أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي حول نزاع الصحراء، اهتماماً واسعاً من الصحافة الدولية والوطنية، خصوصا في شقها المتعلق بالخطة الأمريكيةالجديدة التي تتجه إلى رفع اليد عن تمويل بعثات الأممالمتحدة في إفريقيا، وعلى رأسها بعثة "المينورسو"، الجهة المسؤولة عن مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب "والبوليساريو"؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون يُشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة. ترامب و"المينورسو" تُساهم الإدارة الأمريكية بحوالي 30 في المائة من مجموع الدعم المالي المقدم إلى بعثات حفظ السلام، لكن الوعود التي منحها الرئيس دونالد ترامب إلى شعبه بالحفاظ على أموال دافعي الضرائب داخل البلاد دفعته إلى مراجعة عدد من القرارات الدولية، من ضمنها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تساهم بأكثر من 25 في المائة. وتُشير وثيقة صادرة عن ممثلة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في إدارة وإصلاح المنظمة الأممية، إلى أن "واشنطن تعتقد اعتقادا راسخا بأنه لا ينبغي لأي دولة عضو في المنظمة أن تدفع أكثر من ربع ميزانية التنظيم الأممي". وأضافت المسؤولة الأمريكية أن عدم التوصل إلى اتفاق على سقف 25 في المائة سيدفع الأممالمتحدة إلى مواجهة عجز تبلغ نسبته ثلاثة في المائة في مالية البعثات، لأن أمريكا لن تدفع أكثر من 25 في المائة من نفقات حفظ السلام. التوجهات الأمريكيةالجديدة تدخل ضمن خطة تستهدف القارة الإفريقية يرتقب أن تشرع واشنطن في تنفيذها في غضون الأيام المقبلة، وتتمثل في تطوير علاقات اقتصادية مع دول القارة، ومحاربة تهديدات الإسلام المتطرف والإرهاب، وضمان أن يتم إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكية بشكل جيد فيما يتعلق ببعثات حفظ السلام. لكن التخوفات التي أبداها عدد من المحللين والسياسيين تتمحور حول انعكاسات سياسة ترامب الجديدة على نزاع الصحراء. واشنطن ونزاع الصحراء الموساوي العجلاوي، الباحث الخبير في شؤون القارة الإفريقية، يرى أن موقف مستشار الأمن القومي لا يستحق كل هذا الضجيج، موردا أنه يجب التفرقة بين موقف ترامب من مساهمة بلاده في بعثات حفظ السلام، وبين الموقف الأمريكي من نزاع الصحراء. وشرح الموساوي العجلاوي، في تصريح لهسبريس، أن "الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب قدمت لملف الصحراء المغربية ما لم يقدمه عدد من الرؤساء السابقين"، مضيفا أنه "لم يسبق أن صدر قرار عن مجلس الأمن حول نزاع الصحراء أفضل من القرار الأخير رقم 2440". ولفت المتحدث إلى أن المسودة الأولى، التي أعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، كانت تحمل إدانة واضحة ومباشرة لجبهة البوليساريو الانفصالية، لكن تدخلت روسيا وتم تعديل النسخة. وعلى الرغم من ذلك، يضيف المصدر، فإن القرار الأممي الأخير يعتبر، لأول مرة، أن نزاع الصحراء هو نزاع إقليمي ويؤكد مسؤولية الجزائر بكونها طرفا مباشرا وليست مراقبا كما كان في السابق. وأورد الباحث في شؤون الصحراء أن "الإدارة الأمريكية وجهت للبوليساريو صفعة قوية من خلال تنبيها القرار الدولي بعدم التحرك أو المساس بالوضع شرق الجدار العازل، وهو إشارة إلى أن البوليساريو لا تتوفر على دولة كما تدعي". وبخصوص تحركات مستشار الأمن القومي وعلاقتها بالمينورسو، يرى العجلاوي أن بولتون فشل عندما كان ممثلا للولايات المتحدةالأمريكية بمجلس الأمن ما بين 2005 و2006 في الدفع بمخطط جميس بيكر الثاني الذي رفضه المغرب. كما أن مشروع توسيع صلاحيات البعثة الأممية الذي وضعه جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق، وقف ضده "البنتاغون"، أي إن أمريكا حريصة على علاقتها التاريخية مع المغرب. "الولاياتالمتحدةالأمريكية تقرأ نزاع الصحراء من مسألة الاستقرار والأمن بالمنطقة ومحاربة الإرهاب العابر للحدود"، يقول العجلاوي، مؤكدا أن هذا الموقف هو نفسه الذي يتبناه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، و"هو ما يظهر من خلال جدول أعمال مائدة جنيف، ومن أبرزه ارتباط المينورسو بقضية الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء". وأبرز الخبير المغربي في الشؤون الإفريقية أن الجدل حول بعثة "المينورسو" شأن لا يعني المغرب بقدر ما يهم علاقة الولاياتالمتحدةبالأممالمتحدة، مضيفا أن "واشنطن تعرف جيدا أن زعزعة استقرار المغرب هو تهديد مباشر للمنطقة الغربية لحوض البحر الأبيض المتوسط". الحاجة إلى العسكر من جهة ثانية، شدد العجلاوي على أن "المغرب لا يحتاج إلى جميع أعضاء المينورسو المتواجدين بالعيون، بقدر ما يحتاج إلى العسكريين منهم وعددهم قليل لا يتجاوز 200 شخص؛ ما يعني أن تقليص حجم البعثة بسبب تراجع الدعم لن يؤثر على السير العادي لأمن واستقرار المنطقة"، وزاد أن القمر الصناعي الذي أطلقه المغرب يستطيع أن يراقب جميع تحركات الانفصاليين بدون وجود التنظيم الأممي. وخلافا لما يروج أحيانا في الصحافة، يرى المصدر ذاته أن الإدارة الأمريكية تنحاز إلى المغرب في قضية الصحراء، مشيرا إلى أن "واشنطن لم يسبق أن استقبلت جبهة البوليساريو الانفصالية بشكل رسمي أو اعترفت بها كدولة رغم لولبيات الضغط والأموال التي تنفقها الجزائر للتأثير على الكونغرس".