للصويرة أكثر من باب، وأكثر من وجه. ثمة وجهها الرسمي الذي جعلها مدينة كناوة بامتياز، حيث ظلت تحافظ لسنوات على مهرجانها الذي يحرك السواكن بفضل موسيقى السنتير والقراقب ودردبات معلمين رجال شياظمة، كما يحرك بعضا من اقتصادها وسياحتها. وثمة وجهها الشعبي حيث ينتظر سكان موكادور هذه المحطة السنوية لكي يقولوا للعالم إنها هنا بمشاكلها وإكراهاتها الاقتصادية والاجتماعية بعد أن وضع الأجانب اليد على العديد من دورها القديمة، وسعوا إلى تحويلها إلى رياضات ودور ضيافة تستقبل زوارها الأجانب بكل ما يحملونه من ثقافة دخيلة. وتبدو الصويرة اليوم موزعة بين مدينة قديمة شبه محتلة من قبل إسبان وفرنسيين وبريطانيين وإيطاليين، هي التي تحميها تلك الأسوار التي بناها السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وأخرى خارج الأسوار حيث السكن العمودي، والإسمنت المسلح الذي يأوي أعدادا كبيرة من ذوي الدخل المحدود والتجار والحرفيين الذين باعوا مساكنهم القديمة، وغامروا بالخروج من خلف أسوارها. لذلك يقول الصويريون إن للمدينة وجه آخر غير وجه المهرجان وضيوفه الكبار الذين يرون الصويرة اليوم مثل أية «كارت بوسطال» عن مغرب القرون القديمة برقصات معلمين كناوة، ولباسهم المزركش، وأغانيهم التي تحكي عن العبودية والظلم الذي طال عبيد جنوب الصحراء. أولئك الذين حملتهم الحملات الأوربية إلى شمال إفريقيا لخدمة الرجل الأبيض. «أورسن ويلز» مرة من هنا لم يكن المخرج الأمريكي الشهير «أورسن ويلز» يراهن على السراب حينما اختار سحر الصويرة فضاء لفيله السينمائي» عطيل». لذلك يراهن أهل موكادور، في كل مناسبة، على هذا السحر نفسه لبعث الروح في المدينة التي شبهها الكثيرون بطائر الفينيق المنتفض دوما من رماده. لقد نشطت البنية السياحية بشكل مثير في السنوات الأخيرة حيث الفنادق المصنفة، والرياضات التقليدية، والمطاعم التي تقدم لزوارها كل أنواع سمك موكادور المشوي، لدرجة قال لنا أحد شباب المنطقة معلقا، إننا لا نملك اليوم غير كناوة والسمك المشوي. أما الرهان الأكبر، فهو جعل الصويرة في قلب حركة سياحية كبيرة تجعل منها وجهة قارة بدلا من أن تظل مجرد محطة للعبور، بعد أن سرقت مدن مراكشوأكادير منها الكثير، وجعلت زوارها عابرين ذهابا أو إيابا نحو هاتين المدينتين. في الصويرة يمكن أن تعيش أربعة فصول في يوم واحد، وفيها يجد عشاق الرياضات البحرية ضالتهم. وفيها أيضا مهرجانها السنوي لكناوة، حيث يتنفس أهلها هذا الفن، إذ يتداخل الحال بالطقوس الصوفية، وتصبح المدينة ملاذا لكل الحالمين بالعالم الآخر. ومن هنا مر شباب «الهيبيزم» في سنوات السبعينيات. وفي فضاء موكادور رقص «جيمي هندريكس»، وغنى كبار عازفي الروك الأمريكي. فيها أيضا سحر المعارض التشكيلية المفتوحة، حيث الرسم والنقش على خشب عرعار ركراكة. وفيها أيضا يمكن أن نقرأ تاريخا ضاربا في القدم، وممتد من الفينقيين إلى الرومان، وصولا إلى السلطان سيدي محمد بن عبد الله. لذلك وجد «أولسن ويلز» أنه ابن الدار وهو يصور فيلمه عن «ديدمونه» و»عطيل»، و»شكسبير». أبواب موكادور للصويرة أبوابها الخاصة. فمن باب مراكش، إلى باب المرسى. ومن باب البحر إلى باب دكالة. ومع كل خطوة يشعر الزائر أنه وسط عالم من السحر الذي يذكر بسحر مراكش الحمراء. لقد تغيرت ملامح المدينة القديمة لموكادور حيث أصبحت أزقتها أكثر رحابة ونظافة في القصبة والملاح. وأضحى بداخل كل زقاق، متحف يعرض على امتداد اليوم منتوجاته الفنية. وهي معارض يديرها فنانون مغاربة وأجانب. يحكي مرافقي، وهو واحد من أبناء القصبة الذين غادروا الأسوار بعد أن تخلى عن بيته القديم، عن الأعداد الكبيرة من الأوربيين الذين اختاروا الاستقرار في الصويرة، والإشراف على متاحفها التقليدية. ولا غرابة يضيف مرافقي، أن أحد وزراء الثقافة الإيطاليين، فضل ترك حقيبة الثقافة هناك في روما، لكي يدبر متحفا فنيا هنا في قصبة الصويرة. لذلك لا يتوقف السواح عن اكتشاف ما تخفيه هذه المدينة من أعمال فنية لتشكيليين ونحاتين على خشب العرعار على الخصوص. ويخيل للزائر أن جل المحلات تحولت إلى متاحف تعرض منتوجاتها بحثا عن زبون قادم من خلف البحار. ويزداد هذا الاعتقاد حينما تقوم بقية المحلات بعرض منتوجات الصوف والجلد. لذلك قال لي أحد الصويريين، إن المدينة تعيش فقط بمداخيل هذه التجارة البسيطة بشكل موسمي. لذلك لا يزال مطلب أهل موكادور هو دعم مثل هذه الأنشطة لكي تتمكن من منافسة ما هو متوفر مثلا في مدينة مراكش أو أكادير. لأهل الصويرة لهجتهم القريبة في لكنتها من لكنة أهل مراكش. لذلك يعلق أحد باعة المتاحف هنا في ممر ضيق بداخل المدينة القديمة لموكادور، إن مراكش تقض مضجعنا في كل شيء حتى في لهجة سكانها التي غزتنا. لقد كان الرهان باستمرار هو العمل من أجل خروج الصويرة من جلباب مراكشوأكادير. «نريد أن تصبح موكادور مدينة الإقامة السياحية وليست مجرد مدينة عبور» يقول صويري. لذلك كان لا بد من التفكير في صيغ لتنشيط المدينة خارج مواعيدها التقليدية، ومنها موعد مهرجان كناوة. نريد، يقول مسؤول في قطاع السياحة، أن نجعل للصويرة ساحة «جامع الفنا» على طريقتنا. لذلك كان الرأي قد استقر على ساحة مولاي الحسن لتكون فضاء لهذا المشروع الذي يمكن أن يقدم منتوج المنطقة الفنية. رياضات تقض مضجع الصويريين نقفل عائدين من بين أزقة ودروب المدينة القديمة للصويرة التي تحولت إلى محلات تعرض كل المنتوجات التي تستقطب فضول الزوار. ونتأمل هذه الدور القديمة التي استفادت من عمليات ترميم وإعادة إصلاح لتتحول من مقرات سكن لبسطاء الصويرة، إلى دور ضيافة ومطاعم تقدم خدمة خمسة نجوم. غير أن هذا التحول هو ما يقض مضجع أهل المدينة الذين وجدوا أن هذا التحول حمل معه آثارا جانبية أخرى. يقول مسؤول في قطاع السياحة إن الرفع من أداء سياحة الصويرة لكي تنافس ما هو متوفر في مدن مثل أكاديرومراكش، فرض عملية تصنيف فضاءات الاستقبال من فنادق ودور ضيافة ورياضات. غير أن هذه الخطوة لم تكن لتمر عادية وبدون إكراهات. لقد تحرك لوبي أصحاب الرياضات ودور الضيافة لكي يفرض وجهة نظره. والحصيلة هي أن الوضع لم يتغير كثيرا، على الرغم من أن هذه العملية كانت قد انطلقت منذ سنوات. وليس غريبا وأنت تستطلع الأزقة الضيقة لموكادور أن تكتشف أنه بالقرب من بيت متآكل، يوجد رياض أو دار ضيافة حولها فرنسي أو بريطاني إلى إقامة فاخرة. لقد سبق أن اقتنى هؤلاء الأجانب تلك الدور والرياضات بأثمنة بخسة. ثم حولوها إلى رياضات تدر عليهم الملايين. وإذا كانت مراكش، وبعض المدن العتيقة، تعرف هي الأخرى بظاهرة الرياضات ودور الضيافة التي تقدم للزبون كل شيء، فأهل الصويرة يفخرون أنهم كانوا سباقين لهذه التجربة. أما لتقديم الدليل، فلا بد أن يحيلك الصويري على رياض المدينة، الموجود على مقربة من دار الصويري، والتي كان يقطنها المراقب العام أثناء الحماية الفرنسية، والذي يعتبر الأول في المغرب الذي تحول من دار قديمة كانت في ملكية يهود مغاربة، إلى إقامة ومطعم يستقطب اليوم مئات السياح. غير أن ما يستفز أهل الصويرة البسطاء، هو أنهم يحكون أن هذه الرياضات تقدم كل شيء لزبنائها. هنا بدأت تجارة الرقيق الأبيض تعرف الانتشار. وهنا بدأت تجارة الشذوذ الجنسي، خصوصا مع شذوذ الأطفال تجد لها موطئا، وهو ما أدخل الرعب في نفوس السكان الصويريين، كما أدخله في نفوس سكان مراكش من قبل. ولذلك كان لا بد أن يصطدم مسؤولو السياحة، وهم يفرضون مزيدا من الشفافية والوضوح في تعامل هذه الدور والرياضات مع الظاهرة، مع ملاكي هذه الدور والرياضات. فملاكو هذه الدور يرون أن استقبال زبون قادر على الدفع، لا يحتاج لغير بطاقة هوية. أما ما عدا ذلك، فمجرد شكليات لا تهم. يحاول أحد المسؤولين عن رياض سبق أن جاء من انجلترا للسياحة قبل أن تستهويه الصويرة، ويقرر الاستقرار بها والاستثمار في المجال السياحي، أن يدافع عن وجهة نظره حينما يؤكد على أن حرية الفرد تفرض على صاحب الرياض ألا يدقق في هوية الوافدين. ثم إن لكل تنمية أو استثمار ضريبة. وقد تكون ضريبة هذه الاستثمارات الأجنبية، هي مزيد من الحرية، مع ما تكلف هذه الحرية من ثمن قد يكون باهظا على الأخلاق التي هي من أسس بلد إسلامي، ومدينة تقول ملامحها إنها لا تزال محافظة من خلال طريقة لباس نسوتها اللائي يفضلن الحايك الأبيض الذي يجب أن يخفي العينين المطلتين من خلف النقاب الأسود. ميناء تومبوكتو نصعد السور العالي للصويرة لكي نرى موكادور من فوق. ويصر رفيقي على هذا التمرين، الذي يقول إنه من أوجب الواجبات على كل زائر للمدينة. نكتشف من فوق القصبة، التي بناها السلطان سيدي محمد بن عبد الله لتكون ميناء كبيرا يربط إفريقيا السوداء بأوربا وأمريكا، وهو الميناء الذي كان يعرف ب» ميناء تومبوكتو»، صورا غاية في البشاعة. هنا يتراءى لك العلو الشاهق لعدد كبير من الرياضات فيما يشبه البناء العشوائي بنفحة عصرية، الذي يطل على المحيط. وتبدو الصويرة ترفض أن تتغير ملامح مدينتها وقصبتها، التي أصبحت منذ 2001 تراثا عالميا، فقط من أجل عيون استثمار سياحي فيه الكثير من بؤر الدعارة والشذوذ الجنسي. يدرك أهل الصويرة أن تحقيق التنمية في مدينة ارتبطت في أذهان زوارها بأنها مدينة كناوة والبحر والفصول الأربعة، إلى جانب أنها مدينة مستعدة لمنح كل شيء، في حاجة لثورة. لذلك وجب تغيير الصورة أولا بالخروج من تبعية المدن السياحية الكبرى المجاورة، أكاديرومراكش. زد على ذلك ضرورة استثمار ما تزخر به ضواحي الصويرة من مؤهلات قادرة على اعتقال الزائر وملأ كل وقته. ومن ذلك استثمار ما تزخر به مثلا جزيرة موكادور هناك في عرض البحر. والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى محمية لأحد أنواع الصقور الناذرة. غير أن ذلك لا يجب أن يمنع من جعلها قبلة للسياح، يقول أحد المشتغلين في القطاع. أما في أحواز الصويرة، فيمكن للزائر أن يكتشف شجر الأركان الشهير، وزيت الزيتون المنتشر سواء في تمنار أو بحاحة أو أوناغة. وهي مناطق لا تزال تحافظ على الكثير من عذريتها، على الرغم من أن بعض الأجانب الفرنسيين على الخصوص، اختاروا أن يبنوا هناك دور ضيافة ورياضات على نفس النمط المتواجد بالمدينة أو القصبة. 250 يوما للرياح في السنة في الصويرة تتحرك الرياح على امتداد 250 يوما في السنة. ولهذا الامتياز، يراهن أهل الصويرة على تنشيط من نوع آخر يكتسي صبغة الرياضة، والرياضة البحرية على وجه الخصوص. وكما يهوى شباب الصويرة فن كناوة والتشكيل والنحت، يعشقون أيضا رياضة «السورف»، حيث سبق لأحد شباب المدينة أن احتل الرتبة الخامسة في كأس العالم لهذه الرياضة. في «السورف»، لا يمكن أن نخشى التلوث الذي يمكن أن يصيب مياه البحر، يشرح أحد المشتغلين في مدرسة أحدثها فرنسي لتلقين أبجدياتها لشباب المنطقة. لذلك قد تكون هذه الرياضة بابا لإنعاش سياحة الصويرة مثلما حدث مع مدينة طريفة الإسبانية، التي حققت قفزة سياحية فقط بفضل رياضة «السورف». غير أن هذه الرياضة في حاجة لأدوات خاصة، يصعب على شباب الصويرة توفيرها. لذلك دخلت على الخط بعض الجمعيات التي تلقت دعما لكي تصبح الصويرة غدا مدينة هذه الرياضة بامتياز. غير أن الصويرة ليست في حاجة فقط لمدارس لتعليم شبابها رياضة السورف، بقدر حاجتها لفضاءات تستقطب يدها العاملة، وطلبتها المعطلين الذين تفاجئهم صور موكادور الجميلة في الملصقات وعلى شاشات التلفزيون كلما هل هلال مهرجان كناوة، أو غيره من المحطات الفنية والثقافية التي يراهن عليها ابن الصويرة مستشار الملك أندري أزولاي، الذي يرى أن الثقافة قد تكون طريقا سالكا نحو التنمية. غير أن التنمية التي يريدها أهل المدينة، هي تلك التي يجب أن تخرج من خلف الأسوار لتمتد إلى بقية الأحياء الهامشية هناك خلف بعض البيوت الواطئة التي يتمنى سكانها، لو عادت للصويرة عذريتها قبل أن يحتلها الأجانب.
كناوة أو رقصات عبيد البخاري لا يمكن الحديث عن الصويرة، أو موكادور، دون التوقف مليا عند مهرجانها السنوي الخاص بفن كناوة. إنه المهرجان الذي يراهن منظموه على أن يكون فضاء للتعايش الموسيقي من خلال مزج أنماط وأشكال أخرى في فقراته كفن الجاز والبلوز. بالإضافة إلى طقس كناوة الخاص حيث القراقب والسنتير والهجهوج، الذي يهز أعماق عشاق هذا الفن. يستطيع مهرجان كناوة الذي قطع اليوم سنته 18 أن يستقطب أكثر من 500 ألف متفرج خصوصا في السهرات العمومية التي تحتضنها ساحة المدينة الشهيرة، ساحة مولاي الحسن. وهناك يرقص زوار الصويرة إلى الفجر على أنغام موسيقية تذكرهم بجذورهم الإفريقية. فكناوة هو فن إفريقي بامتياز. حمله أهله من إفريقيا جنوب الصحراء، أولئك الذين انتقلوا للاستقرار في المغرب في نهاية القرن السادس عشر الميلادي. وكونوا بعد ذلك فرقهم الموسيقية التي كانت تتغنى بظروفهم وبالإكراهات التي كانوا يعانون منها بالنظر إلى أنهم يتحدرون من سلالة عبيد البخاري، الذين تم استيرادهم على عهد الإمبراطورية المغربية من دول كالسودان ومالي. لهذه الفرقة إيقاعاتها الخاصة وأغانيها المحملة بالأساطير والمعتقدات. أما لباسهم، فتغلب عليه الألوان المزركشة كالأحمر والأخضر والأصفر. مع قبعات صوفية توضع على الرؤوس. لقد استمد كناوة هذه التسمية من تحريف للاسم الأصلي وهو كينيا، أو غينيا. وتظل الصويرة هي المدينة الروحية لطائفة كناوة داخل المغرب، حيث كان الميناء البحري للمدينة منذ القرن 17، مركزا تجاريا مهما على ساحل المحيط الأطلسي، ونقطة تبادل تجاري مع تمبكتو، عاصمة أفريقيا السوداء المسلمة آنذاك. ومنها كان العبيد يفدون مع الذهب إلى المغرب. ويعتبر ضريح «سيدي بلال» الموجود غرب مدينة الصويرة المرجع الأعلى، ومقام الأب الروحي لكناوة. وداخل ضريح ذلك الولي، توجد الزاوية التي تحتضن في شهر شعبان الموسم السنوي للطائفة الكناوية. كناوة ليست مجرد موسيقى عادية، بل هي موسيقى ذات إيقاعات قوية محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والبربري والعربي. لذلك يتغنى مريدو كناوة بألم الترحيل والتوظيف والاستعباد والاستغلال في حقول ومصانع السكر. ويحكون عن الأشغال الشاقة والرعي والسخرة، التي عانوا منها قبل أن يعيد إليهم السلطان العلوي المولى إسماعيل الاعتبار. لقد كان العبيد في تاريخهم بالمغرب فئة اجتماعية غير مالكة. وظلوا في بدايتهم خاضعين لقرارات السلاطين غير مستقرين في مجال ترابي محدد، قبل أن ينتقلوا في فترة المولى إسماعيل بعد تجميعهم إلى حالة أهلتهم ليندمجوا في الحياة المغربية. كما حمل فن كناوة هوية دينية متنوعة كانت نتاج احتكاك العديد من العبيد بمزارات المغرب وصلحائه وصالحاته، في فترة الركب أو التجوال عبر القرى والمداشر والحواضر التي انخرط فيها العبيد بفعل عدم استقرارهم، ومن أجل طلب الإحسان والصدقة مقابل أغان لا تخرج في غالبيتها عن مناجاة الخالق، ومدح الرسول، وذكر مناقب الأولياء والصالحين. ويظهر هذا النمط أكثر خلال الليلة الكناوية أو «الدردبة»، كما يصطلح عليها. وهي الليلة الكناوية التي تنقسم إلى عدة عتبات طقوسية، بدءا بما يسمى بالعادة، وهو استعراض احتفالي وإعلاني لبداية الليلة ويقتصر أداؤه موسيقيا بآلة الطبول والقراقب الحديدية. وبعدها تأتي عتبتان طقوسيتان تسميان ب»النكشة» ثم «أولاد بمبارا»، وهما فقرتان راقصتان وفرجويتان وتمهيديتان للعتبة الكبرى التي تنطلق مع الإنشاد المسترسل «للملوك»، وهي القطع الموسيقية، في احترام تام لتراتبية «المحلات»، وهي الأركان الطقوسية والموسيقية الكبرى لهذه الليلة. وبذلك فإن ليلة «الدردبة»، هي ليلة الخضوع لذكر مناقب الصلحاء والأولياء والأسياد، وهي أيضا ليلة «الدرداب» أي صوت الطبل الذي يعلن افتتاح الليلة عبر ما يسمى بدخول العادة.