كشف تقرير أعدّته "مؤسسة يطو لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف" حول التمكين الاقتصادي للنساء معطيات مثيرةً حولَ واقع المرأة المغربية القاطنة في المناطق النائية، أو "العالم القروي المَنسي"، كما سمّته المؤسسة، منها أنَّ النساء في بعض مناطق "المغرب الحديث" ما زلْن ممنوعات من استعمال الهاتف الخَلوي للتواصل مع الغير. تقرير مؤسسة "يطو" الذي كانَ ثمرة قافلة "موناتْ تيموش 2018"، التي نظمتْها إلى عدد من مناطق الريف تحت شعار "التمكين الاقتصادي للنساء رافعة أساسية للتنمية البشرية المُستدامة"، أوردَ أنّ المتطوعين الذين شاركوا في القافلة رصدوا أنّ النساء في بعض الدواوير بالريف يُمنعْن منْعا كلّيا من امتلاك هاتف خلوي للتواصل مع الغير خارج الدوار. وعزت المنظمة المدافعة عن حقوق النساء سبب ذلك إلى "سيطرة العقلية المحافظة والتطرف"، مبرزة في تقريرها أنَّ بعض العناصر ذات التوجه المحافظ، خاصة في دوار إساكن، نواحي مدينة الحسيمة، حاولتْ ثنْي أعضاء اللجنة المكلفة بالبحث الميداني، نساء ورجالا، عن القيام بعملهم والتواصل مع النساء، كما عمدت العناصر ذاتها، حسب التقرير، إلى تخويف النساء حتّى لا يُفصحن عن أوضاعهن. تقرير "مؤسسة يطو لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف" سجّل أنّ النساء والطفلات والشباب في منطقة الريف يعانون من العزلة والتهميش، حيث لا تتوفر دواوير المنطقة على طرق ولا ماء ولا كهرباء، كما تنعدم فيها فرص العمل، مما يدفع الشباب إلى الهجرة السرية كحلّ أوحد لضمان العيش الكريم. وبخصوص التعليم، سجّل التقرير تفشي نسبة الأمية والهدر المدرسي بشكل مهول في صفوف الفتيات والنساء في المناطق النائية بالريف، فمن أصل 798 مستفيدة من القافلة الطبية، تعاني 300 منهن من الأمية، في حين غادرت 200 منهن فصول الدراسة في الطور الابتدائي، وانقطعت 160 عن الدراسة بعد الإعدادي، و138 بعد الثانوي. وتحْذو نساءَ المناطق النائية بالريف رغبة مُلحّة في الدراسة؛ إذ عبّرت 650 منهن عن رغبتهن في الدراسة، لكنّ فرصتهنّ في التعلّم "اغتُصبت منهنّ" بسبب تضافر مجموعة من الأسباب، كتزويج القاصرات والفقر والإقصاء والتهميش الذي يطالُ مناطقهن. وأضاف التقرير أنّ النساء المستفيدات من قافلة "موناتْ تيموش 2018" عبّرن عن شعورهن ب"الاحتقار و"الحُكرة"، وتساءلن عن أهداف برامج التنمية المخصصة لأقاليم الشمال إذا لمْ تكن العناية بالعنصر البشري عمودها الفقري. وفي الوقت الذي يبحث فيه المسؤولون عن قطاع التعليم عن حلول لإنقاذ المنظومة التربوية من أزمتها الخانقة، كشف تقرير مؤسسة "يطو" عنْ وجود بوْن شاسع جدا بين العالمين الحضري والقروي فيما يتعلق بالحق في التعليم؛ إذ سجّل التقرير ارتفاع الهدر المدرسي بشكل كبير في صفوف الأطفال. وعزا التقرير سبب الهدر المدرسي بالمناطق النائية في الريف إلى مجموعة من العوامل، كانعدام الداخليات لإيواء تلاميذ الدواوير النائية، و"الوضعية الكارثية" للداخليات المتوفرة، وعدم توفير النقل المدرسي بشكل كاف. أما السبب الرئيس للهدر المدرسي في تلك المناطق، فهو "عدم اعتبار جل المنتخبين التعليم رهانا لبناء تنمية اجتماعية مستدامة حقيقية عمودها الفقري العنصر البشري"، حسب ما جاء في التقرير. ووجهت مؤسسة "يطور" نداء إلى أصحاب القرار المكلفين بتنفيذ السياسات العمومية قصد التدخل العاجل من أجل حماية الفتيات في المناطق النائية بالريف من الزواج الإجباري، وحماية الطفلات من تزويج القاصرات، وجعل تعميم وإجبارية تعليم الفتيات ومنع سحبهن من المدارس الأولوية الكبرى حتى تستطيع برامج التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة أن تحقق أهدافها. وبخصوص الوضع الصحي في المنطقة، وصف تقرير مؤسسة "يطو" الخدمات الصحية المقدمة لساكنة "العالم القروي المَنسيّ" في منطقة الريف ب"المتردية"، نتيجة قلة المراكز الصحية القريبة من الدواوير، فضلا عن افتقار الموجود منها إلى التجهيزات الطبية والأدوية اللازمة. وفيما يتعلق بالوضعية القانونية للنساء في المناطق التي زارتْها القافلة، بكل من الناظوروالحسيمة والدريوش، قال التقرير إنّ أهمّ المشاكل التي تمّ رصْدُها تتعلق باستمرار عدم تسجيل المواليد في كنانيش الحالة المدنية، رغم التناقص الملحوظ للأطفال غير المسجّلين، حيث تمّ تسجيل 98 حالةَ عدم التسجيل في الحالة المدنية، بسبب العزلة وتردي البنية الطرقية، فضلا عن الفقر المدقع الذي تعاني منه أغلب الأسَر. من بين المعطيات المثيرة التي كشف عنها التقرير، انتشار تعدّد الزوجات بشكل كبير في المناطق النائية بالريف؛ إذْ سجّل التقرير 150 حالة تعدد. أمّا السبب، كما جاء على لسان النساء، فهو أنّ "الرجل الذي لا يتزوج بثانية وثالثة لا يحس بأنه غني يمارس الهيمنة الذكورية ويتحكم في بيته وزوجاته". وبالرغم من انتشاره، فإنّ النساء يرفضن التعدد المفروض عليهن، فمن أصل 798 امرأة مستجوبة، عبرت 750 منهن عن رفضهن الباتّ للتعدد واعتبرنه "إهانة وعنفا في حق المرأة، وأصْررنَ على ضرورة منع القانون لهذا العنف وتنصيصه على عقوبات ضد الرجل الذي يمارسه"، في حين أبدت 48 امرأة عدم رفضها للتعدد بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم وجود بديل لوضعهن، خاصة في ظل وجود الأطفال، حسب ما جاء في التقرير. الزواج الإجباري يُعدّ بدوره واحدا من المشاكل التي تعاني منها الفتيات في المناطق النائية بالريف، حيث يعمد المهاجرون المقيمون خارج المغرب إلى إرغام بناتهم على الزواج بأحد أفراد الأسرة إما لمساعدته على الهجرة أو لترْك الفتاة في القرية "خوفا عليها من الانحراف في بلد المهجر". وأشار التقرير إلى أنّ هذه الظاهرة منتشرة في كل المناطق التي زارتها القافلة، وتستفحل أكثر في إقليم الدريوش، حيث بلغ عدد حالات الزواج الإجباري التي جرى رصْدها 200 حالة. التقرير رصَد أيضا استمرار ظاهرة تزويج القاصرات؛ إذ سجل 350 حالة ما بين 14 و17 عاما، رغم أنّ الأغلبية الساحقة من النساء يرفضن هذه الظاهرة. وقال مُعدّو التقرير إنّ تزويج القاصرات "يشكّل ضربة قوية لتمدرُس الطفلات ونُموّهن، ويشكّل ضربة قوية لكل برامج التنمية حتى وإن كانت طموحة وفعلية".