قراءة في أبرز أحداث سنة 2018 لقد أوشكت سنة 2018م على الرحيل لتترك مكانها لسنة جديدة لا أحد يمكنه أن يتوقع مجرياتها ومساراتها في عالم لم يعد يسمع فيه إلا صوت العنف ولغة الدمار.. وقد جرت العادة عند نهاية كل سنة أن تتناسل التقارير والأخبار والقراءات حول السنة وشيكة الرحيل، وأن ينتعش منسوب التوقعات حول السنة الجديدة التي تستقبل عبر العالم بتعبيرات احتفالية مختلفة.. وبين هذا وذاك تقرع طبول الأمل في المشارق كما في المغارب في أن تكون الأيام والشهور المقبلة أكثر أمنا وسلاما واستقرارا، إن لم نقل أقل دمارا وأخف خرابا... وبالقدر ما تشد أنظار سكان المعمور إلى السنة المقبلة (2019)، بالقدر ما ترتفع حرارة "النوستالجيا" وسط المشهد الإعلامي من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية وصحافة ورقية وإلكترونية، ويرتفع منسوب فضول الإعلاميين في إعادة تركيب مسار سنة كاملة، واقتناص أبرز ما تخللها من أحداث بارزة ولحظات خاطفة وتقاسمها مع المتتبعين والمعجبين والمهتمين.. على المستوى الوطني، قد يتم الاختلاف حول "توصيف" سنة 2018 من شخص إلى آخر باختلاف زوايا الرؤية والمرجعيات والهواجس والتطلعات؛ لكن كفة الانطباع الشخصي تميل إلى "المأساة" وتتأرجح نحو "الاحتقان"، قياسا إلى ما تخللها من أحداث حضرت فيها مفردات "الموت" و"الألم" و"الحزن" و"اليأس" و"التذمر" و"الاحتجاج" و"الاحتقان"و"الجرائم البشعة"...، لكن على الرغم من سوداوية الصورة، لا مناص من تركيز البوصلة نحو لحظات أخرى مشرقة على الرغم من قلتها، تقوي الرغبة في الإبقاء على شموع الأمل مشتعلة، مهما طالت شوارع الخيبات والانكسارات، وامتدت مطبات الضجر والآهات... مآسي بألوان الموت والألم والبشاعة من الصعب إعادة صياغة "سيناريو" سنة 2018 أو إعادة تشكيل ملامح صورتها الراحلة، دون التوقف عند بلدتين صغيرتين سرقتا الأضواء في الأنفاس الأخيرة للسنة، ويتعلق الأمر بكل من مدينة "بوقنادل" التي كانت مسرحا لفاجعة "القطار رقم9"، في سفر روتيني انتهى -كما تنتهي الكوابيس المزعجة- على وقع "المأساة" التي بدت وقتها كعاصفة هوجاء خلفت وراءها ضحايا كثر من قتلى وجرحى ومعطوبين، و"علامات استفهام" متناثرة كأوراق الخريف، تسائل واقع النقل السككي الوطني في ظل ارتفاع منسوب الحوادث السككية في السنوات الأخيرة وما يعتري القطاع من مشكلات (تأخر القطارات، الازدحام، غياب شروط الأمن والسلامة والراحة والنظافة...) وحقيقة الأسباب الواقفة وراء الكارثة، كما تسائل "أزمة القيم" في مجتمع يعيش أزمة على مستوى المواطنة والمبادئ والأخلاق (تعريض الضحايا للسرقة، رفع الأثمنة من قبل سائقي الطاكسيات، مقابل بروز سلوكات مواطنة جديرة بالاحترام والتقدير جسدها الإقبال على مراكز تحاقن الدم وفتح بعض السكان المحليين لمنازلهم في وجه الضحايا في سلوك تضامني قل نظيره).. وبلدة "إمليل" (قرية شمهروش) التي خطفت الأنظار وطنيا ودوليا، على خلفية وقوع جريمة قتل بشعة طالت السائحتين الأجنبيتين "لويزا" و"مارين" من قبل "ذئاب" لا تتقن إلا لغة البطش والعنف والقتل والإقصاء، جريمة نكراء تعكس فكرا متطرفا مشبعا بثقافة العنف والحقد، يتعايش في صمت بين ظهرانينا مهددا أمن البلاد وسلامة العباد والقيم والثوابت الوطنية، مما يفرض تنزيل "إستراتيجية وطنية" خاصة بمكافحة الإرهاب تتجاوز الرؤية الأمنية الصرفة للظاهرة الإرهابية، نحو مقاربة متعددة الأبعاد تتوحد فلسفاتها ومقاصدها في تجفيف مختلف المنابع المغذية للتطرف والكراهية، عبر الارتقاء بالتعليم والتكوين المهني وتحريك عجلة التنمية في المجالات الحضرية والريفية الأكثر فقرا وهشاشة والاستجابة لحاجيات وانتظارات المواطنين وتكريس العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون وتطهير المشهد السياسي من كل عبث يكرس النفور والإحباط واليأس ويقوي الإحساس بفقدان الثقة وانسداد الأفق، وتفعيل مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" والجدية في مواجهة الفساد وتعقب المفسدين، وبهكذا إجراءات، يمكن السيطرة على ظاهرة عالمية أضحت تؤرق كل بلدان العالم. لم تتوقف المأساة عند حدود قطار "بوقنادل" وفاجعة "شمهروش"، بل امتد نطاقها من حيث الزمان والمكان، عبر جرائم بشعة أزهقت أرواح عدة ضحايا، والبداية من قضية قتل شاب بسلا (قرية أولاد موسى) التي عرت عن الواقع الأمني بقطاع أمن سلا، وجرت عددا من الأمنيين للمساءلة والعقوبة، وجريمة "قطع الرأس" بمدينة المحمدية التي طالت شخصا متشردا تم قتله وقطع رأسه ببشاعة من قبل منحرف ينحدر من دوار صفيحي، ولم تكد تخمد نيران هذه الجريمة، حتى طفت على السطح قضية "سفاح شاطئ الدهومي" (بوزنيقة) الذي لم يكتف بقتل ضحاياه، بل تفنن في التمثيل بالجثث وقطعها والتخلص منها في محيط الشاطئ، وهذا المجرم بالتسلسل الذي انكشف أمره عقب قتل مواطن تونسي حامل للجنسية الفرنسية، يفتح عددا من الملفات في مقدمتها المساكن الثانوية "كابانو" المنتشرة كالفطريات على امتداد الشواطئ التي تعيش على وقع الانحراف (مخدرات، فساد...) بعيدا عن مراقبة عيون الأمن، ليكتمل "عقد" الإجرام، بقضية بيع "لحم الكلاب" التي كانت المحمدية ونواحيها مسرحا لها، وهي جريمة "بشعة" تعكس منزلقا خطيرا في القيم والأخلاق.. احتقان بمفردات الاحتجاج واليأس والإحباط مآس بدرجات وظروف وخلفيات متباينة بصمت سنة 2018، في أجواء مشحونة بتيارات "الإحباط" و"القلق" و"التذمر" و"اليأس" و"انسداد الأفق" ازدادت حرارتها في ظل صعوبات العيش، مشكلة ضغطا مشحونا، أفرز "احتقانا" اجتماعيا، من عناوينه البارزة "ارتفاع الأسعار" و"غلاء المعيشة" و"تعطيل عجلة الأجور" في ظل"حوار العبث الاجتماعي" وتنامي موجات الاحتجاجات القطاعية من أساتذة متعاقدين ومديري المؤسسات التعليمية والمفتشين التربويين وأساتذة الزنزانة رقم 9 (إصلاح على وقع الاحتقان) والأطباء والممرضين... إلخ، احتقان تعمقت بؤرته في ظل "الساعة المثيرة للجدل" التي نزلت على المغاربة كالصاعقة، بناء على قرار حكومي "مرتبك" تم تمريره في "الوقت بدل الضائع"، مما وضع الحكومة في وضع حرج أمام سيل الانتقادات والاحتجاجات التي أخرجت التلاميذ إلى الشوارع، بشكل أربك سير العمليات التعليمية التعلمية.. وعلى الرغم من أن "حرب" الاحتجاج وضعت أوزارها، وعادت "حليمة إلى عادتها القديمة"، فقد تبين أن المغاربة اجتمعوا تلقائيا حول "رفض الساعة" و"المطالبة بإسقاطها" ولم يجتمعوا في قضايا مصيرية كما هو الحال بالنسبة إلى قضية "التقاعد" الذي عبث بجيوب الموظفين وفي الآن نفسه وجه "ضربة قاضية" إلى "النقابات" التي انحنت للعواصف بشكل مثير للقلق؛ وهو ما جعل "الشوارع" ملاذا آمنا للمحتجين والمقهورين والمظلومين.. لم تتوقف عجلة الاحتقان عند هذه المستويات؛ بل امتدت في عز قساوة الشتاء إلى "جبل بويبلان"، حيث انطفأت "شمعة" راعي الغنم، مما رفع من منسوب التنديد والاحتجاج، وأعاد إلى الواجهة أناس القرى والدواوير النائية وسط الجبال المعزولة، حيث لا يعلو صوت على صوت القساوة بدءا بالبرد القارس المرادف للموت مرورا بالفقر المدقع في أقسى صوره وانتهاء بالعزلة القاتلة والحرمان من الحق في الصحة والتعلم والحياة... أناس بسطاء يتعايشون جنبا إلى جنب مع "الموت" بردا أو مرضا أو جوعا بعيدا عن عيون الإعلام و السياسة بشكل يكرس مفردات "المغرب المنسي"، "مغرب الهامش"، المغرب العميق" و"المغرب الآخر"... أناس بسطاء سقف آمالهم وأحلامهم لا يتجاوز حدود "لقمة عيش" و"أغطية" تقي قسوة الشتاء و"مركز صحي" و"مدرسة" و"شق طريق" تخفف من جبروت العزلة والإهمال القاتل.. حالة الاحتقان أرخت بظلالها على محاولي الهجرة السرية الذي علقوا كل أحلامهم وآمالهم على "الزورق الشبح" (الفونتوم) الذي حرك مياه الهجرة والهروب وجعل شواطئ الشمال قبلة للحالمين بمعانقة "سراب" أوروبا، الذين خرجوا إلى العلن في واقعة غير مسبوقة، وأعلنوا بلغة الاحتجاج عن حقهم في الهجرة السرية، بل ولم يتردد الكثير منهم في الهتاف باسم دولة أجنبية ورفع علمها، في مشهد مثير للقلق، يعكس "مأزقا في المواطنة" أضحى يتقوى يوما بعد يوما، في ظل تمدد رقع اليأس ومساحات الإحباط وانسداد الأفق وسط فئات عريضة من الشباب، وإثارة موضوع "الزورق الشبح"، يستدعي الترحم على مرشحة الهجرة السرية "حياة" التي انطفأت شمعة حياتها رميا برصاص دورية للبحرية الملكية في رحلة تحول فيها "الأمل" إلى "مأساة" و"الحلم الوردي" إلى "كابوس مزعج"، في واقعة تعكس "حجم الاحتقان" و"مرارة الأزمة" المستشرية في المجتمع، ومن "حياة" إلى الكفيف "صابر" الذي سقط في لحظة كان يدافع عن حقه في الشغل والكرامة والحياة، فسقطت معه أحلام تحطمت على صخرة الحقيقة المرة، التي لامناص من الالتفات إليها، وتقدير حجم تأثيراتها وتداعياتها المحتملة على "السلم الاجتماعي".. وبين المأساة والاحتقان، لا مناص من تسليط البوصلة نحو قضايا حظيت بمتابعة إعلامية منقطعة النظير، بدءا بإصدار أحكام قاسية في حق زعماء حراك الريف، مرورا بإدانة الصحافيين حميد المهدوي (مدير موقع "بديل") وتوفيق بوعشرين (مدير جريدة أخبار اليوم) وانتهاء بقضية عبد العالي حامي الدين الجارية على مستوى القضاء.. في نهاية هذا السفر وقبل النزول من صهوة "المأساة" و"الاحتقان"، تميزت السنة (2018) برحيل -قبل الأوان- لطاقات ورجالات بصمت الرياضة والفن والثقافة الوطنية، من قبيل الإطار الوطني مصطفى مديح والشاب ميمون الوجدي أيقونة فن "الراي" بالمغرب، وحميد الزاهر صاحب أغان ترصع عقد الأغنية الشعبية المغربية "المراكشية"، من قبيل "أش داك تمشي لزين" و"للازهيرو" و"للافاطمة" و"عندي ميعاد" و"اليوم ليلة الخميس" ..، وعلي الصقلي الحسيني صاحب كلمات النشيد الوطني، والعلامة المغربي محمد بنشريفة عضو أكاديمية المملكة وأستاذ كرسي الأدب الأندلسي في جامعة محمد الخامس، الذي أغنى المكتبة الوطنية بعدة أبحاث وتحقيقات... وقبل وضع نقطة نهاية لهذا السفر، لا مناص من إشعال "شموع الأمل" بأن يكون المقبل أفضل، وأن تتراجع مساحات الاحتقان والمآسي وأن تظل حمائم الأمن والاستقرار محلقة فوق سماء الوطن، ومسك الختام بمفردات "الرياضة" (تأهل المنتخب الوطني المغربي إلى مونديال روسيا بعد سنوات عجاف- إسقاط أسود الكامرون على أرضية مركب محمد الخامس برسم إقصائيات كأس إفريقيا للأمم 2019 - فوز الرجاء البيضاوي بلقب كأس الكونفدرالية الإفريقية الذي خرج من رحم المعاناة...) و"الإشعاع" (انطلاقة قطار "البراق - إطلاق القمر الصناعي محمد السادس ب ..) و"التميز" (تألق التلميذة مريم أمجون في مسابقة "تحدي القراءة العربي" في زمن التفاهة والانحطاط - تميز تلاميذ مغاربة في مسابقة عالمية للحساب الذهني بتركيا...)، وعلى إيقاعات "التميز" و"التألق" .. أطيب الرحمات لمن رحل في مضمار سنة 2018، وأرق الأمنيات في أن تكون السنة القادمة (2019) سنة مفعمة بالخير والمحبة والسلام والتعايش والتسامح وكل عام والوطن بألف خير... *كاتب رأي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي (المحمدية) باحث في القانون وقضايا التربية والأمن. [email protected]