تفاوتت مواقف حقوقيين استقى "اليوم 24" آراءهم حول حصيلة حقوق الإنسان، السنة الجارية 2017، بين من يرى أنها تميزت بالإيجابية، ومن يصف الوضعية ب"الكارثية"، داعين حكومة العثماني إلى بذل مزيد من الجهود. الواقع يكذب الخطابات بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، اعتبر أن الحصيلة الحقوقية، المتعلقة بسنة 2017 على العموم، إيجابية، مؤكدا، في تصريح ل"اليوم 24″، أن ما تحقق من إنجازات مهم بالنظر إلى السنوات السابقة، بينما رسم حقوقيون صورة سوداوية على واقع حقوق الإنسان، وشددوا على "تراجع" المكتسبات الحقوقية. وكشف عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن عددا من المؤشرات تؤكد إجهاز الحكومة على المكاسب الجزئية، التي راكمتها الحركة الحقوقية، والحركة الديمقراطية المغربية على امتداد العقود الماضية. وأوضح بنعبد السلام، في تصريح ل"اليوم 24″، أن الدولة تتناقض بين خطاباتها، وتصريحاتها، والتزاماتها الدولية، سيما أن المغرب يشغل عضوية مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ويصادق على عدد من المعاهدات الدولية دون تفعيلها على أرض الواقع. وفي الإطار ذاته، أبرز الحقوقي بنعبد السلام "استمرار الاعتقالات، من دون ضمانات المحاكمة العادلة، والإفراط في استعمال العنف في مواجهة المظاهرات، والوقفات الاحتجاجية، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار في المواد الأساسية في ضرب القدرة الشرائية لفئة عريضة من المواطنين.."، وأشار إلى الأحداث المأساوية، التي عاشتها "الحسيمة، والصويرة، وطنجة، وأخيرا جرادة". ودعا المتحدث ذاته حكومة العثماني، إلى فتح حوار جاد مع كل مكونات المجتمع، وإيجاد الحلول المناسبة، مستدركا أن "ليس هناك معالجات سحرية لهذه الأوضاع، لكن على الأقل يجب أن تعمل الدولة إلى التوصل إلى مستويات تحترم حقوق المواطنين دون انتهاك لحقوقهم الأساسية، ومن ضمنها الحق في العيش الكريم". نظرة متوازنة "بوبكر لاركو"، كانَ له رأي مخالف للصورة السوداوية، التي ذهب إليها، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث اعتبر تبني الحكومة للخطة الوطنية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان إنجازا كبيرا، واعتبر أن المسألة كانت حلما تحقق بعد عشر سنوات من الانتظار، بالنظر إلى التدابير، التي جاء بها. وأضاف "لاركو" أن المغرب، خطا خطوات مهمة في هذه الخطة، بالانتقال مما هو نظري إلى ما هو عملي، بإحقاق الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئة، مشيرا إلى التعامل المرن للسلطات مع حراك الريف بداية السنة ، و"إن تراجعت تلك الجهات عن مرونتها، باستعمال العنف، واعتقال المحتجين، ما زاد من الاحتقان الشعبي في المنطقة"، كما شدد على أن الكثير تحقق إلا أنه غير كاف. أحداث مريرة موقف آخر، عبر عنه عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، في حديثه ل"اليوم 24″، حيث أكد، على أن ما يكشفه الواقع من استمرار الدولة في التعاطي السلبي مع الاحتجاجات الشعبية، والأنشطة النضالية للجمعيات الحقوقية، لايرقى إلى مستوى الإرادة، التي تعبر عنها. وأكد الخضري، أن سنة 2017 سجلت أسوأ الأحداث المنافية لمبادئ حقوق الانسان، في إشارة إلى ما حدث في حراك الحسيمة من اعتقالات، ومحاكمات، و"الحوادث المريرة"، التي تعكس – بحسبه – جانبا من "مظاهر اليأس، والبؤس المتفشيين في شرائح عريضة من المجتمع المغربي، تمثلت في إزهاق أرواح بريئة، جراء التسابق من أجل لقمة العيش: شهيدات التهريب (الثلاثة) بسبتة المحتلة، وشهيدات القفة بسيدي بولعلام بالصويرة (15)، وآخر هذه الأحداث الأليمة، شهيدي التنقيب على الفحم في جرادة، بالإضافة إلى القافلة المستمرة لشهداء قوارب الموت، حيث لا يزال هاجس الهجرة السرية متربصا بآلاف الشباب المغاربة، الباحثين عن أفق لحياة كريمة..". وانتهى المتحدث ذاته إلى أن سنة 2017 نذير شؤم حقوقي، تركت شرخا شديد الخطورة، في أمل الانتقال الديمقراطي المنشود، وأبرز أن تكريس الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، تواجهه تحديات كبيرة، تستلزم وقفة تأمل وتحليل، لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك، مشددا على أن النهوض بواقع حقوق الإنسان، لا يعني بالضرورة، إحداث كثرة المؤسسات، والهيآت المختصة في مجال حقوق الإنسان، ولا استكثار الحديث عن قضايا حقوق الإنسان في كل مناسبة، ومن دونها، بقدر ما تعني جعل كل مكونات منظومة كيان الدولة، والمجتمع، وما بينهما قائمة على قيم الديمقراطية، ومبادئ حقوق الإنسان، وهذا هو التحدي الكبير. مبادرات حقوقية جزئية محمد النوحي، رئيس الهيأة المغربية لحقوق الإنسان، أكد بدوره على تراجع الأوضاع الحقوقية، على الرغم مما "ميز هذه السنة من بعض المبادرات الحقوقية، التي تبقى جزئية من طرف الحكومة الحالية"، وأبرز النوحي في حديث مع "اليوم 24" بعض المبادرات الحكومية، من قبيل، تقديم التقرير الحكومي، أمام الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل من قبل مجلس حقوق الإنسان خلال شهر ماي، وتحيين الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مشروع القانون المتعلق بإعادة هيكلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي يتضمن إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب ومناهضته… وأضاف النوحي أن المجال الحقوقي، لم يعرف ذلك الاستقرار المنشود، نظرا إلى عدم وجود مؤشرات لإرادة سياسية حقيقية تعكس الاحترام الفعلي لهذه الحقوق، وأشار إلى أن أهم مؤشرات هذا التراجع تتمثل في العدد الكبير من المعتقلين من نشطاء حراك الريف، ضمنهم أطفال، وتعنيف الحقوقيين، ناهيك عن الاعفاءات التعسفية من مناصب المسؤولية، في حق العشرات من أعضاء جماعة العدل والإحسان، خصوصا في قطاع التعليم والتربية الوطنية، وانتهاك الحق في التجمع السلمي، وحرية الرأي، والتعبير، والتضييق على الحريات. النوحي توقف، أيضا، عند وفاة نساء بسبب الحاجة، والعوز في الصويرة، وأخوين في مدينة جرادة، خلال بحثهما عن لقمة العيش الحلال. واعتبر رئيس الهيأة المغربية لحقوق الإنسان أن الانتهاكات، تحدث على الرغم من مرور ما يقرب عن سبع سنوات من صدور دستور2011، الذي تضمن التزامات تفرض على السلطات توفير حماية للحقوق، والحريات، وشدد على أن الدولة لا تزال مصرة على مواصلة الاعتماد على المقاربة الأمنية كخيار وحيد لمواجهة الاحتجاجات، التي ازدادت رقعتها، بسبب ما يعيشه المواطنون، والمواطنات، في العديد من المناطق من فقر، وتهميش.