منذ سنوات خلت ومدينة وزان تتخبط في حلقة مفرغة، بالرغم من عراقة "دار الضمانة" وتاريخها الضارب في القدم، تلك الحاضرة التي عاشت مرحلة النهضة وعصر التمدن قبل مدن كثيرة، وحظيت بشرف أن تكون "عاصمة روحية للمملكة" بفعل إشعاع زاويتها. غياب التأهيل والتثمين والتوثيق عن البنيان العمراني ومآثر المدينة واقتصار ذلك على روايات شفوية غير موثقة نقلت من لجيل إلى جيل دون تأريخها كموروث مشترك، استرعى اهتمام المثقفين والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني لطرح تساؤلات عن السر وراء فشل المدينة في استقطاب السياحة والنهوض بأوضاع التنمية، ليأتي الجواب من كونها لم تستطع مواكبة تنمية الموروث الثقافي والعمراني لهذه الحاضرة التاريخية التي شكلت موطنا للمسلمين واليهود في رمز للتعايش والتسامح الديني. سياق هذا الكلام يأتي على هامش ندوة علمية نظمها مجلس جماعة وزان، بشراكة مع وكالة تنمية أقاليم الشمال والوكالة الحضرية للعرائش، في موضوع "التراث المعماري لمدينة وزان من التوثيق التاريخي ورد الاعتبار إلى الاستثمار التنموي" استمرت إلى غاية ساعة متأخرة من ليلة أمس السبت واحتضنتها دار الشباب المسيرة. عبد الحليم علاوي، بصفته رئيسا لمجلس جماعة وزان، كان أول المتدخلين، وقال إن رهان الندوة يرفع شعارات كبرى تهم التأهيل والتوثيق أو التأريخ والتثمين، معتبرا هذه "التاءات" مهدا ومنطلقا لكل البرامج المقبلة لتأهيل وتجميل واجهات المباني والمآثر المتواجدة ب"المدينة العتيقة" وتثمين هذا الموروث في إطار مقاربة تشاركية تعرف إشراك مختلف المؤسسات الرسمية، (مجلس الجماعة، عمالة الإقليم، وزارة السياحة، وزارة الداخلية جمعيات المجتمع المدني، بالإضافة إلى القطاع الخاص). وأضاف علاوي: "بخصوص التأهيل، ستستفيد المدينة العتيقة لوزان من برنامج ثان في إطار سياسة المدينة، بهدف العناية بالموروث العمراني التاريخي، وتقوية التجهيزات الأساسية، وتأهيل المرافق العمومية والثقافية بها"، مشيرا إلى أن المشروع دخل مرحلة الدراسات التقنية. وناشد بهذا الخصوص السلطات الوصية "ضرورة العمل على دعم مدينة وزان ببرنامج ثالث قوي وكبير بإمكانيات أكبر لتغطية الفراغ الحاصل وتحسين جاذبية المدينة". وشدد علاوي على أن التوثيق يمر عبر التأريخ لهذا الموروث في مؤلفات، والانفتاح على الإنتاج السينمائي والوثائقي خدمة للتأليف، بالإضافة إلى تثمين مختلف الأنشطة التقليدية الحيوية والثقافية والاجتماعية والتجارية للحفاظ عليها داخل أزقة ودروب "وزان العتيقة" وجعلها عوامل استقرار، مع ضرورة توفير مزيد من البرامج التي تستهدف السياح من خلال إحداث وحدات فندقية ودور الضيافة التي تشكل عوامل جذب للمدينة. من جانبه، تطرق محمد يحي بوسليخان، مهندس عن الوكالة الحضرية بالعرائش، إلى "الميثاق الهندسي والمعماري والمشهدي ومسار دار الضمانة"، باعتباره دراسة تعدها الوكالة الحضرية بتنسيق مع وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، لتأطير الهندسة المعمارية والتهيئة الحضرية، وبهدف تطوير وتشجيع التدخلات الحضرية. وقال بوسليخان إن "المدينة العتيقة تتميز بموقع استراتيجي بهيج، وتختزن موروثا معماريا مهما على شكل أزقة وأحياء تضم رياضات ومساكن وأحياء لمختلف الحرفيين، الحدادين، الخراطين إلخ... جعلتها تكتسب تلك الهوية التاريخية". وأضاف المهندس ذاته أن "مسار دار الضمانة يمتد على طول 1900 متر، ينطلق من ساحة الاستقلال مرورا بالملاح ومسجد الزاوية، إلى ساحة الحدادين ودرب الخراطين وغيرها... وصولا إلى باب فاتحة"، مستحضرا جملة من التوصيات العمرانية والتوصيات المشهدية والمعمارية لتنزيله على أرض الواقع. أما الدكتور عبد الإله الغزاوي، فقد بدأ مداخلته من الدلالة الرمزية لاسم مدينة وزان، موضحا أن "الواو: ورع، الزاي: زهد، الألف: إيمان، والنون: نور"، مشبها إياها ب"العين التي لا يمكنها أن ترى ذاتها والتي كان اسمها يرن ببقاع الهند والبلقان"، معتبرا هذا الانتشار الواسع الذي حظيت به "مفيدا ومربكا" في الآن ذاته. وسافر الغزاوي بمن حجوا للموعد العلمي إلى تاريخ وأعلام الزاوية الوزانية ودار الضمانة، مشيدا بدور شيوخ الزاوية في إقلاع المدينة فكريا وثقافيا ومعماريا، مضيفا أن "منظومة العمران نسيج يحكمه نسق يختزل المدينة في دار، أي دار الضمانة، على اعتبار أن الدار تشكل مولدا للتواصل ولحمة الأسر ومهدا للتسامح والتعايش". وأكد المتحدث نفسه أن النسيج العمراني يضم عددا من المباني والأضرحة والمساجد والساحات والكتاتيب والعيون والسقايات والدور والبيوت والمنازل، وغيرها من المآثر التي مازالت شاهدة على عراقة المدينة وقدمها في التاريخ، وطالب ب"ضرورة الحفاظ على ما تبقى من الموروث العمراني والتاريخي للمدينة في الوقت الذي نالت أيادي الخراب والهدم من معالم كثيرة، ككنيسة حي العدير، وتعيش أخرى على وقع الإهمال"، رابطا العمران بالذاكرة وبشخوص مروا بالمدينة. محمد نور، نائب رئيس مجلس جماعة وزان مسير الندوة، قال إن "المجلس أخذ على عاتقه مهام التوثيق والتأهيل"، مشيرا إلى اتصالات مع مندوبية وزارة الثقافة قصد اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة التي تقضي بترتيب "المدينة العتيقة لوزان" ضمن لائحة التراث الثقافي الوطني وإعادة الاعتبار للتراث والعناية به. مداخلات الحضور أجمعت في مجملها على الوضعية الشائكة للتراث المعماري، والإهمال الكبير الذي طال الأضرحة ومساكن الأولياء وغرسة السلطان، وغيرها من الأماكن التاريخية، والموروث المادي واللامادي الذي يئن تحت وطأة التهميش، على غرار العديد من المآثر والكنوز الفنية المتقنة والمتبقية التي وزعت بعناية على الكثير من أركان المدينة، وأصبحت حاليا للأسف حاويات دائمة للمهملات والنفايات. وطالبت مداخلات القاعة بضرورة إشراك كافة المتدخلين لإعادة الاعتبار للمدينة، مع ضرورة التوثيق والتأريخ لحقب المدينة وكل ما يتعلق بها حتى لا يندثر أو على الأقل الحفاظ عل ما تبقى منه.