أثار تفاعل الجمهورية الإسلامية الموريتانية السريع مع الدعوة التي وجهتها الجزائر لعقد قمة مغاربية في أقرب الآجال على مستوى وزراء الخارجية، في إطار اتحاد المغرب العربي، (أثار) جدلا واسعا داخل الأوساط المغاربية حول خلفية القرار الاتفاقي ومقاصده الخفية. ولم تتأخر الجارة الجنوبية للمملكة في التعبير عن تمسكها ببناء الوحدة المغاربية وتعزيز أواصر المحبة والأخوة بين دول اتحاد المغرب العربي، معلنة استعدادها الكامل لاحتضان الاجتماع الطارئ الخاص بوزراء خارجية الدول الخمس، استجابة للدعوة الجزائرية التي أعلنت عنها بحر الأسبوع الماضي. جاء ذلك في بيان صادر عن وزارة الخارجية الموريتانية، قالت فيه إن "موريتانيا ترحب بالدعوة إلى انعقاد دورة طارئة لوزراء خارجية دول الاتحاد، وتعرب عن رغبتها واستعدادها لاستضافة هذه الدورة في أقرب الآجال"، مشيرة الى أنها "دأبت في كل المحافل العربية والقارية والدولية على التأكيد بتمسكها باتحاد المغرب العربي إطارا لتعزيز أواصر الأخوة". وتأتي الاستجابة الموريتانية السريعة مع الطلب الجزائري في ظل تجاهل "قصر المرادية" لمقترح الملك محمد السادس بدعوته إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار المباشر مع الجزائريين، في خطاب رسمي بمناسبة الذكرى ال43 للمسيرة الخضراء؛ الشيء الذي عكس توافق السياسات الخارجية للجارتين الشرقية والجنوبية للمملكة، الذي وصل حد التطابق في السنوات الأخيرة. وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال عبد الله الزين، نائب رئيس المنتدى المغربي الموريتاني للصداقة والتعاون، إن "التفاعل الأخير الذي شهده الفضاء المغاربي بعد دعوة العاهل المغربي الأخيرة للجزائر، هو في حد ذاته حراك مهم أرسل عدة إشارات واضحة إلى جميع الأطراف"، مضيفا أن "تلك الإشارات جعلت كافة دول المُنتظم المغاربي تفكر في إعادة النظر في طبيعة العمل المشترك وفق أجندات تتجاوز الخلافات الجزئية السابقة". ويعتقد الباحث الموريتاني في علم الأنثروبولوجيا السياسية أن "استجابة الجزائر ودعوة موريتانيا وزراء خارجية الاتحاد للاجتماع على أراضيها، يمكن فهمهما في إطار حُسن النية السياسي الذي كان غائبا لمدة طويلة"، وهو ما أدى، بحسبه، إلى "موت اتحاد المغرب العربي سريريا". وأوضح ولد الزين أن "هناك أشياء مهمة يمكن فهمها من هذا الحراك المغاربي، في مقدمتها أنه جاء بعد موجة يأس مجتمعي من جدوى هذا الكيان. وعليه، فإن هذا الحراك يمكننا أن نعتبره حراك الفرصة الأخيرة الذي نتمنى أن يتكلل بالنجاح"، لافتا الى أن "الشباب المغاربي عموما يتطلع إلى فهم الخلاف وتدبيره، لكي لا ينعكس سلباً على شعوب المنطقة التي تتوق إلى التكاثف وتجاوُز كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تتهددها". وفي رده على سؤال حول طبيعة العلاقة البينية بين الدول المغاربية، قال المتحدث إن "علاقات البلدان المغاربية تشهد انتعاشاً متقدما، خصوصا بين موريتانياوالجزائر، وهذا من الأشياء الإيجابية لكن لا يجب أن يكون على حساب دول أخرى كالمغرب الشقيق". وفي السياق ذاته، يرى مراقبون موريتانيون أن نظامهم يسعى إلى رأب الصدع الحاصل داخل العلاقات الثنائية الجزائرية-المغربية، من خلال تنظيم اجتماع على مستوى وزراء خارجية البلدان الخمس، مشيرين إلى أن استقرار وأمن المنطقة المغاربية مرتبطان بمتانة وصلابة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين. وحول جدلية التقارب السياسي بين النظامين الموريتاني والجزائري وعلاقته بمصالح المملكة، يرى المراقبون الموريتانيون أن العلاقات الموريتانية-الجزائرية "معقدة جدا، لأنها مؤسسة على الربح والمصلحة أساسا، عكس العلاقة مع المملكة المغربية المبنية على الأخوة والتكامل"، وأوضحوا أن "الربح والمصلحة سر قوة العلاقات الموريتانية-الجزائرية في الفترة الحالية، وسر هشاشتها وحساسيتها أيضا"، مؤكدين أن علاقات بلدهم مع الجزائر "لا يمكن إلا أن تكون جيدة جدا أو سيئة للغاية، وأي توتر قد يحصل مستقبلا بينهما سيؤدي حتما إلى خلل قيادي وعصيان مدني داخلي وشيك". في المقابل، يرى معارضون موريتانيون أن "الجزائر لم تستسغ دعوة العاهل المغربي إلى فتح حوار ووضع آليات تشاور بينهما، خاصة وأنها تأتي قبيل انعقاد المباحثات السياسية المتعلقة بقضية الصحراء التي ترعاها الأممالمتحدة"، وأن "الجارة الشرقية للمملكة لا تستطيع مواجهة مباشرة مع المغرب، لا على المستوى السياسي المتعلق بنزاع الصحراء ولا على المستوى الميداني الخاص بالعلاقات الثنائية بينهما، لأنها تعي جيدا أنها انزلاق أكبر من متطلبات الأزمة المرسومة مسبقا"، والبديل في نظرهم هو "استعداد النظام الموريتاني الحالي للعب دور كبش الفداء"، في ظل وجود "قيادة موريتانية مستعدة للقيام بذلك مقابل مصالح قد تكون متبادلة في الأساس"، حسب تعبيرهم. ولم يُخفِ هؤلاء تخوفهم من "قرب انتقال السلطة في البلدين وما سيرافق ذلك من تحولات مخيفة في سياسة النظامين، تجعل المنطقة المغاربية في وضع خطير يصعب احتواؤه"، مجمعين على أن "أي مواجهة عسكرية في المنطقة اليوم مهما كان حجمها مدمرة للجميع ومسيئة إلى شعوب هذه البلدان التي أصبحت تتجه إلى الحلول السلمية المدنية عن طريق الاستفتاء والقانون الدولي والاحتكام إلى العقل".