قدمت تفسيرات عدة لموقف الإدارة الأمريكية من ملف الصحراء التي يبدو أنها متشبثة بتمديد مهمة بعثة المينورسو ستة أشهر فقط وليس سنة كما يقترح غوتيريس، وهي أول مرة يقع فيها اختلاف جدي بين جهاز الأممالمتحدة والإدارة الأمريكية بهذا الشكل؛ ما أدى إلى تأجيل التصويت على مسودة القرار التي أعدتها الإدارة الأمريكية يومين إضافيين، فهل الأمر يتعلق بتغير في نظرة أمريكا لحل النزاع؟ وهل يكون جون بولتون وراء إحداث أي ضغط على الأممالمتحدة في الملف؟ البوليساريو طبعا كيفت نفسها مع الحدث ومن خلال ردود فعل بعض أطرها ومنتسبيها فقد حاولت استغلال الموقف الأمريكي لإظهاره وكأنه ضغط على المغرب وتحول في موقف أمريكا، فالسياسة الإعلامية للجبهة تعتمد على استراتيجية ذكية تهدف إلى تحويل أي حدث لصالحها وأنه ضغط على المغرب، خاصة عندما يتعلق بالإدارة الأمريكية. لا بد من التذكير بداية بأن الموقف الرسمي منذ سنة 2012 إلى الآن يتطور بشكل إيجابي من طرف الإدارة الأمريكية لصالح دعم الحل السياسي-الديمقراطي لهذا النزاع، وصولا إلى إعلان الخارجية الأمريكية في آخر زيارة لمسؤوليها إلى المغرب عن دعم الحكم الذاتي وأنه حل جدي ويحظى بالمصداقية للخروج من النفق السياسي الذي دخله الملف على المستوى السياسي مع تزايد رغبة جبهة البوليساريو في عدم التوصل لأي حل وافتعالها لأزمات سياسية لتقويض أي فرصة لبدء حوار سياسي جدي ومسؤول حول الملف وعلى القواعد التي أرستها الأممالمتحدة؛ أولها الاعتراف الأممي بالحكم الذاتي كمخرج حقيقي لهذا النزاع. إذن نحن أمام موقف معلن صريح في ظل الإدارة الحالية، أي إدارة ترامب، وبوجود جون بولتون كمستشار للأمن القومي؛ ما يعني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تغير من قراءتها السياسية للملف ولا للحل، وفي المسودة التي قدمتها في أبريل الماضي كانت صريحة في دعمها للحل السياسي المتوافق بشأنه، كما أنها أعلنت غير ما مرة وفي المسودة الحالية عن دعمها للأمم المتحدة وللمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، هانس كوهلر، في عمله من أجل إطلاق عملية سياسية بروح ودينامية جديدتين كما وصفها قرار أبريل الماضي، كما دعمت الأممالمتحدة في المسار السياسي الذي انخرطت فيه تحت المادة السادسة من ميثاق الأممالمتحدة الذي يطالب بإيجاد الحل لهكذا أزمات بشكل سياسي، على عكس المادة السابعة التي تتحدث عن آلية فرض الحل على أطراف أي نزاع يناقش بمجلس الأمن. إذن ما الذي تغير حتى تقترح الإدارة الأمريكية تمديد مهمة المينورسو لستة أشهر فقط وليس سنة كما اقترح غوتيريس؟ لا بد من الإشارة هنا إلى نقطتين: الأولى: أن قرار مجلس الأمن السابق كان محوره هو بعثة المينورسو كموضوع، خاصة على مستوى مهمتها وولايتها وعلى مستوى قدرتها على القيام بمهمتها الكاملة في حفظ الأمن والسلم، لا سيما أمام الخرق المستمر للبوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار. ثانيا: تقرير غوتيريس الذي أعلن فيه التزام إبراهيم غالي أمامه بعدم خرقه للاتفاق وعدم القيام بأي أنشطة عدائية في المنطقة العازلة، سواء شرق الجدار العازل أو الكركارات التي يديرها المغرب كجزء من التراب الوطني المغربي. لذلك، فالأمر هنا يتعلق وأمام ما صرحت به سابقا مبعوثة الولاياتالمتحدةالأمريكية بمجلس الأمن أثناء مناقشة ملف الصحراء في أبريل الماضي بربط الدعم المالي الذي تقدمه ويعتبر الأعلى من بين المساهمات المالية التي تقدم لبعثة المينورسو بالتقدم في العملية السياسية؛ ما يشير إلى أن هناك نظرة تقنية جديدة تحكم علاقة الإدارة الأمريكية مع مختلف بعثات حفظ السلام الأممية، خاصة تلك التي تحظى بدعمها المالي ومن بينها بعثة المينورسو. وما يدعم هذا الطرح هو تأكيد مسودة قرارها على أن مقترح تمديدها لبعثة المينورسو ستة أشهر فقط هو مقترح "تقني"، وعندما ضمنت مسودة القرار هذا الوصف فالأمر ليس عبثيا، بل هو تأكيد على أن موقفها لا يعكس أي تغير سياسي في نظرتها لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، وهو تقني مرتبط بالبعثة، كبعثة حفظ السلام ولا علاقة للأمر بأي تغيير سياسي في موقفها. الإشارة إلى هذا الموضوع ومحاولة تقديم شرح له ليس هدفه تبرير موقفها ولا تبنيه-خاصة وأن هناك تحفظا عليها من طرف الأمين العام للأمم المتحدة ومن بعض الدول من بين الأعضاء الخمس الدائمين لمجلس الأمن الذي طالب بتمديد بعثة المينورسو لسنة تنتهي في أكتوبر 2019 لفسح المجال أمام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للقيام بمهمته دون ضغط الزمن-بل هو محاولة تقديم فهم صحيح للموقف الأمريكي الذي هو تقني وليس سياسيا، التمييز بينهما واضح وجلي وجبت الإشارة إليه تفاديا لأي نقاش مغلوط يحاول أتباع البوليساريو إثارته وتسويقه على أنه انتصار لهم لمحاولة تسميم علاقة المغرب الاستراتيجية والتاريخية بأمريكا التي أدت إلى ثقة الإدارة الأمريكية بالمغرب وبمقترحه لحل النزاع.