"احتجاجات ومحاكمات"، كلمتان عرفتا إلى القاموس اليومي للمواطن المغربي مدخلا، طوال سنة 2018؛ فبعد انطلاق شرارة "حراك الريف"، سرعان ما اتسعت رقعة الاحتجاجات إلى "حراك الفحم" في جرادة و"حراك العطش" في زاكورة و"حراك الأرض" في سوس؛ وهو ما شكل نقلة في السلوك الجماعي للمغاربة، والذي عرف على الدوام بالهدوء وانخفاض سقف المطالب حتى في مراحل عاشت فيها بلدان المنطقة "ثورات جارفة". وعاشت العديد من المناطق المغربية على وقع التشكي المستمر من واقع الحال، مطالبة بمزيد من العدالة المجالية وتوزيع فرص التنمية بالتساوي على جميع جهات المملكة، فيما اتسمت مقاربة الدولة مع الاحتجاجات الشعبية بمزيد من المقاربة الأمنية حسب كثير من المتتبعين الذين شجبوا غير ما مرة طرق التعامل مع الفئات الشعبية البسيطة التي تخرج إلى الشوارع. ولم تسلم القيادات الميدانية للحراكات الاجتماعية من المضايقات والمحاكمات، فقد وصلت عقوبة ناصر الزفزافي قائد "حراك الريف" إلى 20 سنة، فضلا عن أحكام وصفت بالقاسية طالت رفاقه. كما لم يسلم معتقلو "حراك جرادة" من الاعتقالات، ولا يزال العديد منهم قابعا بسجن مدينة وجدة، فضلا عن معتقل وحيد ل"حراك العطش" بزاكورة. عام المقاربة الأمنية قال عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إنه "من خلال متابعتنا، فالاحتجاجات خلال السنة المنصرمة عرفت خفوتا عاما، قياسا بسنة 2017، نتيجة تداعيات المقاربة الأمنية، التي نهجتها الدولة المغربية؛ فقد تميزت بقمع نوعي، حيث من جهة اتخذت قرارات إدارية بمنع الاحتجاجات والتهديد بالمتابعة القضائية في حق المحتجين. كما جرى تحذير الناس من المشاركة في المظاهرات، والأخطر من ذلك هو اعتقال النشطاء خلال سنة 2017 وبداية سنة 2018، الذين يشكلون دينامو الحراكات". وأَضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الاعتقالات همت بالأساس إقليمي الحسيمةوجرادة، لتتم محاكمتهم أمام القضاء بتهم ثقيلة، ويزج بهم بأحكام سجنية طويلة، صدرت خلال هذه السنة، بداعي تهديد الأمن العام واتهامات أخرى. كما تم استهداف العديد من الأقلام الحرة وأصحاب الرأي عبر مواقع التواصل؛ لكن بمقابل خفوت الاحتجاجات، شهدت العديد من المناطق أشكالا احتجاجية رهيبة، مثل إضرام النار في الجسد، وهناك زيادات متصاعدة في حالات الانتحار". وأوضح المتحدث أن "صفحات التواصل الاجتماعي عجت بآراء وتعبيرات تناهض الواقع المرير"، مشددا على أن "البلاد تحتاج إلى وقفة تأمل إزاء وتيرة الاحتقان الآخذة في التصاعد والتفاقم، ولا ينبغي الاعتماد على المقاربة الأمنية، التي لن تحل الإشكالات القائمة مهما بلغت فعاليتها، بل يجب التفكير في الحلول البنيوية المناسبة للاختلالات التي تراكمت ودفعت بالعديد من المواطنين إلى الاحتجاج وبطرق خطيرة". وزاد الخضري: "سنة 2019 ستكون مليئة بالتحديات الجسيمة، في ظل سياسات تقشفية، تسعى الحكومة إلى اعتمادها، وربما قد تسترجع الاحتجاجات زخمها إذا لم تبادر الدولة بإيجاد حلول حقيقية، خاصة على مستوى المناطق النائية التي تعيش على وقع تهميش بنيوي خطير، ينذر بكوارث على المجتمع برمته"، مسجلا أن "ما يجنيه المغرب على مستوى استتباب الأمن، بهذه المقاربة الأمنية في وجه الاحتجاجات، يؤدي ثمنه على مستوى سمعته، وعلى مستوى تطور الديمقراطية وحقوق الإنسان". سنة سوداء قال بوبكر الونخاري، الكاتب العام لشبيبة العدل والإحسان، إن "المغرب يطوي عاما بعد عام، والأوضاع لا تكاد تتغير، إن لم تتردّ إلى الأسوأ؛ فالسنة الماضية كانت سنة المظالم بامتياز. ستغادر السنة وقد تركت ندوبا كثيرة في جسد الأمّة المغربية، حيث جرى خلالها توزيع سنوات قرُونية، افتقرت إلى العدل في محاكمة غريبة عجيبة لمعاقبة شباب الريف". وأضاف الونخاري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "لو لم تصدر إلا تلك القرون من الأحكام الجائرة في حق معتقلي الريف لكانت كافية لنقول إنها سنة حقوقية سيئة تضاف إلى السجل غير النظيف للمخزن"، وزاد: "كانت سنة الفرار عبر قوارب الموت، في حركة أصابت كثيرين بالارتياب، قبل أن يظهر أن من يحكمون فعليا مستعدون لخوض الحروب الصغيرة والحسابات الضيقة على حساب الشعب المقهور، وكانت النهاية برصاصة قتلت شابة، كانت تحلم كالملايين من شباب وطنها بالهجرة إلى الخارج، بعدما ضاقت عليها الأرض بما رحبت". وأردف المتحدث أن "معتقلي جرادة نزل عليهم قمع المخزن ثقيلا "تأديبا" لأنهم صرخوا من شدة القهر وهم الذين يوجدون في هامش الهامش ولا ينالهم إلا الفتات"، مشيرا إلى أن "إهمال قضيتهم وضعف تغطيتها إعلاميا ومجتمعيا عزلةً حتى استفردت بهم السلطة المتغولة والمستعدة لإنزال هراواتها الغليظة على كل رأس ترفع للمطالبة بالحد الأدنى من العيش الكريم". وأوضح الونخاري، أنه في "هذه السنة سقط شاب كفيف من أعلى بناية مقر وزارة في حركة احتجاجية، وانتهى الموضوع كما بدأ: حادثٌ وقضاءٌ وقدر في دولة الإهمال واسترخاص الأرواح"، مسجلا أن "السنة عرفت كذلك فكرة أنه صار أمرا عاديا أن يموت مواطن خلال الاحتجاج، وأنه لا يبعث على قلق سلطة مستعدة للذهاب بعيدا في العقاب الفردي والجماعي". وزاد القيادي الإسلامي: "في السنة المنقضية "انحرف" قطار عن سكته، تعبيرا عن انحراف عام عن جادة المنطق والتعقل. والمسؤولية يتحملها "سائق القطار المتهور". عامل بشري وكفى، والمعاناة مستمرة في "بلد أوهام المنجزات"، مشيرا إلى أن "الدولة تضيق بها السبل ولا تجد ما تعاقب به المخالفين سياسيا إلا تشميع بيوتهم ومنعهم من التصرف في ممتلكاتهم، فقط لأنهم أعضاء في جماعة العدل والإحسان". وأكمل المتحدث: أنه "في 2018 استمر توظيف القضاء، في لعبة خطيرة، لتصفية الحسابات مع المزعجين سياسيا، أو لتصفية الحسابات القديمة/ الجديدة مع الصحافة وحرية التعبير"، مستدركا أن "السنة عرفت حركة احتجاجية لافتة وحضارية ومعبرة تمثلت في حملة المقاطعة، التي استهدفت علامات تجارية بعينها في تعبير عن حالة عدم الرضا العامة، ورفضا لتغول سلطة المال، وفي مسعى لتحقيق توازن مفتقد". وختم الونخاري تصريحه بأنه "في السنة ذاتها فرح المغاربة بالمشاركة المشرفة لمنتخب كرة القدم في كأس العالم. فرحة كانت مستحقة، لكنها لا تغطي كل ما سبق ذكره"، متمنيا للشعب "أن تطوى سنواته في العطاء والإنجازات الحقيقية، وأن يعيشها في كنف الحرية والكرامة، أما القهر فعاجلا أو آجلا إلى زوال، ولا يصحّ إلا الصحيح".