضيق بالموظفين والمرتفقين على حد سواء. هذا المشهد المحبط يعيش على إيقاعه المستشفى الإقليمي سيدي محمد بن عبد الله الذي مازالت أشغال إعادة بنائه وتهيئته متوقفة منذ شهور، وسوق السمك المتعثرة أشغال تحديثه، بالموازاة مع استمرار تعثر المشاريع السكنية لشركة العمران على مستوى مدخل المدينة، وخصوصا تجزئة أركانة المحدثة ضدا على مقتضيات الرخصة المسلمة من لدن لجنة الاستثناء. خارج زمن التأهيل الحضري دخل برنامج تحديث وتنمية مدينة الصويرة مرحلته الثانية مع انطلاق مجموعة من المشاريع المبرمجة في إطار الشطر الثاني الممتد من 2015 إلى 2018 .تأهيل البنيات التحتية الأساسية، تحسين المشهد الحضري للمدينة المصنفة وجهة سياحية، إعادة تثمين التراث الثقافي المادي للمدينة، الحفاظ على البيئة، تحسين جودة عيش المواطنين، دعم التنمية السوسيو اقتصادية للصويرة، أهداف ضمن أخرى يطمح البرنامج إلى تحقيقها على مرحلتين (2010-2014 و2015-2018 ) بتكلفة إجمالية تصل إلى 932 مليون درهم. البرنامج بدأت تظهر نتائجه حيث يطمح إلى تحسين مجال العيش المشترك للسكان وتحريك دورة اقتصادها وتدعيم صورتها كإحدى أجمل الوجهات السياحية المغربية. إلا أن الأشغال المنجزة على مستوى الطرق والممرات والفضاءات الخضراء والمدارات.. اعترتها مجموعة من العيوب، أثارتها الجريدة في مجموعة من المناسبات، في مجموعة من النقط تقتضي صرامة على مستوى المراقبة والتتبع. ومع انطلاق المرحلة الثانية من مشروع إعادة تهيئة كورنيش المدينة، تستمر مجموعة من الأحياء والأزقة محرومة من التأهيل. في المقابل، وعلى مساقة كيلومترات من مركز الصويرة، تبقى مناطق دوار العرب، الغزوة، وواسن المحسوبة ظلما وعدوانا على المجال الحضري، خارج زمن التأهيل والتحديث في ظل انعدام شبكة التطهير السائل والماء الصالح للشرب والطرق المعبدة والأرصفة المهيأة. أما الصويرةالجديدة التي بحت حناجر سكانها المطالبين منذ سنوات بتمكينهم من المرافق والخدمات الأساسية، فمازالت بدون مركز صحي، ولا ثانوية. مقر الدائرة الأمنية لم يفتح أبوابه بعد، الرسائل لا تصل لأن ساعي البريد يتوه في الأزقة التي مازالت بدون عناوين أو «خرائط»، وأطفال وشباب المنطقة بدون مرافق للتنشيط والتأطير. في المقابل، لاتزال المنطقة المسماة «كلم 8 « محرومة من شبكتي التطهير والماء الصالح للشرب، الطريق غير معبدة والمجال الترابي أقرب إلى القروي منه إلى الحضري. وارتباطا بالماء الصالح للشرب، برمج المكتب الوطني للماء الصالح للشرب منذ سنوات مشروعا لإحداث شبكة للتوزيع بهذه المنطقة بتكلفة تناهز 5 ملايين درهم.، إلا أن العبثي في الأمر، هو اصطدام المقاول بواقع لا علاقة له بالتصميم المسلم له في إطار المشروع. إذ، وعلى سبيل المثال لا الحصر،مازالت الأزقة والممرات غير محددة بفعل عدم تحمل المجالس البلدية المتعاقبة مسؤوليتها على هذا المستوى. لم تتقدم أشغال المشروع قيد أنملة، وألغيت الصفقة في نهاية المطاف. مدينة الثقافة بدون مؤسسة جامعية مدينة تاريخية تختزن تراثا ثقافيا متنوعا غنيا وهوية تمتح من قيم كونية، تعيش تطورا ديموغرافيا ومازالت إلى حدود الساعة تعاني خصاصا على مستوى مؤسسات التعليم العالي، اللهم المدرسة العليا للتكنولوجيا المتواجدة بالغزوة والتابعة لجامعة القاضي عياض. هذه الوضعية المقلقة لها تداعيات اجتماعية واقتصادية ومعرفية كذلك على ساكنة المدينة التي يهاجر أبناؤها بالمئات سنويا إلى المدن الجامعية استكمالا لدراستهم، الشيء الذي يثقل كاهل الآباء ويضطر الكثير من الأسر إلى إعادة ترتيب مخططاتها من أجل مرافقة الأبناء خلال دراستهم. علما بأن مجموعة من الأسر صارت تعاني شرخا حقيقيا بسبب الإقامة المستمرة للأمهات مع أبنائهن بالمدن الجامعية. مدينة الصويرة في حاجة إلى مؤسسة جامعية بعرض متنوع يحتضن شباب المدينة ويضمن لهم حقهم في استكمال تعليمهم، يرفع من سقف النقاش والسؤال الأكاديميين، ويرتقي بجودة تكوين الموارد البشرية ويفتح أمام سكان موكادور أفق وفرص الترقي الاجتماعي. رداءة و التباسات ابتليت الصويرة ، في السنوات الأخيرة، بموجة من الرداءة طالت مجموعة من المجالات، رداءة يتم احتضانها للأسف بشكل لا مسؤول من طرف «البعض» بهدف الخلط بين المنطق السليم للأشياء وبين العبث بهدف تغذية الالتباسات وتعويم النقاش العمومي، بل والانحدار به إلى مستويات لا تطاق... الصويرة البهية الحاضنة لقيم التنوع والتعايش والحوار والانفتاح، أكبر من مشروع الرداءة، تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مشروع ثقافي متجدد ينصت للتحولات المجتمعية التي أنتجت معطيات جديدة، واهتمامات شبابية جديدة. الصويرة في حاجة ملحة للقطع مع عقلية التصنيف الإداري، المتجاوز، للمدينة كمنطقة عقابية هامشية لا تحظى من الموارد البشرية سوى بالمغضوب عليهم،المقبلين على التقاعد، أو من هم في طور الاستئناس بمهامهم... الصويرة في حاجة إلى زيارة ملكية تحرك المياه الراكدة... طويلا، وتمنح المدينة التي تختنق، دفقة هواء تعيد رعشة الحياة إلى أوصالها الخاملة.