اعتبر الباحث السياسي المغربي، محمد شقير، أن تصريحات وزير الخارجية السابق صلاح الدين مزوار حول الحراك بالجزائر، وقبلها تصريحات الأمين العام السابق لحزب الاستقلال حميد شباط بشأن تبعية موريتانيا التاريخية للمغرب، تعكس انعدام أي حس دبلوماسي لبعض قياديي الطبقة الحزبية بالمملكة. وأضاف شقير في مقال توصلت به هسبريس أن تصريحات بعض القادة الحزبيين "غير المسؤولة" حول قضايا دبلوماسية حساسة ترتبط بالسياسة الخارجية للمملكة تعكس ضعفا شديدا في مستوى الحس الدبلوماسي للطبقة الحزبية، سواء فيما يتعلق بشمولية المنظور السياسي أو التعامل الدبلوماسي القائم على مبدأ التحفظ وانتقاء الكلمات المناسبة في مجال السياسة الخارجية. في ما يلي نص مقال شقير: يبدو أن الطبقة الحزبية بالمغرب لا تعاني فقط من ضعف كفاءتها في تدبير الشأن السياسي الداخلي، بل تعاني أيضا من انعدام الحس الدبلوماسي؛ حيث إذا كان التعديل الأخير لحكومة العثماني قد أظهر قلة الكفاءات الحزبية ضمن تشكيلتها التي غلب عليها البروفايل التكنوقراطي، فإن تصريحات الرئيس السابق حزب التجمع الوطني للأحرار الرئيس المستقيل للاتحاد العام لمقاولات المغرب صلاح الدين مزوار حول الحراك بالجزائر، وقبلها تصريحات الأمين العام السابق لحزب الاستقلال حميد شباط بشأن تبعية موريتانيا التاريخية للمغرب تعكس انعدام أي حس دبلوماسي لبعض قياديي الطبقة الحزبية بالمغرب. تصريحات شباط وإحراج الدبلوماسية الرسمية خلال لقاء داخل نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، التابعة لحزب الاستقلال، كانت لتصريحات شباط، الأمين العام للحزب، بأن موريتانيا كانت أرضا تابعة للمغرب، (كانت لها) تبعات ثقيلة فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية مع الجارة الموريتانية. وهكذا صرح خلال ذلك الاجتماع النقابي بأن "الانفصال الذي وقع عام 1959 خلق مشاكل للمغرب، ومن ذلك تأسيس دولة موريتانيا، رغم أن هذه الأراضي تبقى مغربية، وأن كل المؤرخين يؤكدون على ذلك"، لافتًا إلى أن حزب الاستقلال آمن بأن حدود المغرب تمتد من "سبتةالمحتلة إلى نهر السنغال". وتابع حميد شباط أن "الاستقلال الذي وقعه المغرب رسميًا مع فرنسا وإسبانيا لم يكن كاملاً، وأن "عدة أراض مغربية بقيت محتلة بعد ذلك"، كما أشار إلى أن تندوف وكولومب بشار والقنادسة، وهي أراضٍ توجد حاليا تحت السيادة الجزائرية، هي الأخرى مغربية تاريخيا، متهمَا موريتانيا بتسهيل وصول جبهة البوليساريو إلى منطقة الكركرات القريبة من الحدود الشمالية الموريتانية تصريحات شباط وتوتير العلاقات السياسية الثنائية أثارت تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال غضب الجهات العليا بالجمهورية الموريتانية في توقيت وظرفية سياسية دقيقة أصبحت تشكل فيها حلقة رئيسية ضمن السياسة الإفريقية الجديدة التي دشنها العاهل المغربي بزياراته المتكررة إلى العديد من الدول الإفريقية، سواء في غرب القارة أو في شرقها، تمهيدا لانضمام المملكة إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب دبلوماسي دام لأكثر من ثلاثة عقود. ولأجل ذلك، فقد تسببت تصريحات شباط في إحراج كبير للدبلوماسية الرسمية. تصريحات شباط وحرب البلاغات أثار تصريح شباط ردود فعل من طرف الجانب الموريتاني لتندلع حرب البلاغات بين حزب الاستقلال والحزب الحاكم الموريتاني، حيث أصدر حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" بلاغا شديد اللهجة عبر من خلاله عن استيائه من الأمين العام لحزب الاستقلال، قائلا إنه "احترامًا لحرية الرأي والتعبير والصحافة... غضضنا في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الطرف عن كثير من التجاوزات الإعلامية في حق بلدنا، كان مصدرها دائمًا نخبًا وإعلاميين مغاربة"، مضيفًا أن "شباط تكلم في أمر لا يدرك أبعاده، ولا يسعه مستواه السياسي ولا الثقافي التاريخي للخوض فيه، فسياسيًا لا يعدو كلامه عن تبعية موريتانيا للمغرب محاولة لتصدير أزمات وإخفاقات حزبية ومحلية داخلية، ولسنا في وارد الحديث مطلقًا حول استقلال موريتانيا وسيادتها على أرضها، فهو أمر يعلو عن كل حديث". وأضاف البلاغ بلهجة حادة من شأنها أن تخلق أزمة في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، "إلا أن المطلع على أبجديات التاريخ يدرك أنا كنا الكل وهم الجزء، وأننا بناة مراكش والمنتصرون في الزلاقة". كما قال إن حديث حميد شباط "ينم عن صفاقة وانحطاط إلى قاع الإفلاس السياسي وغياب للرؤية الاستراتيجية لا مثيل له، تعاني منه نخب مغربية أفلست ووضعت المغرب في عزلة وحالة توتر مع كل جيرانه، ولذلك لفظها الشعب المغربي في كل استحقاق رغم قوة السلطة ونفوذ المال السياسي". وفي الختام، دعا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الموريتاني "كل القيادات الاستقلالية والنخب المغربية إلى تقديم الاعتذار للشعب الموريتاني، وأكد أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد المناسب". في المقابل، رد حزب الاستقلال على بلاغ حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية الموريتاني"، بإصداره هو الآخر بلاغا شديد اللهجة جاء فيه أن "الحديث عن كون موريتانيا جزء من المغرب كان موضوع نقاش وانقسام"، مؤكدا أنه "عندما اختار الشعب الموريتاني الشقيق بناء دولة مستقلة، قبل حزب الاستقلال بذلك دون تردد". وفي الوقت نفسه، أشار الحزب إلى أن قيادة الاتحاد من أجل الجمهورية "واقعة تحت تأثير جهة تتوهم أنها تستطيع تنفيس أزمتها الداخلية باستدعاء الشعور الوطني وتهييجه ضد حزب الاستقلال والمغرب". التطويق الدبلوماسي الرسمي لاحتواء الأزمة تسببت هذه التصريحات المستفزة للأمين العام لحزب الاستقلال في أزمة دبلوماسية للمملكة مع جارتها الجنوبية في فترة تميزت بتعبئة دبلوماسية لتنفيذ السياسية الملكية الجديدة بشأن عودة المغرب إلى الحضيرة الإفريقية، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الغياب السياسي والدبلوماسي عن أجهزتها الإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي. وهكذا عملت السلطات الرسمية على محاولة تطويق هذه الأزمة التي يمكن إذا ما تطورت أن تكون لها عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية بين البلدين. ولعل هذا ما دفع بوزارة الشؤون الخارجية إلى الإسراع بإصدار بلاغ رسمي عبرت فيه عن أسف المملكة لتصريحات حميد شباط، "التي تفتقد بشكل واضح للتأني والنضج"، مضيفة أن "الأمين العام للحزب ينخرط في نفس المنطق الذي يتحدث به أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية، الذين يحاربون عودتها الشرعية إلى عائلتها المؤسسية في أفريقيا، كما تضر بالعلاقات مع بلد جار وشقيق"، وتنم "عن جهل عميق بتوجهات الدبلوماسية المغربية التي سطرها الملك محمد السادس، القائمة على حسن الجوار والتضامن والتعاون مع موريتانيا الشقيقة". بالإضافة إلى ذلك، أكدت وزارة الشؤون الخارجية المغربية أن "المغرب يعبر بشكل رسمي عن احترامه التام لحدود الجمهورية الإسلامية الموريتانية المعروفة، والمتعارف عليها من قبل القانون الدولي، ولوحدتها الترابية"، مضيفة أن المغرب "واثق من أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ورئيسها وحكومتها وشعبها، لن يولوا أية أهميّة لهذا النوع من التصريحات التي لا تمس سوى بمصداقية الشخص الذي صدرت عنه". ولم تكتف السلطات العليا بإصدار هذا البلاغ، بل اتصل الملك محمد السادس هاتفيا بالرئيس الموريتاني مؤكدا له أن "المغرب يعترف بالوحدة الترابية" لموريتانيا. وحتى لا تؤدي هذه التصريحات وحرب البلاغات التي نجمت عنها في حالة عدم احتوائها إلى الزيادة في توتير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي كانت تعاني من الكثير من البرود السياسي والتشنج الدبلوماسي، كلف الملك رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله بنكيران مرفوقا بوزير الخارجية بوريطة بزيارة إلى موريتانيا لتقديم اعتذار لما جاء على لسان الأمين العام لحزب الاستقلال، و"تبديد كل سوء فهم". وقد تضمن البيان الصحافي لرئيس الحكومة، بعد لقائه الرئيس الموريتاني، أن علاقات البلدين ترتكز على أسس راسخة من الاحترام المتبادل، وأن الملك محمد السادس يولي اهتماما خاصا للعلاقات مع نواكشوط، وأن موريتانيا دولة شقيقة وعزيزة ولها مكانة خاصة... كما أوضح أن "التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الاستقلال لا تعبر إلا عن وجهة نظر شخصية". وإلى جانب هذه الإجراءات الرسمية والمبادرات الدبلوماسية، اضطر الأمين العام لحزب الاستقلال إلى تقديم اعتذار عن "سوء الفهم" الناجم عن قوله إن "موريتانيا جزء من المغرب"، من خلال مقال افتتاحي في صحيفة "العلم" التابعة للحزب؛ حيث كتب أن "الأمين العام وقيادات حزب الاستقلال لا تتردد في الاعتذار لموريتانيا الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا". كما أوضحت الافتتاحية أن "الأمين العام للحزب كان بصدد الحديث عن سياق تاريخي مضى وولى، وموقف حزب الاستقلال من موريتانيا الشقيقة "هو بالضبط ما أكده العاهل المغربي محمد السادس للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في الاتصال الأخير بينهما". من جانبه صرح الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال عادل بنحمزة لوكالة الصحافة الفرنسية بأن "اعتذار حزب الاستقلال وقيادته لموريتانيا وشعبها وحكومتها نابع من الاحترام الذي نكنه للجارة". تصريحات مزوار وتجاهل الدبلوماسية الرسمية خلال مداخلته في الندوة الدولية حول السياسات المنعقدة بمراكش في منتصف أكتوبر 2019، صرح رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب وزير الخارجية رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار السابق، صلاح الدين مزوار، بأن المغرب، ليس ب"معزل عما يحدث في كل من تونسوالجزائر"، وبأنه "متنبه لتطورات ومجريات الأحداث بالبلدين، قادر على أن يحمل هذا التحدي، وهناك إرادة سياسية قوية وفعلية لأجل بناء اتحاد مغاربي"، معتبرا أن ما تعيشه الجزائر من احتجاجات شعبية ورفض الشعب الجزائري للأحزاب الوطنية، وما تعيشه جارتها تونس بسبب المفاجأة التي خلقها التنافس الرئاسي ببلوغ كل من قيس سعيد ونبيل القروي، اللذين يشكلان نقيضين شاذين عن التأطيرات التنظيمية السياسية المعهودة، "عنوان توجه تحولي يكسر الأفكار العادية ويُربك التوقعات المترتبة عنه". وقال مزوار في هذا الصدد: "هناك تحولات بنيوية لكنها حاملة للأمل"، معتبرا أن "ما يقع في الجزائر من احتجاجات شعبية سليمة تدفع باتجاه النظام العسكري الحاكم إلى تقاسم السلطة مؤشر على أن الشعب ماض في الضغط لأجل تحقيق مطالبه حتى وإن رفض التأطير السياسي للتنظيمات الحزبية الوطنية. ومن المؤكد أن الجزائر لن تتراجع إلى الوراء، بل ستمضي في اتجاه تقاسم السلطة. وهذا فيه الكثير من الإيجابية بالنظر إلى كافة المتغيرات غير المتوقعة في بلد عاش عقودا تحت هيمنة النظام العسكري. والشيء نفسه ينسحب على تونس وما تمنحه الآن وبعد مرور ثماني سنوات على ثورة الياسمين بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي حمل التنافس عليها مرشحان خارج التأطير والتوقع." لكن يبدو أن ما تضمنته مداخلة وزير الخارجية السابق جر عليه غضب الجهات العليا بالمملكة نظرا لتجاهله لعدة معطيات سياسية، من أهمها عدم انضباطه للموقف الرسمي الذي اتخذ طابع الحياد الصامت مما يجري في الجزائر، حيث انعكس هذا الصمت الرسمي منذ بداية الحراك الشعبي بالجارة الشرقية للمملكة. فحتى بعدما رفعت شعارات قدحت في الانتماء المغربي للرئيس بوتفليقة (بوتفليقة المروكي)، اقتصر الرد الرسمي على بعض التصريحات المقتضبة بأن "المغرب ليس له أي علاقة بهذه الأحداث". وبالتالي، فقد حرص الإعلام الرسمي على الاكتفاء بنقل مسيرات الاحتجاج الأسبوعية كل جمعة وثلاثاء دون إبداء أي موقف سياسي منها. كما أن التغطية الإعلامية لهذه المسيرات عادة ما لا تأخذ حيزا مهما من مساحة النشرات الإخبارية، الشيء الذي يذكر بالموقف الرسمي نفسه الذي اتخذ في عهد الملك الراحل الحسن الثاني إزاء الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر في عقد تسعينيات القرن الماضي. ويفسر هذا الموقف الرسمي بأن النظام السياسي المغربي لا يملك خياراً غير التحفظ، لأنه إذا عبّر عن موقف مؤيد للاحتجاجات، فقد يتورط في توتر جديد مع النظام الجزائري، خاصة لو بقي هذا الأخير. أما إذا سانده، فسيقع في توتر مع المعارضة الجزائرية. ولعل تجاهل مزوار كرئيس للباطرونا المغربية التي درجت على عدم الخوض في المسائل السياسية، وخاصة الدبلوماسية، وكرئيس سابق لأحد الأحزاب الكبرى في المملكة المشكلة لأغلبية حكومة العثماني الحالية، وكوزير خارجية سابق كان من المفروض أن يجيد فن إتقان مبدأ التحفظ، خاصة تجاه نظام سياسي له حساسية سياسية مفرطة من أي تدخل في شؤونه الداخلية، هو الذي دفع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج إلى الإسراع في إصدار بلاغ شديد اللهجة تشجب فيه هذا "التصرف غير المسؤول والأرعن والمتهوّر"، موردة أن "هذا التصريح أثار تساؤلات على مستوى الطبقة السياسية والرأي العام بخصوص توقيته ودوافعه الحقيقية". ولم يكتف مضمون هذا البلاغ بتقريع صلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي اعتقد أنه يتعين عليه التعليق على الوضع الداخلي بالجزائر، بل نبهه إلى أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يمكنه الحلول محل الحكومة في اتخاذ مواقف حول القضايا الدولية، لاسيما التطورات في الجزائر، البلد الجار، حيث موقف المملكة واضح وثابت بهذا الخصوص؛ فالمملكة المغربية قررت التمسك بنهج عدم التدخل إزاء التطورات في الجزائر؛ "إن المغرب يمتنع عن أي تعليق بهذا الخصوص، فهو ليس له أن يتدخل في التطورات الداخلية التي يشهدها هذا البلد الجار، ولا أن يعلق عليها بأي شكل كان". ولعل تجاهل مزوار للموقف الرسمي لدبلوماسية المملكة فيما يتعلق بالشأن الجزائري قد أدى ليس فقط إلى تقريع رئيس الاتحاد رئيس الحزب وزير الخارجية السابق وتوبيخه، بل عقابه أيضا من خلال إرغامه على الاستقالة من رئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛ حيث تضمن نص هذه الاستقالة اعتذاره عن هذا الخطأ الجسيم بقوله "بأسف شديد أبلغكم أني اتخذت القرار لأسباب شخصية قاهرة"، مضيفا: "أغتنم هذه الفرصة لأشكركم جميعاً على ثقتكم ودعمكم، وأتمنى أن يواصل القطاع الخاص أداء مهمته النبيلة في خدمة وطننا". من هنا، يبدو أن تصريحات بعض القادة الحزبيين "غير المسؤولة "حول قضايا دبلوماسية حساسة ترتبط بالسياسة الخارجية للمملكة تعكس ضعفا شديدا في مستوى الحس الدبلوماسي للطبقة الحزبية، سواء فيما يتعلق بشمولية المنظور السياسي أو التعامل الدبلوماسي القائم على مبدأ التحفظ وانتقاء الكلمات المناسبة في مجال السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول الأجنبية وممثليها. ولعل هذا ما دفع الملك الراحل الحسن الثاني إلى رفض إسناد وزارة الشؤون الخارجية لحكومة التناوب التوافقي مبررا ذلك بمواقف بعض أحزاب الكتلة فيما يتعلق بغزو العراق للكويت، حيث ساندت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية آنذاك هذا الغزو بدعوى هجوم التحالف الدولي على نظام صدام حسين البعثي. ويبدو أن تخوف الملك الراحل كان في محله وأكدته التجربة السياسية فيما بعد. فبعد ما أسندت وزارة الشؤون الخارجية لأحد قياديي حزب العدالة والتنمية، الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالي، لم يجد حرجا خلال زيارته إلى إحدى دول الخليج الحليفة من استقبال وفد من معارضة نظامها، الشيء الذي اضطر الملك إلى إقالته لاحتواء أزمة دبلوماسية قد تحدث بين البلدين. ولعل ضعف الحس الدبلوماسي لدى مكونات الطبقة الحزبية بالمغرب يمكن إرجاعه بالأساس إلى طبيعة النظام الدبلوماسي الرسمي الذي تحتكر فيه السياسة الخارجية من طرف المؤسسة الملكية التي ترسم توجهاتها وخارطة طريقها بدون أن تشرك النخب الحزبية في ذلك، بالإضافة إلى غياب أية آليات للتنسيق بين مربع القرار الدبلوماسي وأجهزة تدبير السياسة الخارجية وبين مكونات الطبقة الحزبية، فليست هناك لا اجتماعات تنسيقية ولا إخبارية منتظمة يتم من خلالها إطلاع هذه النخبة على التدابير والملابسات المتعلقة بالتعامل الدبلوماسي الرسمي، لا على المستوى الثنائي ولا على المستوى متعدد الأطراف، زيادة على أن الأحزاب لا تتوفر على أية بنيات لتكوين وتأطير أعضائها على تدبير الشأن الخارجي؛ إذ على الرغم من خلق ما يسمى بلجان الشؤون الخارجية داخل هذه الأحزاب، وما تتضمنه التقارير الحزبية من فقرات حول السياسة الخارجية على المستوى الإقليمي والدولي، فعادة ما يكون ذلك عبارات من حبر على ورق. وبالتالي، فإن إبعاد المؤسسة الحزبية عن المشاركة في صناعة القرار الخارجي ورسم السياسة الخارجية جعلها لا تتوفر على كفاءات تتقن تدبير الشأن الخارجي وتمثيل المصالح الوطنية بالخارج؛ إذ إن جل السفراء الذين يقترحون من طرف الأحزاب عادة ما تنقصهم التجربة السياسية والدبلوماسية، ويعتبرون أن تعيينهم على رأس بعض السفارات المغربية بالخارج هو نوع من المكافأة السياسية والحصول على بعض الامتيازات، لذا يقتصر نشاطهم الدبلوماسي على الاحتفال ببعض المناسبات الوطنية وتلبية دعوات السفارات الأجنبية الأخرى؛ فضعف تكوينهم في المجال الدبلوماسي وعدم إتقانهم في الغالب للغات البلدان التي يعينون فيها وعدم إلمامهم بتاريخها وحضارتها، إلى جانب عدم امتلاكهم للموارد الكافية للتعرف على الإمكانيات وفرص التبادل والاستثمار التي يمكن أن تستغل لصالح المغرب، يجعل من مقامهم الدبلوماسي نوعا من السياحة المريحة التي قد تطول أو تقصر تبعا لمنطق التنقيلات التي يعرفها الجهاز الدبلوماسي للبلاد.