رسم فاعلون حقوقيون وسياسيون صورة سوداء عن واقع الحريات في المغرب، واغتنموا مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان لتوجيه سهام الانتقاد إلى الدولة بسبب ما أسموه "تراجعات" في مجال الحقوق والحريات. وبقدر ما أشاد البعض بتفعيل المحاسبة في حق بعض الأمنيين، الذين يخالفون القانون، انتقد آخرون الاعتقالات التي طالت صحافيين، والتضييق على جمعيات حقوقية، وتفريق مظاهرات بالعنف. وهاجم حقوقيون ما قالوا إنها تراجعات سجلت بعد جو الانفتاح خلال "الربيع العربي" و20 فبراير، لكن سرعان ما تم "طي الصفحة" والعودة إلى الخروقات والتضييق على الحريات والحقوق. الرياضي: 2015 سنة قمع الحركة الحقوقية خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الحاصلة على جائزة الأممالمتحدة، أكدت في حديثها مع "اليوم24″، أن هذه السنة شهدت تراجعات كبيرة على كافة المستويات، خصوصا بعد تصريح وزير الداخلية، واتهامه بعض الجمعيات بالحصول على تمويلات خارجية، معتبرة أن عام 2015 شهد قمعا ممنهجا تجاه الحركة الحقوقية، والمتمثل في الأساس في المنع المتواصل من الفضاءات العمومية والمخيمات واللقاءات والاجتماعات. وأشارت الرياضي إلى أن التضييف شمل النشطاء، وضربت المثال بمحاكمة الناشطة الحقوقية وفاء شرف، المعتلقة على خلفية قضية تتعلق ب"الوشاية الكاذبة"، والناشط أسامة حسن، إلى جانب محاكمة الصحافي والناشط الجمعوي، هشام المنصوري، بتهمة الخيانة الزوجية. وسجلت المتحدثة ذاتها "جمودا على مستوى الإصلاحات التشريعية المفروض أن تكتمل، وحماية النساء ضد العنف، وقانون العاملات في البيوت غير موجود، وإصلاح مدونة الزواج"، مؤكدة أن انعدام الإرادة السياسية لتطبيق المشاريع المطروحة عام 2012، أي بعد سنة واحدة من تطبيق الدستور، تحول خلال السنوات الأخيرة من توجه إيجابي شيئا ما إلى متدهور جدا: "الدولة تتعامل مع حقوق الإنسان بمسألة موازين القوى، خصوصا الضغظ الدولي والخارجي والانتفاضات بعدد من الدول وحركة 20 فبراير في المغرب، لتضطر إلى التراجع وتقديم بعض التنازلات، وتقديم بعض الضمانات، خصوصا في مجال الحقوق والحريات"، مسترسلة: "لكن بمجرد رجوع موازين القوى لصالح المغرب، تم التراجع عن جميع المشاريع ووضع الدستور جانبا، وعادت الانتهاكات إلى سابق عهدها". نقطة الضوء الوحيدة المضيئة خلال هذه السنة بالنسبة إلى الرياضي هي ارتفاع ما أسمته ب"وعي" المواطنين، ضاربة المثال بما وقع في طنجة ضد شركة "أمانديس"، وخروج المئات للاحتجاج بشكل سلمي ومنظم. بناجح: الحرية تقايس بإعطائها للمعارض ! وشاطر حسن بناجح، عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، الحقوقية خديجة الرياضي في جميع النقط التي ذكرتها، مضيفا أن حريات التعبير عرفت "هجوما كبيرا" تمثل، حسبه، في استهداف عدد من أصحاب الرأي المعروفين، منهم رموز من جماعة العدل والإحسان، كملف ندية ياسين، ابنة مؤسس الجماعة، المُتابعة في قضية مقال رأي، ومحاكمة الشاعر منير الركراكي، الذي أدين حول قصيدة شعرية، والمنع الدائم، والحصار المضروب على الفنان رشيد غلام، إلى جانب أصوات أخرى، كهشام المنصوري، ومصطفى الحسناوي، والمتابعة والتضييف اللذين تم تطبيقهما على الناشط المعطي منجب. وأضاف بناجح في حديث مع "اليوم 24" أن المجال الديني لا يزال يعرف تراجعا حادا، مؤكدا أن: "هناك احتكار الدولة للدين ومنع حريات التعبد للمسلمين في بلدهم عنوانه الكبير منع الاعتكافات". وشدد القيادي في جماعة العدل والإحسان أن الحرية تقاسم عالميا بإعطائها للمُعارض، وليس بإعطائها "بدون حدود وبزيادة لمن يعزف نفس نغمة السلطات، ويقول العام زين"، على حد تعبيره. لاركو: هناك نقاط إيجابية من جهته، سجل بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فتح نقاش وحوار وطني في قضايا الحريات الفردية وعقوبة الإعدام والوقاية من التعذيب، ومشروع القانون الجنائي، وهي ملفات، اعتبرها أساسية يجب على الحكومة والمُشرع الأخذ بها لتفعيل القوانين المرتقب إصدارها. واعتبر لاركو أن إلقاء القبض على بعض أفراد رجال الأمن المتهمين في قضايا التعذيب، وإعلان القبض على المعتقلين في قضايا الإرهاب، نقطة إيجابية في مسار حقوق الإنسان، خصوصا أن هذه :"قضايا يتحدث عنها بشكل أكبر". لكنه في المقابل سجل استنكاره للتدخل العنيف في حق المتظاهرين، إلى جانب غياب الحوار بين الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين لحل المشاكل والابتعاد عن الاحتقان بين السلطة والمواطنين. وأشار المتحدث ذاته إلى الخطاب الملكي في أكتوبر الماضي، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى مواصلة مسار القوانين التنظيمية، الذي شهد تأخرا طويلا.