كيف يتمركز المغرب، دفاعا عن مصالحه الاستراتيجية، إزاء التوجه الأمريكي لإدارة دونالد ترامب بشأن القارة الإفريقية؟ إن ما كان مجرد تخمينات وتحليلات، بات، ابتداء من أول أمس الخميس، وثيقة رسمية قرئت بلسان أحد أكثر رجالات البيت الأبيض نفوذا وإمساكا بالملفات الخارجية. جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، عرض، أول أمس، أمام مؤسسة heritage foundation، استراتيجية الإدارة الأمريكية بشأن القارة الإفريقية. الرجل، الذي يتذكره المغاربة جيدا، حيث كان أحد مهندسي مخطط بيكر الشهير الذي كان يهدف إلى إنهاء نزاع الصحراء عبر استفتاء يجرى عقب فترة حكم ذاتي تمتد إلى خمس سنوات، والذي دخل وزير الخارجية المغربي مكتبه في البيت الأبيض قبل أسابيع من بوابة الهجوم على إيران واتهامها بدعم البوليساريو؛ خصّص لملف الصحراء إحدى فقرات كلمته التي سبقها ترقب وانتظار كبيران. بولتون، وأثناء تفصيله ملامح الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة بشأن إفريقيا، أكد أن الولاياتالمتحدة لن تقبل باستمرار صرف أي دولار في بعثات حفظ السلام المنتشرة في إفريقيا، دون أن يرتبط ذلك بمسار سياسي فعال لإنهاء النزاعات. العقل المدبر للسياسة الخارجية لإدارة ترامب قال إن بلاده آتية إلى إفريقيا لإنهاء نزاعاتها الطويلة. وفي تعبير ضمني ودبلوماسي عن قرار العملاق الأمريكي انتزاع موطئ قدم في إفريقيا، والقطع مع الازدواجية القائمة حاليا، أي الدول الأوربية المستعمرة سابقا للقارة باعتبارها صاحبة نفوذ تقليدي، والنفوذ الصيني المحمول عبر قنوات الاقتصاد، قال بولتون إن واشنطن ستدعم إحداث أدوات محلية للدول الإفريقية لحفظ السلام وإنهاء التوترات، ضاربا المثل بتكتل «ج5» الذي يجري تأسيسه حاليا في جنوب الحدود المغربية. وقال بولتون إن بلاده تدعم بقوة هذا التحالف الجديد، لينتقل مباشرة بعد ذلك للحديث عن ملف الصحراء، ضاربا المثل به في تجسيد السياسة الأمريكية بخصوص إفريقيا، حيث قال إنه أصرّ على الاقتصار على 6 أشهر في تجديد ولاية بعثة المينورسو في اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير، وإن ذلك أثمر انعقاد لقاء جنيف بين الأطراف المعنية بملف الصحراء. وعاد بولتون ليتحدث عن ملف الصحراء بشكل أكثر إسهابا وتلقائية، حين طرح عليه الموضوع في أسئلة القاعة التي تحدث إليها أول أمس أكثر من ساعتين. وتحدث بولتون بحسرة كبيرة عن فترة المبعوث الأمريكي السابق إلى الصحراء، جيمس بيكر، وقال إنه دعمه بقوة، حيث كان بولتون سفيرا للولايات المتحدةالأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي. وعبّر مستشار ترامب عن أسفه الشديد لقضاء بعثة المينورسو 27 سنة دون أن تتمكن الأممالمتحدة من إنهاء هذا النزاع. ولم يفوّت بولتون فرصة فتح ملف الصحراء دون أن يؤكد، من جديد، أن واشنطن لن تواصل دعم بعثات السلام إلى ما لا نهاية. «أيها السادة والسيدات، لقد مضت 27 سنة على نشر قوات حفظ السلام هذه، وهي مازالت منتشرة هناك. كيف يمكننا تبرير ذلك؟ لقد تعرّفتُ على شعب الصحراء لعدة سنوات، وأكن له احتراما كبيرا، كما أكن احتراما كبيرا لحكومة وشعب كل من المغرب والجزائر، لكن، أليست هناك طريقة لحل هذا المشكل؟»، هكذا تحدث جون بولتون في لقاء أول أمس، مؤكدا أن الذين يعيشون في مخيمات تندوف بحاجة إلى العودة إلى ديارهم وعيش حياة طبيعية، وأن الموارد التي استنزفت في تمويل بعثة المينورسو كانت ستثمر أكثر لو وجّهت للتنمية. تنطوي الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي في عهد ترامب على أربعة أهداف رئيسة؛ حماية الولاياتالمتحدة، تعزيز ازدهارها، السلام من خلال القوة، وتوسيع نفوذها والحفاظ عليه. وتروم واشنطن بذل كل ما في وسعها للحفاظ على مكانتها، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وتكنولوجيا، في مواجهة القوى الدولية الصاعدة، خاصة الصين وروسيا. وفي ضوء ذلك، تتجه أمريكا إلى إعادة تفعيل دورها في إفريقيا، من خلال تجديد وسائل تدخلها، وإطلاق مبادرات جديدة. وبناء على التطورات المتسارعة دوليا وإقليميا، يتساءل الخبير، عبد المجيد بلغزال، ضمن هذا الملف، كيف يمكن الرهان على فضاء إقليمي يواجه تحديات صعبة، يتداخل فيها ضعف الحكم الرشيد وغياب الديمقراطية مع ارتفاع منسوب التنافس الإقليمي، وازدياد حدة الاستقطاب السياسي والاقتصادي بين الدول الكبرى الراغبة في حماية مصالحها واستنزاف مقدرات المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من تحديات الفقر والهجرة وانتشار التطرف بجميع أشكاله؟ و«كيف تنظر الولاياتالمتحدة إلى الفضاء المغاربي؟ هل هو مجرد حلقة مكملة للشرق الأوسط في ما يتصل بحماية أمن إسرائيل، وضمان تدفق الوصول إلى منابع النفط والغاز، أم إن أمريكا، وبحكم تحول إفريقيا إلى مركز استقطاب جديد وبالنظر إلى التحديات المرتبطة بمحاربة الإرهاب، باتت تنظر إلى الفضاء المغاربي باعتباره بوابة لإفريقيا، ومركزا لتجفيف منابع التطرف والإرهاب؟».