سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاصلاح التربوي بالمغرب: من المنهاج الدراسي إلى الكتاب المدرسي: ضرورة إعادة النظر في منهاج تدريس مادة اللغة العربية سواء من حيث البرامج المعتمدة ونصوص القراءة أو نظام التقويم أو مواصفات المتعلم.. بقلم // د. الوارث الحسن
ثانيا :المنهاج الدراسي لمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي و التوجيهات الواجب اتخاذها في مراجعته: 1-مداخل المنهاج الدراسيلمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي: يقوم منهاج اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي، على ثلاثة مداخل أساسية و هي مدخل التربية على القيم و مدخل التربية على الاختيار و اتخاذ القرار و مدخل الكفايات . و قد اعتبر الفاعلون التربويون هذه المداخل اختيارات استراتيجية للنهوض بتدريس اللغة العربية في هذا الطور و التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية و التكوين و أقر بوجوبها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في رؤيته الاستراتيجية 2015-2030 ، ضمن الرافعة الثالثة عشرة في شقها المتعلقبالتمكن من اللغات. وبالرجوع إلى هذه المداخل فإننا نجدها تتحدد وفق معايير لتطوير المناهج الدراسية المغربية بما يضمن للمتعلمين نموا معرفيا متكاملا يطبعه روح المسؤولية و القدرة على التمييز و اكتساب المعلومات و المهارات الفكرية المرتبطة بها : أ-مدخل التربية على القيم : تشمل القيم التي حددها الميثاق الوطني للتربية و التكوين ،على مرتكزات أساسية لبناء المنهاج و منها : -قيم العقيدة الإسلامية -قيم الهوية الحضارية و مبادئها الأخلاقية و الثقافية -قيم المواطنة -قيم حقوق الإنسان و مبادئها الكونية. من تم ، تعتبر مرتكزات منهاج اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي ، " مجالا خصبا لتفعيل و تعزيز الاختيارات و التوجهات التربوية المتعلقة بالتربية على القيم ، من خلال استدماجها و ترسيخها في نفوس المتعلمين ، فكرا و معرفة و ممارسة ، عبر نصوص ووضعيات حقيقية أو مستمدة من واقع الحياة اليومية للمتعلمين ". و بذلك نضمن خلق متعلم صالح معتز بوطنه و بهويته و عقيدته الإسلامية و منفتح على العالم ، مشارك في صناعة التقدم المعرفي لصالح الرقي بالبشرية و حضارتها في شكل تكوين ثقافي و علمي و ذلك بتوفير موضوعات قريبة من سنه و حاجياته الآنية و تطرح للدرس قضايا دينية و أخلاقية ووطنية. ب-مدخل التربية على الاختيار : صنف منهاج اللغة العربية على أساس الاختيار و اتخاذ القرار ، وفق ما جاء به الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، و ذلك بتقديم للمتعلم نماذج من النصوص القرائية ووضعيات تواصلية شفوية و كتابية ، تسمح له بالتمييز و تمنح له فرصة التقاط الصور المناسبة لفكره و طموحاته و تمهد له الطريق نحو اتخاذ القرار المناسب ، و كذا التصرف المطلق في اختيار ما يناسب توجهه الشحصي و تأهيله الذهني الخاص . و بذلك ، فمنهاج اللغة العربية في هذا الطور ، و من خلال هذه الأنشطة القرائية و الكتابية و الشفوية المختلفة، يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في"بناء شخصية المتعلم في شموليتها و تربيته على الاستقلالية ، و الوعي بالواجبات و الحقوق الفردية و الجماعية ، و التحلي بروح المسؤولية و القدرة على تدبير مشاريع شخصية أو جماعية ذات صلة بالحياة المدرسية و الاجتماعية ". ج-مدخل التربية على الكفايات : دخل التدريس بالكفايات إلى المدرسة المغربية و بالضبط في الطور الثانوي التأهيلي ، سنة 2000م عوض التدريس بالأهداف ، الذي كان سائدا من قبل ، و قدجاء تنفيذا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين . و يعتبر هذا المدخل اختيارا بيداغوجيا يحقق للمتعلم أسمى درجات التعلم في إطار نظام متكامل من المعارف و المهارات و المعلومات، التي تتيح للمتعلم فرصة توظيفها أثناء تعرضه لمشكلة أو إقباله على إعداد مشروع شخصي . و من تم ،القدرة على التفكيرفي حل القضايا المتغيرة التي يواجهها في حياته اليومية . و مثل هذا التعليم ، يقول الدكتور العربي شاووش : " يكسب التلميذ التفكير في حل القضية المشكلة سواء أخلاقية أو مجتمعية أو مهنية ... و من هنا ضرورة التفكير ". و تبعا لذلك ، فإن تدريس اللغة العربية بمدخل الكفايات ، يفرض "التعامل مع مجالات و مكونات هذه اللغة ، ليس باعتبارها غاية مقصودة لذاتها ، بل وسيلة أساسية لتلبية حاجات المتعلمين التواصلية. وفي هذا السياق يرى اللغويون ، أمثال شومسكي و ودسون و غيرهما من الباحثين ، أن التحكم في كفايات لغة ما يقتضي بالدرجة الأولى اكتساب كفاية لغوية بالتوازي مع كفاية تواصلية"،فضلا عن الكفاية المنهجية و الكفاية الثقافية . -الكفاية اللغوية : ينظر الباحثون التربويين إلى الكفاية اللغوية من منظورين إثنين : -الأول منهما : أن الكفاية اللغوية تعني " استدخال قواعد اللغة العربية في نظامها الصوتي و أنساقها الصرفية و أنماط نظمها الجملي و أنحاء أعاريبها و دلالات ألفاظها ووجوه استعمالها و أساليبها في البيان" . -الثاني : أن الكفاية اللغوية "تعني القدرة على تركيب عدد غير محدود من الجمل بالعربية وفقا لتلك القواعد" . و بالتالي ، فإن الكفاية اللغوية تعني من جهة ، فهم قواعد اللغة العربية ، المعجمية منها والصرفية و النحوية و الإملائية . و من جهة ثانية ، القدرة على استعمال هذه القواعد في التعبير والتركيب و التحليل. -الكفاية التواصلية: و التي تدخل في إطارالقدرة على التفاعل و الاندماج اللغويو استيعاب اللغة ،مع ما يتطلب ذلك من انفتاح على مختلف وسائل التواصل الأخرى كالرسم و التصوير و الحركات الجسدية و غيرها ... وقد اعتبر العالم اللغوي الأمريكي دل هايمز الكفاية التواصلية بأنها '' مجموعة القدرات التي تمكن المتعلم من اكتساب اللغة و استعمالها و توظيفها نطقا و كتابة في مختلف مجالات التواصل " . و بهذا ،فإن الكفاية التواصلية تنظر إلى القواعد اللغوية نظرة وظيفية ، من شأنها أن تتيح للفرد إمكانية امتلاك المعرفة الصوتية و المعجمية و الصرفية و النحوية ، و محاولة توظيف اللغة في سياقات اجتماعية –ثقافية بشكل سليم و مقبول ، وفق متطلبات الوضعية التواصلية . و من هذا المنطلق ، فإن الكفاية التواصلية ، تتضمن ثلاثة جوانب أساسية: جانب وظيفي وآخر اجتماعي- ثقافي و ثالث تفاعلي ، تلعب فيها اللغة ووسائل التواصل الأخرى الدور الرئيسي في العملية التعليمية . -الكفاية المنهجية : تقوم الكفاية المنهجية ، في تنظيم المعرفة و عرضها، على عدة منطلقات تربوية ،تستهدف في مجملها اكتساب المتعلم : -القدرة على التفكير و تطوير مدارجه العقلية -تنظيم ذاته و شؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي و مشاريعه الشخصية -استيعاب العملية التعليمية في الفصل و خارجه. 2- التوجيهات الواجب اتخاذها في مراجعة و تطوير المنهاج الدراسي لمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي: أ-اختيارات و توجيهات في منهاج اللغة العربية بالثانوي التأهيلي: انطلاقا من تفعيل الدعائم الرسمية المنبثقة عن الميثاق الوطني للتربية و التكوين في مجال تدريس اللغة العربية ، فإن الضرورة اقتضت اعتماد مضامين جديدة وفق اختيارات و توجيهات محددة، و تنظيمها داخل كل طور تعليمي بما يخدم مستقبل المتعلم في اكتساب المادة الأدبية و اللغوية عند انتقاله من مسلك تعليمي إلى آخر، و تمثلت هذه الاختيارات و التوجيهات في الانتقال من العمل بمفهوم "البرنامج" إلى الاشتغال بمفهوم" المنهاج".و ذلك من أجل ترسيخ مبدإ التعلم الذاتي يتجاوز سلبيات التكوين الكمي خصوصا في مواد تدريس اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي . و تتلخص هذه الاختيارات و التوجيهات في ثلاث دعائم أساسية ، هي : - إحداث التوازن في البناء الذاتي للمعرفة من خلال إشراك المتعلم في بناء أنشطة التعلم و تجاوز التلقين التقليدي القائم على التلقيم و الإملاء . -تفعيل أنشطة الإشراك و المساءلة و البحث و الاستكشاف من خلال التفاعل الإيجابي بين المتعلم و محيطه التربوي . -تنويع المقاربات و طرق تناول المعارف و العمل على استثمار عطاء فكر المتعلم في العملية التعليمية. -اعتماد طرق التنشيط الحديثة و العمل على استثمارها ،من أجل الانفتاح على ما جد من الوسائل التعليمية ، لخدمة التكامل بين المجالات المعرفية و التكنولوجية . -التركيز على مبدإ التكامل و التنسيق بين مختلف أنواع المعارف و أشكال التعبير . ب- مراجعة و تطويرالمنهاج الدراسي للغة العربية بالثانوي التأهيلي: إن الإقدام على مراجعة و تطوير المناهج الدراسية بشكل عام ، يتطلب ولاشك ، إنجاز دراسات علمية و بحوث تربوية ميدانية ، تستهدف بالأساس المتعلم نفسه ، لمعرفة حاجياته المرحلية و استكشاف متطلبات عصره من المعرفة التعليمية ، وذلك تجنبا للسقوط في مشاكل تربوية و تعليمية من شأنها أن تحيد عن المطلوب و تبتعد عن القصد . و هذا في رأينا ما يحتم إدخال تقنيات و منهجيات حديثة و متطورة لتزويد منهاج مادة اللغة العربية بالثانوي التأهيلي ، بآليات منهجية جديدة تساير تطور المجتمع و تحقق الإقلاع التربوي من جديد في اتجاه بلوغ جودة التعلمات المنشودة. كما بات من الضروري إعادة النظر في منهاج تدريس مادة اللغة العربية في هذا السلك التعليمي و غيره ، سواء من حيث البرامج المعتمدة و نصوص القراءة أو نظام التقويم أو مواصفات المتعلم و ذلك باعتماد مقاربات جديدة تعتمد الكيف و النوعية بدل الكم و النسخ . إن تطوير منهاج اللغة العربية بالطور الثانوي التأهلي ، أصبح اليوم ضرورة ملحة في ظل ما تعيشه المنظومة التعليمية من تجاذبات أملتها الحاجة الملحة للتغيير و التجديد و ذلك بهدف : تنمية المهارات العقلية ومهارات حل المشكلات وعدم الاقتصار على الحفظ والتذكر. مراعاة الفروق الفردية و الاجتماعية و الثقافية للمتعلمين مع تنمية مهارات التعليم الذاتي. تضمين المنهاج المفاهيم المعاصرة التي يجد فيها المتعلم ملاذه المعرفي ،مثل : تكثيف النصوص القرائية المعاصرة و الحديثة . الاستفادة من العولمة وتسخيرها في خدمة اللغة العربية و الانفتاح على التراث العربي الأصيل . *- أستاذ باحث