أروم في ورقتي هاته الاقتراب من موضوعات كتاب جديد تغيا البحث في إشكالات تنزيل القيم في المدرسة المغربية(1)، وهو بالمناسبة كتاب جماعي، قدم لمقالاته المحكمة الدكتور عمر الرويضي، وتم الاشتغال فيه على موضوعة القيم التي فرضت نفسها باعتبارها نقاشا حتميا، انطلاقا من أحداث محلية ووطنية عرفتها المدرسة المغربية في السنوات الأخيرة، والتي أعادت وضعية نساء ورجال التعليم وهيبة المدرسة المغربية إلى الواجهة، فكان هذا الكتاب مساهمة أساسية، كما جاء في مقدمة الكتاب، ما دامت القيم الركن الأعظم في تقويم سلوكات المتعلم المغربي في مجتمعه وفي مدرسته ووسط أسرته. لقد كانت مقاربة الكتاب لموضوع القيم، إيمانا بأهمية الموضوع، وتفاعلا مع بعض الأحداث اللاتربوية المعزولة التي عرفتها بعض المؤسسات التعليمية في مدن مغربية مختلفة، انبثقت فكرة تأليف كتاب جماعي يقارب موضوع القيم بأشكالها المختلفة، انطلاقا من إشكاليتي التنزيل والتفعيل. ويبدو من الصعب تقديم تصور متكامل ومنسجم حول طروحات المشاركين في هذا المؤلف، لاختلاف زوايا النظر، وتعدد أشكال التناول، لكن في انتظار إقبال القارئ الكريم على مواده، قراءة وتحليلا ونقدا، نقدم له بعجالة تصورا عاما ومركزا عن المقالات المدرجة فيه. جاء المقال الأول في الكتاب موسوما بعنوان: "المدرسة المغربية... أي قيم؟" الذي تساءلت فيه الباحثة "مها بنسعيد" عن خصوصية المدرسة التي نريد، باعتبارها مؤسسة اجتماعية رائدة في تطوير المجتمع وتنشئة الفرد وتربيته، وهذا ما يستدعي الاهتمام بها وبطبيعة القيم التي ننشدها من خلالها، غير أن الواقع يختلف تماما، من خلال طرح المدرسة لوضعية متناقضة بين خطاب التنظير وآليات الممارسة. أما البحث الثاني فقد جاء بعنوان "تحولات القيم في المجتمع المغربي بين الثابت والمتغير"، يتغيا كاتبه الباحث "خالد التوزاني" رصد الطابع المتغير للممارسة القيمية داخل المجتمع الواحد، باعتبارها سلوكا يخضع لمتغيرات اجتماعية خصوصا إذا كانت من إبداع البشر، وذلك لتحقيق حاجات نفسية واجتماعية، أما إذا كانت تسمو فوق كل جماعة بشرية وتصالحها ولا ترتبط بمكان ولا زمان، فهي قيم ثابتة مصدرها الأديان؛ فالتدين جاء لتهذيب السلوك وجعله مطابقا لمقتضى الحق تعالى من عباده وتوجيه البشرية نحو الكمال الأخلاقي بعيدا عن نوازع الذات والهوى وشرور النفس وشهواتها. كما أكد الباحث على أن المجتمع المغربي يستمد قيمه من الدين الإسلامي أولا، ومن العادات والتقاليد المتوارثة ثانيا، ثم من التراث الإنساني العالمي ثالثا وأخيرا. وجاء ثالث البحوث بعنوان: "المدرسة المغربية وسؤال القيم"، حيث انطلقت مساءلة الباحث "عز الدين المعتصم" فيه لموضوع القيم من نسج مقاربة شمولية صالحة ومنسجمة، تشمل كلا من المدرسة والمتعلم والقيم بكافة أشكالها، على اعتبار أن المتعلم في حاجة دائمة ومستمرة إلى نظام تعليمي متجدد، يدرك حاجة متعلميه ومتطلباتهم النمائية خصوصا إذا علمنا مسبقا أن العلاقة بين القيم والتربية علاقة متبادلة تتبادل التأثير والتأثر. وجاء رابع هذه البحوث للباحث "أحمد جيلالي" موسوما بعنوان: "التلميذ وتمثلات القيم"، وكان أكثر دقة في محاولة تحديد كيفية تلقي التلميذ المغربي للقيم داخل الفصل الدراسي، باعتبار هذا التلميذ جوهر الإصلاح، وقد تَم ذلك من خلال طرح إشكالات جوهرية ترتبط أساسا بهذا العنصر في علاقته بالقيم، ومناقشة التناقض الحاصل بين ما يتلقاه في الفصل الدراسي وبين ما يصدر عنه داخل المؤسسة أو خارجها أو هما معا، الأمر الذي يقتضي مما يقتضي تقويم القيم إسوة بالمعارف المكتسبة حسب الباحث نفسه طبعا. وتأسست أطروحة البحث الموالي المعنون ب: "تنميةُ قيم الإنجاز في المدرسة المغربية"رَاهِنِيَّةُ الخطاب وكَبَوَاتِ المُمارسة"، حول قيمة الإنجاز، التي يرى الكاتب "مصطفى بوخبزة" أنه لا محيد عن تنميتها وتطويرها في المدرسة المغربية، لتجاوز الخطاب الراهن وكبوات الممارسة، خصوصا وأن مآل القيم في الحياة المدرسية تداعى واختلت موازينه، واختفى حضور الحس بالأهمية القصوى المستضمرة للقيم الدينية والوطنية والمدنية والحداثية والحضارية. وجاء البحث السادس بعنوان: "المنظومة التربوية بين متعة المعرفة وإكراهات الواقع"، ليتساءل عن مدى إسهام القيم في ارتقاء المجتمعات باعتبارها ظاهرة اجتماعية تتداخل فيها أبعاد مختلفة، منها الوطني والإنساني والأخلاقي، وما تتطلبه هذه المكونات من ثوابت عامة مثل: العدالة والكرامة والاحترام. واعتبر الباحث "محمد يوب" التعليم مدخلا أساسيا لتنزيل القيم بكل أشكالها في صورتها السليمة، ما يستوجب وضع برامج ومناهج وفق مخطط محكم محدد المعالم، حتى يتم تجاوز المفارقة بين الخطاب وبين الممارسة. وحاول الباحث "خالد البورقادي" في مقاله المعنون ب"إدماج القيم في المنظومة التربوية المغربية بين الوثائق الرسمية والاشتغال الديداكتيكي"، أن يتوقف بتمعن شديد بين خطي التنظير والممارسة، وكيف يمكن التوفيق بين ما جاءت به الوثائق الرسمية والنصوص التشريعية بوصفها معطيات تنظيرية تؤكد على تصريف القيم بكافة أنواعها ضمن الكتب المدرسية، وبين الممارسة الصفية والاشتغال الديداكتيكي داخل الفصل الدراسي. لمناقشة هذا الطرح، توقف الكاتب بقلق عند مناقشة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ثم الكتاب الأبيض، بالإضافة إلى دفتر التحملات والكتب المدرسية باعتبارها أدوات ووسائط لتصريف المنهاج التربوي. وانتقل الباحث في مقاله إلى طرح الإشكالات العميقة التي يعانيها المنهاج التربوي المغربي بخصوص إدماج القيم في البرامج والمقررات الدراسية والمتمثلة أساسا في غياب النسقية والانسجام بين المواد، وهذا ما يؤثر سلبا على القيم التي تروم كل مادة تنزيلها إلى المتعلمين. وجاء البحث الثامن بعنوان: "تعليم وتعلم القيم في منهاج العلوم الاجتماعية: التربية على المواطنة والقيم البيئية نموذجا"، أكد كاتبه "المصطفى البرجاوي" أهمية المواد الاجتماعية في بناء الإنسان، ومن ثم أهمية المدخل القيمي والتربية على القيم التي جاءت بها الوثائق التربوية الرسمية ومواد العلوم الاجتماعية. ويقترح الباحث أهمية التدريس بمدخل التربية على القيم في العصر الحاضر، الذي أصبح يعج بالأحداث الاجتماعية والثورات العلمية والتكنولوجية الخارقة التي أثرت في فعالية الإنسان والمجتمع فكرا وعملا وسلوكا. من جهته، أكد "محمد أوداود" كاتب مقال "القيم في منهاج اللغة العربية أسس البناء وآليات التنزيل" على ضرورة مراجعة منظومة القيم الرسمية التي تؤطر الفعل التربوي، وذلك بجعلها أكثر مرونة وتجانسا مع القيم الفردية، بغاية ردم الهوة عبر وضع محكم لآليات التدخل والتعديل لمختلف سلوكات المتعلمين، تأسيسا على مقاربة تشاركية تحول المتمدرسين داخل الفضاء المدرسي من متلقين إلى مشاركين ومنخرطين، والعمل على تعزيز الشعور لديهم بالانتماء إلى الفضاء المدرسي. وتمحورت الدراسة العاشرة التي جاءت بعنوان: "دور الأندية التربوية في تنمية القيم لدى المتعلمين"، حول أهمية الأندية التربوية باعتبارها مدخلا مهما لتنمية القيم لدى المتعلمين، ولدورها الهام في المنظومة التعليمية المغربية بشكل عام، مع إبراز أهم التحديات التي تحول دون قيام هذه الأندية بدورها. ولكي يكون أكثر دقة، استند "المعتمد الخراز" في مقاله إلى وثائق ومذكرات وزارية رسمية مقتبسة من نصوص تشريعية، سواء الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000)، أم الكتاب الأبيض (2002)، أم دليل الحياة المدرسية (2008). وفي الأخير توقف الباحث بتمعن عند الصعوبات التي يمكن أن تعترض هذا الإجراء، ليعود إلى تأكيد أهمية تفعيل الأندية التربوية. وأكد د عمر الرويضي في مقاله "الأندية التربوية باعتبارها مدخلا لتنزيل القيم" ضرورة إعادة النظر في مختلف الوسائط المعتمدة في تنزيل القيم وتصريفها بين المتعلمين، على اعتبار أنها وسائط تقليدية لم تعد تستجيب لحاجات التلميذ في العصر الحديث، ومن الوسائط التي اقترحناها مدخلا لأداء هذه المهمة، تفعيل دور الأندية التربوية في بعدها الإجرائي، على اعتبار أن تعددها وتنوعها سيسهم قطعا في الاستجابة لمختلف الخيارات، وسيحترم كافة الميول والأذواق لدى المتعلمين. وفي المقال الثاني عشر، الذي جاء بعنوان: "دور المسرح المدرسيّ في تحقيق التّوازن لمنظومة القيَّم بالنّظام التَّربويّ المغربيّ" والذي اعتبر فيه الباحث "ياسين عطية" أن المسرح يحظى بدور أساس في تحقيق التوازن المنشود لمنظومة القيم بالمدرسة المغربية، من خلال تفعيل نادي المسرح أو محترف المسرح المدرسي داخل كل مؤسسة تعليمية، لما له من إمكانات هائلة في استقطاب المواهب والميول المختلفة، ولما له أيضا من قدرات هائلة على انصهار كل الأنشطة الأخرى، ولتضمنه قيما ومعايير أخلاقية مختلفة، مثل الشجاعة والبطولة والأمانة والإخلاص والعدالة وحب الخير... أما المقال الثالث عشر الموسوم بعنوان: "نحو مقاربة بيداغوجية مندمجة لتذويت قيم المواطنة في الحياة التدريسية"، فقد اختار كاتبه الباحث "سعيد النجاعي" "قيم المواطنة" موضوعا لورقته، على أساس مناقشتها من خلال إشكالات واضحة ترتكز أساسا حول الثوابت الضرورية المطلوبة في عملية تذويب قيم المواطنة، بالإضافة إلى سمات المقاربة البيداغوجية المندمجة القادرة على تذويت قيم المواطنة، وأخيرا التجارب النموذجية القابلة للاحتذاء والإثراء من أجل إرساء ممارسة تربوية مدنية قيمية ناجعة، قابلة للتطوير والتجديد. وفي المقال الموالي الذي عنونه كاتبه ب: "الحاجة إلى تثبيت مادة التربية الأخلاقية ضمن البرامج التعليمية"، فقد اعتبر "أيوب أيت فرية" القيم والأخلاق وجهين لعملة واحدة، وهذا ما يقتضي من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ممثلة في الأسرة والمدرسة والمجتمع، القيام بدورها المحوري في تعزيز دور القيم الأخلاقية عند الإنسان في علاقته بمحيطه، من خلال تفاعل إيجابي بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها. وفي المقال الخامس عشر الذي يحمل عنوان: "رؤية جديدة لتفعيل منظومة القيم بالمدرسة المغربية"، ركز الكاتب "عبد المطلب عبد الهادي" من خلاله على المستوى الإجرائي لتفعيل منظومة القيم بالمدرسة المغربية، بتعاون من الشركاء الأساسيين في العملية، المدرسة والأسرة إضافة إلى المتعلم. وقد رهن الباحث نجاح التنزيل القيمي للقيم بمختلف أشكالها بالمتعلم أساسا، الذي ينبغي أن تعطيه مؤسسته الأولوية ومشعل المسؤولية، وأن تثق في كفاءاته وخياراته، وللبرهنة على ذلك استند الكاتب إلى تجارب واقعية من مديرية سيدي البرنوصي بجهة الدارالبيضاء- سطات، انطلقت من إيمانها بالمقاربة التشاركية. وانصب اهتمام الباحثة "فاطمة اخدجو" في مقالها "الفضول العلمي والتفكر" على البعدين الديني والأخلاقي للممارسة القيمية، من خلال تعالق قيمتي الفضول العلمي والتفكر، باعتبارهما نشاطين فطريين مقرونين بشغف المعرفة الحقيقية عند أشخاص دون غيرهم، على أساس أن المجتمعات المتقدمة التي تمتلك سياسة تعليمية قوية، ترسي دعائم الفضول العلمي والتفكر، وتشجع على تخصيب الخيال وتغذية الذكاء وتطوير المهارات. واعتمد الباحث "كريم بلاد" كاتب المقال السابع عشر، الموسوم بعنوان: "القيم في الكتاب المدرسي: دراسة وصفية تحليلية" على المقاربة القيمية، انطلاقا من الكتاب المدرسي لمادة اللغة العربية للسلك الثانوي التأهيلي، والبحث في مدى اشتغال القيم فيه والترويج لها من خلال كل مكونات مادة اللغة العربية بهذا المستوى، سواءً أتعلق الأمر بالنصوص أم علوم اللغة أم التعبير والإنشاء، بل حتى في الدلائل الأيقونية/ الصور، أو في مراحل جزئية من القراءة المنهجية أو في التقويم الإجمالي. وفي المقال الموالي، المعنون ب: "سؤال القيم في الأنشطة التعليمية؛ كتاب منار اللغة العربية نموذجا"، رام الباحث "فضيل ناصري" مقاربة موضوع القيم التربوية في كتاب "منار اللغة العربية" الخاص بجذعي العلوم والتكنولوجيا، من خلال تناول مفهوم "النشاط" في اللغة والاصطلاح التربوي، لدراسة القيم في مكون النصوص، ثم تبيان القيم في مكون الدرس اللغوي، وانصرف في الأخير إلى رصد القيم في مكون التعبير والإنشاء. وفي بحثه "نحو بلاغة القيم في قصة "حلم الأرجوحة" لمحمّد أنقّار"، يتساءل الكاتب باستغراب عن مبررات اقتصار أدب الطفل على القيم الأخلاقية والوطنية والتربوية، وعدم تجاوز ذلك إلى قيم أخرى بديلة جمالية ونفسية... وانطلق الباحث في مقاربته لهذا الإشكال من البحث أولا في مكنونات الطفل النفسية والفيسيولوجية والاجتماعية واللغوية... وإسقاطها على الأدب والبحث في مختلف التقاطعات الممكنة التي يمكن أن تنتج لنا طفلا سويا، معتمدا في هذا الإسقاط على قصة "حلم الأرجوحة" للمرحوم الدكتور محمد أنقار. وتأسس مضمون الدراسة الموالية الموسومة بعنوان: "دور الصورة التوضيحية في التعبير عن التمثيلات القيمية في الكتاب المدرسي"، على مدى مساهمة الصورة التوضيحية في الكتب المدرسية في تشكيل تمثلات المتعلمين القيمية، وقد تبنى "حسن منير" إشكاله هذا انطلاقا من الصور التوضيحية التي تزخر بها الكتب المدرسية، وإسهامها في دعم وترسيخ صور نمطية وتمثلات سلبية، وهذا ما يتطلب تغييرها أو محاربتها. وحتى يكون أكثر دقة في مناقشة الموضوع بشكل إجرائي، اعتمد الباحث على بعض العينات من الكتب المدرسية الحاملة للقيم في سلك التعليم الثانوي التأهيلي. وجاء البحث الأخير من هذا الكتاب موسوما بعنوان: "القيم التربوية في ديوان "رحلة في دروب الحياة" للأستاذ عبد اللطيف كنون"، حيث تناول فيه "محمد أبحير" القيم التربوية عند الأستاذ "عبد اللطيف كنون" في ديوانه "رحلة في دروب الحياة"، من خلال أدب الأطفال الذي اعتبره ركنا رئيسيا في بناء شخصية الطفل وفي تكوين وجدانه وفي تنمية عواطفه، وفي ضبط انفعالاته وسمو لغته. وكان الكاتب دقيقا في بحثه من خلال الركون إلى مستويات أدبية قيمية بعينها. ويظل الكتاب مساهمة واعية بقيمة الموضوع "القيم" الذي اشتغلت عليه، وبحدود الأسئلة التي انطلقت منها، وبالمنهج التي رامت به مقاربة راهن المدرسة المغربية من مستويات متعددة، خصوصا وأن الباحثين المساهمين فيه من المزاولين لمهنة التدريس والتكوين، الشيء الذي حقق لدراساتهم بعدا واقعيا وقدرة على الإقناع..في انتظار أن تتهاطل دراسات أخرى تكشف جوانب أخرى من واقع المدرسة المغربية وتقترح حلولا لأدوائها. إشكالات تنزيل القيم في المدرسة المغربية، كتاب جماعي، المركز الدولي للأبحاث والدراسات العربية، دار كلمات للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى تمارة،المغرب، 2018