فتحت السوق الانتخابية أبوابها، ونزل أكثر من 30 حزبا و1521 لائحة انتخابية وآلاف المرشحين للتباري على مقاعد مجلس النواب، البالغ عددها 392، وخطب ود 13 مليون ناخب مفترض.. كيف سيختار المواطن حزبه المفضل أو مرشحه المميز وسط هذا الركام من الأحزاب واللوائح والبرامج والشعارات والوعود والرموز؟ ما هي المعايير التي سيضعها جزء من الناخبين، الذين لا تتحكم في اختياراتهم الاعتبارات المالية أو القبلية أو السلطوية أو الدينية أو العاطفية، لاختيار من يمثلهم في غرفة التشريع؟ ومن يراقب الحكومة؟ ومن يشكل الأغلبية التي ستحكم خلال الخمس سنوات القادمة؟ أي كيف السبيل إلى الوصول إلى قرار سياسي عقلاني مبني على معرفة بمشروع الحزب وخطابه وسلوكه على أرض الواقع؟ لنعترف، أولا، بأن هذا النوع من الأسئلة لا يشغل فئات واسعة من الهيئة الناخبة، وأن هذا النوع من الأسئلة موجود أكثر لدى من يقاطعون الانتخابات لا من يشاركون فيها، وهذا أكبر مشكل تواجهه الانتخابات المغربية، التي لم تثقف الناخب لدينا على حسن الاختيار، والتي عملت على مدار عقود على إبعاد المواطنين المسيسين عن صندوق الاقتراع، ففي انتخابات 1977 شارك 82 % من المغاربة، وفي انتخابات 1984 شارك 67 %، وفي انتخابات 1993 نزل الرقم إلى 63 %، وفي انتخابات 1997 انخفضت النسبة إلى 58 %، ثم في الانتخابات الأولى بدون إدريس البصري، أي سنة 2002، نزل الرقم مرة أخرى إلى 52 %، ثم كانت قمة انهيار نسبة المشاركة سنة 2007 التي بلغت 37 %، وإذا احتسبنا العدد المهول للأصوات البيضاء، فالنسبة ستنزل إلى أقل من 30 %، وهذه كلها أرقام رسمية خرجت من وزارة الداخلية التي كانت دوما متهمة بالتلاعب في الأرقام والنتائج والنسب، لأن هذه الوزارة كانت تعتبر نفسها طرفا في الانتخابات وليست حكما، ولم تخول يوما لأية حكومة، كيفما كان لونها، إمكانية الإشراف على الانتخابات. نلاحظ، إذن، أن المغاربة كانوا يشاركون في الستينات والسبعينات والثمانينات في الانتخابات رغم نسب الأمية المرتفعة، ورغم ثقل سنوات الرصاص، ورغم كثرة القيود التي كانت تكبل صندوق الاقتراع، لكن عندما تتعرض أصواتهم للتلاعب مرارا وتكرارا، وعندما لا يرون أثرا لأصواتهم على الحكومات المتعاقبة ولا على أحوال معيشتهم، فإنهم يتركون الجمل بما حمل، ويختارون الابتعاد عن هذه اللعبة التي صارت بلا طعم، بل صارت مقاطعة الانتخابات عنوانا عن الوعي وسط المواطنين، وإبراء للذمة من شبهة تلقي أموال مقابل الذهاب إلى صندوق الاقتراع. الآن 25 نونبر ليس رقما أو يوما أو شهرا أو مجرد انتخابات لملء فراغ 392 مقعدا في مجلس النواب.. 25 نونبر امتحان لمدى قدرة النخب السياسية، وفي مقدمتها نخب الحكم، على إحداث قطيعة بين ما قبل يوم الاقتراع وما بعده، ومدى قدرة المملكة على اجتياز الموج والوصول بمراكبها إلى بر السلامة. بلا شك التحضير لهذا الامتحان لم يكن في مستوى التحدي، وصقور السلطة، الذين مازالوا لم يرفعوا الراية البيضاء، ولم يقروا بأن نهج السلطوية الخشنة، كما الناعمة، لم يعد له مكان، وأن السلطوية في زمن الربيع العربي لعبة روليت روسية خطيرة لا يقدم عليها صاحب سلطة في عنقه أمانة أمة بكاملها، ومع هذا مازال هناك بعض الأمل في أن الربح الحقيقي هو أن يمر يوم الاقتراع في مناخ شفاف، وأن يكتفي الجناح المتشدد في السلطة بما وضعه من قيود وحواجز وفخاخ في الترسانة القانونية التي تجري في ظلها الانتخابات الحالية، وأن يُترك المغاربة ليقولوا كلمتهم بلا خوف ولا إغراء ولا توجس. منذ 20 فبراير وخطاب 9 مارس ونحن نهدر الفرص، ونوسع احتمالات الخطر، ونتصور الربيع العربي مجرد قوس فتح ثم أقفل، وأن الاستثناء المغربي يعصمنا من التغيير، وهذه أوهام لا تمت إلى الحقائق بصلة.