كتابة عبثية وضعت المتلقي في حالة إرباك وكسرت انتظاراته لتطرح قضايا حارقة دون حلول، بالإضافة إلى تجريد الشخصيات من أي اسم ووضعهم في محل نكرة..هي ملامح وسمات اختارها المخرج المغربي ابراهيم رويبعة في مسرحيته "عبث". على هذا الإيقاع استدرج مؤلف ومخرج العرض، في تصوره الدراماتورجي، المشاهد نحو التساؤل ليلقي به في حالة ضياع وتغرب نفسي عبر حوار وحركات شخصيات نكرة تحيل على صراعات واضطرابات بين الماضي والحاضر، لطرح قضايا إنسانية وجودية تحمل نقدا لاذعا للوضع السياسي والمجتمعي المغربي؛ فالشعور بالغربة في الزمن الحاضر مثل العقدة الرئيسية التي اشتغل عليها كاتب النص لكشف التناقضات بين الأمس واليوم والتأثير السلبي لتطورات المجتمع وصراعاته. رويبعة أوضح أنه حسم مسألة التأليف مع الإخراج من خلال الفصل التام بين الدورين، إذ كتب النص بالكامل، ثم بعده جاءت مرحلة البروفات كمخرج، مبرزا أن "التأليف يترك مساحات كبيرة ومرنة من أجل إبداع الممثلين وإضافاتهم الفنية من خلال دراستهم للشخصيات وفهمهم ووعيهم بها". وأبرز المخرج المغربي أنه وضع نصب عينيه دوما خلال التحضير للعمل مفاهيم اوصفد الوظيفي والجمالي والدلالي، مشيرا إلى أنه "طوع فضاء المسرح في تصميمه السينوغرافي ليناسب العرض على كافة خشبات المسارح". من جهته، اعتبر الناقد محمد سمير الخطيب أن "عبث" لفرقة "بصمات" من العروض المسرحية التي تشتبك مع الواقع بصورة منتجة وفعالة، وتجبر المتفرج على مراجعة أفكاره، وتضع معرفته المكونة عن الواقع موضع التساؤل والمراجعة من جهة، ومن جهة أخرى تحاول أن تصنع لنفسها موقعا في الهرم الإبداعي المسرحي عبر صناعة نموذج جمالي مغاير، مبرزا أن "العرض طرح تيمات خصوصية تتعلق بالشأن المغربي، لكنها يمكن أن تمتد إلى الشأن العربي". وأضاف الخطيب: "من الصعب إرجاع العرض المسرحي لرويبعة إلى فترة تاريخية محددة بالمغرب، لأنه يتناص مع وقائع عديدة، تنطلق من وضعية الحركات السياسية المعارضة وتنفيذ الاغتيال، من خلال الشخصيتين اللتين ليس لهما اسمان أو هوية ثابتة"؛ وعن المشهدية البصرية يوضح: "استفاد مخرج العرض من تقنيات السينما، وتحول الفضاء المسرحي إلى بلاتوه سينمائي، خاصة مع أداء الممثلين وملابسهم، والاستعراض الجسدي للشخصية".