وجّه النعم ميارة، الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، هجوما ونقدا لاذعا إلى حكومة سعد الدين العثماني، مسهبا في شرح الأسباب التي اعتبرها موضوعية والمؤدية إلى انسحاب نقابته من الحوار الاجتماعي. وأبرز ميارة، خلال مهرجان خطابي نظمته نقابته بجهة العيون الساقية الحمراء مساء الأربعاء الماضي تحت شعار "قيادة قوية، نضال مستمر، مستقبل أفضل"، أسباب انسحاب الاتحاد العام للشغالين بالمغرب من الحوار الاجتماعي ورفضه للعرض الحكومي الذي يقر 400 درهم فقط كزيادة في الأجور مقسمة على ثلاث سنوات بوصفها غير شاملة لمختلف الموظفين وتقتصر على موظفي القطاع العام من السلم 06 إلى السلم 10 من الدرجة الخامسة لا غير. وحسب المتحدث، فإن النقابة اعتبرت العرض الحكومي الذي تقدمت به الحكومة لا يرقى أبدا إلى مستوى التطلعات، بعد سبع سنوات من غياب أي زيادة في أجور الموظفين، بالإضافة إلى تغييب الحكومة للقطاع الخاص ومعاناة شغيلته، مضيفا أن نقابته "كانت ستقبل هذا العرض إن تم تعميمه؛ لأن الموظفين من السلم 10 الدرجة السادسة وما فوق يبلغ تعدادهم 350 ألف ولا يمكن إقصاؤهم من هذا العرض، حتى لا تصبح النقابات ذات طابع فئوي تدافع عن أقلية فقط". وأكد الكاتب العام، خلال اللقاء التواصلي المنظم حول مستجدات الحوار الاجتماعي والذي حضره أزيد من 4000 منتسب ومنتسبة إلى النقابة، على رفض رئيس الحكومة لمقترحات النقابة وقبولها للعرض الحكومي بشروط، ودعا النقابات إلى اجتماع قدم فيه نفس العرض السابق، مسهبا في القول إن ما يصرح به رئيس الحكومة هو "كذب" وتماطل يثبت أن الحكومة لا تجعل من أولوياتها خدمة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتسعى فقط إلى التفاهمات مع الأبناك الدولية وتراكم مديونية المغرب من خلال الاقتراض، دون إنتاج يوفر فرص الشغل. واعتبر المسؤول الأول بالهيئة النقابية أن ما أورده رئيس الحكومة الحالية يلزم استحالة المضي في الحوار الاجتماعي مع الحكومة، بسبب تعنتها وقلة الزيادة في الأجور مع تغييب القطاع الخاص الذي نطالب بزيادتهم نسبة 10 في المائة من الحد الأدنى للأجر، بالإضافة للمطالبة بصيانة الحريات النقابية وكرامة الشغيلة. وأبرز المسؤول النقابي أن "من بين الدوافع التي أسهمت في إفشال محطة الحوار مع الحكومة هو عدم وضعها لأي اعتمادات مالية له بالسنة المالية 2019"، مضيفا أنها "بذلك تكون قد أخلفت وعدها؛ الشيء الذي يؤكد بالمطلق عدم وجود نوايا صادقة، وهو ما يهدد القدرة الشرائية للمواطنين". وبالمقابل، يؤكد النعم ميارة أن "الحكومة لم تقم بإنجاز أي مشاريع تنموية، بحيث يبلغ حجم الاستثمارات الحالية 187 مليار درهم تنتج 45 ألف منصب فقط، في حين حكومة عباس الفاسي ناهزت 88 مليار درهم وأنتجت 125 ألف منصب شغل"، مشيرا إلى وجود أكبر نسمة للبطالة وطنيا بجهة العيون الساقية الحمراء. وقدم الكاتب العام مقترحات النقابة من أجل إيجاد حلول لمشكل البطالة، من خلال جهوية المناصب وتنظيم مباريات جهوية للتشغيل في القطاع العمومي وشبه العمومي، مطالبا الحكومة بإصدار مراسيم في هذا الإطار، وبإعطاء كل جهة حصتها التي تتناسب مع عدد سكانها، وحسب نسب البطالة بها، مع تشجيع الاستثمارات والمبادرات الخاصة. وعودة إلى المطالبة بتفعيل مشروع الجهوية، أكد النعم ميارة بصفته عضوا بمجلس جهة العيون الساقية الحمراء على "ضرورة إعطاء حكم ذاتي موسع للأقاليم الجنوبية، لضمان استفادة ساكنة المنطقة من خيراتها وخلق اقتصاد يناسب الثروات الطبيعية بما يتماشى مع تطلعات ساكنتها، ولطي أزيد من أربعين سنة من معاناة الصحراويين بمخيمات تندوف من خلال تنمية حقيقية تقنعهم بالعودة لحضن الوطن". وشدد المتحدث على وجوب إعطاء الأولوية لتشغيل الشباب في قطاعات الفوسفاط والصيد البحري، مشيرا إلى أن معضلة البطالة لا تتحمل مسؤولية تدبير ملفها المجالس المنتخبة؛ بل وجب أن تكون هناك إرادة حكومية صادقة، مؤكدا أنه في ظل غياب التجاوب الحكومي فلا مناص من عرض المطالب المشروعة لعموم الساكنة على الملك. وفي ختام كلمته، أوضح ميارة أن عقاب الحكومة على سبع سنوات من الاستهتار بمصالح الشعب المغربي سيتأتى من خلال الانتخابات المقبلة 2021، بالتصويت على من يستطيع سن برامج حقيقية تسهم في التشغيل والرفع من القدرة الشرائية لدى المواطنين، موجها الدعوة إلى عموم الساكنة للتسجيل في اللوائح الانتخابية من أجل إزاحة الحكومة الحالية التي تمارس التدبير اليومي وتقسيم كعكة المناصب بين المنتمين إلى أحزاب الأغلبية الحاكمة على حد قوله، و"تسهم من خلال ذلك في إشاعة جو اليأس عن الممارسة السياسية والنقابية؛ وهو ما لن يتأتى لحكومة فاشلة على جميع الأصعدة"، حسب تعبيره. وفي تصريح حصري خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، أكد النعم ميارة أن "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب تأكد لديه أن الحكومة ليس لديها أي شيء لتقدمه للطبقة الشغيلة بالمغرب"، مشيرا إلى أن "هذا الانسحاب يأتي بعد ثلاث سنوات من توقف الحكومة عن الزيادة في الأجور، وعن تحسين دخل طبقة الشغيلة المغربية، وحجز صندوق المقاصة، بالإضافة إلى الزيادة المهولة في أسعار المحروقات والمواد الغذائية وبقية المواد الاستهلاكية الرئيسة". وزاد الكاتب العام أن نقابته "تفاجأت بتقديم الحكومة لهذا العرض الهزيل والفئوي الذي يقتصر على فئة معينة من الموظفين العموميين، ويقصي فئات كبيرة من الطبقة الشغيلة؛ ولأننا نمثل الطبقة الشغيلة بكافة فئاتها فقد قررنا الانسحاب من جلسات الحوار". "الحكومة لم توفِ بالالتزامات التي تعهدت بها إزاء الطبقة الشغيلة في مراحل الحوار الاجتماعي السابقة؛ فقانون المالية جاء فارغا من أي بند مخصص للحوار الاجتماعي"، يوضح النعم ميارة، متسائلا في الوقت ذاته: "كيف سنشارك في حوار اجتماعي ليس له فائدة؟"، ليؤكد "أن الحوار الاجتماعي بات مجرد مضيعة للوقت سواء لرئيس الحكومة، أو لنا كنقابات. وبالتالي، فموقفنا جاء حاسما بالانسحاب من جلسات الحوار". وأوضح النعم ميارة، في معرض تصريحه، "لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه من الأفضل أن نعلن عن فشل الحوار الاجتماعي، وعن عجز الحكومة عن تنظيم الحوار، وحتى عن تقديم أي إنجاز يذكر للطبقة الشغيلة"، مضيفا أن "مجرد المشاركة في هكذا حوار محكوم عليه بالفشل سيؤدي إلى إضعافنا كنقابات، خاصة إذا استمرت الحكومة في الاعتقاد أننا سنقبل بمقترحاتها المجحفة في حق الطبقة الشغيلة، وبالتالي فلن نرجع إلى جلسات الحوار مع الحكومة ما دامت الحكومة متمسكة بعرضها الحالي"، مسهبا في القول: "ننتظر أن تغير الحكومة من مواقفها، وأن تقدم عرضا يليق بالطبقة الشغيلة، وحينها سنكون مستعدين لقبول أي تفاهم بخصوص الحوار الاجتماعي، ففي النهاية نحن دعاة سلم، ونقابة تشاركية ولسنا نقابة تصادمية".