دعت فعاليات يسارية ونقابية، في ندوة عقدت مساء الأحد بمدينة فاس، إلى إطلاق حوار شامل حول إصلاح منظومة التعليم وإنقاذ المدرسة العمومية، وذلك من خلال جعل قضية التعليم شأنا مجتمعيا، وإخراجها من التداول النخبوي النقابي والحزبي، وتصدر مطلب إصلاح قطاع التربية والتكوين الملفات المطلية للنقابات والحركات الاحتجاجية. وتميزت هذه الندوة، التي نظمت في موضوع "أية آفاق للمدرسة العمومية في ظل الرؤية الاستراتيجية وقانون الإطار 51/17؟"، بمشاركة نبيلة منيب، الكاتبة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، ومصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، وفعاليات حقوقية ونقابية من مدينة فاس. وكانت سلطات مدينة فاس قد تراجعت في آخر لحظة عن التصريح بتنظيم هذه الندوة، كما كان مقررا لذلك بمركب الحرية، ما أجج غضب المنظمين والحضور، حيث تم الاحتجاج على هذا القرار بتنظيم وقفة أمام المركب المذكور، تم التنديد من خلالها بقرار المنع، قبل الانتقال إلى مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لإعطاء انطلاقة أشغال هذه الندوة المنظمة من قبل الجامعة الوطنية للتعليم بجهة فاسمكناس (FNE). في غضون ذلك، قالت نبيلة منيب في معرض مداخلتها إن "معركة المدرسة العمومية والجامعة والبحث العلمي في بلادنا تعد أم المعارك؛ لأنه لا يمكن لأي دولة أو أمة أن تتقدم بدون مركبة العلم والمعرفة"، مردفة أن "الرؤية الاستراتيجية تتضمن جوانب إيجابية يجب تطبيقها، مثل الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة للجميع، ولكن المدخل لذلك يجب أن يكون صحيحا، وأن تكون الاختيارات عبر الإشراك والمشاركة". وأوضحت منيب أن "المدخل الأساسي للدفاع عن المجتمع هو الدفاع عن المدرسة العمومية"، التي قالت: "يجب أن تحقق تكافؤ الفرص، وأن تفتح الحظوظ نفسها لكل الشبان والشابات للنجاح في مشروعهم الذاتي، وللمساهمة في المشروع المجتمعي للتغيير الديمقراطي الشامل"، مشيرة إلى أن تحقيق هذا المشروع يمر عبر "مناهضة الفساد والاستبداد، والانخراط في مشروع البناء الديمقراطي". ودعت المتدخلة ذاتها، التي وصفت مسلسلات إصلاحات التعليم بمسلسلات الإفشال، إلى "العمل على إطلاق ثورة ثقافية تنويرية للرفع من وعي الشباب لكي ينخرط في المعركة التي تهم أجيال اليوم والأجيال المقبلة"، مشيرة إلى أن ذلك "سيساهم في تحقيق التلاحم والتماسك والسلم الاجتماعي"، مردفة أن "المغرب يعيش أزمة مركبة، أصلها أزمة سياسية في ظل الاختيارات غير الديمقراطية، واقتصاد الريع، والإفلات من العقاب، واستغلال النفوذ، وقضاء لا يتساوى أمامه الجميع". ودعت منيب، التي أكدت أن "جميع أسلحة الدمار الشامل موجهة لضرب المدرسة العمومية حتى يبقى الشعب خائفا، خنوعا، وخاضعا للنظام"، (دعت) إلى مدرسة "تطور الحس المواطنتي والنقدي، وتعطي للشباب المتعلم ثقافة واسعة تجعله ذكيا وقادرا على التفكير"، مشيرة إلى أن "مدرسة اليوم تنتج متعلمين فاشلين على المستوى العلمي والإنساني والقيمي، وقنابل موقوتة، وتنتج الإرهاب والتخلف والتكفير، وتؤسس، مع الأسف، لردة ثقافية". من جانبه، دعا مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، في خضم حديثه عن واقع المدرسة العمومية، إلى خلق جبهة مجتمعية للدفاع عن المدرسة العمومية ومجانية التعليم ومضمون برامج التعليم، مبرزا أن "أزمة التعليم بالمغرب هي أزمة النظام، وتجاوز هذه الوضعية مرتبط بالتخلص من الطابع المخزني للدولة". ورفع البراهمة أربع ثنائيات كشعارات لإصلاح المدرسة العمومية، وهي "تعليم وطني شعبي، عربي أمازيغي، ديمقراطي وعلماني، عمومي وموحد"، مبرزا ضرورة تخلص قطاع التعليم من "الإملاءات الأجنبية للإمبريالية، وتوجيهه للطبقات الشعبية لخدمة رقي أبنائها". وطالب زعيم النهج الديمقراطي، في هذا الصدد، بأن يكون التعليم ب"لغة عربية متطورة تساير العصر، وبلغة أمازيغية تعكس تعدد هوية الشعب المغربي"، مشيرا إلى ضرورة أن "يفصل التعليم بين الدين والدولة، والدين والسياسة؛ بالتعامل مع الدين بشكل ديمقراطي، وبتدريس تاريخ الأديان، وأن تكون المدرسة العمومية تحت مسؤولية الدولة بغرض تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وأن يكون التعليم موحدا؛ ليس فيه تعليم تقليدي وآخر عصري". محمد يوسفي، عضو الجامعة الوطنية للتعليم، أكد من جانبه، في مداخلته في هذه الندوة، أهمية استحضار السياق الذي جاءت فيه الرؤية الاستراتيجية، مبرزا أن "ميثاق التربية والتكوين هو المرجع الذي يؤسس لما يقع في المدرسة العمومية، وما يوجد هو فقط تمظهرات جديدة له"، موضحا أن "القانون الإطار، المطروح على أنظار البرلمان، ما هو إلا قانون تعاقدي ملزم لتطبيق الرؤية الاستراتيجية". وأوضح المتدخل أن "هذا يعني أنه لا يمكن لأي حزب أو حكومة الخروج عن وصايا الرؤية الاستراتيجية التي ستستمر إلى سنة 2030"، مردفا أن ذلك "يتنافى مع طرح رئيس الدولة الذي تحدث عن فشل النموذج التنموي الحالي". وانتقد يوسفي ربط الرؤية الاستراتيجية للتعليم بالتكوين المهني من خلال خلق جسور بينه وبين التعليم المدرسي انطلاقا من مستوى السنة السابعة، مؤكدا أن التلميذ، خلال هذه المرحلة، يكون ما يزال لم يكتسب المؤهلات والكفاءات الذهنية التي تؤهله لاختيار ولوج التكوين المهني الذي قال إنه قطاع يقر الجميع بأنه يعيش أزمة حقيقية. وقال أحمد السامري، عضو النقابة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في معرض تدخله في هذه الندوة، إن "الدولة عازمة على ضرب مجانية التعليم"، منتقدا "غياب إشارة واحدة في الرؤية المذكورة لدور العلوم الإنسانية في التعليم"، اعتبارا "لطبيعتها النقدية والتساؤلية".