بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السنة التشريعية.. هكذا تسيء الحسابات السياسية إلى دور البرلمان
الأغلبية والمعارضة تواجهان تحدي تدبير خلافاتهما في سنة تشريعية ساخنة
نشر في المساء يوم 13 - 10 - 2014

تبدو السنة التشريعية الرابعة، التي افتتحت يوم الجمعة الماضي بخطاب ملكي، وجه سهام النقد إلى نواب الأمة والفاعلين السياسيين، ساخنة بين أغلبية حكومة عبد الإله بنكيران ومعارضيهم، بالنظر إلى طبيعة الملفات والمواضيع التي ستناقش تحت قبة البرلمان، سواء من حيث التشريع أو الرقابة، في سنة انتخابية بامتياز تزيد من سخونة الأجواء السياسية.
ولئن كان العنوان الرئيس لعلاقة الأغلبية بالمعارضة، على امتداد السنوات الثلاث من عمر الولاية التشريعية الحالية، هو التوتر والتجاذبات وتبادل الاتهامات والسب والقذف، فإن الأجواء التي سبقت افتتاح دورة أكتوبر الحالية تشير إلى أن المشهد البرلماني المغربي مقبل على المزيد من الصراع وشد الحبل وتسجيل النقاط عوض الجنوح إلى التعاون والتوافق، من أجل تنزيل مقتضيات دستور وصف بالتوافقي.
وبدا لافتا في هذا الصدد، استباق الأغلبية لانطلاق الدورة الخريفية لتفتح النار على فرق المعارضة متهمة إياها بتعطيل العمل التشريعي وتبخيسه للتأثير على وتيرة اشتغال المؤسسة البرلمانية، من خلال طلبات التأجيل المتكررة التي تتقدم بها لدى اللجان النيابية ما بين الدورتين التي تتسبب في تراكم النصوص قيد الدراسة والتصويت والقضايا المطروحة للمناقشة. اتهامات فرق الأغلبية للمعارضة، في بلاغ لها عقب عقد اجتماع عقده رؤساؤها، بالتأثير السلبي على الأداء التشريعي، تقابل بكيل معارضي أغلبية بنكيران لسيل من التهم من أبرزها السعي إلى الهيمنة على التشريع واحتكار مشاريع القوانين، بل والحرص على تغييب دور فرق المعارضة، إذ تجري معاملتها كخصم سياسي وجب إقصاؤه عن أي عملية برلمانية.
وإذا كانت الاتهامات المتبادلة بين الأغلبية والمعارضة منذ انطلاق الولاية التشريعية تكشف في جانب منها عن ضعف التقاليد السياسية لدى الطرفين على مستوى تدبير خلافاتهما وتغليب المصالح الحزبية على مصلحة الوطن، فإن التحدي الذي يواجههما هو إيجاد أفق للتعاون لحل عدد من الملفات بالغة الحساسية، والتسريع بإخراج نصوص تشريعية لاستكمال تنزيل دستور المملكة الجديد، إذ يعتبر الدخول البرلماني الحالي حاسما في الولاية التشريعية التاسعة في مغرب ما بعد الربيع العربي، من ناحية أجندتها التشريعية التي سيكون على رأسها مناقشة القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية صيف 2015 على المستوى الجماعي والجهوي والمهني، فضلا عن قوانين بالغة الأهمية في مسار استكمال تنزيل مقتضيات دستور 2011، من أبرزها تلك المتعلقة بإصلاح العدالة ونظامي التقاعد والمقاصة. وبرأي الكثير من المراقبين، فإن الأغلبية كما المعارضة ستجد نفسها خلال السنة التشريعية الرابعة أمام تحدي تجاوز واقع التجاذبات وتصفية الحسابات السياسية وشد الحبل وتبادل الاتهامات والسب والقذف، وما طبع العمل التشريعي من بطء وتعثر، إذ بات مطلوبا منها التوصل إلى التوافق بينها من أجل استكمال الأجندة التشريعية وتسريع وتيرة العمل التشريعي، دون نسيان توفير الأجواء الملائمة للاشتغال وتدبير الزمن التشريعي تدبيرا أمثل بعيدا عن كل استغلال سياسي.
ويبقى دور المعارضة، التي منحها الفصل 10 من الدستور ضمانات تكفل لها مكانة تخولها حقوقا لتمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية، أساسيا في الدفع بعجلة التشريع، إذ أن دورها لا يتعين أن ينحصر فقط في الاعتراض على القرارات التي تتقدم بها الحكومة وأغلبيتها، وإنما كذلك في تقديم مقترحات بديلة كفيلة بتحقيق الأهداف الدستورية المنوطة بالأغلبية والمعارضة. في حين يقع على عاتق الحكومة وأغلبيتها واجب القطع مع منطق معاملة المعارضة كخصم سياسي
البرلمان وربح رهان مراقبة العمل الحكومي
وهبي: أخشى أن يتحول ممثل الأمة إلى ممثل للدائرة
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13988","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
خديجة عليموسى
وضع دستور 2011 وكذا النظامان الداخليان لمجلس النواب ومجلس المستشارين عدة آليات لمراقبة البرلمان للحكومة، ومنها الأسئلة الشفوية والكتابية ولجان تقصي الحقائق، غير أن ممارسة السلطة التشريعية لمهامها على مستوى الواقع يشوبها عدد من الانحرافات، وهو ما يجعلنا نتساءل إلى أي حد سيلتزم نواب الأمة خلال السنة التشريعية الجديدة بالقوانين المؤطرة لعملهم؟ وإلى أي مدى سيربح البرلمان رهان عمله الرقابي خلال السنة التشريعية الجديدة؟ وهل يمارس البرلمان بغرفتيه أدواره كما يجب أم هناك انحرافات تتخلل الممارسة؟
مما لاشك فيه أن السنة التشريعية الجديدة التي يتم افتتاحها خلال دورة أكتوبر ستعرف نشاطا تشريعيا مكثفا، بسبب مناقشة عدد من النصوص التي ستعرض على البرلمان ومنها مشروع قانون المالية لسنة 2015 وكذا عدد من النصوص القانونية، أبرزها تلك المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية، وهو ما سيجعل هذه السنة «سنة تشريع بامتياز»، وفي هذا الصدد يؤكد رشيد روكبان، رئيس فريق التقدم الديمقراطي، أنه خلال هذه الدورة سيكون للتشريع أولوية أكثر بالبرلمان إلى جانب العمل على مستوى الرقابة والدبلوماسية.
منح الأولوية للتشريع خلال هذه الدورة يستلزم «بذل مجهود أكبر وتفادي كل ما قد يتسبب في عرقلة العمل وهدر الزمن والتأخر غير المبرر، لأنه لا يعقل أن تظل نصوص تشريعية داخل الرفوف لشهور وسنوات؟ في وقت أن النظام الداخلي لمجلس النواب يعطي أجل شهرين فقط، يقول روكبان، الذي يشدد على أن الرفع من وتيرة التشريع وتدبير زمنه لا يعني «التسرع»، بل العمل على المصادقة على مشاريع القوانين عبر تحقيق الجودة المطلوبة.
وإذا كان التشريع سيستأثر بعمل نواب الأمة، فهذا لا يعني أنهم سيتخلون عن أدوارهم الأخرى، بل «سيستمرون في القيام بأدوارهم الرقابية على مستوى تفعيل كل آلياتها من خلال جلسة الأسئلة الشفوية والأسئلة الكتابية وعلى مستوى اللجان النيابية، يقول رئيس فريق التقدم الديمقراطي ل»المساء».
وبدوره يرى عبد اللطيف وهبي، عضو فريق الأصالة والمعاصرة وعضو مكتب مجلس النواب والنائب الرابع لرئيس مجلس النواب، أن البرلمان خلال السنة التشريعية الحالية سيعرف عملا مكثفا على مستوى التشريع والذي من خلاله يمكن ممارسة الرقابة عبر طرح عدد من القضايا الواقعة، وإذا كان البرلمان شهد خلال السنوات الماضية نوعا من «الانحدار» في ما يتعلق بالرقابة، إذ يتم طرح عدد من القضايا المحدودة على حساب القضايا العامة، يقول وهبي في تصريح ل»المساء»، فإن اقتراب فترة الانتخابات حتما ستؤدي إلى انحراف في عمل النواب البرلمانيين، الذين سيسعون لتسجيل بعض المواقف من أجل عرقلة دور المعارضة، و من أجل البحث عن مكاسب ظرفية تتعلق بالانتخابات.
مظاهر الانحراف في العمل الرقابي يربطه وهبي بظرفية الانتخابات والتي يخشى أن يتحول فيها «ممثل الأمة إلى ممثل الدائرة» ويتحول البرلمان إلى مكان تدار فيه حملة انتخابية سابقة لأوانها، عبر تجزيء عدد من القضايا وتحويلها إلى قضايا ذات أهداف انتخابية ليتم «قتل» الرقابة، يقول عضو فريق الأصالة والمعاصرة، الذي يعتبر أن الذي يقوم بذلك يعرقل عمل المعارضة التي يعتبر دورها هو الرقابة، في حين أن الأغلبية لا يمكنها القيام بذلك، لأنه يعتبرها جزءا من الحكومة ولا يمكن لها أن تراقب رؤساءها. رأي وهبي انتقده روكبان، الذي اعتبر أن الدستور لا يحصر الحقوق الرقابية للمعارضة فقط، بل حدد اختصاصات السلطة التشريعية للبرلمان في المهام التشريعية والرقابة والأنشطة الدبلوماسية التي تخدم القضية الوطنية، مؤكدا أن الرقابة هي دور البرلمان بغرفتيه وبجميع مكوناته، سواء أغلبية أو معارضة، وأن مساندة الأغلبية للحكومة لا يعني التخلي عن دورها الرقابي.
واعتبر رئيس فريق التقدم الديمقراطي أنه منذ بداية هذه الولاية فإن فريقه أعلن عن أنه سيدعم الحكومة ويشجعها على كل الإجراءات والقرارات التي يراها إيجابية، كما سينبهها إلى كل النقائص ومكامن الخلل أينما وجدت، وسيتقدم بمقترحات وحلول من أجل تجاوزها.
ويعتبر روكبان أن تحويل البرلمان إلى مجال تطرح فيه القضايا ذات البعد المحلي هي من الأمور التي يجب أن تعالج، وهي تحد للجميع من أجل استحضار الطابع العام للملفات على مستوى الرقابة.
وإذا كان الدستور قد أفرد مواد للمعارضة البرلمانية وتحدث عن كونها مكونا أساسيا في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، وضمن لها مكانة «تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية»، غير أنه تحدث عن دور البرلمان كسلطة تشريعية في التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العامة، وذلك وفق الفصل 70 منه، وبهذا وضع دستور 2011
الأسس التي ينبني عليها عمل البرلمان بغرفتيه.
لكن بعيدا عن النصوص، فإن المتتبع للشأن البرلماني يلحظ أنه كلما اقترب موعد الانتخابات إلا ويتخلى عدد من البرلمانيين، أغلبية ومعارضة، عن دورهم الرقابي ويستغلون جلسة الأسئلة الشفوية، من أجل الحديث عن قضايا محلية تهم الدوائر التي تم انتخابهم بها، وذلك من أجل استمالة المشاهدين واستقطاب عدد أكبر من الأصوات.
استهلكت الحكومة جزءا كبيرا من الزمن التشريعي بشكل قد يجعلها غير قادرة على الحسم في عدة ملفات قبل نهاية ولايتها، حسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور احزرير عبد المالك، الذي أرجع ذلك إلى حدة الصراعات السياسية. احزرير نبه أيضا إلى أن كل الفرقاء تحولوا إلى قطب محافظ، خاصة بعد الجمل الشهيرة لحكومة ومعارضة جلالة الملك، التي وردت على لسان لشكر ونبيل بنعبد الله. وعلاقة بضعف الأداء التشريعي، قال احزرير إن نواب الأمة، و في غالب الأحيان، كلما عرضت مشاريع قوانين تتطلب الكفاءة والمعرفة المعمقة إلا وجدوا الحل السهل في الغياب عن الجلسات لتفادي الحرج.
- ما هي الرهانات المطروحة على الدخول البرلماني الجديد، الذي يتزامن مع سياق سياسي غير عادي ووضع اجتماعي محتقن، في ظل استمرار ظاهرة الغياب وضعف الإنتاج التشريعي؟
ظاهرة الغياب وضعف الإنتاج التشريعي يمكن أن نعتبرها ظاهريا استخفافا بإرادة الناخبين وبالوظيفة التشريعية التي تناط بنواب الأمة، ولكن المسألة أعمق من ذلك فالظاهرة مرتبطة،
أولا: بعقلنة البرلمان منذ أكثر من نصف قرن، حيث لا يتدخل البرلمان إلا في ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، فمنذ أن تأسست الجمهورية الخامسة في فرنسا استحوذت الحكومة على النشاط العمومي وعلى العمل التشريعي، ومن ثم بدأ أفول البرلمان إلى درجة تساءل معها أحد «فقهاء» القانون الدستوري الفرنسيين عن جدوى هذه المؤسسة، ولذا لم يعد عموم الناس يهتمون بنشاط البرلمان بل يكتفون بمتابعة مغامرات وفضائح البرلمانيين عبر الصحف الوطنية والدولية.
ثانيا: تعقدت مشاكل المجتمعات بشكل كبير، وأخذت بعدا تقنيا على حساب السياسي ويجب أن نعترف بسيطرة التقنوقراط على عدة مجالات، وهذه العقلنة أتعبت رجل السياسة الذي يحتاج إلى المعرفة العلمية. ولذا نجد في غالب الأحيان أن نواب الأمة كلما عرضت عليهم مشاريع قوانين تتطلب الكفاءة والمعرفة المعمقة إلا وجدوا الحل السهل في الغياب عن الجلسات لتفادي الحرج.
ثالثا: إن الديمقراطية التمثيلية في أزمة كبيرة ليس فحسب لأن المغاربة لم يلمسوا التغيير الذي ينشدونه، بل لأن الأزمة هي ذات بعد عالمي. ومن آثارها العزوف عن السياسة التي أصبحت مجالا لاحتكار مهنة الوزير أو البرلماني. ولذا فإن الديمقراطيات المعاصرة تبحث لها عن روح وأسس جديدة.
- هناك أطراف حكومية تعتبر أن مهمة تسريع تنزيل القوانين التنظيمية هي مسؤولية الحكومة والمعارضة، وهو تلميح ينطوي على اتهام صريح لهذه الأخيرة بمحاولة عرقلة هذه العملية وإرباكها لاحتسابها ضمن إخفاقات الحكومة، ما هي حدود مسؤولية المعارضة في هذا الصدد؟
كل الأطراف تطالب بتسريع تنزيل القوانين التنظيمية، ولكن من المسؤول عن هذا التأخير إنهم الفرقاء وليس الشركاء. كما يقتضي دستور 2011 أن يكونوا.
فبعد أن تشكلت حكومة بنكيران ونالت ثقة الملك والبرلمان، كل المهتمين أجمعوا على أن الفترة الأولى من عمر الحكومة تهدف إلى تعزيز مصداقية المؤسسات وتقوية المجتمع المدني ليس فحسب كسلطة مضادة، بل كقوة اقتراحية مع تثبيت الخيار الديمقراطي، فالأغلبية والمعارضة والمجتمع المدني أصبحوا شركاء وليسوا فرقاء مرتبطين بالحسابات السياسوية والحزبية، كما ورد في خطاب الملك عند افتتاح دورة أكتوبر 2014. فزيادة على بلورة القوانين التنظيمية هناك عدة انتظارات تتطلب حلولا مستعجلة. ولكن للأسف جاء هذا التأخير نتيجة عدة عوامل سيكولوجية وسياسية ومسطرية. فمثلا نلاحظ أن رئيس الحكومة لا يرغب بطريقة أو بأخرى في الاصطدام أو المواجهة أو إظهار موقف المتسلط في ما يتعلق باختصاصاته الدستورية، ولذلك لا نستغرب إذا لم يحاول مقاومة التماسيح والعفاريت.
إن هناك عدة قطاعات غير سيادية لا يتحكم فيها رئيس الحكومة، فالمخطط الأخضر مثلا لم يدرج في الأجندة الحكومية، بل ارتبط منذ البداية بمرجعية مكاتب الدراسات وبالخبرة، فالمقاربة التقنية تعالت على التوافقات السياسية في عدد من الملفات والأوراش.
ومع دخول الموسم السياسي الجديد ازدادت حدة الانتقادات الموجهة إلى رئيس الحكومة باتهامه بتجميد دستور 2011 مع الإبقاء على مفهوم الملكية التنفيذية لأن له اختصاصات لا يمارسها، كما لا ننسى أن المعارضة وضعت مسافة بينها وبين هذا الملف الحارق لأنها لا ترغب في مواجهة الحكم تماما مثل بنكيران. إذن لا أحد يرغب في إفساد التوافق. فبنعبد الله يقول إننا حكومة صاحب الجلالة، ولشكر يقول إننا معارضة صاحب الجلالة. فالكل يراهن على كسب الثقة. وكل الفرقاء تحولوا إلى قطب محافظ. فالكل يتنافس لكسب ثقة الدولة، ويخيل إليهم، على ما يبدو، أن الدولة عدوة للمنهجية الديمقراطية.
مشكلتنا إذن ليست في فتح الأوراش وبلورة الإستراتيجيات، بل في تأخر طبقتنا السياسية. ولا نستغرب إذا لم يتم بعد تنزيل الدستور ولا نستغرب كذلك إذا كان الكل يشتغل بروح 1972 أو بروح دستور 1996.
- هل الحكومة قادرة على حسم رهان الوقت؟، ثم ألا ترى أن التركيز على هذا التحدي قد يجرها إلى فتح جبهة صراعات سياسية جانبية على حساب عدد من الملفات المرتبطة بالتدبير الحكومي؟
لا أعتقد أن الحكومة قادرة على الحسم في عدة ملفات، نظرا لحدة الصراعات السياسية، وسيكون ذلك بالفعل على حساب الملفات المرتبطة بتدبير الحكم. كما قلت في السابق أن كل الفرقاء – حكومة وبرلمان- ينظرون بمنظار سياسوي لأن هم المقاعد والفوز العددي في الاستحقاقات المقبلة جعل نخبنا تنسى الرهانات الكبرى للبلاد.
- تبقى القوانين الانتخابية هاجسا بالنسبة للحكومة والأغلبية التي لم تتردد بعض أطرافها في التأكيد على أنها سترد بقوة على ما وصفتها بالحملات الجاهزة والمشككة بخصوص العمليات الانتخابية المقبلة، كيف تتوقع التعاطي مع هذا الملف؟
نلاحظ أن كل الفرقاء ينظرون بحساسية إلى هذا الموضوع والكل في حيرة. هل نترك لرئيس الحكومة الاشتغال على الملف الانتخابي من ألفه إلى يائه، أم نتجاهل المنهجية الديمقراطية ونترك لوزارة الداخلية الصلاحية المطلقة في الصياغة والتقطيع والسهر على الانتخابات، كما جرت العادة في التجارب السابقة. أعتقد أن هذا نقاش سطحي وشكلي لا يمس جوهر السياسة، وهذه السطحية هي التي كانت وراء كل الكوارث التي عرفها التدبير الجماعي.
والأكيد أن المشاورات حول القوانين التنظيمية للانتخابات لن تكون هينة بالنسبة للدولة والأحزاب، فبالنسبة لرئيس الحكومة ولحزب العدالة والتنمية فهما مع إجراء الاستحقاقات الانتخابية تحت رئاسة الحكومة ما دام أن وزير الداخلية وزير تابع للأغلبية الحكومية ويشتغل في حكومة بنكيران. ولذا يجب تأكيد القطيعة مع فكرة وزارة الداخلية أم الوزارات، والقطيعة مع اعتبار وزارة الداخلية وزارة سيادة، هذه الفكرة فارغة من كل أساس دستوري.
ويمكن معرفة الأسباب وهي متعددة لكن أهمها تخوف الجميع من إعادة إنتاج سياسة التحكم وخدمة مآرب حزب معين، وإعادة إنتاج سيناريو انتخابات سنة 2009 التي تبوأ فيها حزب البام الصدارة.
أما بالنسبة لحزب شباط وحزب لشكر فيعارضان إجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تحت رعاية رئيس الحكومة، لأن لهما نفس التبرير وهو إمكانية التحكم في الخريطة الانتخابية، ولذلك سيتشبثان بإجراء الانتخابات تحت وصاية وزارة الداخلية.
- أثار الإعلان عن التقسيم الجهوي الجديد سلسلة من الانتقادات التي اختلط فيها الحقوقي بالسياسي والهوياتي، ألا ترى أن التعاطي مع هذا الملف يجب أن يتسم بالحذر لتفادي أعراض جانبية غير مرغوب فيها، وقد توظف بشكل سيء؟
أشار الملك في خطاب 10 أكتوبر أمام البرلمان إلى الجهوية المتقدمة وطالب الحكومة والبرلمان بجعل هذا الملف من الأولويات، نظرا لأبعاده المتعددة.
أولا، وضع الحكم الذاتي في إطار التقسيم الجهوي على السكة، لنقطع الطريق على خصوم الوحدة الترابية.
ثانيا، كل الجهات في حاجة ماسة إلى إقلاع تنموي على أساس الحكامة وسياسة القرب، لأن المنهجية التشاركية لا يمكن أن تنطلق من المركز، بل من السكان أنفسهم، ومرجعية ترمي إلى احترام خصوصيات كل منطقة والحفاظ على مواردها وطاقاتها، ولكن تبين لي أنه منذ أن انتهت اللجنة الملكية من أشغالها التي ترأسها عمر عزيمان، بدأت الانتقادات تأتي من كل اتجاه. أعتقد أن اللجنة قامت بعملها، وهنا يجب التفاعل مع هذا المشروع من حيث دلالاته وأبعاده الإستراتيجية، عوض أن نبقى حبيسي تبادل التهم والانتقادات اللاذعة بين الأغلبية والمعارضة حول الهندسة الجهوية المقترحة. هذه مسودة وليست مشروعا ومن غير المقبول أن يخضع التقطيع الجهوي إلى خيارات أعيان الانتخابات، فكل واحد يحاول أن يفصل هذا التقطيع على مقاسه للحفاظ على مقعده في الجهة والبرلمان.
مفيد: ولاية البرلمان في مراحلها النهائية والغياب سيؤثر على جودة القوانين
الزمن التشريعي..«سيف»مسلط على عنق الحكومة والبرلمان
المهدي السجاري
على إيقاع التجاذبات السياسية بين المعارضة والحكومة مدعومة بأغلبيتها البرلمانية، تنطلق الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة، بملفات ثقيلة، على رأسها مشاريع قوانين الانتخابات، ومشروع قانون المالية الذي ينتظر أن يأخذ من الزمن التشريعي حيزا مهما.
بطء العملية التشريعية يبقى أكبر هاجس لدى الحكومة والبرلمان على حد سواء، خاصة أمام عدد وقيمة النصوص القانونية التي تنتظر المناقشة والتعديل والتصويت داخل المؤسسة التشريعية، مع ما سيتفجر خلال هذه المسطرة من نقاشات قد تؤخر مسار المصادقة، خاصة في ظل المواقف المتباينة بين المعارضة والأغلبية بشأن عدد من النصوص.
فعلى مستوى الأغلبية، توجه عدد من الأصوات الاتهامات ل»معسكر المعارضة» بعرقلة مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة، وهو الأمر الذي بدا واضحا في اتهام رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لرئيس مجلس المستشارين بمحاولة تأخير صدور قانون البنوك التشاركية، بعدما أقدم الأخير على إحالة النص على المجلس الاقتصادي لإبداء الرأي بشأنه.
لكن المعارضة بدورها لها انتقادات للعمل الحكومي، وتعاطي فريق عبد الإله بنكيران مع ملف التشريع. فالمعارضة تتهم الحكومة بعرقلة حقها في التشريع، ومحاصرة مقترحات القوانين التي تتقدم بها، حتى تتمكن الحكومة من الاستفراد بالملف التشريعي.
هذه المواقف أثرت سلبا على العملية التشريعية، وأدت في عدد من المحطات إلى بطء وتأجيل المصادقة على بعض القوانين، فضلا عن حالة «البلوكاج» التي شهدتها الحكومة بعد خروج حزب الاستقلال من الأغلبية.
أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق فاس، أوضح في تصريح ل»المساء» أن «هذه الدورة البرلمانية لها طابع خاص، لاعتبارات منها أن الزمن التشريعي ضيق جدا، وولاية البرلمان في مراحلها شبه النهائية». أما الاعتبار الثاني، يوضح المتحدث ذاته، فيرتبط بكونها دورة ذات طبيعة تأسيسية، حيث ستتم مناقشة مجموعة من مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور.
وهكذا ستتم مناقشة كل ما له علاقة بالسلطة القضائية، خصوصا مشروع القانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث تعد هذه المشاريع أساس عملية إصلاح المنظومة القضائية.
وسيناقش البرلمان مشاريع القوانين المرتبطة بالهندسة الترابية الجديدة للمملكة، المتمثلة في مشروع القانون التنظيمي للجهة، ومشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية، ومشروع القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم، وهي القوانين التي تهدف إلى إعادة النظر في تكوين مجالس الجماعات واختصاصاتها وتمويلها وعلاقتها بالسلطة المركزية.
وسجل مفيد أن «هذه المشاريع لها أهمية كبرى، والنقاش لابد أن يكون عميقا بشأنها، حتى نستطيع أن نصل إلى مستوى ما طرحه المشرع الدستوري في وثيقة 2011، حيث جاء بمقتضيات جد متقدمة».
وأشار إلى أن من بين الأمور المطروحة على هذه الدورة هو ملف إصلاح المالية العمومية، على اعتبار أن القانون التنظيمي للمالية الموجود حاليا أصبح متجاوزا، بحكم تقادمه وصدور دستور جديد، والتغيرات التي عرفتها المنظومة المالية وطنيا ودوليا، حيث ستعرف هذه الدورة المصادقة على مشروع القانون التنظيمي الجديد.
وخلص الخبير السياسي إلى وجود ضغط زمني على المشرع، على اعتبار أنه ملزم بإصدار مشروع القانون التنظيمي للمالية قبل عرض مشروع قانون المالية لسنة 2015 على البرلمان، على اعتبار أن الأخير يقدم وفقا لمقتضيات القانون التنظيمي الجديد، ليأخذ بعين الاعتبار الهندسة الترابية الجديدة والمقاربات الجديدة لإعداد قانون المالية.
وأكد المتحدث ذاته أن هناك مشاريع مهمة وملفات ذات طبيعة اجتماعية، خصوصا ملف التقاعد وملف صندوق المقاصة، التي ستتطلب نقاشات عميقة، ولا يمكن تمريرها في وقت وجيز.
هذه المعطيات، يقول مفيد، «تفرض على الحكومة والأغلبية والمعارضة احترام مقتضيات الوثيقة الدستورية وتحمل المسؤولية، وأن تكون جميع الأطراف في مستوى هذه التحديات بهدف تنزيل الدستور تنزيلا سليما، لأن كل خلل في ذلك ستكون له انعكاسات سلبية على مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب».
لكن إشكالية الجودة تبقى أيضا محط نقاش، خاصة في ظل إشكالية تغيب فئة من البرلمانيين عن أشغال اللجان المكلفة بالمناقشة التفصيلية للنصوص القانونية، بل واضطرار الأمناء العامين للأحزاب إلى الضغط على برلمانييهم لحضور التصويت على بعض المشاريع، خاصة مشروع قانون المالية.
إشكال يرد عليه أستاذ العلوم السياسية بالتأكيد على أن الغياب أو الحضور لا يؤثر في التصويت على المشاريع ومقترحات القوانين، على اعتبار أن التصويت يتم بأغلبية الحاضرين وليس بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، غير أنه يؤثر على جودة النصوص.
وشدد في السياق نفسه على ضرورة الرقي بمستوى الصياغة القانونية للمشاريع والمقترحات، حيث يجب أن تكون هذه الصياغة دقيقة من الناحية القانونية ومستندة على مقتضيات الدستور المغربي وأن تستأنس بمقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وأن تنطلق من الخطب الملكية التي تعتبر مُوجهة لمختلف الفرقاء السياسيين. وسجل في هذا الإطار أنه بالإضافة إلى الإشكال المرتبط بالصياغة وجودة النصوص القانونية، فهناك نقطة أخرى تتعلق بأجل صدور هذه النصوص، وإشكالية العلاقة بين مجلس النواب ومجلس المستشارين، إذ أن مسطرة المصادقة تأخذ وقتا طويلا، وهو ما يؤدي إلى تأخر مجموعة من القوانين، كما وقع خلال مسطرة التصويت على مشروع القانون التنظيمي للمالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.