روسيا تحذر أميركا من "صب الزيت على النار" في أوكرانيا    دوري أبطال أفريقيا للسيدات.. الجيش الملكي يلاقي المسار المصري وعينه على العبور للنهائي    من حزب إداري إلى حزب متغول    أسعار اللحوم تتراجع في الأسواق مع وصول أولى الشحنات المستوردة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    الصيادلة يدعون لتوحيد الجهود ومواجهة التحديات الراهنة        الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما وتسجيل 26 هدفا لم يكن بالأمر السهل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    محطة جديدة متنقلة لتعزيز تزويد ساكنة برشيد بالماء الشروب السلطات المحلية لبرشيد و الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تدشن مشروع مهم في ظل تحديات الإجهاد المائي    يوعابد ل"برلمان.كوم": منخفض جوي متمركز بالمحيط الأطلسي غرب جزر الكناري وراء الأمطار التي تشهدها بلادنا    وزارة الداخلية تخصص 104 مليارات سنتيم لإحداث 130 مكتبًا لحفظ الصحة    جهة طنجة تشارك في منتدى للتعاون المتوسطي في مجال الطاقة والمناخ بمرسيليا    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    اتهمتهم بمعاداة السامية.. عمدة أمستردام تعتذر عن تصريحات تمييزية بحق مسلمي هولندا    المقاو-مة الفلسطينية: تصحيح المعادلات وكسر المستحيلات    عودة يوسف المريني لتدريب هلال الناظور بعد 20 عاما من الغياب    الشرطة توقف ناقل "حبوب مهلوسة"    نزاع حول أرض ينتهي بجريمة قتل    موسكو: كييف تفقد 900 ألف عسكري    اليونسكو تدرس ملف "تسجيل الحناء"    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    تراجع أسعار النفط بعد استئناف العمل في حقل ضخم بالنرويج    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    افتراءات ‬وزير سابق ‬على ‬المغرب ‬وفرنسا ‬وإسبانيا ‬وأمريكا ‬في ‬قضية ‬الصحراء    شيتاشن يفوز بنصف ماراثون ازيلال للمرة الثانية تواليا    ماذا سيتفيد المغرب من مليوني ونصف وثيقة تاريخية؟    مقتل 5 أشخاص في غارة إسرائيلية على بيروت وحزب الله ولبنان يقبلان اقتراحا أمريكيا لوقف إطلاق النار    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    ميناء الداخلة الأطلسي: مشروع استراتيجي يحقق تقدمًا بنسبة 27%    مجموعة صناعية دنماركية كبرى تفتح مكتباً في الداخلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة في الصحراء المغربية    توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية جهات المغرب وICLEI Africa    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    يحدث هذا في فرنسا … !    حادثة سير مميتة بتارودانت تخلف أربعة قتلى    الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوز: خطب الملك "القوية" وضعت الحكومة والبرلمان تحت الضغط
نشر في هسبريس يوم 10 - 11 - 2018

يطلق فريق البحث حول الأداء السياسي والدستوري، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس، بدعم من المجلة المغربية للسياسات العمومية، وبشراكة مع جريدة هسبريس الإلكترونية، سلسلة إصدارات عبارة عن أوراق سياسات، يتوقف خلالها مجموعة من الأساتذة والباحثين في تحليل موجز لقضية تشغل الرأي العام.
الورقة الأولى: الدخول البرلماني 2018 2019: تحديات وإكراهات
إذا تجاوزنا الأهمية التي يحتلها القانون المالي خلال الدورة الأولى من كل سنة تشريعية، لاسيما أن الأمر يتعلق بقانون عادة ما تسلط عليه الكثير من الأضواء، ويحتل مساحة زمنية كبرى من انشغالات البرلمانيين، والرأي العام ووسائل الإعلام أيضا، فإن هناك أربعة معطيات أساسية تسم الدخول البرلماني لهذه السنة بطابع خاص، وتضع المؤسسة التشريعية أمام تحديات مهمة، وهي:
أولا الخطب الملكية الأخيرة، وعلى وجه التحديد خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب وخطاب افتتاح السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، وما تضمنته من توجيهات للطبقة السياسية عموما، وللحكومة والبرلمان على وجه الخصوص، كل في مجال اختصاصه، تتعلق بضرورة الانتباه إلى ملفات وقضايا اجتماعية حارقة (التربية والتعليم، قضايا الشباب، التشغيل، الفوارق الاجتماعية..)، وتحث على أهمية بلورة "نموذج تنموي وطني جديد"، يستجيب لحاجيات المواطنين، وقادر على الحد من الفوارق والتفاوت، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية ومواكبة التطورات الوطنية والعالمية.
الأمر يتعلق بخطب قوية وضعت الحكومة والبرلمان معا تحت الضغط، وفرضت عليهما أجندة زمنية صارمة تهم قضايا تفرض نفسها بإلحاح، وتعكس استشعار الفاعل السياسي الرئيسي بالخطورة التي أضحى يشكلها تنامي الاحتجاج الاجتماعي، واتخاذه في بعض الحالات لأبعاد وأساليب غير مسبوقة، على نحو ما برز مثلا خلال الصيف الماضي في بعض شواطئ الشمال المغربي مع تحول الهجرة السرية إلى هجرة علنية.
ثانيا طبيعة مشاريع القوانين المطروحة في جدول أعمال المؤسسة التشريعية؛ فهي على درجة كبيرة من الأهمية، لاسيما أنها تتعلق بقضايا اجتماعية هي بالضبط تلك التي كانت موضوعا للخطب الملكية المشار إليها آنفا، كما أنها تغذي الكثير من النقاش في الوقت الحاضر في ساحة التداول الإعلامي ولدى الرأي العام.
فمشروع القانون الإطار المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين في المغرب يستمد أهميته من كونه يندرج في إطار إستراتيجية إصلاح منظومة التربية والتكوين 218 2030 التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ويقدم بالتالي كجواب مفترض على أزمة عميقة تخترق نظامنا التعليمي والتربوي، بعدما ظل هذا الملف الشائك والمعقد يغذي النقاش منذ سنوات، دون أن تنفع توالي الإصلاحات التي طرحت منذ بداية الألفية الثالثة في تحقيق تقدم كبير في اتجاه جعل المدرسة المغربية تواكب التحولات التي يعرفها عالم اليوم، وتواجه الأعطاب والاختلالات التي ظلت تواجهها لعقود من الزمن.
أما مشروع القانون المتعلق بالتجنيد الإجباري فأهميته ترتبط بالأسئلة التي تطرح حول أسباب نزوله، ودواعيه ودوافعه الحقيقية، لاسيما أن هذا الإجراء كان قد تم التراجع عنه في نهاية العشرية الأولى من الألفية الثالثة، كما يستمد أهميته من التساؤل الذي يطرحه حول قدرة البرلمان على نقل هذا الإجراء من مفهوم التجنيد الإجباري إلى مفهوم الخدمة الوطنية كما هي موجودة في الكثير من البلدان الديمقراطية.
ثالثا السياق السياسي والاجتماعي العام الذي يعيشه المغرب خلال السنوات الأخيرة، والذي يحمل في أحشائه الكثير من بوادر الاحتقان. قد يكون من قبيل المجازفة القول إن المغرب يعرف أزمة سياسية، مع ذلك فإن بوادر الاحتقان الاجتماعي لا تخطئها العين. وليس هناك ما قد يمنع أن يتخذ هذا الاحتقان في المستقبل أبعادا سياسية عميقة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأحداث تتقارب من حيث زمن وقوعها، ومن حيث طبيعة أهدافها المعلنة، والمتمثلة في استنكار ورفض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها شرائح مهمة من المجتمع المغربي، كما تتقارب من حيث الأسلوب الذي مورست من خلاله، إذ تجاوزت تلك الاحتجاجات طابعها المعتاد، لتتخذ شكلا فريدا وغير مألوف في السياق المغربي، خصوصا عندما نتحدث عن حركة مقاطعة منتجات بعض الشركات الكبرى المغربية والأجنبية، والنجاح غير المسبوق الذي حققته.
رابعا انتخابات رئاسة الغرفة الثانية للبرلمان، وما طرحته من رهانات ديمقراطية وأخلاقية بالنسبة للطبقة السياسية، وعلى وجه التحديد للمكونات السياسية والاجتماعية (المنظمات النقابية واتحاد المقاولات) لهذه المؤسسة. فرغم أن الأهمية السياسية والمؤسساتية لمجلس المستشارين تراجعت في ظل دستور 2011، مع تقليص عدد أعضائه وتجريده من بعض الأدوات الرقابية التي كان يتوفر عليها في ظل الدستور السابق، مع إعطاء الأولية لمجلس النواب في التداول في كل مشاريع القوانين التنظيمية ومعظم مشاريع القوانين العادية (باستثناء تلك التي تتعلق بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية)، وكذا إعطائه الكلمة النهائية في اعتماد مشاريع ومقترحات القوانين، فإن ذلك لم يؤد إلى جعله بدون رهانات.
هذه المؤسسة جرت العادة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي أن تكون رئاستها من نصيب المعارضة البرلمانية باستثناء فترات قصيرة جدا آلت رئاستها إلى الأغلبية البرلمانية لذلك كان السؤال المطروح هذه المرة يتعلق بما إذا كانت ستؤول من جديد إلى المعارضة.
كما أنها مؤسسة يوجد على رأسها قيادي في حزب بطابع "خاص"، ولازال إلى اليوم تطارده تهمة "حزب الدولة"، بل إنه يخوض هذه المرة سباق إعادة انتخابه على رأسها من موقع الأمين العام للحزب، وليس مجرد عضو بقيادته؛ وبالتالي كان السؤال الذي طرح يتعلق بما إذا كان سيستطيع أن يستمر في الموقع نفسه في ظل المنافسة التي واجهها من طرف مرشح الحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية.
وهي أيضا مؤسسة كانت أول انتخابات لرئيسها في ظل دستور 2011 قد عرفت منافسة حادة بين مرشحين يحسبان على المعارضة، ولم يتمكن أحدهما من الظفر بهذا المنصب إلا بفارق ضئيل جدا (صوت واحد)؛ وبالتالي كان التساؤل الذي يتردد حول ما إذا كانت حدة هذه المنافسة ستتكرر، لاسيما أن التنافس سيتم هذه المرة بين مرشحين ينتمين إلى الحزبين اللذين ظلا يخوضان منذ سنة 2008 صراعا سياسيا مباشرا، وطاحنا أحيانا (حزب العدالة والتنمية وحزب الأًصالة والمعاصرة).
هذه العناصر الأربعة، بقدر ما تجعل المؤسسة البرلمانية أمام عدد من التحديات التشريعية والتنظيمية والسياسية والاجتماعية، والديمقراطية أيضا، بقدر ما تطرح التساؤل حول مدى قدرتها على أن تكون في مستوى تلك التحديات. نطرح هذا التساؤل ونحن نستحضر أن عمل المؤسسة البرلمانية يظل مطوقا بعدد من الإكراهات، يمكن تحديدها في ما يلي:
أولا الإطار الدستوري المحدد لمكانة البرلمان في النظام الدستوري المغربي والمبين لاختصاصاته وصلاحياته؛ فهو وإن كان قد تحسن بشكل كبير مقارنة مع ما كان مكرسا في ظل الدساتير السابقة، خاصة من ناحية إعادة ترتيب علاقات واختصاصات مجلس النواب المنتخب بكيفية مباشرة ومجلس المستشارين المنتخب بكيفية غير مباشرة، وتعزيز الأدوات الرقابية التي يملكها البرلمان ككل في علاقته بالجهاز التنفيذي، إما من خلال إحداث أدوات جديدة (الجلسات الشهرية، الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية) أو من خلال تقليص النصاب القانوني المطلوب في بعض الأدوات الرقابية الموجودة (ملتمس الرقابة، لجان تقصي الحقائق)، فإن تفوق المؤسسة التنفيذية على المؤسسة البرلمانية، وتحكمها إلى حد بعيد في أعمالها، لازال يفرض نفسه بقوة.
ثانيا الواقع السياسي المعقد الذي تشتغل في إطاره المؤسسة البرلمانية، حيث الحياة السياسية تدور حول الملكية، التي تتجه شيئا فشيئا نحو إعادة إحياء "الملكية التنفيذية" بعد أن كان الاعتقاد السائد أن الربيع والعربي، ودستور 2011، قد جعلا هذا التوصيف متجاوزا. وحيث باقي الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على درجة كبيرة من الهشاشة، ومن الاستسلام وضعف الخيال السياسي والنجاعة السياسية. وحيث الأغلبية الحكومية والمعارضة البرلمانية مفاهيم تختلط في كثير من الأحيان ويصعب التمييز بينها، كما يصعب تحديد من يعارض من؟ ومن يؤيد من؟ والأمثلة كثيرة في هذا الباب، لكن تكفي الإشارة هنا إلى الطريقة التي تمت بها انتخابات رئيس مجلس المستشارين خلال السنة التشريعية الجارية، التي سبقت الإشارة إليها، وكيف وجدت المعارضة نفسها غير قادرة على الاتفاق على مرشح مشترك، وكيف سقطت الأغلبية هي الأخرى في نفس "الشرك". والنتيجة كانت تصويت الجزء الأكبر من الأغلبية على مرشح المعارضة، وتصويت جزء من المعارضة على مرشح الحزب السياسي الذي يقود الأغلبية؛ بل وكيف أدى تقديم حزب سياسي من الأغلبية الحكومية لمرشح عنه ضد مرشح المعارضة بالأغلبية الحكومية إلى مهاجمته واتهامه بانتهاك "ميثاق الأغلبية".
ثالثا الظروف التي تكون فيها البرلمان القائم، وجاءت في ظلها الحكومة التي يفترض أنها منبثقة عنه، وعنوانها الرئيسي إعادة ترتيب الحياة السياسية لكي تجعل حزب العدالة والتنمية يستمر في قيادة الأغلبية الحكومية، لكن وفق "دفتر تحملات سياسية" كان أحد بنوده الأكثر وضوحا إبعاد أمينه العام السابق من رئاسة الحكومة بعد أزيد من سبعة أشهر من "البلوكاج السياسي"، وتمكين حزب التجمع الوطني للأحرار الرابع في ترتيب نتائج الانتخابات النيابية لسنة 2016 من حقائب وزارية تجعل منه فاعلا رئيسيا في عمل الحكومة، هذا إن لم نقل إنه المتحكم، من الناحية العملية، في دواليب اشتغالها.
رابعا الطابع الائتلافي للحكومة، وتكونها من أحزاب سياسية متعددة (ستة أحزاب سياسية)، فضلا عما يعرف بالوزراء التكنوقراط أو وزراء السيادة، وهناك من يفضل أن يطلق عليه "حزب التكنوقراط"، والتأثير الذي يمارسه ذلك على مستوى الانسجام الحكومي، حيث يجعل الجهاز التنفيذي يعيش بين الفينة والأخرى بعض الصدامات بين مكوناته، بكل ما يخلفه ذلك من انعكاسات سلبية على المؤسسة البرلمانية وعلى الأغلبية داخلها، خصوصا عندما يجعل بعض مشاكل الحكومة تصرف على مستوى امتدادها البرلماني، ويضع عمل البرلمان رهينة لحسابات "الفاعلين الحكوميين".
خامسا الإكراهات التقليدية التي تواجه البرلمان بكيفية تكاد تكون دائمة، وتشكل بالتالي جزء من حياة المؤسسة التشريعية، كما هو الأمر بالنسبة لتصرف الأغلبية البرلمانية في كثير من الأحيان ككيان تابع لما يصدر عن الحكومة وما يتقرر في إطارها، بالشكل الذي يحول المؤسسة المذكورة إلى ما يشبه غرفة تسجيل لما يصدر عن الأغلبية الحكومية وما يتقرر في مداولاتها. فضلا عن بعض السلوكيات التي لا تزال تميز عمل الكثير من مكونات البرلمان، كظاهرة التغيب عن جلسات اللجان والجلسات العامة، وخاصة الجلسات التشريعية، والتصويت أحيانا على مشاريع ومقترحات قوانين بعدد ضعيف جدا من الأصوات، وما يؤديه ذلك إلى تسويق صورة سلبية عن المؤسسة التشريعية لدى الرأي العام، وبالتالي تعميق الهوة بينهما.
سادسا ضعف وهشاشة المعارضة البرلمانية، وصعوبة تحديد مكوناتها في ظل التشتت الكبير الذي تعاني منه، وفي ظل المواقف المتذبذبة وغير الواضحة لبعض مكوناتها حول تموقعها السياسي الفعلي. لذلك، فالمعارضة البرلمانية لم تفقد فقط قدرتها على المبادرة التشريعية، بل إن الدور المنبري الذي كثيرا ما كانت المعارضة البرلمانية في مرحلة ما قبل "التناوب التوافقي" تعوض به الصعوبات التي تواجهها في تمرير مقترحات قوانين أو تعديلات على مشاريع قوانين تراجع هو الآخر بشكل كبير، ولم يعد صوت البرلمان، أو بالأحرى معارضته، مسموعا بقوة.
سابعا الطابع الخاص لدورة البرلمان الخريفية، التي تعرف بأنها دورة القانون المالي، وما قد يكون لذلك من تأثير على أجندة البرلمان التشريعية، وعلى مشاريع القوانين المعروضة خلال هذه الدورة. فالقانون المالي يشغل حيزا زمنيا كبيرا من اهتمامات المؤسسة ومناقشة أعضائها، كما قلنا، ما قد يكون على حساب النقاش الجدي الذي تحتاجه مشاريع القوانين المهمة المعروضة على أنظار البرلمان خلال هذه الدورة. لذلك فإن عرض مشاريع بهذه الأهمية أثناء الدورة الخريفية، وربما الحرص على تمريرها خلالها، قد يكون أثره سلبيا على تلك القوانين، وعلى الأداء التشريعي للبرلمان ككل، وقد يعطي الانطباع بأن تمرير تلك القوانين هو غاية في حد ذاته، ولا يهم ما إذا كانت ستأخذ حقها من النقاش والتمحيص بالشكل الذي يجعلها في مستوى التحديات والأهداف التي فرضت إخراجها إلى حيز الوجود.
نحن، إذن، أمام دخول برلماني يضع المؤسسة البرلمانية في قلب عدة تحديات، لكن النظر إلى عملها انطلاقا من إطارها الدستوري والسياسي والهيكلي، وأيضا الظروف السياسية والانتخابية، التي أنتجتها وأنتجت الحكومة التي تعد امتدادا للأغلبية بها، يثير التساؤل حول مدى قدرتها على أن تتغلب على ذاتها وعلى واقعها. المؤشرات الموجودة إلى حدود بداية السنة التشريعية الثالثة من هذه الولاية لا تبدو أنها تسير في هذا الاتجاه، ومع ذلك يجب انتظار نهاية السنة التشريعية أو لربما نهاية الولاية التشريعية ككل لكي تكتمل الصورة، ويصبح للتقييم معنى.
*أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.