استضافت المكتبة الوسائطية عشية أول أمس الأربعاء 23 ماي، محاضرة للبروفيسور مصطفى أخميس، عن تاريخ الطب بالمغرب، بعنوان «تاريخ الطب بالمغرب: من عهد ما قبل التاريخ، إلى عهد الحماية»، دامت ساعتين، بقاعة المحاضرات للمكتبة الوسائطية، الملاصقة لفضاء مسجد الحسن الثاني بالبيضاء. ويعتبر الدكتور الجراح مصطفى أخميس، -أحد عرابي الجمعية المغربية للتبرع بالدم، ورئيس الجمعية المغربية للبحث في تاريخ الطب- ، واحدا من أهم المتخصصين في المملكة في انتربولوجيا و تاريخ الطب بمختلف مراحله، لتتعدد كتبه، أهمها كتاب «تاريخ الطب في المغرب»، خائضا في مختلف مراحل هذا المبحث، متحديا قلة التوثيق، وتشتت المعطيات في المجلدات الطويلة، ما لا يلغي اطلاقا أهميتها وغناها بل وسابقيتها على تجارب أخرى، يكفي أن نشير مثلا إلى أن بلدنا عرف استحداث أول وزارة للصحة في العالم. وقسم البروفيسور في عرضه الذي دام لتسعين دقيقة، مراحل تاريخ الطب إلى خمس مراحل أساسية، منذ ما قبل التاريخ إلى الأدارسة، و مرحلة الأدارسة، ومرحلة جمع فيها المرابطين والموحدين، ومرحلة المرينيين ومرحلة السعدين، ثم مرحلة العلويين، ضمنها مرحلة تدخل الحماية. أما عن الفترة الأولى فكشف السيد أخميس أننا نتعرف عليها عبر كهف بشمال المغرب، اكتشف فيه منقبون، أكثر من مئتي هيكل محفظ بطريقة جيدة، تعلمنا عن أن ومنذ ما قبل التاريخ بقرون، عرف أجدادنا جبر الكسور بنجاح وطرق مبتكرة لتنظيف الأسنان، وإن غلب عليهم اجمالا استعمال السحر، ثم حتى اذا وصل الرومان للمملكة، مكنوا عبر كتاباتهم، من معرفة أن الناس في تلك المرحلة كانوا يتقنون التعامل مع الأعشاب، وتحدثوا عن أول طبيب، وهو أمازيغي من المنطقة الغربية، اسمه «أوفوربيس»، وبدأ منذ ذلك الحين المبكر استعمال الأدوات الجراحية. بوصول العرب إلى المغرب، وصل معهم تراثهم في الطب، بعناصر منها الحجامة ووصايا الرسول وأحاديثه، كما أن الأدارسة أتووا بأطباء من سوريا، كانوا قد تعرفوا وترجموا أشياء من طب الفرس واليونان، وان بقي ذلك على الهامش مقارنة بالرغبة في اتباع عادات رسول الاسلام في التشافي. في المرحلة الثالثة ومع تداخل المغرب والأندلس، برزت في المغرب أسماء أطباء أندلسيين عاشووا في البلدين، هم ابن رشد وابن طفيل وابن زهر، تميز هذا الأخير بأن كتب كتاب في المبحث هو كتاب «التيسير»، كما أنه كان ينتمي لعائلة من الأطباء، كان من بينهم أول طبيبة في البلد، وقد عاش في قصر الخليفة، وأبدع للشفاء أدوية وأغذية وخمورا، للتشافي. وقد أنشأ الخليفة أول مستشفى، بمدينة مراكش، سمي «دار الفرج»، نجد وصفه في كتاب «المعجب»، ويروي عن أن الماء الساخن والبارد كانا متوفرين فيه، كما فيه أمكنة للاغتسال ومراحض متعددة وأرضيته من رخام، وكان بإمكان المرضى اختيار أكلهم، كما أنهم كانوا يمنحون مبلغا من المال لما يتعافون، قصد استئناف حياتهم، وكان المستشفى تابعا للحبوس. وجمع المرينيون الذيم جاؤوا في المرحلة الرابعة من تصنيف الدكتور، عددا ضخما من الكتب، وأتووا للقرويين بأساتذة أجانب لأول مرة في تاريخ الجامعة، واستحدثوا نظاما للإجازة في الطب لأول مرة،كان المنتسبون إليه مجبرين على القسم بألا يأخذوا مقابلا ماديا من غير الأغنياء عن خدماتهم. في تلك المرحلة برزت أسماء ابن الخطيب والتديلي، وظهرت لأول مرة مستشفيات خاصة بالأمراض النفسية كمستشفى سيدي فرج، الذي كان فيه الأطباء يتواصون باللطافة مع مرضاهم، وقد استعملوا لأول مرة العلاج بالموسيقى، فكانوا يحضرون مغنين للموسيقى الأندلسية، ضمن فضاء طبيعي جميل. ويروي لنا الليون الافريقي عن مرحلة السعديين كثيرا، في تلك المرحلة التي اخترعت أدوية للتخدير، وتميز طبيب الخليفة الوزير الغساني، الذي كتب كتابه «حقيقة الأزهار» بلغة شعرية لطيفة، هي أقرب للدارجة المتداولة، صنف فيها مثلا لا حصرا أدوية التخذير. أخيرا تحدث الطبيب الجراح عن العلويين، فعين مولاي الرشيد بالذكر، لأنه كان طبيبا شغوفا، وقد شجع الطلبة على دراسة الطب بمنحهم منحا ماديا، كما أن مولاي اسماعيل رسم الكثير من الأطباء بظهير ملكي ومكنهم من الدعم، ومنحهم بيوتا خاصة. وتميزت حينها أسماء أطباء كالدرعي وابن شقرون. وقد عرف الأطباء المغاربة صعوبات جمة في فترة الحماية، وتم الاستعانة بأطباء فرنسيين. وذلك لم يمنع من تميز أسماء كعبد السلام العلمي، الذي درس الطب بالقاهرة، وكتب كتاب «ضياء المبراز في حل مفردات انطاق لغة فاس»، كما قام بمجهود لتوفير كتاب للترجمة هو «الأسرار المحكمة في حل رموز الكتب المترجمة». لكن الصبغة العامة في القرن 19 هي تراجع الطب أمام الشعوذة والتبرك والكي والطلاسم والجذبة والتدين الخرافي، فكان آخر دبلوم تمنحه القرويين في 1893 وتحولت المستشفيات إلى «بنيقات» للمجانين، ما خففته الحماية، بصدمة معاكسة، فبني أول مستشفى حديث في المغرب أربع سنوات بعد الحماية أي سنة 1917، هو المستشفى مولاي يوسف بالدار البيضاء. ولخص الدكتور مصطفى أخميس تاريخ تطور الطب بالمغرب بناء على بحثه، إلى أن حرية الفكر والابداع والبحث مكنت أطباء المغرب من التقدم طبيا بشكل متواصل، لكن تحكم التدين الخرافي والتنميط كان نكسة، وأن الحماية لم تكن شرا مطلقا، فصدمة التعامل مع الفرنسي المستعمر أعادت للطب في المغرب ازدهاره وفتحت أمامه آفاقا أوسع من جديد.