في قلب مدينة فاس العتيقة، غير بعيد عن ساحة النجارين وضريح مولاي إدريس، وبجوار سوق الحناء، يوجد مارستان سيدي فرج، أحد أقدم مستشفيات المجانين في العالم، إن لم يكن أولها على الإطلاق، والذي تستغل غرفه، ذات المعمار الأندلسي المريني، حاليا في بيع الفخار والحناء. اللوحة الرخامية، التي وضعتها الجمعية المغربية لتاريخ الطب على بابه سنة 1993، تشير إلى أن تشييد هذا المارستان يعود إلى سنة 1286م على يد السلطان المريني يوسف بن يعقوب، الذي عهد إدارته إلى أشهر الأطباء، وأوقف عليه أملاكا كثيرة للصرف عليه، "مما مكن هذا المارستان من الوصول إلى أوج ازدهاره، خصوصا في القرن 14 الميلادي"، تضيف الجمعية المغربية لتاريخ الطب. وتشير الجمعية ذاتها إلى أن "حسن بن الوزان عمل في هذا المارستان ككاتب، ويحتمل أن يكون هذا المارستان اتخذ كنموذج لبناء أول مستشفى للأمراض النفسية في العالم الغربي (فلنسيا بإسبانيا 1440 م). وقد عولج المرضى في هذا المارستان إلى حدود سنة 1944م". غرف للمجانين يتكون مارستان سيدي فرج من طابقين، يضم الأرضي 18 غرفة، كانت مخصصة لعلاج المجانين من الذكور، بينما يضم الطابق العلوي 12 غرفة، كانت مخصصة للمريضات من النساء وكسجن لهن، كما أكد على ذلك مزهار الطيب، تاجر بسوق الحناء، الذي أوضح لهسبريس أن المستشفى كان يؤوي غالبا الحالات الميؤوس منها، والتي منه كانت تجد طريقها إلى مقبرة باب الفتوح. "مارستان سيدي فرج هو الآن سوق للحناء وبيع الخزف، والكثير من الناس يعتقدون أنه كان هناك قبر لولي يسمى سيدي فرج، ولكن هذا الكلام لا يتطابق مع الحقائق التاريخية، واسم سيدي فرج مرتبط بأحد مدراء المارستان، هو فرج الخزرجي، الذي استقدمه أبو عنان المريني من الأندلس لأجل تجويد خدمات المستشفى"، يقول سعيد العفاسي، الباحث في تاريخ مدينة فاس العتيقة. وأضاف العفاسي، في تصريح لهسبريس، قائلا: "ما يميز سيدي فرج هو أن الحسن الوزان، المعروف ب"ليون الإفريقي" وصاحب كتاب "وصف إفريقيا"، اشتغل به سنتين ككتاب وعدل، وكان يوثق كل ما يدخل ويخرج منه من معدات ومأكل ومرضى". وأوضح أن المرضى، الذين كانوا يفدون على مارستان سيدي فرج، كانوا من الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية، مشيرا إلى أن ما يوجد الآن من غرف مستغلة في بيع الفخار أو الحناء كلها كانت مخصصة لإيواء المرضى وعلاجهم بالنوبات الموسيقية الأندلسية، حيث كانوا يطلون على الساحة التي كانت تنتظم فيها الفرق الموسيقية لتقديم عروضها الفنية. العلاج بالموسيقى تجمع المصادر التاريخية والشفهية على أن ما كان يميز مارستان سيدي فرج بفاس هو علاج المجانين بالموسيقى. ويؤكد سعيد العفاسي، في هذا الإطار، أن الموسيقى، التي كانت معتمدة لعلاج المجانين، هي طرب الآلة التي دخلت مدينة فاس انطلاقا من الأندلس. "كانت الموسيقى الأندلسية تتخذ وسيلة للترفيه على المرضى، ومساعدتهم على الاسترخاء، وتهدئة نفسيتهم، وكان في كل مرة يتم عزف نوبة مختلفة من نوبات الموسيقى الأندلسية على مسامع النزلاء"، يقول العفاسي، الذي أشار إلى أن هذا النوع من العلاج أدخله إلى مارستان سيدي فرج مديره فرج الخزرجي القادم من الأندلس. وأوضح الباحث في تاريخ فاس العتيقة أن مستشفى سيدي فرج شكل ملتقى للمهتمين بالطب النفسي في المغرب، مبرزا أنهم كانوا يأتون إليه من مختلف المناطق، كمراكش التي كانت بعيدة عن فاس آنذاك، للتداول في الخبرات المتعلقة باستشفاء المرضى نفسيا وعقليا. علاج اللقالق أيضا "إذا كانت الغرف الموجودة في طابقي مارستان سيدي فرج مخصصة لإيواء المجانين وربطهم فيها بالسلاسل، فإنه يحكى أن في هذه الحديقة، الملحقة بالمارستان، والتي تتوسطها هاتان الشجرتان المعمرتان، كانت تعالج فيها اللقالق"، يقول مزهار الطيب، تاجر بسوق الحناء. "وحسب بعض المصادر التاريخية، كما ذكر في "سلوة الأنفاس" أو "وصف إفريقيا"، هناك دكانان، تحديدا، خصص وقفهما لعلاج اللقالق"، يؤكد، من جانبه، سعيد العفاسي. وأورد من تحدثت إليهم هسبريس حول سر تخصيص جناح لعلاج اللقالق بمارستان سيدي فرج قصة أقرب إلى الخيال، مفادها أن لقلاقا حط، ذات يوم، على حائط ضريح المولى إدريس يحمل بمنقاره حلية ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة، تم بثمن بيعها تشييد مارستان سيدي فرج. "أصبحت اللقالق تتوافد للشرب من نافورة سيدي فرج، فيتم علاج المصاب منها، اعترافا لها بجميلها في بناء هذا المارستان"، يقول لهسبريس أكرم بهلولي رقي، تاجر بسوق الحناء.